ج3وج4.كتاب:عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري
حدّثني أبو حاتم عن
الأصمعيّ قال: ضاف بني زيا دٍ العبسيين ضيفٌ، فلم يشعروا إلا وقد احتضن أمهم من
خلفها، فرفع ذلك إلى ربيع بن زياد الكامل فقال: لا يضار الليلة عائذ أمي، إنه عاذ
بحقويها .
بين عمر بن الخطاب
وجرير بن عبد الله المدائني قال: أحدّث رجلٌ في الصلاة خلف عمر بن الخطاب، فلما
سلم عمر قال: أعزم على صاحب الضرطة إلا قام فتوضأ وصلى فلم يقم أحدٌ، فقال جرير بن
عبد الله: يا أمير المؤمنين اعزم على نفسك وعليّنا أن نتوضأ ثم نعيد الصلاة، فأما
نحن فتصير لنا نافلةً، وأما صاحبنا فيقضي صلاته. فقال عمر: رحمك
اللّه، إن كنت لشريفاً في الجاهلية فقيهاً في الإسلام.
عبد الله بن جدعان
التيمي حين كبر، وشعر لقيس الرقيات فيه كان عبد اللّه بن جدعان التيمي حين كبر أخذ
بنو تيم عليه ومنعوه أن يعطي شيئاً من ماله، فكان الرجل إذا أتاه يطلب منه قال:
ادن مني. فإذا دنا منه لطمه ثم قال: اذهب فاطلب بلطمتك أو ترضى، فترضيه بنو تيم من
ماله.
وفيه يقول ابن قيس
الرقيات - حين فخر بسادة قريش - :
والذي إن أشار نحوك
لطماً ... تبع اللطم نائلٌ وعطاء
شعر لابن جدعان وابن
جدعان هو القائل:
إني وإن لم ينل مالي
مدى خلقي ... وهاب ما ملكت كفي من المال
لا أحبس المال إلا ريث
أتلفه ... ولا تغيرني حالٌ عن الحال
لمشايخ طيء عن عنبة
بنت عفيف، وشعر لهم الهيثم عن حماد الراوية عن مشايخ طيء قالوا: كانت عنبة بنت
عفيفٍ أم حاتم لا تليق شيئاً سخاءً وجوداً، فمنعها إخوتها من ذلك فأبت، وكانت
موسرةً فحبسوها في بيتٍ سنةً يطعمونها قوتها رجاء أن تكف، ثم أخرجوها بعد سنةٍ
وظنوا أنها قد أقصرت ودفعوا إليها صرمةً، فأتتها امرأة من هوازن فسألتها فأعطتها
الصرمة وقالت: واللّه لقد مسني من الجوع ما آليت معه ألا أمنع سائلاً شيئاً، وقالت :
لعمري لقدماً عضني
الجوع عضةً ... فأليت آلا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائمي
الآن أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
فماذا عساكم أن
تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
ولا ما ترون الدهر
إلا طبيعةً ... فكيف بتركي يا بن أم الطبائعا
لرجالات طيء في حاتم
ابن الكلبي عن أبيه عن رجالات طيء قالوا: كان حاتم جواداً شاعراً، وكان حيثما نزل
عرف منزله، وكان ظفراً إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب
بالقداح سبق، وإذا أسر أطلق، وكان أقسم بالله: لا يقتل واحد أمه.
لعبيد الله بن زياد
أبو اليقظان قال: أخذ عبيد اللّه بن زياد عروة بن أذينة أخا أبي بلال فقطع يديه
ورجليه وصلبه على باب داره، فقال لأهله: انظروا هؤلاء الموكلين بي فأحسنوا إليهم
فإنهم أضيافكم.
لسعيد بن العاص سفيان
بن عيينة قال: كان سعيد بن العاص إذا أتاه سائلٌ فلم يك عنده ما سأل قال: اكتب
عليّ بمسألتك سجلاً إلى أيام يسري.
بين مالك بن أسماء
وأعرابي باعه ناقة له باع أعرابي ناقةً له من مالك بن أسماء، فلما صار الثمن في
يده نظر إليهم فذرفت عيناه، ثم قال :
وقد تنزع الحاجات يا
أم معمرٍ ... كرائم من ربٍ بهن ضنين
فقال له مالك: خذ
ناقتك وقد سوغتك الثمن.
جود عبيد الله بن أبي
بكرة اشترى عبيد اللّه بن أبي بكرة جاريةً نفيسةً فطلبت دابةٌ تحمل عليها فلم
توجد، فجاء رجل بدابةٍ فحملها، فقال له عبيد اللّه: اذهب بالجارية إلى منزلك.
باع ثابت بن عبيد
اللّه بن أبي بكرة دار الصفاق من مقاتل بن مسمع نسيئةً ثم اقتضاه فلزمه في دار
أبيه، فرآه عبيد الله فقال: ما لك؟ قال: حبسني ابنك. قال. بم؟ قال: بثمن دار
الصفاق. قال: يا ثابت أما وجدت لغرمائك محبساً إلا داري، إدفع إليه صكه وأعوضك.
في سكن الأطراف قيل
لرجل: ما لك تنزل في الأطراف؟ فقال: منازلٌ الأشراف في الأطراف يتناولون ما يريدون
بالقدرة ويتناولهم من يريدهم بالحاجة.
لعدي بن حاتم لما شاخ
وكبر ثم بينه وبين ابن دارة الشاعر لما كبر عدي بن حاتم آذاه برد الأرض وكان رجلاً
لحيماً فنهشت الأرض فخذيه فجمع
قومه فقال: يا بني
ثعل، إني لست بخيركم إلا أن تروا ذلك فقد كان أبي بمكانٍ لم يكن به أحدٌ من قومه،
بنى لكم الشرف ونفى عنكم العار فأصبح الطائي إذا فعل خيراً قال العرب: من حي لا
يحمدون على الجود ولا يعذرون على البخل، وقد بلغت من السن ما ترون وآذاني برد
الأرض فأذنوا لي في وطاءٍ فوالله ما أريده فخراً عليكم ولا احتقاراً لكم،
وسأخبركم: ما على من وضع طنفسةً وقعد حوله إلا أن الحق عليه أن يذل في عرضه وينخدع
في ماله ولا يحسد شريفاً ولا يحقر وضيعاً. فقال القوم: دعنا اليوم. ثم غدوا عليه
فقالوا. يا أبا طريف ضع الطنفسة والبس التاج. فبلغ ابن دارة الشاعر فأتاه وقال: قد
مدحتك. فقال: أمسك عليك حتى أنبئك بمالي فتمدحني على حسبه، لي ألف ضائنةٍ وألفا
درهم وثلاثة أعبدٍ، وفرسي حبيسٌ في سبيل الله، هات الآن فقال:
تحن قلوصي في معدٍ
وإنما ... تلاقي الربيع في ديار بني ثعل
وأبقى الليالي من عدي
بن حاتم ... حساماً كلون الملح سل من الخلل
أبوك جوادٌ ما يشق
غباره ... وأن تفعلوا خيراً فمثلكم فعل
فقال: أمسك عليك، لا
يبلغ مالي أكثر من هذا. وشاطره ماله.
من كرم معن وجوده جاء
رجل إلى معنٍ فاستحمله عيراً فقال معنٌ: يا غلام أعطه عيراً وبغلاً وبرذوناً
وفرساً وبعيراً وجاريةً، ولو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتكه.
وكان يقال: حدّث عن
البحر ولا حرج وعن بني إسرائيل ولا حرج وعن معنٍ ولا حرج.
الحكم بن عوانة ورجل
من كلب قال رجلٍ من كلب للحكم بن عوانة وهو على السند: إنما أنت عبدٌ. فقال الحكم:
والله لأعطينك عطيةً لا يعطيها العبد. فأعطاه مائة رأس من السبي.
لكسرى ورجل من أصحابه
سرق جاماً ذهبية له وقرأت في بعض كتب العجم أن جامات كسرى. التي كان يأكل فيها
كانت من ذهب، فسرق رجلٌ من أصحابه جاماً وكسرى ينظر إليه، فلما رفعت الموائد افتقد
الطباخ الجام فرجع يطلبها، فقال له كسرى: لا تتعن فقد أخذها من لا يردها ورآه من
لا يفشي عليه. ثم دخل عليه الرجل بعد ذلك وقد حلى سيفه ومنطقته ذهباً، فقال له
كسرى بالفارسية: يا فلان هذا، يعني السيف، من ذاك؟ قال: نعم وهذا، وأشار إلى منطقته.
جود خالد بن برمك
لأخوته قالوا: لم يكن لخالد بن برمك أخٌ إلا بنى له داراً على قدر كفايته ووقف على
أولاد الإخوان ما يعيشهم أبدا ولم يكن لإخوانه ولدٌ إلا من جاريةٍ هو وهبها له.
لابن المقفع وجار له
ركبه دين فأراد بيع داره بلغ ابن المقفع أن جاراً له يبيع داراً له لدينٍ ركبه وكان
يجلس في ظل داره، فقال: ما قمت إذاً بحرمة ظل داره إن باعها معدماً وبت واجداً،
فحمل إليه ثمن الدار وقال: لا تبع. لنهيك بن مالك بن معاوية قال أبو اليقظان: باع
نهيك بن مالك بن معاوية إبله وانطلق بثمنها إلى منًى فجعل ينهبه، والناس يقولون:
مجنونٌ. فقال: لست بمجنونٍ ولكني سمحٌ أنهبكم مالي إذا عز الفتح.
بين عبد الله بن جعفر
وقهرمانه قال: وأتى عبد اللّه بن جعفر قهرمانه بحسابه فكان في أوله حبلٌ بخمسين
درهماً، فقال عبد اللّه. لقد غلت الحبال. فقال القهرمان: إنه أبرق. فقال عبد الله: إن كان أبرق
فأنا أجيزه. فهو الآن مثل مضروب بالمدينة.
ما كان يقوله أبو
سفيان لجار إذا نزل به كان أبو سفيان إذا نزل به جار قال له: يا هذا، إنك قد
اخترتني جاراً فجناية يدك عليّ دونك، وإن جنت عليك يدٌ فاحتكم علي حكم الصبي على
أهله.
لبعض الشعراء وقال
بعض الشعراء - يثني على قوم بحسن الجوار - :
هم خلطوني بالنفوس
ودافعوا ... ورائي بركن ذي مناكب مدفع
وقالوا تعلم أن مالك
إن يصب ... يعدك وإن تحبس يدك ويشفع
حديث الكرام الحارث
بن هشام وعكرمة بن أي جمل وعياش بن أبي ربيعة وروى عبد اللّه بن بكر السهمي عن
حاتم بن أبي صغيرة عن حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش
بن أبي ربيعة خرجوا يوم اليرموك حتى آنبتوا، فدعا الحارث بن هشام بماء ليشربه،
فنظر إليه عكرمة فقال: ادفعه إلى عكرمة، فنظر إليه عياشٌ فقال عكرمة: ادفعه إلى
عياش. فما وصل إلى عيا شٍ حتى مات ولا عاد إليهم حتى ماتوا، فسمي هذا حديث الكرام.
تعليّق المؤلف على
الحديث
وهذا الحديث عندي
موضوع لأن أهل السيرة يذكرون أن عكرمة قتل بوم أجنادين وعياشٌ مات بمكة، والحارث
مات بالشأم في طاعون عمواس لرجل أعطى امرأ ةً سألته مالاً كثيراً أعطى رجلٌ امرأةً
سألته مالاً عظيماً، فلاموه وقالوا: إنها لا تعرفك وإنما كان يرضيها اليسير. فقال:
إن كانت ترضى باليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.
قال بعض الشعراء:
وما خير مالٍ لا يقي
الذم ربه ... ونفس امرءٍ في حقها لا يهينها
لعبد الله بن معاوية
في كرم النفس وقال عبد الله بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:
أرى نفسي تتوق إلى
أمورٍ ... ويقصر دون مبلغهن حالي
فنفسي لا تطاوعني
ببخلٍ ... ومالي لا يبلغني فعالي
وقال أيضاً:
ولا أقول نعم يوماً
فأتبعها ... منعاً ولو ذهبت بالمال والولد
ولا اؤتمنت على سرٍ
فبحت به ... ولا مددت إلى غير الجميل يدي
لكعب بن سعد الغنوي،
ولزهير وقال كعب بن سعد الغنوي:
وذي ند بٍ دامي الأظل
قسمته ... محافظةً بيني وبين زميلي
وزادٍ رفعت الكف عنه
تجملاً ... لاؤثر في زادي علي أكيلي
وما أنا للشيء الذي
ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقول
وقال زهير:
وأبيض فياضٍ يداه
غمامةٌ ... على معتفيه ما تغب نوافله
غدوت عليه غدوةً
فوجدته ... قعوداً لديه بالصريم عواذله
فأعرضن منه عن كريم
مرزأ ... جموعٍ على الأمر الذي هو فاعله
أخي ثقةٍ لا تذهب
الخمر ماله ... ولكنه قد يذهب المال نائله
تراه إذا ما جئته
متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
بين فيروز بن حصين
وصاحب السوط المدائني قال: أضل فيروز بن حصين سوطه يوماً، فأعطاه رجلٌ سوطاً فأمر
له بألف درهم، ثم أتاه بعد حول فقال: من أنت؟ قال: صاحب السوط. فأمر له بألف دهم، ثم أتاه بعد حول فقال: من أنت؟ قال:
صاحب السوط. قال: أعطوه ألف درهم ومائة سوطٍ. فانقطع عنه.
لشاعر يمدح نبي شيبان
قال الشاعر:
!ني حمدت بني شيبان إذ
خمدت ... نيران قومي فشبت فيهم النار
ومن تكرمهم في المحل
أنهم ... لا يحسب الجار فيهم أنه جار
ولآخر في أل المهلب
وقال آخر.
نزلت على آل المهلب
شاتياً ... بعيداً قصي الدار في زمنٍ محل
فما زال بي إلطافهم
وافتقادهم ... وإكرامهم حتى حسبتهم أهلي
وقال آخر:
!ذا كان لي شيئان يا
أم مالكٍ ... فإن لجاري منهما ما تخيرا
شعر لعمرو بن الأهتم
وقال عمرو بن الأهتم:
ذريني فإن الشح يا أم
هيثمٍ ... لصالح أخلاق الرجال سروق
ذريني وحطي في هواي
فإنني ... على الحسب العالي الرفيع شفيق
ومستمنحٍ بعد الهدوء
دعوته ... وقد كان من ساري الشتاء طروق
فقلت له أهلاً وسهلاً
ومرحباً ... فهذا مبيتٌ صالحٌ وصديق
أضفت فلم أفحش عليه
ولم أقل ... لأحرمه إن الفناء مضيق
لعمرك ما ضاقت بلادٌ
بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق
كان يقال: للعباس بن
عبد المطلب ثوبٌ لعاري بني هاشم، وجفنةٌ لجاره، ومقطرةٌ لجاهلهم.
شعر لبكر بن النطاح
في مدح جواد قال بكر بن النطاح:
ولو خذلت أمواله جود
كفه ... لقاسم من يرجوه بعض حياته
ولو لم يجد في العمر
قسماً لزائرٍ ... لجاد له بالشط رمن حسناته
الفرزدق يمدح
المهالبة وقال الفرزدق:
إن المهالبة الكرام
تحملوا ... دفع المكاره عن ذوي المكروه
زانوا قديمهم بحسن
حديثهم ... وكريم أخلاقٍ بحسن وجوه
كان يقال: الشرف في
السرف.
ولعامر بن الطفيل قال
عامر بن الظفيل:
إذا نزلت بالناس
يوماً ملمةٌ ... تسوق من الأيام داهيةً إدا
دلفنا لها حتى نقوم
ميلها ... ولم نهد عنها بالأسنة أوتهدا
وكم مظهرٍ بغضاءنا ود
أنه ... إذا ما التقينا كان أخفى الذي أبدى
مطاعيم في اللأواء
مطاعين في الوغى ... شمائلنا تنكي وأيماننا تندى
شعر لحاتم الطائي،
ومثله لجابر بن حيان وقال حاتم طيء:
أكف يدي من أن تنال
أكفهم ... إذا ما مددناها وحاجتنا معا
وإني لأستحيي رفيقي
أن يرى ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا
وقال جابر بن حبان:
فإن يقتسم مالي بني
ونسوتي ... فلن يقسموا خلقي الكريم ولا فعليّ
وما وجد الأضياف فيما
ينوبهم ... لهم عند علات النفوس أباً مثلي
أهين لهم مالي وأعلم
أنني ... سأورثه الأحياء سيرة من قبلي
بين سعيد بن عمرو
ويزيد بن المهلب في سجنه، وشعر لعدي بن الرقاع يمدح يزيداً كان سعيد بن عمرو
مؤاخياً ليزيد بن المهلب، فلما حبس عمر بن عبد العزيز يزيد ومنع من الدخول عليه،
أتاه سعيدٌ فقال: يا أمير المؤمنين، لي على يزيد خمسون ألف درهم وقد حلت بيني
وبينه، فإن رأيت أن تأذن لي فأقتضيه؛ فأذن له فدخل عليه فسر به يزيد، وقال: كيف
وصلت إلي؟ فأخبره، فقال يزيد: والله لا تخرج إلا وهي معك. فامتنع سعيدٌ فحلف يزيد
ليقبضنها، فقال عدي بن الرقاع:
لم أر محبوساً من
الناس واحداً ... حبا زائراً في السجن غير يزد
سعيد بن عمرو إذ أتاه
أجازه ... بخمسين ألفا عجلت لسعيد
وقال بعض الشعراء:
وإني لحلالٌ بي الحق،
أتقي ... إذا نزل الأضياف أن أتجهما
إذا لم تذد ألبانها
عن لحومها ... حلبنا لهم منهم بأسيافنا دما
شعر في عدوى الجود
دخل شاعر على المهدي فامتدحه، فأمر له بمال فلما قبضه فرقه على من حضر وقال:
لمست بكفي كفه أبتغي
الغنى ... وماخلت أن الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد
ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فبددت ما عندي
لأبي العيناء عن صديق
لهم يهودي بالبصرة أخبرني أبو الحسن عليّ بن هارون الهاشمي قال: أخبرني وكيع قال:
حدّثني أبو العيناء قال: كان بالبصرة لنا صديقٌ يهودي وكان ذا مالٍ وقد تأدب وقال
الشعر وعرف شيئاً من العلوم وكان له ولدٌ ذكورٌ، فلما حضرته الوفاة جمع ماله وفرقه
على أهل العلم والأدب ولم يترك لولده ميراثاً، فعوتب على ذلك فقال:
أريت مالي أبر من
ولدي ... فاليوم لا نحلةٌ ولا صدقه
من كان منهم لها
فأبعده الل ... ه ومن كان صالحاً رزقه
وحدّثني الأخفش بهذا
الخبر عن المبرد عن الرياشي، والله أعلم.
تم الجزء الثالث، وبه
ينتهي المجلد الأول ويتلوه في أول المجد الثاني الجزء الرابع وبه كتاب الطبائع
كتاب الطبائع
والأخلاق المذمومة
تشابه الناس في
الطبائع وذمهملعمر بن الخطاب رضي الله عنه في تشابه الناس بآبائهم حدّثني محمد بن
عبيد قال: حدّثنا يحيى بن هاشم الغساني عن إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد
قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم.
ولأبي الدرداء قال:
وحدّثني حسين بن الحسن المروزي قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن سفيان قال:
قال أبو الدرداء: وجدت الناس أخبر تقله.
عمر بن الخطاب وقد مر
بقوم يتبعون رجلاً متهماً قال: حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا شريح بن النعمان
عن المعافى بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بقوم يتبعون رجلاً قد أخذ في
ريبةٍ فقال: لا مرحباً بهذه الوجوه التي لا ترى إلا في الشر.
للنبي صلى الله عليه وسلم
في طبائع الناس وأخلاقهم قال: وحدّثني محمد بن داود قال: حدّثنا الصلت بن مسعود
قال: حدّثنا عصام بن عليّ عن الأعمش عن أبى إسحاق عن عبيد ة أن الوليد السوائي
قال: لغط قومٌ عند رسول صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله لو نهيتهم! فقال:
" لو نهيتهم أن يأتوا الحجون لأتاه بعضهم ولو لم تكن له حاجةٌ " .
لمطرف وغيره في
اختلاف الناس قال: وحدّثنا عن عفان عن مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير قال: قال
مطرف: هم الناس وهم النسناس وناسٌ غمسوا في ماء الناس.
قال يونس بن عبيد: لو
أمرنا بالجزع لصبرنا.
وكان يقال: لو نهي
الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا: ما نهينا عنه إلا وفيه شيءٌ.
لشاعر في بني جوين
وقال الشاعر:
ولما أن أتيت بني
جوينٍ ... جلوساً ليس بينهم جليس
يئست من التي أقبلت
أبغي ... لديهم، أنني رجلٌ يؤوس
إذا ما قلت أيهم لأي
... تشابهت المناكب والرؤوس
ويقال: لا يزال الناس
بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا.
لبعض شعراء في اختلاف
الناس وقال آخر:
الناس أسواءٌ وشتى في
الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم
وقال آخر - يذكر
قوماً - :
سواءٌ كأسنان الحمار
ولا ترى ... لذي شيبةٍ منهم على ناشيءٍ فضلاً
وقال آخر:
سواسيةٌ كأسنان
الحمار
وكان يقال: المرء
تواقٌ إلى ما لم ينل والعجم تقول: كل عزٍ دخل تحت القدرة فهو ذليل.
وقالوا: كل مقدورٍ
عليه مملولٌ محقورٌ.
وقال الشاعر:
وزاده كلفاً بالحب أن
منعت ... أحب شيءٍ إلى الإنسان ما منعا
وقال آخر:
ترى الناس أسواء إذا
جلسوا معاً ... وفي الناس زيف مثل زيفٌ الدراهم
ويقال: الناس سيلٌ
وأسراب طيرٍ يتبع بعضهم بعضاً.
لطرفة بن العبد وغيره
وقال طرفة:
كل خليلٍ كنت خاللته
... لا ترك اللّه له واضحه
كلهم أروغ من ثعلبٍ
... ما أشبه الليلة بالبارحه
وقال آخر:
فإنك لا يضرك بعد
حولٍ ... أظبيٌ كان أمك أم حمار
فقد لحق الأسافل
بالأعالي ... وماج اللؤم واختلط النجار
وعاد العبد مثل أبي
قبيسٍ ... وسيق مع المعلهجة العشار
يقول: سيقت الإبل
الحوامل في مهر اللئيمة.
للحسن قال أبو محمد:
بلغني عن إسماعيل بن محمد بن جحادة عن أبيه، قال: كنت عند الحسن فقال: أسمع حسيساً
ولا أرى أنيساً، صبيانٌ حيارى ما لهم تفاقدوا عقولهم وفراش نار وذبان طمع.
للأصمعي، وابن الجهم
وقال أبو حاتم عن الأصمعيّ: لو قسمت في الناس مائة ألف درهم كان أكثر للائمتي من
لو أخذتها منهم.
ونحوه قول محمد بن
الجهم: منع الجميع أرضى للجميع.
شعر لابن بشير، وغيره
وقال ابن بشير:
سوءةً للناس كلهم ...
أنا في هذا من أولهم
لست تدري حين تنسبهم
... أين أدناهم من أفضلهم
وقال نهار بن توسعة:
عتبت على سلم فلما
فقدته ... وجربت أقواماً بكيت على سلم
وهذا مثل قولهم: ما
بكيت من زمان إلا بكيت عليه.
وقال الأحنف بن قيس :
وما مر يومٌ أرتجي
فيه راحةً ... فأخبره إلا بكيت على أمس
وقال آخر: وفسره بأنه
قطعة من الجبل طولاً، وقيل الجبل العظيم. وأبو قبيس جبل بمكة، والمراد به الرجل
الشريف كما يراد بالفند الرجل الوضيع.
المعلهجة: المرأة
اللئيمة الأصل الفاسدة النسب. ورواه سيبويه في كتابه عن خداش بن زهير وصار مع
المعلهجة العشار.
ونعتب أحياناً عليه
ولو مضى ... لكنا على الباقي من الناس أعتبا
وقال آخر:
سبكناه ونحسبه لجيناً
... فأبدى الكبر عن خبث الحديد
لأبي الزناد قال:
وحدّثني أبو حاتم، قال: حدّثني الأصمعيّ عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: لا يزال
في الناس بقيةٌ ما تعجب من العجب.
رجوع المتخلق إلى
طبعهلأعرابي ربى جرو ذئب ورجع إلى طبعه بلغني أن أعرابياً ربى جرو ذئب حتى شب وظن
أنه يكون أغنى عنه من الكلب وأقوى على الذب عن الماشية فلما قوي وثب على شاةٍ
فقتلها وأكل منها فقال الأعرابي:
أكلت شويهتي وربيت
فينا ... فما أدراك أن أباك ذيب
ويروى: ولدت بقفرةٍ
ونشأت عندي
إذا كان الطباع طباع
سوءٍ ... فليس بنافعٍ أدب الأديب
للخريمي في غلبة
الطبع وقال الخريمي:
يلام أبو الفضل في
جوده ... وهل يملك البحر ألا يفيضا
مثله لأبي الأسد،
ولكثير وقال أبو الأسد:
ولائمةٍ لامتك يا فيض
في الندى ... فقلت لها هل يقدح اللوم في البحر
أرادت لتثني الفيض عن
عادة الندى ... ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر
موقع جود الفيض في كل
بلدةٍ ... مواقع ماء المزن في البلد القفر
وقال كثير:
ومن يبتدع ما ليس من
سوس نفسه ... يدعه ويغلبه على النفس خيمها
لزهير بن أبي سلمى،
وغيره وقال زهير:
ومهما تكن عند امرءٍ
من خليقةٍ ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وأنشدني ابن الأعرابي
لذي الإصبع العدواني:
كل امرء راجعٌ يوماً
لشيمته ... وإن تخلق أخلاقاً إلى حين
وقال آخر:
ارجع إلى خلقك
المعروف ديدنه ... إن التخلق يأبى دونه الخلق
لكثير في التطبع وترك
الأهواء وقال كثير في خلاف هذا:
وفي الحلم والإسلام
للمرء وازعٌ ... وفي ترك أهواء الفؤاد المتيم
بصائر رشدٍ للفتى
مستبينةٌ ... وأخلاق صد قٍ علمها بالتعلم
مثله للمتلمس،
وللطائي ونحوه للمتلمس:
تجاوز عن الأدنين
واستبق ودهم ... ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
وقال الطائي:
لبس الشجاعة إنها
كانت له ... قدماً نشوعاً في الصبا ولدودا
بأسا قبيليًا وبأس
تكرمٍ ... فينا وبأس قريحةٍ مولودا
أبو جعفر الشطرنجي
يصف جارية سوداء وقال أبو جعفر الشطرنجي مولى المهدي في سوداء:
أشبهك المسك وأشبهته
... قائمةً في لونه قاعده
لا شك إذ لونكما
واحدٌ ... أنكما من طينةٍ واحده
لأبي نواس، وللرياشي
وقال أبو نواس:
تلقى الندى في غير
عرضاً ... وتراه فيه طبيعةً أصلا
وإذا قرنت بعاقلٍ
أملاً ... كانت نتيجة قوله فعل
وأنشدنا الرياشي:
لا تصحبن امرءًا على
حسب ... إني رأيت الأحساب قد دخلت
مالك من أن يقال إن
له ... أباً كريماً في أمةٍ سلفت
بل اصحبنه على طبائعه
... فكل نفسٍ تجري كماطبعت
للعباس بن مرداس في
غلبة الطبع وقال العباس بن مرداس:
إنك لم تك كابن
الشريد ... ولكن أبوك أبو سالم
حملت المئين وأثقالها
... على أذني قنقذٍ رازم
وأشبهت جدك شر الجدو
... د والعرق يسري إلى النائم
مثله لبعض العبديين
وقال بعض العبديين:
وما يستوي المرءان
هذا ابن حرةٍ ... وهذا ابن أخرى ظهرها مشترك
وأدركه خالاته فخذلنه
... ألا إن عرق السوء لا بد يدرك
باب الشيء يفرط
فينتقل إلى غير طبعهمن كتاب الهند في معنى العنوان قرأت في كتاب للهند: لا ينبغي
اللجاج في إسقاط ذي الهمة والرأي وإذالته فإنه إما شرس الطبع كالحية إن وطئت فلم
تلسع لم يغتر بها فيعاد لوطئها، وإما سجح الطبع كالصندل البارد إن أفرط في حكه عاد
حاراً مؤذياً.
وقال أبو نواس:
قل لزهير إذا حدا
وشدا ... أقلل وأكثر فأنت مهذار
سخنت من شدة البرودة
ح ... تى صرت عندي كأنك النار
لا يعجب السامعون من
صفتي ... كذلك الثلج باردٌ حار
ويقال: إنما ملح
القرد عند الناس لإفراط قبحه.
وللطائي قال الطائي:
أخرجتموه بكرهٍ من
سجيته ... والنار قد تنتضى من ناضر السلم
أمن عمًى نزل الناس
الربى فنجوا ... وأنتم نصب سيل الفتنة العرم
أم ذاك من هممٍ جاشت
فكم ضعةٍ ... حدا إليها غلو القوم في الهمم
وكان يقال: من التوقي
ترك الإفراط في التوقي.
باب الحسدللنبي صلى
الله عليه وسلم قال: حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن
إسماعيل بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثةٌ لا يسلم
منهن أحدٌ الطيرة والظن والحسد " قيل: فما المخرج منهن يا رسول اللّه؟ قال:
" إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ " .
لبكر بن عبد الله
وقال بكر بن عبد الله: حصتك من الباغي حسن المكاشرة، وذنبك إلى الحاسد دوام النعم
من اللّه عليك.
ولروح بن زنباعٍ وقال
روح بن زنباعٍ الجذامي: كنت أرى قوماً دوني في المنزلة عند السلطان يدخلون مداخل
لا أدخلها فلما أذهبت عني الحسد دخلت حيث دخلوا.
شعر لابن حمام وقال
ابن حمام:
تمنى لي الموت المعجل
خالدٌ ... ولا خير فيمن ليس يعرف حاسده
وللطائي وقال الطائي:
وإذا أراد الله نشر
فضيلةٍ ... طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال
النارفيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العودا
لولا التخوف للعواقب
لم تزل ... للحاسدالنعمى على المحسود
الحجاج يصف عيوبه بين
يدي عبد الملك وقال عبد الملك للحجاج: إنه ليس من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه فعب
نفسك قال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتفعلن. قال: أنا لجوجٌ حقودٌ حسود. قال عبد الملك: ما في الشيطان شرٌ مما
ذكرت.
لبعض الحكماء في
الحسد قال بعض الحكماء: الحسد من تعادي الطبائع واختلاف التركيب وفساد مزاج البنية
وضعف عقد العقل والحاسد طويل الحسرات.
لابن المقفع في الحسد
والحاسد قال ابن المقفع: أقل ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف عن نفسه عذاباً ليس
بمدركٍ به حظًا ولا غائظ به عدوًا، فإنا لم نر ظالماً أشبه بظلومٍ من الحاسد، طول
اسفٍ ومحالفة كآبةٍ وشدة تحرقٍ، ولا يبرح زارياً على نعمة الله ولا يجد لها مزالاً
ويكدر على نفسه ما به من النعمة فلا يجد لها طعماً ولا يزال ساخطا على من لا
يترضاه ومتسخطاً لما لن ينال فوقه، فهو منغص المعيشة دائم السخطة محروم الطلبة، لا
بما قسم له يقنع ولا على ما لم يقسم له يغلب، والمحسود يتقلب في فضل الله مباشراً للسرور
منتفعاً به ممهلاً فيه إلى مدة ولا يقدر الناس لها على قطعٍ وانتقاصٍ للحسن البصري
في حسد المؤمن أخاه قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن أخاه؟ قال: لا أبا لك، أنسيت
إخوة يوسف. وكان يقال: إذا أردت أن تسلم من الحاسد فعم عليه أمورك.
ويقال: إذا أراد الله
أن يسلط على عبد ه عدواً لا يرحمه سلط عليه حاسدا.
العتبي يرثي أولاده
وقال العتبي: - وذكر ولده الذين ماتوا -
وحتى بكى لي حسادهم
... وقد أقرحوا بالدموع العيونا
وحسبك من حاد ثٍ
بامرءٍ ... يرى حاسديه له راحمينا
لسفيان بن معاوية،
ولغيره قيل لسفيان بن معاوية: ما أسرع حسد الناس إلى قومك؛ فقال:
إن العرانين تلقاها
محسدةً ... ولا ترى للئام الناس حسادا
وقال آخر:
وترى اللبيب محسداً
لم يجترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم
حسدوا الفتى إذ لم
ينالوا سعيه ... فالقوم أعداءٌ له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن
لوجهها ... حسداً وظلماً إنه لذميم
ليحيى بن خالد في
الحاسد وقال يحيى بن خالد: الحاسد عدو مهينٌ لا يدرك وتره إلا بالتمني.
قيل لبعضهم: أي
الأعداء لا تحب أن يعود لك صديقاً؟ قال: من سبب عداؤته النعمة. للأحنف
وقال الأحنف: لا صديق لملولٍ ولا وفاء لكذوبٍ ولا راحة لحسودٍ ولا مروءة لبخيلٍ
ولا سؤدد لسييء الخلق.
ولمعاوية في استحالة
إرضاء الحاسد وقال معاوية: كل الناس استطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمةٍ فإنه لا يرضيه
إلا زوالها.
لشاعر في مثل ذلك
المعنى وقال الشاعر:
كل العداوة قد ترجى
إماتتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد
وفي بعض الكتب يقول
الله: الحاسد عدوٌ لنعمتي متسخط لقضائي غير راضٍ بين عبادي.
وكان يقال: قد طلبك
من لا يقصر دون الظفر وحسدك من لا ينام دون الشفاء.
للحجاج يتمثل بقول
سويد بن أبي كاهل في خطبة له وخطب الحجاج يوماً برستقباذ بقول سويد بن أبي كاهل:
كيف يرجون سقاطي
بعدما ... جلل الرأس بياضٌ وصلع
رب من أنضجت غيظا
صدره ... قد تمنى لي موتاً لم يطع
ويراني كالشجا في
حلقه ... عسراً مخرجه ما ينتزع
مزبداً يخطر ما لم
يرني ... فإذا أسمعته صوتي إنقمع
لم يضرني غير أن
يحسدني ... فهو يزقو مثل ما يزقو الضوع
ويحييني إذا لاقيته
... وإذا يخلو له لحمي رتع
قد كفاني الله ما في
نفسه ... وإذا ما تلكف شيئاً لا يضع
لشاعر في حسد أهل
الفضل وقال آخر:
إن تحسدوني فإني لا
ألومكم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولكم ما بي
وما بكم ... ومات أكثرنا غيظاً بما يجد
أنا الذي تجدوني في
حلوقكم ... لا أرتقي صعداً فيها ولا أرد
لبعضم في الحسد وقال
بعضهم: الحسد أول ذنبٍ عصي اللّه به في السماء، يعني حسد إبليس آدم، وأول ذنب عصي
اللّه به في الأرض، يعني حسد ابن آدم أخاه حتى قتله.
شعر لأبي زيد
الأعرابي وأنشدني شيخٌ لنا عن أبي زيد الأعرابي:
لا تقبل الرشد ولا
ترعوي ... ثاني رأس كابن عواء
حسدتني حين أفدت
الغنى ... ما كنت إلا كابن حواء
وأنت تقليني ولا ذنب
لي ... لكنني حمال أعباء
من يأخذ النار
بأطرافه ... ينضح على النار من الماء
بين قيس بن زهير
والربيع بين زياد في بلاد غطفان مر قيس بن زهير ببلاد غطفان فرأى ثروةً وجماعاتٍ
وعدداً فكره ذلك، فقال له الربيع بن زياد: إنه يسوءك ما يسر الناس؛ فقال له: يا
أخي إنك لا تدري، إن مع الثروة والنعمة التحاسد والتخاذل، وإن مع القلة التحاشد
والتناضر.
بين الأصمعيّ وأعرابي
معمر قال الأصمعي: رأيت أعرابياً قد أتت له مائةٌ وعشرون سنةً، فقلت له: ما أطول الله
عمرك ! فقال: تركت الحسد فبقيت.
لزيد بن الحكم الثقفي
وقال زيد! بن الحكم الثقفي
تملأت من غيظٍ علي
فلم يزل ... بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوي
نقص ص409، 410،411
لحماد بن سلمة في الغيبة وقال حماد بن سلمة: ما كنت تقوله للرجل وهو حاضرٌ فقلته
من خلفه فليس بغيبةٍ.
لبعض الأشراف يرد على
رجل اغتاب رجلاً عاب رجلٌ رجلاٌ عند بعض الأشراف فقال له: قد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيب الناس، لأن الطالب للعيوب
إنما يطلبها بقدر ما فيه منها .
قال بعض الشعراء:
وأجرأ من رأيت بظهر
غيبٍ ... على عيب الرجل ذوو العيوب
لابن الأعرابي في
النهي عن الغيبة وأنشد ابن الأعرابي:
اسكت ولا تنطق فأنت
خياب ... كلك ذو عيب وأنت عياب
وأنشدني أيضاً:
رب غريبٍ ناصح الجيب
... وابن أب متهم الغيب
وكل عيا بٍ له منظرٌ
... مشتمل الثوب على العيب
عتبة بن عبد الرحمن
وحبه للغيبة وكان عتبة بن عبد الرحمن يغتاب الناس ولا يصبر، ثم ترك ذلك، فقيل له:
أتركتها؟ قال: نعم، على أني واللّه أحب أن أسمعها.
بين عمرو بن مرثد
وأحد جلسائه أتى رجلٌ عمرو بن مرثدٍ فسأله أن يكلم له أمير المؤمنين، فوعده أن
يفعل، فلما قام قال بعض من حضر: إنه ليس مستحقًا لما وعدته. فقال عمرو: إن كنت
صدقت في وصفك إياه فقد كذبت في ادعائك مودتنا، لأنه إن كان مستحقاً كانت اليد
موضعها، وإن لم يكن مستحقًا فما زدت على أن أعلمتنا أن لنا بمغيبنا عنك مثل الذي
حضرت به من غاب من إخواننا.
للنبي صلى الله عليه
وسلم وفي الحديث: " إن الغيبة أشد من الزنا " قيل: كيف ذلك؟ قال: لأن
الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر حتى يغفر له صاحبها.
بين الحسن ورجل قال
رجل للحسن: يا أبا سعيد إني اغتبت رجلاً وأريد أن أستحله. فقال له: لم يكفك أن
اغتبته حتى أرعدت أن تبهته.
بين قتيبة بن مسلم
ورجل يغتاب عنده آخر اغتاب رجلٌ رجلاً عند قتيبة بن مسلم فقال له قتيبة: أمسك أيها
الرجل، فواللّه لقد تلمظت بمضغةٍ طالما لفظها الكرام.
مر رجلٌ بجارين له
ومعه ريبةٌ، فقال أحدهما لصاحبه: أفهمت ما معه من الريبة؟ فقال الآخر: غلامي حر
لوجه اللّه شكراً له إذا لم يعرفني من الشر ما عرفك.
بين سعد بن أبي وقاص
ورجل وقع عنده في خالد بن الوليد شعبة عن يحيى بن الحصين عن طارق قال: دار بين سعد
بن أبي وقاصٍ وبين خالد بن الوليد كلامٌ، فذهب رجلٌ ليقع في خالدٍ عند سعدٍ، فقال
سعدٌ: مه إن ما بيننا لم يبلغ ديننا. أي عداوةٌ وشرٌ وقال الشاعر:
ولست بذي نيربٍ في
الكرام ... ومناع خيرٍ وسبابها
ولا من إذا كان في
جانب ... أضاع العشيرة وآغتابها
ولكن أطاوع ساداتها
... ولا أتعلم ألقابها
وقال آخر:
لا يأمل الجار خيراً
من جوارهم ... ولا محالة من هزءٍ وألقاب
للفرزدق وقال الفرزدق:
تصرم مني ود بكر بن
وائلٍ ... وما خلت عني ودهم يتصرم
قوارص تأتيني
ويحتقرونها ... وقد يملأ القطر الإناء فيفعم
لبعض الضبيين أنشد
أبو سعيد الضرير لبعض الضبيين
ألا رب من يغتابني ود
أنني ... أبوه الذي يدعى إليه وينسب
على رشدةٍ من أمه أو
لغيةٍ ... فيغلبها فحلٌ على النسل منجب
فبالخير لا بالشر
فاطلب مودتي ... وأي امرئٍ ب يغتال منه الترهب
وقال آخر في نحوه:
ولما عصيت العاذلين
ولم أبل ... ملامتهم ألقوا على غاربي حبلي
وهازئةٍ مني تود
لوابنها ... على شيمتي أو أن قيمها مثلي
لبزرجمهر فيمن ليس
فيه عيب قيل لبزرجمهر: هل من أحدٍ ليس فيه عيبٌ؟ قال: لا، إن الذي لا عيب فيه لا
ينبغي أن يموت.
مثله لموسى شهوات
وقال في مثل هذا موسى شهوات:
ليس فيما بدا لنا منك
عيبٌ ... عابه الناس غير أنك فإني
أنت خير المتاع لو
كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان
لأبي الأسود الدؤلي
وقال أبو الأسود الدؤلي:
وترى الشقي إذا تكامل
عيبه ... يرمى ويقرف بالذي لم يفعل
بكر بن عبد الله ينصح
أخاً له لقي بكر بن عبد اللّه أخاً له فقال: إذا أردت أن تلقى من النعمة عليك أعظم
منها عليه وهو أشكر للنعمة لقيته، وإذا شئت أن تلقى من أنت أعظم منه جرماً وهو
أخوف لله منك لقيته. أرأيت لو صحبك رجلان: أحدهما مهتوكٌ لك ستره ولا يذنب ذنباً إلا رأيته ولا يقول هجراً إلا
سمعته فأنت تحبه على ذلك وتوافقه وتكره أن تفارقه، والآخر مستور عنك أمره غير أنك تظن
به السوء فأنت تبغضه، أعدلت بينهما؟ قال: لا؛ قال: فهل مثلي ومثلك ومثل من أنت
راءٍ من الناس إلا كذلك؟ إنا نعرف الحق في الغيب من أنفسنا فنحبها على ذلك، وتظن
الظنون على غيرنا فنبغضهم على ذلك. ثم قال: أنزل الناس منك ثلاث منازل، فاجعل من
هو أكبر منك سنًا بمنزلة أبيك، ومن هو تربك بمنزلة أخيك، ومن هو دونك بمنزلة ولدك،
ثم أنظر أي هؤلاء تحب أن تهتك له ستراً وتبدي له عورةً! النبي صلى الله عليه وسلم
والعلاء بن الحضرمي وشعر للعلاء بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم في التحبب إلى
ذوي الأضغان سعيد بن واقد المزني قال: حدّثنا صالح بن الصقر عن عبد الله بن زهير
قال: وفد العلاء ابن الحضرمي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أتقرأ من
القرآن شيئاً " ؟ فقرأ عبس وزاد فيها من عنده: وهو الذي أخرج من الحبلى،
نسمةً تسعى، من بين شرا سيف وحشًى؛ فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: " كف فإن السورة كافيةٌ " . ثم قال: " هل تروي من الشعر شيئاً
" ؟ فأنشده:
حي ذوي الأضغان تسب
قلوبهم ... تحيتك القربى فقد ترفع النعل
وإن دحسوا بالكره
فاعف تكرماً ... وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل
فإن الذي يؤذيك منه
سماعه ... وإن الذي قالوا وراءك لم يقل
فقال النبي عليه
السلام: " إن من الشعر حكما وإن من البيان سحراً " .
وحدّثني أبو حاتم عن
الأصمعيّ قال: قال رجل لبكر بن محمد بن علقمة: بلغني أنك تقع في؛ قال: أنت إذاً
أكرم عليّ من نفسي! لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
لا تلتمس من مساوي
الناس ما ستروا ... فيكشف اللّه ستراً عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم
إذا ذكروا ... ولا تعب أحداً منهم بما فيكا
لأبي الدراء وقال أبو
الدرداء: لا يحرز الإنسان من شرار الناس إلا قبره.
عمر بن عبد العزيز
لمزاحم مولاه قال عمر بن عبد العزيز لمزاحمٍ مولاه: إن الولاة جعلوا العيون على
العوام وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمةً تربأ بي عنها أو فعالاً لا
تحبه فعظني عنده وأنهني عنه.
بين عامر بن عبد الله
بن الزبير وابن له تنقص علياً كرم الله وجهه العتبي قال: تنقص ابن لعامر بن عبد
اللّه بن الزبير علي بن أبي طالب عليه السلام؛ فقال
له أبوه: لا تتنقصه
يا بني، فإن بني مروان ما زالوا يشتموه ستين سنةً فلم يزده الله إلا رفعةً، وإن
الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا، وإن الدنيا لم تبن شيئاً إلا عادت على ما بنت
فهدمته.
لبعض الشعراء وقال
بعض الشعراء:
ابدأ بنفسك فانهها عن
غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك تعذر إن وعظت
ويقتدى ... بالقول منك ويقبل التعليم
لا تنه عن خلقٍ وتأتي
مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
وقال آخر:
ويأخذ عيب الناس من
عيب نفسه ... مرادٌ لعمري ما أراد قريب
وقال آخر:
لك الخير، لم نفساً
عليك ذنوبها ... ودع لوم نفسٍ ما عليك تليم
وكيف ترى في عين
صاحبك القذى ... ويخفى قذى عينك وهو عظيم
كان رجلٌ من
المتزمتين لا يزال يعيب النبيذ وشرابه فإذا وجده سرًا شربه؛ فقال فيه بعض جيرانه:
وعيابةٍ للشرب لو أن
أمه ... تبول نبيذاً لم يزل يستبيلها
وقال رجل لعمرو بن
عبيد: إني لأرحمك مما تقول الناس فيك. قال: أفتسمعني أقول فيهم شيئاً؟ قال: لا.
قال: إياهم فارحم.
قال أعرابي لامرأته:
وإما هلكت فلا تنكحي
... ظلوم العشيرة حسادها
يرى مجده ثلب أعراضها
... لديه ويبغض من سمادها
باب السعايةبين عطاء
بن السائب والشعبي روى وكيع عن أبيه عن عطاء بن السائب قال: قدمت من مكة فلقيني
الشعبي فقال: يا أبا زيدٍ أطرفنا مما سمعت؛ قلت: سمعت عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سابط يقول: لا يسكن مكة سافك دمٍ،
ولا آكل رباً، ولا مشاءٌ بنميم؛ فعجبت منه حين عدل النميمة بسفك الدماء وأكل الربا؛
فقال الشعبي: وما يعجبك من هذا! وهل تسفك الدماء وتركب العظائم إلا بالنميمة! بين
مصعب بن الزبير والأحنف بن قيس عاتب مصعب بن الزبير الأحنف بن قيس على شيءٍ بلغه
عنه، فاعتذر إليه الأحنف من ذلك ودفعه؛ فقال مصعبٌ: أخبرني بذلك الثقة؛ فقال الأحنف: كلا أيها الأمير، إن الثقة لا يبلغ.
شعر للأعشى في إطاعة
الواشين قال الأعشى:
ومن يطع الواشين لا
يتركوا له ... صديقاً وإن كان الحبيب المقربا
لرجل في السعاة وذكر
السعاة عند المأمون فقال رجلٌ ممن حضر: يا أمير المؤمنين، لو لم يكن من عيبهم إلا
أنهم أصدق ما يكونون أبغض ما يكونون إلى اللّه لكفاهم.
بين بلال بن أبي بردة
وساعٍ، وحديث للنبي صلى الله عليه وسلم سعى رجلٌ إلى بلال بن أبي بردة برجل؛ فقال
له: انصرف حتى أسأل عما ذكرت، وبعث في المسألة عن الساعي فإذا هو لغير أبيه الذي
يدعى له، فقال بلالٌ: أخبرنا أبو عمرو قال: حدّثني أبي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم : " الساعي بالناس لغير رشدة " .
لبعض الشعراء وقال
الشاعر:
إذا الواشي نعى يوماً
صديقاً ... فلا تدع الصديق لقول واشي
بين الوليد بن عبد
الملك وساعٍ بجاره أتى رجلٌ الوليد بن عبد الملك وهو على دمشق لأبيه، فقال: للأمير
عندي نصيحةٌ؛ فقال: إن كانت لنا فأظهرها، وإن كانت لغيرنا فلا حاجة لنا فيها؛
فقال: جارٌ لي عصى وفر من بعثه، قال: أما أنت فتخبر أنك جار سوء، فإن شئت أرسلنا
معك، فإن كنت صادقاً أقصيناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت تاركناك. قال: بل
تاركني.
شعر لعبد ة بن الطبيب
في الوشاة والنمامين وقال عبد ة بن الطبيب :
وأعصوا الذي يسدي ...
متنصحاً وهو السمام المنقع
يزجي عقاربه ليبعث
بينكم ... حرباً كما بعث العروق الأخدع
حران لا يشفي غليل
فؤاده ... عسلٌ بماءٍ في الإناء مشعشع
لا تأمنوا قوماً يشب
صبيهم ... بين القبائل بالعداوة ينسع
إن الذين ترونهم
خلانكم ... يشفي صداع رؤوسهم أن تصرعوا
فضلت عداوتهم على
أحلامهم ... وأبت ضباب صدورهم لا تنزع
قومٌ إذا دمس الظلام
عليهم ... حدجوا قنافذ بالنميمة تمرغ
لأبي دهبل الجمحي في
الوشاة وقال أبو دهبلٍ الجمحي:
وقد قطع الواشون ما
كان بيننا ... ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج
رأوا عورةً
فاستقبلوها بألبهم ... فراحوا على ما لا نحب وأدلجوا
وكانوا أناساً كنت
آمن غيبهم ... فلم ينههم حلمٌ ولم يتحرجوا
مثله لبشار وقال بشار:
تشتهي قربك الرباب
وتخشى ... عين واشٍ وتتقي أسماعه
أنت من قلبها محل
شرابٍ ... تشتهي شربه وتخشى صداعه
ولأبي نواس في هذا
المعنى وقال أبو نواس:
كنت من الحب في ذرى
نيق ... أرود منه مراد موموق
حتى ثناني عنه تخلق
وا ... شٍ كذبةً لفها بتزويق
جبت قفا ما نمته
معتذراً ... منه وقد فزت بعد تخريق
كقول كسرى فيما تمثله
... من فرص اللص ضجة السوق
من كتاب الهند في أن
نار الحقد لا تخبو وقرأت في كتاب للهند: قلما يمنع القلب من القول إذا تردد عليه،
فإن الماء ألين من القول والحجر أصلب من القلب، وإذا انحدر عليه وطال ذلك أثر فيه،
وقد تقطع الشجرة بالفؤوس فتنبت ويقطع اللحم بالسيوف فيندمل واللسان لا يندمل جرحه،
والنصول تغيب في الجوف فتنزع والقول إذا وصل إلى القلب لم ينزع، ولكل حريقٍ مطفئٌ:
للنار الماء، وللسم الدواء، وللحزن الصبر، وللعشق الفرقة، ونار آلحقد لا تخبو.
لطرفة بن العبد في
ضرر النميمة وقال طرفة بن العبد:
وتصد عنك مخيلة الرجل
ال ... عريض موضحةٌ عن العظم
بحسام سيفك أو لسانك
وال ... كلم الأصيل كأوسع الكلم
وله في نفاذ القول
ونحوه قوله: والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر مثله لامرئ القيس وقال امرؤ القيس: وجرح
آللسان كجرح اليد بين عبد الملك بن مروان ورجل أراد الخلوة به سأل رجلٌ عبد الملك
بن مروان آلخلوة؛ فقال لأصحابه: إذا شئتم تنحوا؛ فلما تهيأ الرجل للكلام قال له:
إياك وأن تمدحني فإني أعرف بنفسي منك، أو تكذبني فإنه لا رأي لكذوبٍ، أو تسعى
بأحدٍ إلي، وإن شئت أن أقيلك أقلتك؛ قال: أقلني.
لذي الرياستين في
قبول النميمة وقال ذو الرياستين: قبول السعاية شرٌ من السعاية، لأن السعاية دلالةٌ والقبول إجازةٌ،
وليس من دل على شيءٍ كمن قبل وأجاز، فامقت الساعي على سعايته وإن كان صادقاً للؤمه
في هتك العورة وإضاعة الحرمة، وعاقبه إن كان كاذباً لجمعه بين هتك العورة وإضاعة
الحرمة مبارزةً لله بقول البهتان والزور.
لبعض الشعراء وقال
بعض المحدّثين لعبد الصمد بن المعذل:
لعمرك ما سب الأمير
عدوه ... ولكنما سب الأمير المبلغ
بين الوليد بن عبد
الملك ورجل وقال رجلٌ للوليد بن عبد الملك: إن فلاناً شتمك. فأكب ثم قال: أراه
شتمك.
وأتى رجلٌ ابن عمر
فقال له: إن فلاناً شتمك؛ فقال له: إني وأخي عاصماً لا نساب أحداً.
بين النعمان وحاتم
طيء وأوس بن حارثة عوانة قال: كان بين حاتم طيء وبين أوس بن حارثة ألطف ما يكون
بين اثنين؛ فقال النعمان بن المنذر لجلسائه: واللّه لأفسدن ما بينهما. قالوا: لا
تقدر على ذلك.
قال: بلى فقلما جرت
الرجال في شيء إلا بلغته. فدخل عليه أوسٌ، فقال: يا أوس ما الذي يقول حاتمٌ؟ قال: وما
يقول؟ قال: يقول إنه أفضل منك وأشرف؛ قال: أبيت اللعن، صدق؛ واللّه لو كنت أنا
وأهلي وولدي لحاتم لأنهبنا في مجلسٍ واحدٍ، ثم خرج وهو يقول:
يقول لي النعمان لا
من نصيحةٍ ... أرى حاتماً في قوله متطاولا
له فوقنا باعٌ كما
قال حاتمٌ ... وما النصح فيما بيننا كان حاولا
ثم دخل عليه حاتم
فقال له مثل مقالته لأوسٍ؛ قال: صدق، أين عسى أن أقع من أوس! له عشرة ذكورٍ أخسهم
أفضل مني. ثم خرج وهو قول:
يسائلني النعمان كي
يستزلني ... وهيهات لي أن أستضام فأصرعا
كفاني نقصاً أن أضيم
عشيرتي ... بقولٍ أرى في غيره متوسعا
فقال النعمان: ما
سمعت بأكرم من هذين الرجلين.
يعقوب بن داود أيام
كان مع المهدي ذكر يعقوب بن داود أيام كان مع المهدي أنه وافاه في يوم واحدٍ
ثمانون رقعةً كلها سعايةٌ، منهم ستون لأهل البصرة، وعشرون لسائر البلاد.
بين الاسكندر وبعض
الوشاة وشى واشٍ إلى آلإسكندر؛ فقال له: أتحب أن أقبل منك ما قلت فيه على أن نقبل
منه ما قال فيك؟ قال: لا. قال: فكف عن الشر يكف عنك الشر.
كتاب رجل سعي به إلى
عاملٍ كتب بعض إخواننا من الكتاب إلى عاملٍ وكان سعي به إليه: لست أنفك فيما بيني وبينك
من إحدى أربع: إما كنت محسناً وإنك لكذلك فاربب، أو مسيئاً ولست به فأبق، أو أكون
ذا ذنبٍ ولم أتعمد فتغمد، أو مقروفاً وقد تلحق به حيل الأشرار فتثبت " ولا
تطع كل حلافٍ مهينٍ همازٍ مشاء بنميم " .
؟
باب الكذب
والقحةللنبي صلى الله عليه وسلم في المواضع التي يصلح فيها الكذب حدّثني أحمد بن
الخليل قال: حدّثنا سليمان بن داود عن مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هندٍ عن شهر
بن حوشب عن الزبرقان عن النواس بن سمعان قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم :
" لا يصلح الكذب إلا في ثلاثة مواضع الحرب فإنها خدعةٌ، والرجل يصلح بين
اثنين، والرجل يرضي امرأته " .
حدّثني محمد بن عبيد
قال: حدّثنا بربر بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن حميد لن عبد
الرحمن عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " لم يكذب من قال
خيراً وأصلح بين اثنين " .
لأبي الأسود الدؤلي قال:
حدّثني عبدة بن عبد الله قال: حدّثنا أبو داود عن عمران عن قتادة قال: قال أبو
الأسود الدؤلي: إذا سرك أن تكذب صاحبك فلقنه.
للنبي صلى الله عليه
وسلم في أن المؤمن لا يكون كذاباً حدّثني محمد بن داود عن سويد بن سعيد عن مالك عن
صفوان بن سليم قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً؟ قال:
" نعم " . قال: أفيكون بخيلاً؟ قال: " نعم " . قال: أفيكون
كذاباً؟ قال: " لا " .
بين رجل عاتب رجلا
على الكذب قال: حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: عاتب إنسا نٌ كذاباً علبر
الكذب؛ فقال: يا بن أخي لو تغرغرت به ما صبرت عنه. قال: وقيل لكذوب: أصدقت قط؟
قال: أكره أن أقول لا فأصدق.
لابن عباس وقال ابن
عباس: الحدّث حدّثان: حدّثٌ من فيك وحدّ ثٌ من فرجك.
لمديني وقال مديني:
من ثقل على صديقه خف على عدوه، ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا
يعلمون.
لبعض الشعراء ومثله
قول الشاعر:
ومن دعا الناس إلى
ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
مقالة السوء إلى
أهلها ... أسرع من منحدر سائل
لمجاهد بلغني عن وكيع
عن أبيه عن منصور قال: قال مجاهد: كل ما أصاب الصائم شوًى ما خلا الغيبة والكذب.
وقال سليمان بن سعد:
لو صحبني رجل فقال: اشترط خصلةً واحدة لا يزيد عليها، لقلت لا تكذبني.
لابن عباس في الكذب
والنميمة كان ابن عباس يقول: الكذب فجور، والنميمة سحرٌ، فمن كذب فقد فجر، ومن نم
فقد سحر.
وكان يقال: أسرع
الاستماع وأبطئ التحقيق.
قال الأحنف: ما خان
شريفٌ ولا كذب عاقلٌ ولا اغتاب مؤمنٌ. وكانوا يحلفون فيحنثون ويقولون فلا يكذبون.
لرجل يذم آخر ذم رجل
رجلاً فقال: اجتمع فيه ثلاثة: طبيعة العقعق، يعني السرق، وروغان الثعلب، يعني
الخب، ولمعان البرق، يعني الكذب.
أصناف الأذلاء ويقال:
الأذلاء أربعة: النمام والكذاب والمدين والفقير.
قال ابن المقفع: لا
تهاونن بإرسال الكذبة في الهزل فإنها تسرع في إبطال الحق.
للأحنف في أن الكذب
والمروءة لا يجتمعان وقال الأحنف: اثنان لا يجتمعان أبداً: الكذب والمروءة.
وقالوا: من شرف الصدق
أن صاحبه يصدق على عدوه.
للأحنف يوصي ابنه
وقال: الأحنف لابنه: يا بني اتخذ الكذب كنزاً؛ أي لا تخرجه.
وقيل لأعرابي كان
يسهب في حديثه: أما لحديثك هذا آخرٌ؟ فقال: إذا انقطع وصلته.
لابن عمر وقال ابن
عمر: زعموا زاملة الكذب.
كان يقال: علة الكذوب
أقبح علة، وزلة المتوقي أشد زلة.
اشتهار المهلب بالكذب
كان المهلب كذاباً وكان يقال له: راح يكذب. وفيه يقول الشاعر:
تبدلت المنابر من
قريش ... مزونيًا بفقحته الصليب
فأصبح قافلاً كرمٌ
وجودٌ ... وأصبح قادماً كذبٌ وحوب
بين أبي حنيفة ورجل
قال رجل لأبي حنيفة: ما كذبت كذبةً قط؛ قال: أما هذه فواحدةٌ يشهد بها عليك.
لميمون بن ميمون وقال
ميمون بن ميمون: من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه.
لأبي حية النميري
وكان كذاباً قال أبو حية النميري - وكان كذاباً - : عن لي ظبيٌ فرميته فراغ عن
سهمي فعارضه والله السهم، فراغ فراوغه السهم حتى صرعه ببعض الخبارات.
وقال أيضاً: رميت
ظبيةً فلما نفذ السهم ذكرت بالطبية حبيبةً لي فشددت وراء السهم حتى قبضت على قذذه.
لأعرابي يذكر مبلغ
حبه لامرأة وصف أعرابي امرأة فقيل: ما بلغ من شدة حتك لها؟ قال: إني
لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها ريح المسك.
بين الفرزدق وسليمان
بن عبد الملك في كذب الشعراء أنشد الفرزدق سليمان بن عبد الملك:
ثلاثٌ واثنتان فهن
خمسٌ ... وسادسةٌ تميل إلى شمام
فبتن بجانبي مصرعا تٍ
... وبت أفض أغلاق الختام
كأن مفالق الرمان فيه
... وجمر غضاً قعدن عليه حامي
فقال له سليمان: ويحك
يا فرزدق، أحللت بنفسك العقوبة، أقررت عندي بالزنا وأنا إمامٌ ولا بد لي من أحدك.
فقال الفرزدق: بأي شيء أوجبت على ذلك؟ قال: بكتاب اللّه. قال: فإن كتاب الله هو
الذي يدرأ عني الحد. قال: وأين؟ قال: في قوله: والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر
أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون فأنا قلت يا أمير المؤمنين ما
لم أفعل.
لبعض الشعراء في ذلك
المعنى وقول الشاعر:
وإنما الشاعر مجنونٌ
كلب ... أكثر ما يأتي على فيه الكذب
وقال الشاعر:
حسب الكذوب من البل
... ية بعض ما يحكى عليه
مهما سمعت بكذبةٍ ...
من غيره نسبت إليه
وقال بشار:
ورضيت من طول العناء
بيأسه ... واليأس أيسر من عدات الكاذب
من أقوال العرب في
الكذب والعرب تقول: أكذب من سالئةٍ وهي تكذب مخافة العين على سمنها. وأكذب من مجرب
لأنه يخاف أن يطلب من هنائه .
وأكذب من يلمعٍ وهو
السراب.
لابن سيرين منصور ابن
سلمة الخزاعي قال: حدّثنا شبيب بن شيبة أبو معمر الخطيب قال: سمعت ابن سيرين يقول:
الكلام أوسع من أن يكذب ظريفٌ.
وقال في قول اللّه عز
وجل: " لا تؤاخذني بما نسيت " لم ينس ولكنهما من معاريض الكلام.
للقيني في الصدق وقال
القيي: أصدق في صغار ما يضرني لأصدق في كبار ما ينفغني.
وكان يقول: أنا رجل
لا أبالي ما استقبلت به الأحرار.
لجرمي في قلة الحياء
نافر رجل من جرم رجلاً من الأنصار إلى رجل من قريش، فقال للجرمي: أبا الجاهلية
تفاخره أم بالإسلام؟ فقال: بالإسلام؛ فقال: كيف تفاخره وهم آووا رسول الله ونصروه
حتى أظهر اللّه الإسلام؟ قال الجرمي: فكيف تكون قلة الحياء.
وقال آخر: إنما قويت
على خصومي بأني لم أستتر قط بشيء من القبيح.
لأعرابي يذكر رجلاً
وذكر أعرابي رجلاً فقال: لو دق وجهه بالحجارة لرضها، ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها .
لأسدي في غلبته للناس
قيل لرجل من بني أسد: بأي شيء غلبت الناس؟ قال: أبهت الأحياء وأستشهد الموتى.
شعر لطريح الثقفي يذم
قوماً وقال طريحٌ الثقفي يذم قوماً:
إن يعلموا الخير
يخفوه وإن علموا ... شراً أذيع وإن لم يعلموا كذبوا
اثنان لا يتفقان
واثنان لا يفترقان وكان يقال: اثنان لا يتفقان أبداً: القناعة والحسد، واثنان لا
يفترقان أبداً: الحرص والقحة.
وقال الشاعر:
إن يبخلوا أو يغدروا
... أو يفخروا لا يحفلوا
يغدوا عليك مرجلي ...
ن كأنهم لم يفعلوا
كأبي براقش كل لو ...
نٍ لونه يتخيل
بين أبي الهول
الحميري والفضل بن يحيى هجا أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى ثم أتاه راغباً إليه؛
فقال له الفضل: ويلك بأي وجه تلقاني! قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه
أكثر؛ فضحك ووصله.
من أمثال العربي في
الوقاح ومن أمثال العرب في الوقاح: رمتني بدائها وانسلت.
لبعض الشعراء وقال
الشاعر:
أكولٌ لأرزاق العباد
إذا شتا ... صبورٌ على سوء الثناء وقاح
الغيبة توجب الوضوء
قال رجلٌ لقوم يغتابون ويكذبون: توضؤوا فإن ما تقولون شرٌ من الحدّث.
وبلغني عن حماد بن
زيد عن هشام عن محمد قال: قلت لعبيدة: ما يوجب الوضوء؟ قال: الحدّث وأذى المسلم.
لعمر بن الخطاب روى
الصلت بن دينار عن عقبة عن أنس بن مالك قال: بعثني أبو موسى الأشعريّ من البصرة
إلى عمر؛ فسألني عن أحوال الناس ثم قال: كيف يصلح أهل بلدٍ جل أهله هذان الحيان:
بكر بن وائل وبنو تميم، كذب بكرٌ وبخل تميمٌ.
لبعض الحكماء ذكر بعض
الحكماء أعاجيب البحر وتزيد البحريين فقال: البحر كثير العجائب، وأهله أصحاب
تزيدٍ، فأفسدوا بقليل الكذب كثير الصدق، وأدخلوا ما يكون فيما يكاد لا يكون،
وجعلوا تصديق الناس لهم في غريب الأحاديث سلماً إلى ادعاء المحال.
للأصمعي حدّثني أبو
حاتم عن الأصمعيّ قال: كان يقال: الصدق أحياناً محرمٌ.
لعبد الله بن مسعود
في أيام النبي صلى الله عليه وسلم حدّثني شيخٌ لنا عن أبي معاوية قال: حدّثنا أبو
حنيفة عن معن بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود: ما كذبت على عهد
النبي صلى الله عليه وسلم إلا كذبةً واحدةً، كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فجاء رجلٌ من الطائف فقلت: هذا يغلبني على الرحال؛ فقال: أي الرحال أحب إلى رسول اللّه؟ فقلت: الطائفية
المكية. فرحل بها؛ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " من رحل لنا هذا؟
فقالوا: الطائفي. فقال: " مروا عبد اللّه فليرحل لنا " . فعدت إلى الرحال.
باب سوء الخلق وسوء
الجوار والسباب والشرللنبي صلى الله عليه وسلم في سوء الخلق والبخل حدّثني زياد بن
يحيى قال: حدّثنا أبو داود عن صدقة بن موسى عن مالك بن دينار عن عبد الله بن غالب
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خصلتان لا تجتمعان في
مؤمنٍ سوء الخلق والبخل " .
قال: وحدّثني أحمد بن
الخليل عن أزهر بن جميل عن إسماعيل بن حكيم عن الفضل بن عيسى عن محمد بن المنكدر
عن جابر قال: قيل: يا رسول الله ما الشؤم؟ قال: " سوء الخلق " .
قال: وحدّثني أبو
الخطاب قال: حدّثنا بشر بن المفضل قال: حدّثنا يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم " .
لأيوب قال: وحدّثني
سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال: حدّثني شيخ بمنًى قال: صحب أيوب رجلٌ في طريق مكة
فآذاه الرجل بسوء خلقه؛ فقال أيوب: إني لأرحمه لسوء خلقه.
لأبي الأسود، وله
أيضاً يوصي بنيه قال: وحدّثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال أبو الأسود: لو أطعنا
المساكين في أموالنا كنا أسوأ حالاً منهم. وأوصى بنيه فقال: لا تجاودوا اللّه فإنه
أمجد وأجود، ولو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاجٌ لفعل، فلا تجهدوا
أنفسكم في التوسع فتهلكوا هزلاً.
قال: وسمع رجلاً
يقول: من يعشي الجائع؟ فقال: عليّ به. فعشاه ثم ذهب ليخرج، فقال: أين تريد؟ قال:
أريد أهلي؛ قال: هيهات، عليّ ألا تؤذي المسلمين الليلة، ووضع في رجله الأدهم حتى أصبح.
بين أعرابي وأبي
الأسود قال: وأكل أعرابي معه تمراً فسقطت من يد الأعرابي تمرةٌ فأخذها وقال: لا
أدعها للشيطان؛ فقال أبو الأسود: لا والله ولا لجبريل.
ابن الزبير لرجل نظر
ابن الزبير يوماً إلى رجل وقد دق في صدور أهل الشأم ثلاثة أرماحٍ فقال: اعتزل
حربنا فإن بيت المال لا يقوم لهذا.
ولابن الزبير أيضاً
وذكر أبو عبيد ة أنه كان يأكل في كل سبعة أيام أكلةً ويقول في خطبته: إنما بطني
شبرٌ في شبر وما عسى أن يكفيني.
شعر لأبي وجزة يمدح
ابن الزبير وقال أبو وجزة مولى آل الزبير:
لو كان بطنك شبراً قد
شبعت وقد ... أفضلت فضلاً كثيراً للمساكين
فإن تصبك من الأيام
جائحةٌ ... لا نبك منك على دنيا ولا دين
وفيها يقول:
ما زلت في سورة
الأعراف تدرسها ... حتى فؤادك مثل الخز في اللين
وفيها يقول:
إن امرأً كنت مولاه
فضيعني ... يرجو الفلاح لعندي حق مغبون
ولأخر في ابن الزبير
وفيه يقول آخر :
أيت أبا بكر وربك
غالبٌعلى أمره يبغي الخلافة بالتمر
هذا حين قال: أكلتم
تمري وعصيتم أمري.
لبعض الشعراء وقال
بعض الشعراء:
من دون سيبك لون ليلٍ
مظلمٍ ... وحفيف نافجةٍ وكلب موسد
وأخوك محتملٌ عليك
ضغينةً ... ومسيف قومك لائمٌ لا يحمد
والضعيف عندك مثل
أسود سالخٍ ... لا بل أحبهما إليك الأسود
لأعرابي مدح سعيد بن
سلم ثم هجاه ومدح أعرابي سعيد بن سلم فقال:
أيا سارياً بالليل لا
تخش ضلةً ... سعيدبن سلمٍ ضوء كل بلاد
لنا سيدٌ أربى على كل
سيدٍ ... جوادٌ حثا في وجه كل جواد
فلم يعطه شيئاً، فقال
يهجوه:
لكل أخي مدحٍ ثوابٌ
يعده ... وليس لمدح الباهلي ثواب
مدحت ابن سلمٍ
والمديح مهزةٌ ... فكان كصفوانٍ عليه تراب
الممزق الحضرمي يهجو
الباهليين وقال فيهم الممزق الحضرمي :
إذا ولدت حليلة
باهليٍ ... غلاماً زيد في عدد اللئام
وعرض الباهلي وإن
توقى ... عليه مثل منديل الطعام
ولو كان الخليفة
باهليًا ... لقصر عن مساماة الكرام
بين قدامة بن جعدة
وقتيبة بن مسلم ودخل قدامة بن جعدة على قتيبة بن مسلم فقال: أصلح
الله الأمير، بالباب ألأم العرب؛ قال: ومن ذاك؟ قال: سلولي رسول محاربي إلى باهلي،
فضحك قتيبة.
وقال آخر :
قومٌ إذا أكلوا أخفوا
كلامهم ... وأستوثقوا من رتاج الباب والدار
لا يقبس الجار منهم
فضل نارهم ... ولا تكف يدٌ عن حرمة الجار
لعمر بن عبد العزيز
الطائي الحمصي وقال عمر بن عبد العزيز الطائي من أهل حمص:
سمت المديح رجالاً
دون قدرهم ... صد قبيحٌ ولفظٌ ليس بالحسن
فلم أفز منهم إلا بما
حملت ... رجل البعوضة من فخارة اللبن
وقال آخر:
ألام وأعطي والبخيل
مجاوري ... إلى جنب بيتي لا يلام ولا يعطي
ونحو هذا قولهم: منع
الجميع أرض للجميع.
وقال بشار:
أعطى البخيل فما
انتفعت به ... وكذاك من يعطيك من كدره
قيل لخالد بن صفوان:
ما لك لا تنفق فإن مالك عريضٌ؟ قال: الدهر أعرض منه؛ قيل له: كأنك تأمل أن تعيش
الدهر كله؛ قال: ولا أخاف أن أموت في أوله .
بين الجاحظ والحزامي
في البخل والسخاء قال الجاحظ: قلت مرةً للحزامي: قد رضيت بقول الناس: عبد الله
بخيل؟ قال: لا أعدمني الله هذا الاسم. قلت: كيف؟ قال: لأنه لا يقال فلانٌ بخيلٌ إلا وهو ذو مال، فسلم لي المال وأدعني بأي
اسم شئت؛ قلت: ولا يقال سخي إلا وهو ذو مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد وجمع
هذا الاسم المال والذم؛ قال: بينهما فرقٌ، قلت: هاته؛ قال: في قولهم بخيلٌ تثبيتٌ
لإقامة المال في ملكه، وفي قولهم سخي إخبارٌ عن خروج المال عن ملكه، واسم البخل
اسم فيه حزم وذم، واسم السخاء اسم فيه تضييعٌ وحمد، والمال راهن نافع ومكرمٌ لأهله
معزٌ، والحمد ريحٌ وسخريةٌ واستماعه ضعفٌ وفسولةٌ، وما أقل والله غناء الحمد عنه
إذا جاع بطنه وعري جلده وضاع عياله وشمت عدوه! لمحمد بن الجهم وكان محمد بن الجهم
يقول: من شأن من استغنى عنك ألا يقيم عليك، ومن احتاج إليك ألا يذهب عنك، فمن ضن
بصديقه وأحب الاستكثار منه وأحب التمتع به احتال في دوام رغبته بأن يقيم له ما
يقوته ويمنعه ما يغنيه عنه، فإن من الزهد فيه أن تغنيه عنك ومن الرغبة فيه أن
تحوجه إليك؛ وإبقاؤك مع الضن به أمر من إغنائك له مع الزهد فيه؛ وقيل في مثلٍ: أجع
كلبك يتبعك. فمن أغنى صديقه فقد أعانه على الغدر وقطع أسبابه من الشكر؛ والمعين على
الغدر شريك الغادر، كما أن مزين الفجور شريك الفاجر.
وله يوصي قال: وأوصى
عند موته، وقال في وصيته: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
الثلث، والثلث كثير " ؛ وأنا أزعم أن ثلث الثلث كثيرٌ، والمساكين حقوقهم في
بيت المال، إن طلبوا طلب الرجال أخذوه، وإن جلسوا جلوس النساء منعوه، فلا يرغم
اللّه إلا أنفهم ولا يرحم اللّه من يرحمهم.
بين سوار ورجلين
تنازعا أرضاً عنده تقدم رجلان من قريش إلى سوارٍ أحدهما ينازع مولًى له في حد أرض
أقطعها أبوه مولاه؛ فقال سوار: أتنازع مولاك في حد أرض أقطعها أبوك إياه !؛ فقال:
الشحيح أعذر من الظالم. فرفع سوار يده ثم قال: اللهم اردد على قريش أخطارها.
شعر للخزرجي وقال
الخزرجي:
إن جود المكي جودٌ
حجازيٌ ... وجود الحجاز فيه اقتصاد
كيف ترجو النوال من
كف معطٍ ... قد غذته الأقراص والأمداد
لسليمان بن مزاحم وقد
نظر إلى درهم نظر سليمان بن مزاحم إلى درهم فقال: في شقٍ " لا إله إلا الله
محمدٌ رسول اللّه " وفي
وجه آخر " الله
لا إله إلا هو الحي القيوم " ، ما ينبغي أن يكون هذا إلا معاذةً وقذفه في ا
لصندوق.
شعر للخليل في بخيل
أنشدنا عبد الرحمن بن هانئ صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل :
كفاه لم تخلقا ...
ولم يك بخلهما بدعه
فكفٌ عن الخير
مقبوضةٌ ... كما نقصت مائةٌ تسعه
وكفٌ ثلاثة آلافها
... وتسعمئيها لها شرعه
أبو عليّ الضرير يهجو
المعلى وينسبه للبخل قال أبو عليّ الضرير:
لعمر أبيك ما نسب
المعلى ... إلى كرم وفي الدنيا كريم
ولكن البلاد إذا
آقشعرت ... وصوح نبتهما رعي الهشيم
ولآخر في بخيل وقال
آخر:
أمن خوف فقرٍ، تعجلته
... وأخرت إنفاق ما تجمع
فصرت الفقير وأنت
الغني ... وهل كنت تعدو الذي تصنع
رد رجل كريم على رجلٍ
خوفه الفقر خوف رجلٌ رجلاً جواداً الفقر وأمره بالإبقاء على نفسه ؛ فكتب إليه: إني
أكره أن أترك أمراً قد وقع، لأمر لعله لا يقع.
لأبي الشمقمق يعرض
ببخيل وقال أبي الشمقمق:
رأيت الخبز عز لديك
حتى ... حسبت الخبز في جو السحاب
وما روحتنا لتذب عنا
... ولكن خفت مرزئة الذباب
مثله لدعبل وقال
دعبلٌ:
صدق أليته إذ قال
مجتهداً ... لا والرغيف، فذاك البر من قسمه
قد كان يعجبني لو أن
غيرته ... على جراذقه كانت على حرمه
فإن هممت به فآفتك
بخبزته ... فإن موقعها من لحمه ودمه
ولبعض الشعراء في مثل
ذلك المعنى وقال الشاعر:
ارفق بحفصٍ حين تأ
... كل يا معاوي من طعامه
الموت إيسر عنده ...
من مضغ ضيفٍ والتقامه
وتراه من خوف النزي
... ل به يروع في منامه
سيان كسر رغيفه ...
أو كسر عظمٍ من عظامه
لا تكسرن رغيفه ...
إن كنت ترغب في كلامه
وإذا مررت ببابه ...
فاحفظ رغيفك من غلامه
ومثله لأبي نواس وقال
أبو نواس:
خبز إسماعيل كالوش
... ي إذا ما انشق يرفا
عجباً من أثر الصن
... عة فيه كيف يخفى
إن رفاءك هذا ...
أحذق الأمة كفا
فإذا قابل بالنص ...
ف من الجرذق نصفا
أحكم الصنعة حتى ...
لا ترى موضع إشفى
مثل ماجاء من التن
... ور ما غادر حرفا
وله في الماء أيضاً
... عمل أبدع ظرفا
مزجه العذب بماء ال
... بئر كي يزداد ضعفا
فهو لا يشرب منه ...
مثل ما يشرب صرفا
باب الحمقالشعبي لرجل
استجهله قال الشعبي لرجل استجهله: ما أحوجك إلى مدرجٍ شديد الفتل جيد الجلاز عظيم
الثمرة لدن المهزة يأخذ منك فيما بين عجب الذنب ومغرز العنق فتكثر له رقصاتك من
غير جذل. فقال: وما هذا؟ فقال: بعض الأمر.
في إثابة كل إنسان
على قدر عقله قال: حدّثني القومسي عن محمد بن الصلت الأسدي عن أحمد بن بشير عن
الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عطاء عن جابر قال: كان في بني إسرائيل رجل له حمارٌ،
فقال: يا رب لو كان لك حمارٌ لعلفته مع حماري هذا. فهم به نبيٌ، فأوحى اللّه إليه:
إنما أثيب كل إنسان على قدر عقله.
لابن سيرين عن رجل
أحمق رأى مناماً حدّثني محمد بن خالد بن خداش عن أبيه عن حماد بن زيد عن هشام بن
حسان عن محمد بن سيرين أن رجلاً رأى في المنام أن له غنماً وكأنه يعطى بها ثمانيةً
ثمانيةً، ففتح عينه فلم ير شيئاً، فغمض عينه ومد يده وقال: هاتوا أربعةً أربعةً.
بين أحد العباد، وكان
أحمق، ورجل مر رجل من العباد وعلى عنقه عصا في طرفيها زبيلان قد كادا يحطمانه، في أحدهما
بر وفي الآخر ترابٌ، فقيل له: ما هذا؟ قال: عدلت البر بهذا التراب، لأنه كان قد
أمالني في أحد جانبي. فأخذ رجلٌ زبيل التراب فقلبه وجعل البر نصفين في الزبيلين
وقال له: احمل الآن؛ فحمله، فلما رآه خفيفاً قال: ما أعقلك من شيخ!
حفر أعرابي لقوم
قبراً في أيام الطاعون بدرهمين، فلما أعطوه الدرهمين قال: بأبي دعوهما عندكم حتى
يجتمع لي ثمن ثوب.
لأم عمرو بنت جندب
كانت أم عمرو بنت جندب بن عمرو بن جمعة السدوسي عند عثمان بن عفان، وكانت حمقاء
تجعل الخنفساء في فيها ثم تقول: حاجيتك ما في فمي؟ وهي أم عمرو وأبان ابني عثمان.
لبعض ولاة بني أمية
على المدينة إبراهيم بن المنذر قال: حدّثنا زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن
أبيه عن جده قال: رأيت طارقاً وهو والٍ الخلفاء من بني أمية على المدينة يدعو
بالغداء فيتغدى على منبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويكون فيه العظم المخ فينكته
على رمانة المنبر فيأكله.
أم غزوان الرقاشي
لابنها قالت أم غزوان الرقاشي لابنها - ورأته يقرأ في المصحف - : يا غزوان، أما
تجد فيه بعيراً لنا ضل في الجاهلية؟ فما كهرها وقال: يا أمه، أجد والله فيه وعداً
حسناً ووعيداً شديداً.
بين ابن أبي عتيق
ورجل سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى قال: قال ابن أبي عتيق لرجل: ما اسمك؟ قال:
وثابٌ. قال: فما كان اسم كلبك؟ قال: عمرو. قال: واخلافاه! لأبي الدرداء في علامات
الجاهل قال أبو الدرداء: علامة الجاهل ثلاثٌ: العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن ينهى عن
شيء ويأتيه.
أغمي على رجل من
الأزد فصاح النساء واجتمع الجيران وبعث أخوه إلى غاسل الموتى فجاء فوجده حياً بعد؛
فقال أخوه: اغسله فإنك لا تفرغ من غسله حتى يقضي.
لأردشير في عيب الجهل
وقال أردشير: بحسبكم دلالةً على عيب الجهل أن كل إنسان ينتفي منه ويغضب إذا نسب !ليه.
وكان يقال: لا يغرنك
من الجاهل قرابةٌ ولا أخوة ولا إلفٌ فإن أحق الناس بتحريق النار أقربهم منها.
لعمر بن عبد العزيز
في خصال الجاهل قال عمر بن عبد العزيز: خصلتان لا تعدمانك من الجاهل: كثرة
الالتفات وسرعة الجواب.
عمر بن الخطاب ينهي
عن مؤاخاة الأحمق وقال عمر بن الخطاب: إياك ومؤاخاة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك
فيضرك.
وقال بعضهم: لأن
أزاول أحمق أحب إلي من أن أزاول نصف أحمق؛ يعني الأحمق المتعاقل.
لهشام بن عبد الملك
فيما يعرف به الأحمق وقال هشام بن عبد الملك يعرف حمق الرجل بأربعةٍ: بطول لحيته،
وبشناعة كنيته، ونقش خاتمه، وإفراط شهوته ؛ فدخل عليه ذات يوم شيخٌ طويل العثنون،
فقال هشام: أما هذا فقد جاء بواحدة، فانظروا أين هو من الثلاث؛ فقيل له: ما كنيتك؟
فقال: أبو الياقوت ؛ وقالوا: ما نقش خاتمك؟ قال: وجاءوا على قميصه بدمٍ كذبٍ وفي
حكاية أخرى وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد؛ فقيل له: أي الطعام تشتهي؟
فقال: جلنجبين، وفي حكاية أخرى: مصاصة لعمر بن عبد العزيز سمع عمر بن عبد العزيز
رجلاً ينادي رجلاً: يا أبا العمرين، فقال: لو كان له عقلٌ كفاه أحدهما.
لأبي العاج والي واسط
وقال أبو العاج يوماً لجلسائه - وكان يلي واسط - : إن الطويل لا يخلو من أن يكون
فيه إحدى ثلاث: أن يفرق الكلاب، أو يكون في رجله قرحةٌ، أو يكون أحمق، وما زلت
وأنا صغيرٌ في رجلي قرحةٌ، وما فرق الكلاب أحدٌ فرقي، وأما الحمق فأنتم أعلم
بواليكم.
ويقال: الأحمق أعلم
بشأنه من العاقل بشأن غيره.
شعر لبشار وقال بشار:
خليلي إن العسر سوف
يفيق ... لأن يساراً في غد لخليق
وما كنت إلا كالزمان
إذا صحا ... صحوت لأن ماق الزمان أموق
ذريني أشب همي براحٍ
فإنني ... أرى الدهر فيه كربةٌ ومضيق
وقال رجل: فلان إلى
من يداوي عقله أحوج منه إلى من يداوي بدنه.
لبعض الحكماء قيل
لبعض الحكماء: متى يكون الأدب شراً من عدمه؟ قال: إذا كثر الأدب ونقص العقل.
من كتاب الهند في
الحمق والحمقاء وقرأت في كتاب للهند: من الحمق التماس الرجل الإخوان بغير وفاءٍ،
والأجر بالرياء، ومودة النساء بالغلظة، ونفع نفسه بضر غيره، والعلم والفضل بالدعة
والخفض. وفيه: ثلاثة يهزأ بهم: مدعي الحرب ولقاء الزحوف وشدة النكاية في الأعداء
وبدنه سليمٌ لا أثر به، ومنتحل علم الدين والإجتهاد في العبادة وهو غليظ الرقبة
أسمن من الأثمة، والمرأة الخلية تعيب ذات الزوج. أيضاً من كتاب الهند في خمسةٍ
يعملون بجهل
وفيه: من يعمل
بجهلٍ خمسةٌ: مستعمل الرماد في جنته بدلاً من الزبل، ومظهر مستور عورته، والرجل
يتزيا بزي المرأة والمرأة تتزيا بزي الرجل، والمتملك في بيت مضيفه، والمتكلم بما
لا يعنيه ولا يسأل عنه.
وفيه: الأدب يذهب عن
العاقل السكر ويزيد الأحمق سكراً، كما أن النهار يزيد كل ذي بصر بصراً ويزيد
الخفافيش سوء بصر.
وكانوا يكرهون م ن
يزيد منطق الرجل على عقله.
لبعض الشعراء في جاهل
قال الشاعر في جاهل :
ما لي أرى الناس
يأخذون ويع ... طون ويستمتعون بالنشب
وأنت مثل الحمار أبهم
لا ... تشكو جراحات ألسن العرب
بين الأحنف ورجل سمع
الأحنف رجلاً يقول: ما أبالي أمدحت أم هجيت. فقال الأحنف: استرحت من حيث تعب
الكرام.
لعامر بن كريز، وهو
من حمقى قريش، وقد سمع ابنه عبد الله وهو يخطب كان عامر بن كريز أبو عبد الله بن
عامر من حمقى قريش، نظر إلى ابنه عبد الله وهو يخطب فأقبل على رجل إلى جانبه وقال:
إنه واللّه خرج من هذا، وأشار إلى ذكره.
العاص بن هشام، من
حمقى قريش ومن حمقى قريش العاص بن هاشم أخو أبي جهل وكان أبو لهب قامره فقمره ماله
ثم داره ثم قليله وكثيره وأهله ونفسه فاتخذه عبداً وأسلمه قيناً، فلما كان يوم بدر
بعث به عن نفسه فقتل ببدر كافراً، قتله عمر بن الخطاب، وكان خال عمر.
من حمقى قريش أيضاً:
الأحوص بن جعفر ومن حمقى قريش الأحوص بن جعفر بن عمرو بن حريث، قال له يوماً
مجالسوه: ما بال وجهك أصفر! أتشتكي شيئاً؟ وأعادوا عليه ذلك، فرجع إلى أهله يلومهم
ويقول لهم: أنا شاكٍ ولا تعلمونني! ألقوا عليّ الثياب وابعثوا إلى الطبيب.
وتمارض مرةً فعاده
أصحابه وجعل لا يتكلم، فدخل شراعة بن عبيد اللّه بن الزندبوذ وكان أملح أهل
الكوفة، فعرف أنه متمارضٌ فقال: يا فلان كنا أمس بالحيرة فأخذنا الخمر ثلاثين
قنينة بدرهم. والخمر يومئذ ثلاث قناني بدرهم، فرفع الأحوص رأسه وقال: كذا مني في
كذا من أم الكاذب. واستوى جالساً، فنثر أهله على شراعة السكر؛ فقال له شراعة: أجلس
لا جلست وهات شرابك. فشربا يومهما.
من حمق بكار بن عبد
الملك بن مروان ومن حمقى قريش بكار بن عبد الملك بن مروان، وكان أبوه ينهاه أن
يجالس خالد بن يزيد بن معاوية لما يعرف من حمق ابنه، فجلس يوماً إلى خالد، فقال
بكار: أنا والله كما قال الأول: مرددٌ في بني اللخناء ترديدا وكان له بازٍ فقال
لصاحب الشرطة: أغلق أبواب المدينة لئلا يخرج البازي.
أيضاً لمعاوية بن
مروان من حمقى قريش، بينه وبين طحان ومن حمقى قريش معاوية بن مروان أخو عبد الملك
بن مروان. بينا هو واقف بباب دمشق ينتظر عبد الملك على باب طحان نظر إلى حمار
الطحان يدور الرحا وفي عنقه جلجلٌ، فقال للطحان: لم جعلت في عنق الحمار جلجلاً؟
فقال: ربما أدركتني سآمةٌ أو نعسةٌ فإذا لم أسمع صوت الجلجل علمت أنه قام فصحت به؛
فقال معاوية: أرأيت إن قام وحرك رأسه ما علمك أنه قائم؟ قال الطحان: ومن لحماري
بمثل عقل الأمير!.
بين معاوية بن مروان
وأبي امرأته وقال معاوية هذا لأبي آمرأته: ملأتنا أبنتك البارحة بالدم؛ فقال: إنها
من نسوة يخبأن ذلك لأزواجهن.
وقال له أيضاً يوماً
آخر: لقد نكحت ابنتك بعصبة ما رأت مثلها قط. فقال له: لو كنت عنيناً ما زوجناك.
سليمان بن يزيد بن
عبد الملك ومن حمقى قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، قال يوماً: لعن اللّه
الوليد أخي فإنه كان فاجراً، واللّه لقد أرادني على أن يفعل بي. فقال له قائل:
أسكت فوالله لئن كان هم لقد فعل.
لعائشة بنت عثمان في
أخي سعيد بن العاص خطب سعيد بن العاص عائشة بنت عثمان على أخيه، فقالت: هو أحمق لا
أتزوجه أبداً، له برذونان أشهبان فهو يحتمل مؤونة اثنين وهما عند الناس واحدٌ.
وأخبرني رجل أنه كان
له صديق له برذونان في شيةٍ واحدة فكنا لا نظن إلا أن له برذوناً واحداً، وغلامان
يسميان جميعاً بفتح، وكان إذا دعا واحداً قال: يا فتح الكبير، وإذا دعا لآخر قال:
يا فتح الصغير.
لعجيل بن لجيم وقد
سأله ابنه عن اسم لفرسه قال أبو عبيدة: أرسل ابن لعجل بن لجيم فرساً له في حلبة
فجاء سابقاً، فقال لأبيه: يا أبت، بأي شيء أسميه؟ فقال: افقأ إحدى عينيه وسمه
الأعور.
لبعض الشعراء يهجو
بني عجل وقال الشاعر:
رمتني بنو عجلٍ بداء
أبيهم ... وأي عباد الله أنوك من عجل!
أليس أبوهم عار عين
جواده ... فأضحت به الأمثال تضرب في الجهل
ومن عجل " دغة
" التي يضرب بها المثل في الجهل، فيقال: هي دغة بنت مغنج؛ ويقال: دغة لقبٌ،
واسمها مارية بنت زمعة.
لحيان بن غضبان قال
أبو اليقظان: ومن عجل حيان بن غضبان ورث نصف دار أبيه فقال: أريد أن
أبيع حصتي من الدار وأشتري النصف الباقي فتصير كلها لي.
ومن القبائل المشهور
فيها الحمق الأزد شعر لأزدي في المهلب بن أبي صفرة قال رجلٌ منهم في المهلب بن أبي
صفرة:
نعم أمير الرفقة
المهلب ... أبيض وضاحٌ كتيس الحلب
ينقص بالقوم انقضاض
الكوكب فلما أنشده المهلب، قال: حسبك رحمك الله! من أشعار الأزديين ومن أشعارهم:
يا رب جاريةٍ في الحي
حالية ... كأنها عومةٌ في جوف راقود
وقال آخر منهم :
زياد بن عمرٍو عينه
تحت حاجبه ... وأسنانه بيضٌ وقد طر شاربه
شعر لعمر بن لجا يصف
إبلاً وقال عمر بن لجأٍ يصف إبلاً:
تصطك ألحيها على
دلائها ... تلاطم الأزد على عطائها
لأبي دحية النميري
وقال أبو حية النميري:
وكأن غلي دنانهم في
دورهم ... لغط العتيك على خوان زياد
بين أزدي ويزيد بن
المهلب كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب: والله ما أنت بصاحب هذا الأمر،
صاحب هذا الأمر مغمورٌ موتورٌ وأنت مشهورٌ غير موتورٍ، فقام إليه رجل من الأزد
فقال: قدم ابنك مخلداً حتى يقتل فتصير موتوراً.
أيضاً بين أزدي وعبيد
اللّه بن زياد قام رجل من الأزد إلى عبيد الله بن زياد فقال: أصلح الله الأمير، إن
امرأتي هلكت وأردت أن أتزوج أمها وأزوج ابني ابنتها وهذا عريفي، فأعني في الصداق ؛
فقال: في كم أنت من العطاء؟ قال: في سبعمائةٍ ؛ قال: حطا عنه أربعمائةٍ، يكفيك
ثلاثمائةٍ.
لقبيصة بن المهلب ومن
حمقى الأزد قبيصة بن المهلب، رأى جراداً يطير فقال: لا يهولنكم ما ترون فإن عامتها
موتى.
وقال يوما: رأيت
غرفةً فوق بيت.
وقال لغلامه: اذهب
إلى بياض الملاء.
بين كلاب بن صعصة
وأخوته ومن حمقى العرب كلاب بن صعصعة، خرج أخوته يشترون خيلاً وخرج معهم كلا بٌ
فجاء بعجل يقوده؛ فقال له أخوته: ما هذا؟ قال: فرسٌ اشتريته، قالوا: يا مائق، هذه
بقرةٌ أما ترى قرنيها! فرجع إلى بيته فقطع قرنيها، فأولاده يدعون بني فارس البقرة
شعر للكميت قال الكميت:
ولولا أمير المؤمنين
وذبه ... بخيل عن العجل المبرقع ما صهل
شذرة بن الزبرقان
وكان شذرة بن الزبرقان من الحمقى، دخل يوم الجمعة المسجد فأخذ بعضادتي الباب ثم
قال: السلام عليكم، أيلج شذرة؟ فقالوا له: هذا يومٌ لا يستأذن فيه. قال: أفيلج
مثلي على جماعة مثل هؤلاء ولا يعرف مكانه! لرجل من كلب استعمله معاوية ثم عزله
عوانة قال: استعمل معاوية رجلاً من كلب؛ فذكر المجوس يوماً فقال: لعن الله المجوس
ينكحون أمهاتهم، والله لو أعطيت عشرة آلاف ما نكحت أمي. فبلغ ذلك معاوية، فقال:
قبحه الله! أترونه لو زادوه فعل؛ وعزله.
للحارث بن جران وقد
سأله قوم إعانتهم في بناء مسجد حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: سأل القوم الحارث
بن جران أن يعينهم في تأسيس مسجد؛ فقال: قيروه وعليّ الودع.
لوالي اليمامة وسبب
تسميته بمقوم الناقة خطب والي اليمامة فقال: إن اللّه لا يقار على المعاصي عباده،
وقد أهلك أمةً عظيمةً في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم. فسمي مقوم الناقة.
ليزيد بن ثروان وقد
شرد له بعير شرد بعيرٌ لهبنقة، واسمه يزيد بن ثروان، فقال: من وجد بعيري فهو له.
فقيل له: وما ينفعك من هذا؟ قال: إنكم لا تدرون ما حلاوة الوجدان.
بين المنصور والربيع
والقاسم بن محمد الطلحي وقال المنصور للربيع: كيف تعرف الريح؟ قال: أنظر إلى خاتمي
فإن كان سلساً فهي شمالٌ وإلا فهي جنوبٌ. فسأل القاسم بن محمد الطلحي عن ذلك؛
فقال: أضرب بيدي إلى خصيتي فإن كانتا قد قلصتا فهي شمالٌ وإن كانتا متدليتين فهي
جنوبٌ.
من أخبار أبي كعب
القاص
قال أبو كعب القاص في
قصصه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في كبد حمزة ما قد علمتم، فادعوا الله أن
يطعمنا من كبد حمزة.
وكان يقول في قصصه:
ليس في خيرٌ ولا فيكم، فتبلغوا بي حتى تجدوا خيراً مني.
وقال هو أو غيره في
قصصه: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا وكذا؛ قالوا: فإن يوسف لم يأكله الذئب؛
قال: فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
لقاص يضرب مثلاً في
الكافر والمؤمن.
حدّثني عبد الرحمن بن
عبد الله عن عمه قال: كان قاصٌ يقص في المسجد فيقول: مثل الكافر مثل قصر الإسكاف
خارجه حسن وداخله مخرأةٌ، ومثل المؤمن مثل قصر زربي جداره كالحٌ وداخله زهرةٌ.
ويقول: وما الدنيا!
أخزى الله الدنيا! إنما مثلها مثل أير حمارٍ، بينا هو قد أنعظ إذ طفيء.
وقال: المؤمن غذاؤه
فلقةٌ وسمكته شلقةٌ ودواؤه علقةٌ ومرقته سلقةٌ.
بين داود المصاب
وصاحب له أصابت داود المصاب مصيبةٌ فاغتم؛ فقال له صاحبٌ له: لا تتهم
اللّه في قضائه. فقال داود: أقول لك شيئاً وتكتمه؟ قال: نعم. قال: والله ما
صاحبي غيره.
وبينه وبين رجل
استشاره في حمل أمه إلى البصرة واستشاره رجل في حمل أمه إلى البصرة، وقال: إن
حملتها في البر خفت عليها اللصوص، وإن حملتها في الماء خفت عليها الغرق؛ فقال: خذ
بهم سفتجةً.
بين بعض السلاطين
ومجنونين دعا بعض السلاطين مجنونين ليضحك منهما، فأسمعاه فغضب فدعا بالسيف؛ فقال
أحدهما للآخر: كنا اثنين وقد صرنا ثلاثةً.
بين ابن سيابة ورجل
اتهمه بعدم معرفة الله قال رجل لابن سيابة مولى بني أسد: ما أراك تعرف الله. قال:
أتراني لا أعرف من أجاعني وأعراني وأخزاني.
لأعرابي وسئل عن بره
بأمه قيل لأعرابي: كيف برك بأمك؟ قال: ما قرعتها سوطاً قط.
أيضاً لأعرابي ضرب
أمه وقيل لآخر وهو يضرب أمه: ويحك؛ تضرب أمك! فقال: أحب أن تنشأ على أدبي.
لبعض الشعراء وقال
بعض الشعراء:
جنونك مجنون ولست
بواجدٍ ... طبيباً يداوي من جنون جنون
وقال آخر:
وكيف يفيق الدهر كعب
بن ناشبٍ ... وشيطانه بين الأهلة يصرع
شعر لأعرابي وذكر
الله عز وجل وقال أعرابي وذكر اللّه عز وجل:
خلق السماء وأهلها في
جمعةٍ ... وأبوك يمدر حوضه في عام
بين أبو العاج وصاحب
شرطته كان أبو العاج والي واسط، وأتاه صاحب شرطته بقوادةٍ فقال: أصلح اللّه
الأمير، هذه قوادةٌ. قال: وأي شيء تصنع؟ قال: تجمع بين الرجال والنساء. قال:
لماذا؟ قال: للزنا؛ قال: وإنما أتيتني بها لتعرفها منزلي! خل عنهم لعنك الله.
وأتاه يوماً بمخنثٍ،
فقال له: ما هذا؟ قال: مخنثٌ؛ قال: وما يصنع؟ قال: ينكح كما تنكح المرأة؛ قال: يبذل هذا آسته
وأحظر أنا عليه! اذهب يابن أخي فارتد لها.
لوكيع بن أبي أسود خطب
وكيع بن أبي أسودٍ بخراسان فقال: إن اللّه خلق السموات والأرض في ستة أشهرٍ؛ فقيل
له: إنها ستة أيام ؛ فقال: واللّه لقد قلتها وأنا أستقلها.
بين سليمان بن عبد
الملك ورجل تغدى رجلٌ عند سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ ولي عهدٍ وقدامه جدي،
فقال له سليمان: كل من كليته فإنها تزيد في الدماغ؛ فقال: لو كان هذا هكذا كان رأس
الأمير مثل رأس البغل.
صاحب اللجام أبو عبيد
ة: أجريت الخيل فطلع منهم فرسٌ سابقٌ فجعل رجل من النظارة يكبر ويثب من الفرح؛
فقال له رجل إلى جانبه: يا فتى، هذا الفرس فرسك؟ قال: لا ولكن اللجمام لي.
بين أبو عتاب وعمرو
بن هداب دخل أبو عتاب على عمرو بن هداب وقد كف بصره والناس يعزونه، فقال: يا أبا
زيدٍ، لا يسوءنك ذهابهما، فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنيت أن الله قطع يديك
ورجليك ودق ظهرك.
بين أعمى وقائده كان
رجل يقود أعمى بكراءٍ، فكان الأعمى ربما عثر فيقول: اللهم أبدلني به قائداً خيراً
منه. ويقول القائد: اللهم أبدلني أعمى خيراً منه.
لأبي بكر الشيباني
ادعى أبو بكر الشيباني إلى العرب ذات ليلة فأصبح من الغد على الشمس فقعد فيها
فثارت به مرةٌ، فجعل يحك جسده بأظفاره خمشاً ويقول: إنما نحن إبل؛ فقال له قائل:
والله إنك تشبه العرب، فغضب وقال: أيقال لي هذا! أنا واللّه حرباء تنضبةٍ، يشهد لي سواد لوني وغؤور عيني وحبي للشمس.
أبو السفاح يوصي عند
موته
قيل لأبي السفاح عند
موته: أوصه؛ فقال: إنا لكرام قوم طخفة. قالوا: قل خيراً يا أبا السفاح؛ فقال: إن
أحبت امرأتي فأعطوها بعيراً؛ قالوا: قل خيراً؟ قال: إذا مات غلامي فهو حر.
ولرجل عند موته وقيل
لرجل عند موته: قل لا إله إلى الله، فأعرض، فأعادوا عليه مرارا، فقال: أخبروني عن
أبي طالب أقالها عند موته؟ قالوا: وما أنت وأبو طالب! قال: لا أرغب بنفسي عنه.
أيضا لعجير السلولي
عند موته ولما احتضر العجير السلولي قال لقوم عنده: أنا في آخر يوم من أيام الدنيا
وأول يوم من أيام الآخرة، واللّه لئن وجدت لي عند الله موضعاً لأكلمنه فيكم.
مثله لأوس بن حارثة،
وغيره وقيل لأوس بن حارثة عند موته: قل لا إله إلا اللّه. فقال: لم يأن لهم بعد.
وقيل لآخر عند موته:
ألا توصي؟ قال: أنا مغفور لي؛ قالوا: قل إن شاء الله، قال: قد شاء
الله ذلك. قالوا: لا تدع الوصية، فقال لبني أخيه:
بني حريث ارفعا وسادي
... واحتفظا بالجلة الجلاد
فإنما حوليهما
الأعادي
لسهل بن هم هارون قال
سهل بن هارون: ثلاثة من المجانين وإن كانوا عقلاء. الغضبان والغيران والسكران؟ قالوا: فما تقول في المنعظ؟ فضحك وقال:
وما شر الثلاثة أم
عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا
للوليد قال الوليد:
إلا إن أمير المؤمنين عبد الملك كان يقول: إن الحجاج جلدة ما بين عيني، لا وإن
الحجاج جلدة وجهي كله.
العتاب بن ورقاء يحث
على الجهاد خطب عتاب بن ورقاء فحث على الجهاد وقال: هذا كما قال الله تعالى:
كتب القتل والقتال
... عليّنا وعلى الغانيات جر الذيول
شعر في الربيع والي
اليمامة وقال آخر في الربيع وإلى اليمامة:
شهدت بأن الله حق
لقاؤه ... وأن الربيع العامري رقيع
أقاد لنا كلباً بكلب
ولم يدع ... دماء كلاب المسلمين تضيع
بين شاب دخل على
المنصور والربيع دخل شاب على المنصور فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مات رحمه اللّه
يوم كذا وكذا، وكان مرضه رضي الله عنه كذا وكذا، وترك عفا اللّه عنه من المال كذا
وكذا؟ فانتهزه الربيع وقال: أبين يدي أمير المؤمنين توالي الدعاء لأبيك! فقال
الشاب: لا ألومك، إنك لم تعرف حلاوة الآباء؛ فما علم أن المنصور ضحك مثل ضحكه
يومئذ. وكان الربيع لقيطاً.
هاشمي دخل على
المنصور والربيع دخل رجل من بني هاشم على المنصور فاستجلسه ودعا بغدائه فقال
للفتى: ادن! فقال. قد تغذيت؛ فلما خرج استخف به الربيع ودفع في قفاه، وقال: هذا
كان يسلم من بعيد وينصرف، فلما استدناه أمير المؤمنين وأمره بالجلوس ودعاه إلى
طعامه تبذل بين يديه فبلغ من جهله بفضيلة المنزلة التي صيره فيهم أن قال: قد
تغذيت، وإذاً ليس عنده لمن تغدى مع أمير المؤمنين إلا سد خلة الجوع.
للحجاج على قبر رجل
من جند أهل الشام يونس الهجري قال: مات رجل من جند أهل الشام فحضر الحجاج جنازته،
وكان عظيم القدر، فصلى وجلس على قبره وقال: لينزل قبره بعض إخوانه! فنزل نفر منهم،
فقال أحدهم وهو يسوي عليه: رحمك اللّه أبا فلان! إن كنت ما علمتك لتجيد الغناء وتسرع
رب الكأس، ولقد وقعت في موقع سوء لا تخرج نه إلى الدكة؛ فما تمالك الحجاج أن ضحك
فأكثر، وكان لا يكثر الضحك في جد ولا هزل، ثم قال له: لا أم لك! هذا موضع هذا! قال: أصلح الله الأمير، فرسي حبيس لو سمعه
يتغنى:
يا لبينى أوقدي
النارا
لانتشر الأمير على
سنعة. وكان الميت يلقب سعنة، وكان من أوحش خلق اللّه صورة وأدمهم؛ فقال الحجاج:
إنا الله! أخرجوه عن القبرة؛ ثم قال: ما أبين حجة أهل العراق في جهلكم يا أهل
الشأم. ولم يبق أحد حضر القبر إلا استفرغ ضحكاً.
بين داود بن المعتمر
وامرأة تبع داود بن المعتمر امرأة ظن أنهم من الفواسد، فقال لهم: لولا ما رأيت
عليك من سيما الخير لم اتبعك؛ فضحكت المرأة وأسندت ظهرهم إلى الحائط ثم قالت: إنما
يعتصم مثلي من مثلك بسيما الخير، فإذا صار سيما الخير هو الدال لمثلك على مثلي
فاللّه المستعان.
كان بهلول المجنون
يتغنى بقيراط ولا يسكت إلا بدانقٍ.
وكان رجل يهوى جارية
تختلف في حوائج أهلها، وكانت إذا خرجت إلي السوق ولم يعلم بخروجهم ثم رجعت فرآهم
قال وهو يسمعهم: " لو كنت أعلم بالغيب لاستكثرن من الخير " إن وعدته
شيئاً فأخلفت قال: " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " فإن
تغضبت لشيء بلغها عنه قال: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " .
بين امرأة تبكي على
قبر وأحمق مر بعض الحمقى بامرأة قاعدة على قبر وهي تبكي، فرق لهم وقال: من هذا
الميت؟ قالت: زوجي؛ قال: فما كان عمله؟ قالت. يحفر القبور؛ قال: أبعده الله أما
علم أن من حفر حفرة وقع فيها! لأحمق أحدّث على باب رجل أحدّث رجل من الحمقى ليلة
على باب رجل، فلما خرج الرجل زلق ووقع على ذراعه فانكسرت، واجتمع الجيران وجعلوا يختصمون
ويوقعون الظنون وهو ناحية يسمع كلامهم، فلما أكثروا قال:
رأيت الحرب يجنيهم
رجال ... ويصلى حرها قوم براء
فأخذوه وقالوا: أنت صاحبنا.
لداود المصاب وقد رأى
رؤيا قال داود المصاب: رأيت رؤيا نصفها حق ونصفهم باطل، رأيت كأن على عنقي بدرة
فمن ثقلهما أحدّثت فاستيقظت فرأيت الحدّث ولم أر البدرة.
الأعرابي رئي أعرابي
يبكي بكاء شديداً، فسئل عن سبب بكائه فقال. بلغني أن جالوت قتل مظلوماً.
بين أحمق وشيخ رأى
رجل أحمق شيخاً في الحمام أعكن البطن، فقال له: يا عم إني أشتهي أن أضع هذا - يعني
ذكره - في سرتك؛ فقال له الشيخ: يا بن أخي فأين يكون استك حينئذ.
لأعرابي وقد نزل عليه
يهودي ومات عنده نزل يهودي على أعرابي فمات عنده، فقام الأعرابي يصلي عليه فقال: اللهم
إنه ضيف وحق الضيف ما قد علمت، فأمهلنا إلى أن نقضي ذمامه ثم شأنك والكلب.
بين اثنين شركاء في
عبد وحدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: كان بين اثنين عبد فقام أحدهما فجعل
يضربه؛ فقال له الآخر شريكه: ما تصنع؟ قال: إنما أضرب حصتي.
بين أعرابي ورجل قال
أعرابي لرجل: ما اسمك؟ قال: عبد الله. قال: ابن من؟ قال: ابن عبيد اللّه. قال: أبو من؟ قال: أبو عبد الرحمن. قال: أشهد إنك
لتلوذ بالله لواذ يتيم جبان.
لبعضهم عن رجلين
بالبصرة يتنازعان قال بعضهم: رأيت رجلين بالبصرة على باب مويس يتنازعان في العنب النيروزي والرازقي: أيهما
أطيب، فجرى بينهما كلام إلى أن تواثبا، فقطع الكوفي إصبع البصري وفقأ البصري عين
الكوفي، ثم لم ألبث إلا يسيراً حتى رأيتهما متصافيين متنادمين.
بين ثمامة وشيخ
يحتجيم قال: وقال ثمامة: مررت في غب سماء والأرض ندية والسماء متغيمة والريح شمال
وإذا شيخ أصفر كأنه جرادة، وقد قعد على قارعة الطريق وحجام يحجمه على كاهله
وأخدعيه بمحاجم كأنها قعاب وقد مص دمه حتى كاد يستفرغه؛ فوقفت وقلت: يا شيخ لم
تحتجم؟ قال: لمكان الصفار الذي بي.
الطمحان يعود مريضاً
أتى الطمحان قوماً يعود عليّلاً لهم عزاهم به؛ قالوا: إنه لم يمت! فرجع وهو يقول.
يموت إن شاء الله، يموت إن شاء الله.
لنافع عن حمق الناضري
أبو حاتم عن الأصمعيّ عن نافع قال: كان الغاضري من أحمق الناس! فقيل له:
ما حمقه؟ فجعل يتربث، فلما أكثر عليه قال. قال لي مرة: البحر من حفره؟ وها حفر
فأين نبيثته؟ أترى أمير المؤمنين يقدر على أن يحفر مثله في ثلاثة أيام؟ لشاعر أحمق
وشريف دخل رجل من الحمقى من الشعراء على رجل من الأشراف يقال في نسبه، فقال: إني
قد امتدحتك بشعر لم تمدح قط بأنفع لك منه؛ قال: ما أحوجني إلى المنفعة فهاته فقال:
سألت عن أصلك فيما
مضى ... ابناء سبعين وقد نيفوا
فكلهم يخبرني أنه ...
مهذب جوهره يعرف
فقال له: قم في لعنة
الله وفي سخطه! لعنك الله ولعن من سألت ومن أجابك.
بين أعرابي وعمه
وحدّثنى أبو حاتم عن الأصمعي قال: جاء رجل من الأعراب إلى عمه فقال: يا عم، إن ولد
جارية آل فلان مني فافتده. ففعل! ثم جاءه مرة أخرى فقال له مثل ذلك؛ فقال له عمه:
لو عزلت! قال: بلغني أن العزل مكروه.
قال: وحدّثنا
الأصمعيّ قال: بلغني عن شيخ جزع على ميت جزعاً شديداً؛ فقيل له في ذلك: فقال: نحن
قوم لم نتعود الموت.
أبو الحسن الجعفري
قال: قيل لكردم السدوسي: كل؛ قال: ما أريد؛ قيل: ولم؟ قال: أكلت قليل أرز فأكثرت
منه.
لأعرابي أفعل بعيره
ضل بعير لأعرابي فجعل
ينشده إلى أن دخل الإمارة فأخذ منها بعيراً؛ فقيل له. إن بعيرك كان أعرابياً قال: إنه لما أكل من مال الإمارة تبخت.
لحبيش بن دلجة وأهل
المدينة الهيثم عن ابن عباس قال: لما ولي مروان وجه حبيش ابن دلجة القيني إلى
المدينة وكان يصعد المنبر ومعه الكتلة من التمر فيأكلهم ثم يلقي النوى على وجوه
أهل المدينة يميناً وشمالاً، ثم يقول: يا أهل المدينة، إني لأعلم أن هذا المكان في
حرمته وموضعه ليس موضع أكل شرب، ولكني أحب أن أريكم هوانكم على اللّه.
قيل لمعلم بن معلم:
ما لك أحمق؟ قال: لو لم أكن أحمق كنت ولد زناً.
لبعض الشعراء قال بعض
الشعراء:
فإن كنت قد بايعت
مروان طائعاً ... فصرت إذاً بعد المشيب معلماً
وقال آخر:
وكيف ترجي العقل
والرأي عند من ... يروح على أنثى ويغدو على طفل
لأبي عبد الله الكرخي
وقد ادعى أنه فقيه ابن المدائني قال: تحول أبو عبد الله الكرخي إلى الخريبة فادعى
الفقه وظن أن ذلك يجوز لمكان لحيته وسمته، فألقى على باب داره البواري وجلس فجلس
إليه قوم فقال له رجل منهم: يا أبا عبد الله، رجل في الصلاة أدخل إصبعه في أنفه
فخرج عليها دم، أي شيء يصنع؟ قال: يحتجم رحمك الله؛ فقال له السائل: ظننت أنك فقية ولم أدر أنك طبيب.
بين الشعبي ورجل قال
رجل للشعبي: إني أجد في قفاي حكة فترى لي أن أحتجم؟ فقال الشعبي: الحمد لله الذي
نقلنا من الفقه إلى الحجامة.
وقال له آخر: رجل
استمنى في يوم من شهر رمضان هل يؤجر؟ قال: أو ما يرضى أن يفلت رأساً برأس.
بين التيمي وقوم نازع
التيمي رجل من بني عمه في حائط بينهما فبعث إلى قوم يشهدهم، فأتاه جماعة من
القبائل، فوقف بهم على ذلك الحائط وقال: أشهدكم جميعاً أن نصف هذا الحائط لي.
وقدم آخر رجلاً إلى
القاضي في شيء يدعيه عليه، فأنكر الرجل، فقال: أيها القاضي أكتب إنكاره؛ فقال
القاضي: الإنكار في يدك متى شئت.
لمسعدة بن طارق
الذراع وسيد بني تميم قال مسعدة بن طارق الذراع: إنا لوقوف على حدود دار لنقسمهم
ونحن في خصومة، إذ أقبل سيد بني تميم وموسرهم والمصلي على جنائزهم، فأمسكنا عن
الكلام، فقال: حدّثوني عن هذه الدار هل ضم منهم بعضنا إلى بعض أحداً؛ قال مسعدة:
فأنا منذ ستين سنة أفكر في كلامه فما أدري ما عنى.
بين أبي ضمضم وجارية
أتت جارية أبا ضمضم فقالت: إن هذا قبلني؛ فقال: يا فتى، أذعن لها بحقها، قبليه
عافاك الله كما قبلك، فإن الله يقول: " والجروح قصاص " .
للأصمعي حدّثني أبو
حاتم عن الأصمعيّ قال: ألقيت على رجل فريضة فاشتدت عليه فجعل يحسب غيرها؛ فقالوا
له في ذلك؛ فقال: عسى أن يكون ترك غير ما ذكروا.
بين بعض الطالبيين
وأشعب حدّثني محمد بن عمر عن ابن كناسة قال: قال بعض الطالبيين لأشعب. لو رويت
الحديث وتركت النوادر كان أنبل لك؛ قال: والله قد سمعت الحديث ورويته؛ قال:
فحدّثنا؛ قال: حدّثني نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:
خلتان من كانتا فيه كان من خالصة الله؛ قال: هذا حديث حسن فما هما؟ قال: نسي نافع
واحدة ونسيت أنا الأخرى.
لثلاثة بصريين أخوة
وكان بالبصرة ثلاثة أخوة من ولد عتاب بن أسيد كان أحدهم يحج عن حمزة ويقول: استشهد
قبل أن يحج، وكان الآخر يضحي عن أبي بكر وعمرو يقول: اخطأا السنة في ترك الأضحية،
وكان الآخر يفطر عن عائشة أيام التشريق ويقول: غلطت في صومها أيام العيد، فمن صام
عن أبيه وأمه فأنا أفطر عن أمي عائشة.
لثمامة وشيخ من
الدهاقين قال ثمامة: كنا في منزل رجل من الدهاقين وفينا شيخ منهم، فأتى رب البيت
بدهن طيب فدهن بعضنا رأسه وبعضنا لحيته ومسح بعضنا شاربه وبعضنا يديه، فقال أحدهم:
ادهنوا أستاهكم تأمنوا الحزاز، وأمروها على وجوهكم؛ فأخذ شيخ منهم بطرف إصبعه فادخله
في أنفه ومسح حاجبيه، فعمد الشيخ إلى بقية الدهن فصبه في أذنه؛ فقلنا له: ويحك؛ هل
رأيت أحداً أتي بدهن طيب فصبه في أذنه؟ قال: إنه مع هذا يضرني.
لابن المبارك عن أبي
خارجة قال عبد الله بن المبارك: كان عندنا رجل يكنى أبا خارجة، فقلت له: لم كنوك
أبا خارجة؟ قال: لأني ولدت يوم دخل سليمان بن عليّ البصرة.
لشيخ إباضي
قال عمرو بن بحر: ذكر
لي ذاكر عن شيخ من الإباضية أنه جرى ذكر الشيعة عنده فأنكر ذلك واشتد غضبه؛ فقلت له:
ما أنكرت؟ قال: أنكر مكان الشين في أول الكلمة لأني لم أجدها قط إلا في مسخوط عليه
مثل شؤم وشر وشيطان وشح وشغب وشيب وشك وشرك وشتك وشيعة وشطرنج وشاكي وشانيء وشحج
وشوصة وشابشتي وشكوى؛ فقلت: ما تقوم بهؤلاء قائمة أبداً.
قال: وسمعت
رجلاً يقول: عجبت لمن يأخذه النوم هو لا يزعم أن الاستطاعة مع الفعل؛ فقلت له. ما
الدليل على ذلك؟ فقال. سبحان اللّه! الأشعار الصحاح؛ قلت: مثل ماذا؟ قال. مثل قول
رؤبة:
ما إن يقعن الأرض إلا
وفقا
وقوله:
يهوين شتى ويقعن وفقا
وقوله:
مكر مفر مقبل مدبر
معاً
وقولهم في المثل:
" وقعا كعكمي عير " ثم قال: هل في هذا مقنع؟ قلت: بلى وفي دون هذا.
لأحمق وقد وعد بنعل
وعد رجل رجلاً من الحمقى أن يهدي له من مكة نعلاً، فطال عليه الانتظار، فأخذ
قارورة فبال فيهم ثم أتى بها الطبيب ثم قال: انظر في هذا الماء هل يهدي لي بعض
إخواني نعلا حضرمية؟ لأشعب وقال الزيادي: مر أشعب برجل طبقاً وقال له: زد فيه
طوقاً؛ قال: وبم؟ قال: لعله يهدى لي فيه شيء.
أبو حاتم عن الأصمعي
قال: حدّثنا إبراهيم بن القعقاع قال: رأيت أشعب بسوق المدينة معه قطيفة قد ذهب
خملها وهو يقول: من يشتري مني الرمدة؟ فأتاه رجل فساومه؛ قال: أبرأ إليك من عيب
فيها؛ قال: وما هو؟ قال: تحترق إن أنت لبستها.
بين أعرابي كسر
أضلاعه والجابر سقط أعرابي من بعير له، فانكسرت ضلع من أضلاعه فأتى الجابر
يستوصفه؛ فقال: خذ تمراً جيداً فانزع أقماعه ونواه واعجنه بسمنٍ ثم أضمده عليه؛
قال: أي بأبي أنت من داخل أم من خارج؟ قال: من خارج؛ قال: لا أبا لشانئك هو من
داخل أنفع لي؛ قال: ضعه حيث تعلم أنه أنفع.
لأعرابي وقد مات ابن
صغير له مات ابن صغير لأعرابي، فقيل له. نرجو أن يكون لك شفيعاً؛ ففال: لا وكلنا الله إلى شفاعته، حسبه
المسكين أن يقوم بأمر نفسه.
لأعرابي وقد سمع
الإمام يخطب في المسجد جاء أعرأبي إلى المسجد والإمام يخطب، فقال لبعض القوم. ما
هذا؟ قال: يدعون الناس إلى الطعام؛ قال: فما يقول صاحب المنبر؟ قال. يقول ما يرضى
الأعراب أن يأكلوا حتى يحملوا معهم، فتخطى الأعرابي الناس حتى دنا من الوالي فقال:
يا هذا، إن الذين يفعلون ما تقول سفهاؤنا.
بين الحجاج وأعرابي
أخذ الحجاج لصاً أعرابياً فضربه سبعمائة سوط فكلما قرعه بسوط قال: اللهم شكراً؛
فأتاه ابن عم له فقال: والله ما دعا الحجاج إلى التمادي في ضربك إلا كثرة شكرك،
لأن اللّه يقول: " ولئن شكرتم لأزيدنكم " فقال: إن هذا في كتاب الله؛
فقال: اللهم نعم؛ فانشأ الأعرابي يقول:
يا رب لا شكر فلا
تزدني ... أسرفت في شكرك فاعف عني
باعد ثواب الشاكرين
مني
فبلغ الحجاج فخلى
سبيله.
بين أعرابي وصيرفي
جاء أعرابي إلى صيرفي بدرهم؛ قال: هذا ستوق؛ فقال الأعرابي: وما هو
الستوق بأبي أنت؟ قال: داخله نحاس وخارجه فضة؟ قال: ليس كذلك؛ قال: أكسره
فإن كان كذلك فأنا منه برىء؟ قال. نعم؛ فكسره فلما رأى النحاس قال: بأبي
أنت، متى أموت؟ فأنا أشهد أنك تعلم الغيب.
للحطيئة عند وفاته
وشعر له لما حضرت الحطيئة الوفاة قال: احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم قط
فلعليّ أن أبقى، ثم تمثل:
لكل جديد لذة غير
أنني ... رأيت جديد الموت غير لذيذ
لرجل يدعو لأمه بمكة
المدائني قال: دعا رجل بمكة لأمه؛ فقال له قائل: فما بال أبيك؟ قال: هو رجل يحتال
لنفسه.
لأشعب في شخص أطمع
منه قيل لأشعب: أرأيت أحداً قط أطمع منك؟ قال: نعم خرجت إلى الشأم فنزلت أنا ورفيق
لي بدير فيه راهب، فتلاحينا في أمر فقلت: الكاذب منا كذا من الراهب في كذا من أمه،
فأتى الراهب وقد أنعظ وهو يقول: بأبي من الكاذب منكما؟ إسحاق بن سليمان بن عليّ
وقد مر على قاص مر إسحاق ببن سليمان بن عليّ الهاشمي بقاص وهو يقرأ: " يتجرعة
ولا يكاد يسيغه " ، فتنفس ثم قال: اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه.
الأصمعيّ عن أبيه:
قلت لأعرابي: أفيكم زناً؟ قال: بالحرائر؟ ذاك عند الله عظيم، ولكن مساعاة بهذه
الإماء.
بين عليّ بن أبي طالب
وطائفة شباب قريش
موسى بن طلحة قال:
جاءنا عليّ بن أبي طالب رحمه الله ونحن في المسجد شباب من شباب قريش. فنحينا له عن
الأسطوانة وقلنا: هاهنا يا عم، فقال: يا بني أخي، أنتم لشيوخكم خير من مهرة فإنه
إذا كبر الشيخ فيهم شدوه عقالاً ثم يقال له. ثب فيه، فإن وثب خلوا سبيله وقالوا. فيه بقية من علالة، وإن لم يثب
قدموه فضربوا علاوته وقالوا: لا يصيبك عندنا بلاء.
لبحر بن الأحنف قيل
لبحر بن الأحنف: ما يمنعك أن تكون مثل أبيك؟ قال: الكسل.
وقال يوماً لزبراء
جارية أبيه: يا زانية؛ فقالت: لو كنت كذلك جئت أباك بمثلك.
لرجل من الوجوه طلب
منه كفن أبو الحسن قال: جاء قوم إلى رجل من الوجوه فقالوا له: مات جارك فلان فمر
لنا بكفن؛ فقال: ما عندنا اليوم شيء ولكن تعودون؛ قالوا: أفنملي إلى أن يتيسر عندك
شيء! وأتى رجل رجلاً فقال له: أصلحك الله، تعيرنا ثوباً نكفن فيه ميتاً؟ قال قاسم
التمار في كلام له: بينهما كما بين السماء إلى قريب من الأرض.
وقال أيضاً: رأيت
إيوان كسرى فإذا هو كأنما رفعت اليد عنه أول من أمس.
لعبد الملك بن هلال
الهينابي كان عبد الملك بن هلال الهينابي له زبيل مملوء حصاً للتسبيح، فكان يسبح
بواحدة واحدة، فإذا مل طرح ثنتين ثنتين ثم ثلاثاً ثلاثاً، فإذا زاد ملاله طرحه
قبضة قبضة وقال: سبحان اللّه عددك، فإذا ضجر أخذ بعرى الزبيل وقال: الحمد لله بعدد
هذا كله.
للرستمي وقوم نزلوا
عنده دخل قوم منزل الرستمي لأمر وقع، فحضر وقت صلاة الظهر فقالوا: كيف القبلة في
دارك هذه؟ فقال: إنما نزلناها منذ شهر.
بين الشعبي وشيخ من
جهينة المدائني عن عليّ بن مجاهد عن حميد بن أبي البختري أن الشعبي قال: مرضت فلقيت
ابن الحر فأمرني أن أمشي كل يوم إلى الثوية؛ فكنت أغدو كل يوم إليهم، فانصرفت ذات
يوم فلما كنت في جهينة الظاهرة إذا شيخ منهم قاعد على طنفسة متكيء على وسادة،
فسلمت ثم ألقيت نفسي على الرمل؛ فقال: لقد جلست جلسة عاجز أو ضعيف؛ قلت: قد
جمعتهما؟ قال: أدام الله لك ذلك. ثم قال: إن أهلي كانوا يتخوفون عليّ ثلاثاً:
نقصان البصر وترك النساء والقطاف في المشي، فوالله إنهبم ليرون الشخص واحداً وأراه
اثنين، ولقد تركت النساء فما لي فيهن من حاجة، وإني لأمشي فاهملج، قلت: أدام الله
لك ذلك.
ليزيد بن نهشل قال المدائني:
ركب يزيد بن نهشل النهشلي بعيراً وقال. اللهم إنك قلت " وما كنا له مقرنين
" وإني لبعيري هذا لمقرن؛ فنفر به فطرحه وبقيت رجله في الغرز، فجعل يضرب
برأسه كل حجر ومدر حتى مات.
لابن عرباض يحكم في
رجل يدعيه فريقان: طفاوة وبنو راسب حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختصمت
الطفاوة وبنو راسب في رجل يدعيه الفريقان إلى ابن عرباض، فقال: الحكم بينكم أبين
من ذلك، يلقى في النهر فإن طفا فهو لطفاوة، وإن رسب فهو لبني راسب.
للحطيئة عند وفاته
المدائني قال: لما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص؛ قال: بم أوصي؛ مالي للذكور
دون الإناث؛ فقالوا: إن اللّه لم يأمر بهذا! فقال. لكني آمر به؛ ثم قال. ويل للشعر
من راوية الشعر؛ فقيل له. أوص يا أبا مليكة للمساكين بشيء؛ قال. أوصيهم بالمسألة
ما عاشوا فإنها تجارة لن تبور. قيل: أعتق عبد ك يساراً؛ قال: اشهدوا أنه عبد ما بقي. قيل. فلان اليتيم ما
توصي فيه؟ قال: اوصي أن تأكلوا ماله وتنيكوا أمه؛ قالوا: ليس إلا هذا! قال: احملوني
على حمار فإنه لم يمت عليه كريم لعليّ أنجو؛ ومات مكانه.
سعد بن زيد يوصي لما
حضرت سعد بن زيد الوفاة جمع ولده قال: يا بني أوصيكم بالناس شراً، كلموهم نزراً،
وانظروا اليهم شزراً، ولا تقبلوا لهم عذراً؛ قصروا الأعنة، واشحذوا الأسنة، تأكلوا
القريب، ويرهبكم البعيد.
لوكيع يوصي بنيه ولما
حضرت وكيعاً الوفاة دعا بنيه فقال: يا بني إني لأعلم أن قوماً سيأتونكم قد أقرحوا
جباههم وعرضوا لحاهم يدعون أن لهم على أبيكم ديناً فلا تقضوهم، فإن أباكم قد حمل
من الذنوب ما إن غفر الله له لم تضرره، وإلا فهي مع ما تقدم.
بين سوار القاضي
وأعرابي من بني العنبر
تقدم رجل من بني العنبر
إلى سوار فقال: إن أبي وتركني وأخاً لي، وخط خطين ناحية، ثم قال: وهجيناً لنا، ثم
خط خطاً آخر ناحية، ثم قال: كيف ينقسم المال بيننا؟ فقال: المال بينكم أثلاثاً إن
لم يكن وارث غير كم فقال له: لا أحسبك فهمت، إنه تركني وأخي وهجيناً لنا؛ فقال
سوار: المال بينكم سواء؛ فقال الأعرابي: أيأخذ الهجين كما آخذ ويأخذ أخي؟ قال: أجل؛ فغضب الأعرابي وقال: تعلم
واللة أنك قليل الخالات بالدهناء؛ فقال سوار: إذا لا يضرني ذلك عند الله شيئاً.
بين أعرابي وبعض
العمال قال بعض العمال لأعرابي: ما أحسبك تدري كم تصلي في كل يوم وليلة؟ فقال:
أرأيت إن أنبأنك بذلك تجعل لي عليك مسألة؟ قال: نعم؛ قال الأعرابي:
إن الصلاة أربعة
وأربع ... ثم ثلاث بعدهن أربع
ثم صلاة الفجر لا
تضيع
قال: قد صدقت،
فسل؛ قال: كم فقار ظهرك؟ قال: لا أدري؛ قال. أفتحكم بين الناس وأنت تجهل هذا من
نفسك! لمحمد بن الجهم البرمكي أخبرني رجل حضر مجلس محمد بن الجهم البرمكي أنه دخل
عليه رجل يكتب في حوائج له؛ فقرأها ووعده قضاءها؛ فنهض وهو يدعو له وقال: أبقاك
اللّه وحفظك وأتم نعمته عليك؛ فقال له محمد بن الجهم: كتابي إليك وأنا في عافية.
طبائع الإنسانطبائع
الإنسان من التوراة حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه أنه
وجد في التوراة: إني حين خلقت آدم ركبت جسده من أربعة أشياء ثم جعلتهم وراثة في ولده
تنمي في أجسادهم وينمون عليهم إلى يوم القيامة: رطب ويابس وسخن وبارد، وذلك لأني
خلقته من تراب وماء ثم جعلت فيه نفساً وروحاً، فيبوسة كل جسد من قبل التراب،
ورطوبته من قبل الماء، وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل الروح، ثم خلقت الجسد
بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع الخلق الآخر وهي ملاك الجسد بإذني وقوامه، لا
يقوم الجسد إلا بهن ولا تقوم واحدة إلا بهن، المرة الصفراء والمرة السوداء والدم
والبلغم، ثم أسكنت بعض هذه الخلق في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء
ومسكن الرطوبة في الدم ومسكن البرودة في البلغم ومسكن الحرارة في المرة الصفراء،
فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع فكانت كل واحدة منهن ربعاً لا يزيد ولا
ينقص كملت صحته واعتدل بنيانه، وإن زادت واحدة منهن غلبتهن وقهرنهن ومالت بهن ودخل
على أخواتها السقم من ناحيتهم بقدر ما زادت، وإذا كانت ناقصة تقل عنهن ملن بها وعلونها
وأدخلن عليها السقم من نواحيهن لقلتها عنهن حتى تضعف عن طاقتهم وتعجز عن مقاومتهن.
لوهب في مثل ذلك
المعنى قال وهب: وجعل عقله في دماغه وشرهه في كليته، وغضبه في كبده، وصرامته في
قلبه، ورعبه في رئته، وضحكه في طحاله، وحزنه وفرحه في وجهه، وجعل فيه ثلاثمائة
وستين مفصلاً.
للنبي صلى الله عليه
وسلم قال: حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا بشر بن عمر عن أبي الزناد عن أبيه عن
الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب " .
لبعض الحكماء في
التخنث وقالت الحكماء: الخنث يعتري الأعراب والأكراد والزنج والمجانين وكل صنف إلا
الخصيان فإنه لا يكون خصي مخنث.
وقالوا. كل ذي
ريح منتنة وذفر كالتيس وما أشبهه، إذا خصي نقص نتنه وذهب صنانه غير الإنسان فإن
نتنه يشتد وصنانه يحد وعرقه يخبث وريحه. وكل شيء من الحيوان يخص فإن عظمه يدق،
فإذا دق عظمه استرخى لحمه وتبرأ من لحمه خلا الإنسان فإنه إذا خصي طال عظمه وعرض.
وقالوا. الخصي
والمرأة لا يصلعان، والخصي تطول قدمه وتعظم.
وبلغني أنه كان لمحمد
بن الجهم برذون رقيق الحافر فخصاه فجاد حافره، اعتبر ذلك بالإنسان إذا خصي عظمت
رجله.
في طبائع الخصي
قالوا: والخصي يشتد وقع رجله لأن معاقد عصبه تسترخي، ويعتريه الاعوجاج والفدع في
أصابعه، وتسرع دمعته، ويتخدد جلده، ويسرع غضبه ورضاه، ويضيق صدره عن كتمان السر.
ويزعم قوم أن أعمارهم تطول لترك الجماع، قالوا: وتلك علة طول عمر البغل.
وقالوا: علة قصر عمر
العصفور كثرة سفاده.
قالوا: وشأن
الغريق إذا كان رجلاً ثم ظهر على الماء أن يظهر على قفاه، وإن كان امرأة أن تظهر
على وجهها. والرجل إذا ضربت عنقه سقط على وجهه ثم يقلبه ذكره إذا انتفخ.
قالوا: وفي الغلمان
من لا يحتلم أبداً، وفي النساء من لا تحيض أبداً، وذلك عيب. وفي الناس من لا يسقط
ثغره ولا يستبدل منه، منهم عبد الصمد بن عليّ ذكروا أنه دخل قبره برواضعه. والضب
لا تسقط له سن. وكذلك الخنزير لا يلقي شيئاً من أسنانه. ولذلك تقول العرب في مثل
لهم: " لا آتيك سن الحسل " يريدون لا آتيك أبداً.
وتقول الأطباء: إنه
ليس شيء من الحيوان يستطيع أن ينظر إلى أديم السماء إلا الإنسان، وذلك لكرامته على
الله.
ويقول بعضهم: إن
الجنين يغتذي دم الحيض يسيل إليه من السرة بغذائه؛ وقالوا. لذلك لا تحيض الحوامل.
وقد رأينا من الحوامل من تحيض. والعرب تقول. حملت فلانة سهواً، إذا حاضت على الحمل.
للهذلي يمدح رجلاً
قال الهذلي يمدح رجلاً:
ومبرئ من كل غير حيضة
... ورضاع مغيلة وداء معضل
فأعلمك أنها لم تر
عليه دم حيض في حملهم، ودل على أنه قد يكون.
قالوا: فإذا خرج
الجنين من الرحم دفعت الطبيعة ذلك الدم الذي كان يغتذيه إلى الثديين، وهما عضوان
ناهدان، عصبيان، فغيراه وجعلاه لبناً. يقول الله عز وجل: " وإن لكم في
الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم خالصاً سائغاً للشاربين " .
قالوا: والإنسان يعيش
حيث تحيا النار ويتلف حيث لا تبقى النار. وأصحاب المعادن والحفائر إذا هاجموا على
نفق في بطن الأرض أو مغارة قدموا شمعة في طرف قناة فإن ثبتت النار وعاشت دخلوا في
طلب ما يريدون وإلا أمسكوا.
تشاؤم العرب ببكر ولد
الرجل إذا كان ذكراً والعرب تتشاءم ببكر ولد الرجل إذا كان ذكراً. وكان قيس بن
زهير أزرق بكراً بين بكرين.
لعبد الله بن الحارث
عن بكر البكرين حدّثني محمد بن عائشة عن حماد عن قتادة عن عبد الله بن الحارث بن
نوفل قال: بكر البكرين شيطان مخلد لا يموت إلى يوم القيامة؛ يعني من الشياطين.
قالوا: وابن المذكرة
من النساء والمؤنث من الرجال أخبث ما يكون، لأنه يأخذ بأخبث خصال أبيه وخصال أمه.
شعر لعمرو بن معد
يكرب قال عمرو بن معد يكرب:
ألست تصير إذا ما نسب
... ت بين المغارة والأحمق
لبعض الحكماء وقال
بعض الحكماء. كل امرأة أو دابة تبطئ عن الحبل، إذا واقعها الفحل في الأيام التي
يجري الماء في العود فإنهم تحمل بإذن الله.
لعبيد الله بن الحسن
قال عبيد الله بن الحسن: إذا أردت أن تذكر المرأة فأغضبها ثم قع عليهم.
للحارث بن كلدة وقال
الحارث بن كلدة: إذا أردت أن تحبل المرأة فمشها في عرصة الدار عشرة أشواط فإن رحمها
ينزل فلا تكاد تخلف.
والعرب تقول: إن
المرأة إذا لقحت في قبل الظهر في أول الشهر عند تبلج الفجر ثم أذكرت جاءت به لا
يطاق.
قال الشاعر وجمع هذه
المعاني .
لقحت في الهلال عن
قبل الظه ... ر وقد لاح للصباح بشير
ويقولون. إذا أكره
الرجل المرأة وهي مذعورة ثم أذكرت أنجبت.
لأبي كبير الهذلي قال
أبو كبير الهذلي:
حملت به في إليك
مزودةٍ ... كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل
فأتت به حوش الجنان
مبطناً ... سهداً إذا ما نام ليل الهوجل
ومبرئ من كل غبر حيضة
... ورضاع مغيلة وداء معضل
يقول: لم تر عليه في
حملهم دماً باقياً من حيضة ولا حملته وهي ترضع ولا أرضعته وهي حامل؛ فكانت العرب
تكره ذلك وتسب به.
للنبي صلى الله عليه
وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ثم
ذكرت أن فارس والروم يفعلونه فلا يضرهم " وفي حديث آخر: " إنه ليدرك الفارس فيدعثره " أي يطرحه.
حدّثني إسحاق بن
راهويه قال: أخبرنا يحيى بن آدم عن الحسن قال: رأيت جدة ابنة إحدى وعشرين سنة.
قال: وأول أوقات حمل
المرأة تسع سنين، وهو أول وقت الوطء.
ودخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعائشة وهي بنت تسع.
فيمن حملت أكثر من
سنة وقال عبد الله بن صالح. حدّثني الليث عن ابن عجلان أن امرأته حملت له مرة
وأقامت خمس سنين حاملاً ثم ولدت له، وحملت له مرة أخرى ثلاث سنين ثم ولدت.
قال الليث: وحملت
مولاة لعمر بن عبد العزيز ثلاث سنين حتى خافت أن يكون في جوفهم داء ثم ولدت
غلاماً. قال الليث: ورأيت أنا ذلك الغلام وكانت أمه تأتي أهلنا.
وفي بعض الحديث أن
عيسى بن مريم عليه السلام ولدته أمه لثمانية أشهر، ولذلك لا يولد مولود لثمانية
أشهر فيعيش.
وروى زيد بن الحباب
عن ابن سنان قال: حدّثني ثابت بن جابان العجلي أن الضحاك بن مزاحم ولد وهو ابن ستة
عشر شهراً. فأما يزيد بن هم رون فإنه روى عن جويبر أن الضحاك ولد لسنتين. وولد
شعبة لسنتين.
لعمر بن الخطاب في
تزويج المرأة في غير عشيرتها حدّثنا الرياشيّ أو رجل عنه قال: حدّثنا أبو عاصم عن عبد
اللّه بن مؤمل عن ابن أبي مليكة أن عمر رحمه الله قال: يا بني السائب، إنكم قد
أضويتم فانكحوا في النزائع.
قال: وقال الأصمعيّ
قال رجل: بنات العم أصبر، والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن عجمية.
للعرب في الزواج من
الغرائب والعرب تقول: اغتربوا لا تضووا، أي انكحوا في الغرائب فإن القرائب يضوين
الأولاد.
لبعض الشعراء قال
الشاعر:
إن بلالاً لم تشنه
أمه ... لم يتناسب خاله وعمه
وقال آخر:
تنجبتها للنسل وهي
غريبة ... فجاءت به كالبدر خرقاً معمما
فلو شاتم الفتيان في
الحي ظالماً ... لما وجدوا غير التكذب مسلما
وكان يقال: أنجب
النساء الفروك، لأن الرجل يغلبها على الشبه لزهدها في الرجال.
للأصمعي وحدّثني أبو
حاتم عن الأصمعيّ أن المنجبة التي تنزع بولدها إلى أكرم الجدين.
لحرب بن قطن أبو حاتم
عن الأصمعيّ قال: حدّثنا حرب بن قطن قال: يقال. إن الرجل يستفرغ ولد امرأتين، يولد
له وهو ابن تسعين سنة.
لعائشة وقالت عائشة:
لا تلد امرأة بعد خمسين سنة.
لبعض الحكماء في
الزنج قالت الحكماء: الزنج شرار الخلق وأردؤهم تركيباً لأن بلادهم سخنت فأحرقتهم
الأرحام، وكذلك من بردت بلاده فلم تطبخه الأرحام، وإنما فضل أهل بابل لعلة
الاعتدال.
قالوا: والشمس شيطت
شعورهم فقبضتها، والشعر إذا أدنيته إلى النار تجعد، فإن زدته تفلفل، فإن زدته
احترق.
وقالوا. أطيب
الأمم أفواهاً لزنج وإن لم تستن، وكل إنسان رطب الفم كثير الريق فهو طيب الفم؛
وخلوف فم الصائم يكون لخثورة الريق؛ وكذلك الخلوف في آخر الليل.
ولبعض الحكماء أيضاً
في وقوع الحيوان والإنسان في الماء وقالت الحكماء: كل الحيوان إذا ألقي في الماء
سبح إلا الإنسان والقرد والفرس الأعسر، فإن هذه تغرق ولا تسبح إلا أن يتعلم
الإنسان السباحة.
إذا ضربت عنق الرجل
قالوا: والرجل إذا ضربت عنقه فألقي في الماء قام في وسط الماء وانتصب ولم
يلزم القعر جارياً كان الماء أو ساكناً، حتى إذا جيف انقلب وظهر بدنه كله مستلقياً
إلا المرأة فإنها تظهر منكبة على وجهها.
من قطعت يداه وقالوا:
كل من قطعت يداه لم يجد العدو، وكذلك الطائر إذا قطعت رجلاه لم يجد الطيران.
قالوا: وليس في
الأرض هارب من حرب أو غيرهم يستعمل الحضر إلا أخذ عن يساره !لا أن يترك عزمه أو
سوم طبيعته. ولذلك قالوا: فجاءك على وحشيه، وأنحى على شؤمى يديه.
وقالوا: كل ذي عين من
ذوات الأربع من السباع والبهائم الوحشية والإنسية فإنما الأشفار لجفنه الأعلى إلا
الإنسان فإن الأشفار - نعني الهدب - لجفنيه: الأعلى والأسفل.
قالوا: ليس في الأرض
إنسان إلا وهو يطرب من صوت نفسه ويعتريه الغلط في شعره وولده.
قال الطائي:
ويسيء بالإحسان ظناً
لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتود
في جلد الإنسان
والأنعام وقالوا: كل ذي جلد فإن جلده ينسلخ إلا جلد الإنسان؛ فإنه لا ينسلخ كما
تنسلخ جلود الأنعام ولكن اللحم يتبعه.
لجندب بن شعيب في أن
ألبان النساء تغير وجه المولود حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن ابن أبي طرفة
الهذلي عن جندب بن شعيب قال. إذا رأيت المولود قبل أن يغتذي من لبن أمه فعلى وجهه
مصباح من البيان؛ يريد أن ألبان النساء تغيره؛ ولذلك قولهم: اللبن يشتبه عليه؛
يراد أنه ينزع بالمولود في شبه الظئر.
لبعض الشعراء قال
الشاعر:
لم أرضع الدهر إلا
ثدي واحدة ... لواضح الوجه يحمي ساحة الدار
بين عمر بن الخطاب
وعليّ رضي الله عنهما في امرأة ولدت لستة أشهر
وحدّثني الزيادي قال.
حدّثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن أن عمر أتي بامرأة ولدت لستة أشهر فهم بها؛
فقال له عليّ: قد يكون هذا، قال اللّه عز وجل. " وحمله وفصالة ثلاثون شهراً
" ، وقال. " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " .
بين عمر وقائفين
سألهما عن غلام أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختصم رجلان في غلام هما يدعيه؛ فسأل
عمر أمه؛ فقالت: غشيني أحدهما ثم هرقت دماً، ثم غشيني الآخر، فدعا عمر قائفين
فسألهما؛ فقال أحدهما: أعلن أم أسر؟ قال: أسر. قال: اشتركا فيه. فضربه عمر حتى اضطجع ثم سأل الآخر؛ فقال مثل قوله؛
فقال. ما كنت أرى أن مثل هذا يكون. وقد علمت أن الكلبة يسفدهم الكلاب فتؤدي
إلى كل فحل نجله. وركب الناس في أرجلهم وركب ذوات الأربع في أيديها، وكل طائر كفه
في رجليه.
ما نقص خلقه من
الحيرانلأبي عبيدة في معنى هذا العنوان حدّثني أبو حاتم عن أبي عبيد ة قال: الفرس
لا طحال له، والبعير لا مرارة له، والظليم لا مخ لعظمه. قال زهير:
كأن الرحل منهم فوق
صعلٍ ... من الظلمان جؤجؤه هواء
وكذلك طير الماء
وحيتان البحر لا ألسنة لها ولا أدمغة. وصفن البعير لا بيضة فيه. والسمكة
لا رئة لها ولذلك لا تتنفس، وكل ذي رئة يتنفس.
المشتركات من الحيوانالراعي
بين الورشان والحمامة والبخاتي من الإبل بين العراب والفوالج والحمير الأخدرية من
الأخدر وهو فرس كان لأردشير توحش فحمى عاناتٍ من الحمير فضرب فيها، وأعمارها
كأعمار الخيل. والزرافة بين الناقة من نوق الوحوش وبين البقرة الوحشية وبين
الضبعان واسمها اشتركاوبلنك أي بين الجمل والكركند؛ وذلك أن الضبعان ببلاد الحبشة
يسفد الناقة فتجيء بولد خلقه بين الناقة والضبع، فإن كان ولد الناقة ذكراً عرض
للمهاة فألقحها زرافة. وسميت زرافة لأنها جماعة وهي واحدة كأنهم جمل وبقرة وضبع؛
والزرافة في كلام العرب الجماعة.
وقال صاحب المنطق.
الكلاب تسفدهم الذئاب في أرض سلوقية فيكون منها الكلاب السلوقية.
المتعادياتبين البوم
والغراب عداوة. وبين الفأرة والعقرب عداوة. وبين الغراب وابن عرس عداوة. وبين
الحدأة والغداف عداوة. وبين العنكبوت وبين العظاءة عداوة. وبين الحية وبين ابن عرس
عداوة. وبين ابن آوى والدجاج عداوة. وبين السنور والحمام عداوة. وبين البوم وبين
جميع الطير عداوة، لأن البومة ردية البصر ذليلة بالنهار فإذا كان الليل لم يقو
عليها شيء، والطير تعرف ذلك من حالها فهي بالنهار تضربها وتنتف ريشها، ولحرصهم على
ذلك صار الصائد ينصبهم للطير. وبين الحمار وبين عصفور الشوك عداوة، ومتى نهق الحمار سقط بيض عصفور الشوك.
وبين الحمار وبين الغراب عداوة. وبين الحية والخنزير عداوة. والغراب مصادق للثعلب.
والثعلب مصادق للحية. والجمل يكره قرب الفرس أبداً ويقاتله. وبين
الأسد وبين الفيل عداوة. ويقال: إن الأسد والنمر مختلفان، والأسد والببر متفقان.
الأمثال المضروبة
بالطبائعيقال: فلان " أسمع من قراد " ؛ والقردان تكون عند الماء فإن
قربت الإبل منهم تحركت وانتعشت، فيستدلون بذلك على إقبال الإبل. و " أسمع من
فرس و " أحزم من فرخ العقاب " ، وذلك أنه يكون في عرض الجبل فلا يتحرك
فيسقط. و " أحلم من حية و " أهدى من قطاة وحمامة و " أخف رأساً من
الذئب و " أنوم من فهد و " أظلم من حية وذلك لأنهم تدخل حجرة الحشرات
وتخرجها. و " أحذر من غراب " و " أصنع من تنوط " وهو طائر
يصنع عشاً مدلى من الشجر. و " أصنع من سرفة " وهي دويبة تعمل بيتاً من قطع
العيدان. و " أسرق من زبابة " وهي فأرة برية. و " أسرق من كندش
" وهو العقعق؛ ويقال أيضاً: " أحمق من عقعق " لأنه من الطير الذي
يضيع فراخه. و " أخرق من حمامة " وذلك لأنها لا تجيد عمل العش فربما وقع البيض
فانكسر.
شعر لعبيد بن الأبرص
قال عبيد بن الأبرص:
عيوا بأمرهم كما ...
عيت بيضتها الحمامه
جعلت لهم عودين من
... نشمٍ وآخر من ثمامه
يقول: قرنت النشم
بالثمام وهو ضعيف فتكسر ووقع البيض فانكسر.
نصيحة عيسى عليه السلام
للحواريين
وفي الإنجيل أن
المسيح عليه السلام قال للحواريين: كونوا حلماء كالحيات وبلهاً كالحمام. و "
أعق من ضب " ، لأنه يأكل ولده من الجوع و " أبر من هرة " وهي تأكل
ولدها من شدة محبته. و " أروغ من ثعلب " ، و " أموق من رخمة "
و " أزهى من ذباب " لأنه يقع على أنف الملك وتاجه. و " أصنع من
الذبر " ، وهي النحل. و " أسمح من لافظة " ، ويقال: هي العنز تسمح
بالحلب، ويقال: الرحا، لأنهم تلفظ ما تطحنه لا تحبس منه شيئاً. و " أصرد من
عين حرباء " و " ألح من الخنفساء و " أخيل من مذالة " ، وهي
الأمة تهان وهي تتبختر. و " أحلم من فرخ الطائر و " أكيس من قشة "
، وهي القردة. و " أجبن من صافر " ، وهو ما صفر من الطير، ويقال هو:
الصافر بالمرأة للريبة. و " أنم من صبح و " أبعد من بيض الأنوق " ،
والأنوق: الرخمة تبيض، في أعالي الجبال والشواهق حيث لا يبلغه سبع ولا طائر. و
" أشجع من ليث عفرين " ، قال بعضهم: هو الأسد، كأنه قال: أشجع من ليث
ليوث تعفر من نازعهم وتصره، وقال الأصمعيّ. هو دابة مثل الخرباء يتحدى الراكب
ويضربه بذنبه. و " أحن من شارف " ، وهي الناقة المسنة. و " أسرع من
عدوى الثؤباء و " أروى من النقاقة " ، وهي الضفادع. و " أزنى من قرد " ، ويقول بعضهم: إنه رجل من هذيل كان كثير الزنا. و
" أخدع من ضب و " أشأم من الزرقاء " وهي ناقة
الأنعامللنبي صلى
الله عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن عبد العزيز الباهلي عن الأسود بن عبد
الرحمن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما خلق الله
دابة أكرم عليه من النعجة " وذلك أنه ستر عورتهم ولم يستر عورة غيرهم .
لإهاب بن عمير وقال.
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن إهاب بن عمير قال. كان لنا جمل يعرف كشح الحامل من
غير أن يشمها.
لابنة الخس قيل لابنة
الخس: ما تقولين في مائة من المعز؟ قالت: قنى؛ قيل: فمائة من الضأن؟ قالت: غنى؛
قيل: فمائة من الإبل؟ قالت: منى. والعرب تضرب المثل في الصرد بالمعزى فتقول:
" أصرد من عنز جرباء " وسأل دغغل عن بني مخزوم، فقال: معزى مطيرة، عليها
قشعريرة، إلا بني المغيرة؛ فإن فيهم تشادق الكلام، ومصاهرة الكرام.
للعرب فيما تقول على
ألسنة البهائم وقالت العرب فيما تقول على ألسنة البهائم: قالت المعزى: الاست جهوى،
والذنب ألوى؛ والجلد رقاق، والشعر دقاق. قالوا: والضأن تضع مرة في السنة وتفرد ولا
تلتئم، والماعز قد تلد مرتين في السنة، تضع الثلاثة وأكثر وأقل، والنماء والبركة والعدد
في الضأن، وكذلك الخنازير تضع الأنثى منهم عشرين خنوصاً ولا نماء فيهم. ويقال:
الجواميس ضأن البقر، والبخت ضأن الإبل، والبراذين ضأن الخيل، والجرذان ضأن الفأر،
والدلدل ضأن القنافذ، والنمل ضأن الذر. يقول الأطباء في لحم الماعز: إنه يورث الهم
ويحرك السوداء ويورث النسيان ويخبل الأولاد ويفسد الدم، ولحم الضأن يضر بمن يصرع
من المرة إضراراً شديدا حتى يصرعهم في غير أوان الصرع. وأوان الصرع الأهلة وأنصاف
الشهور؛ وهذان الوقتان هما وقت معد البحر وزيادة الماء والدم. ولزيادة القمر إلى
أن يصير بدراً أثر في زيادة الدم والدماغ وجميع الرطوبات قال الشاعر:
كأن القوم عشوا لحم
ضأن ... فهم نعجون قد مالت طلاهم
وفي الماعزة: إنهم
ترتضع من لخفها، وهي محفلة حتى تأتي على كل ما فيه؛ قال ابن أحمر:
إني وجدت بني أعيا
وجاملهم ... كالعنز تعطف روقيها فترتضع
وإذا رعت الضائنة
والماعزة في قصير نبت لم ينبت ما تأكله الماعزة لأن الضائنة تقرضه بأسنانهم
والماعزة تقتلعه وتجذبه فتنثره من أصله. وإذا حمل على الماعزة فحملت أنزلت التبن
في أول الحمل إلى الضرع، والضائنة لا تنزل اللبن إلا عند الولاد، ولذلك تقول العرب
" رمدت المعزى فرنق رنق " و " رمدت الضأن فربق ربق " وذكور كل
شيء أحسن من إناثه إلا التيوس فإنهم أقبح من الصفايا. وأصوات الذكور من كل شيء
أجهر وأغلظ إلا إناث البقر فإنهم أجهر أصواتاً من ذكورهم.
لأعرابي في صفة الشاة
الحامل قيل لأعرابي: بأي شيء تعرف حمل شاتك؟ قال: إذا ورم حياؤها ورجت شعرتها
واستفاضت خاصرتها.
قال الأصمعيّ: لبني
عقيل ماعزة لا ترد، تجتزئ بالرطب.
معرفة لون جنين
النعجة في كتب الروم وقرأت في كتاب من كتب الروم: إن أردت أن تعرف ما لون جنين
النعجة فانظر إلى لسانها فإن الجنين يكون على لونه.
وقرأت فيه أن الإبل
تتحامى أمهاتها وأخواتها فلا تسفدها.
قالوا: وكل ثور أفطس،
وكل بعير أعلم وكل ذباب أقرح.
في إذلال البعير
وقالوا: البعير إذا صعب وخافه الناس استعانوا عليه حتى يبرك ويعقل ثم يركبه فحل
أخر فيذل.
والعرب تعرف البعير
المغد بسقوط الذباب عليه. ويقولون: بعير مذبوب إذا عرض له داء يدعو الذباب إلى
المسقوط عليه.
لبعض القصاص في فضل
الله على البعير وسخطه على التيس وقال بعض القصاص: مما فضل الله به الكبش أن جعله
مستور العورة من قبل ومن دبر، ومما أهان به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل
والدبر.
من مناجاة عزير حدّثني
عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أمية عن وهب بن منبه أنه قال: كان في مناجاة عزير: اللهم
إنك اخترت من الأنعام الضائنة، ومن الطير الحمامة، ومن النبات الحبلة، ومن البيوت
بكة، وإيلياء، ومن إيلياء بيت المقدس.
للنبي صلى الله عليه
وسلم وفي الحديث أن امرأة أتت النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله، صلى الله
عليك، إني اتخذت غنماً أبتغي نسلهم ورسلهم وإنهم لا تنمو. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ألوانهم؟ " ،
قالت: سود، فقال: " عفري " ، وبعث إلى الرعيان " من كانت له غنم سود فليخلطهم
بغفر فإن دم عفراء أزكى من دم سوداوين " .
وقال: " الغنم
إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت. والأبل إذا أدبرت أدبرت وإذا أقبلت أدبرت ولا
يأتي نفعهم إلا من جانبهم الأشأم " .
والأقط قد يكون من
المعزى؟ قال امرؤ القيس:
لنا غنم نسوقهم غزاز
... كأن قرون جلتها عصي
فتملأ بيتنا أقطاً
وسمناً ... وحسبك من غنى شبع وري
وقالوا: شقشقة
البعير: لهاته يخرجها.
شعر مخارق بن شهاب في
الغنم ومن أحسن ما قيل في الغنم قول مخارق بن شهاب في تيس غنمه:
وراحت أصيلانا كأن
ضروعهم ... دلاء وفيهم واتد القرن لبلب
له رعثات كالشنوف
وغرة ... شديخ ولون كالوذيلة مذهب
وعينا أحم المقلتين
وعصمة ... يواصلها دان من الظلف مكنب
إذا دوحة من مخرف
الضال أذبلت ... عطاها كمما يعطو ذرى الضال قرهب
أبو الحور والغر
اللواتي كأنها ... من الحسن في الأعناق جزع مثقب
ترى ضيفها فيها يبيت
بغبطة ... وضيف ابن قيس جائع يتحوب
فوفد ابن قيس هذا على
الثعبان فقال: كيف المخارق فيكم؟ قال: سيد كريم من رجل يمدح تيسه ويهجو ابن عمه.
للعجاج يصف شاة قال
العجاج في وصف شاة: حمراء المقدم شعراء المؤخر إذا أقبلت حسبتها نافراً، وإذا
أدبرت حسبتها ناثراً. أي كأنهم تعطس، يريد من أي أقطارهم رأيتهم وجدتهم مشرقة.
لأعرابي يهزأ بصاحبه قال
الأصمعي: قال أعرابي يهزأ بصاحبه: اشتر لي شاة فقماء كأنها تضحك، مندلقة خاصرتاها،
لها ضرع أرقط كأنه جيب؛ قال: فكيف العطل؟ قال: أنى لهذه عطل؛ العطل: العنق. يقول. من
سمنها يحسب أنه لا عنق لها.
مما تقوله العرب على
ألسنة البهائم ومما تقوله العرب على ألسنة البهائم. قالت الضائنة: أوتد رخالاً
وأجز جفالاً وأحلب كثباً ثقالا ولم تر مثلي مالاً حفالاً. تقول: أجز مرة وذلك أن الضائنة
إذا جزت لم يسقط من صوفهم شيء إلى الأرض حتى يؤتى عليه؛ والكثب جمع كغبة وهي
الدفعة من اللبن، تقول: أحلب دفعاً ثقالا من اللبن، وذلك لأن لبنهم أدسم وأخثر من
لبن المعز فهو أثقل.
السباع وما شاكلهافي
طيب الأفواه يقال. إنه ليس شيء من السباع أطيب أفواهم من الكلاب، ولا في الوحوش
أطيب أفواهاً من الظباء.
ويقال. ليس شيء
أشد بخراً من أسد وصقر، ولا في السباع أسبح من كلب. وليس في الأرض فحل من جميع
أجناس الحيوان لذكره حجم ظاهر إلا الإنسان والكلب. والأسد لا يأكل الحار ولا يدنو
من النار ولا يأكل الحامض وكذلك أكثر السباع.
للروم وتقول الروم:
إن الأسد يذعر بصوت الديك ولا يدنو من المرأة الطامث. والأسد إذا بال شغر كما يشغر
الكلب؛ وهو قليل الشرب للماء، ونجوه يشبه نجو الكلب، ودواء عضته دواء عضة الكلب
الكلب.
الحيوانات التي تضيء
عيونهم في الليل وقالوا: العيون التي تضيء بالليل عيون الأسد والنمور والسنانير
والأفاعي.
والعرب تقو ل هو
" أحمق من جهيزة " ، وهي الذئبة لأنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع.
ويقولون: الضبع إذا
صيدت أو قتلت عال الذئب أولادهم وأتاهم باللحم؛ قال الكميت:
كما خامرت في بيتها
أم عامر ... لدى الحبل حتى عال أوس عيالها
أوس: الذئب.
وقالوا. ثلاثة من
الحيوان ترجع في قيئها: الأسد والكلب والسنور، ويقال: الضب أيضاً. أمراض الكلاب
وأمراض الكلاب ثلاثة: الكلب وهو جنون، والذبحة والنقرس.
فوائد دماء الملوك
وشعر للفرزدق والعرب تقول: دماء الملوك شفاء من عضة الكلب الكلب والجنون والخبل؛
قال الفرزدق:
من الدارميين الذين
دماؤهم ... شفاء من الداء المجنة والخبل
للخيل بن أحمد في
دواء عضة الكلب وبلغني عن الخليل بن أحمد أنه قال: دواء عضة الكلب الكلب الذراريح
والعدس والشراب العتيق يصنع؛ وقد ذكر كيف صنعته وكم يشرب منه وكيف تتعالج به،
والكلب الكلب إذا عض إنساناً فربما أحاله نباحاً مثله ثم أحبله وألقحه بأجر صغار
تراهم علقاً في صور ا لكلاب.
مداواة المحل بن
الأسود عتيبة بن مرداس من داء الكلب وشعر لابن فسوة في ذلك قال أبو اليقظان: كان
الأسود بن أوس بن الحمرة أتى النجاشي فعلمه دواء الكلب، فهو في ولده إلى اليوم.
فمن ولده المحل، وقد داوى المحل عتيبة بن مرداس فأخرج منه مثل جراء الكلاب علقاً، قال
ابن فسوة حين برأ:
ولولا دواء لابن
المحل وعلمه ... هررت إذا ما الناس هر كليبها
وأخرج بعد اللّه
أولاد زارع ... مولعة أكتافهم وجنوبها
الكليب: جمع كلب على
غير قياس مثل عبد وعبيد.
شعر لامرأة رجل من
بني العنبر عضه كلب كلب وعض رجلاً من بني العنبر كلب كلب فبال علقاً في صور
الكلاب، فقالت امرأته:
أبالك أدراصاً وأولاد
زارع ... لعمري نهية المتعجب
ويزعمون أنه يطلب
الماء أشد طالب، فإذا أتوه به صاح عند معاينته: لا أريد لا أريد، أو شيئاً في معنى
ذلك.
قالوا. وتمام
حمل الكلبة ستون يوماً، فإن وضعت في أقل من ذلك لم تكد أولادها تعيش. وإناث الكلاب
تحيض في كل سبعة أيام وعلامة ذلك أن يرم ثفر " الكلبة ولا تريد السفاد في ذلك
الوقت. وذكور السلوقية تعيش عشرين سنة، والإناث تعيش اثنتي عشرة سنة. وليس يلقي
الكلب شيئاً من أسنانه سوى النابين.
علامة سرعة الكلب
قالوا. وعلامة سرعة الكلب أن يطول ما بين يديه ورجليه ويكون قصير الظهر.
وصف الكلب ويوصف
الكلب بصغر الرأس وطول العنق وغلظها وإفراط الغضف وزرق العينين وعظم المقلتين وطول
الخطم مع اللطافة وسعة الشدقين ونتوء الحدقة ونتوء الجبهة وعرضها، وأن يكون الشعر
الذي تحت حنكه طاقة ويكون غليظاً، وكذلك شعر خديه، ويكون قصير اليدين طويل الرجلين
عريض الظهر طويل الصدر، في ركبته انحناء. ويكره للذكور طول الأذناب قالوا: وإذا
هرم الكلب أطعم السمن مراراً فإنه يعود كالشاب، وإذا حفى دهنت أسته وأجم ومسح على
يديه ورجليه القطران. وإذا بلغ أن يشغر فقد بلغ الإلقاح. والكلب من الحيوان إلذي
يحتلم.
قالوا في الكلبة: إنه
يسفدهم كلب أسود وكلب أبيض وكلب أصفر فتؤدي إلى كل سافد شكله وشبهه.
ما جاء في الكلب من
الأمثال قعد جماعة من أصحابنا يعدون ما جاء في الكلب من الأمثال فحفظت منه: "
ألأم من كلب على عرق " ، و " أجع كلبك يتبعك " ، و "
نعيم كلب في بؤس أهله
" ، و " أسمن كلبك يأكلك " و " أحرص من كلب على عقي صبي
" ، و " أجوع من كلبة حومل " و " أبول من كلب " ، و
" جلس فلان مزجر الكلب " و " الكلاب على الجقح " ، و "
الكلب م حب أهله إليه الظاعن " ، و " هو كالكلب في الأذى لا يعتلف ولا يدع الدابة تعتكن " .
الذئبالذئب إذا سفد
الذئبة فالتحم الفرجان وهجم عليهما هاجم قتلهما كيف شاء، إلا أنهما لا يكادان
يوجدان كذلك، لأن الذئب إذا أراد السفاد توخى موضعاً لا يطؤه أنيس خوفاً على نفسه.
وتقول الروم: إن الذئب إذا رأى إنساناً قبل أن يراه الإنسان أبح الذئب صوت ذلك
الإنسان.
وقالوا: في طبع الذئب
محبة الدم، ويبلغ به طبعه أنه يرى الذئب مثله قد دمي فيثب عليه فيمزقه؛ قال الشاعر:
وكنت كذئب السوء لما
رأى دماً ... بصاحبه يوماً أحال على الدم
قالوا: والفرس إذا
وطئ أثر الذئب ثقلت قائمته التي وطئ بها.
من كتاب عليّ رضي الله
عنه إلى ابن عباس رضي الله عنهما وفي كتاب عليّ رضي الله عنه إلى ابن عباس: لقد
رأيت العدو على ابن عمك قد حرب، والزمان قد كلب، قلبت لابن عمك ظهر المجن بفراقه
مع المفارقين، وخذلانه مع الخاذلين، واختطفت ما قدرت عليه من الأموال اختطاف الذئب
الأزل دامية المعزى.
في نوم الذئب وشعر
لحميد بن ثور ويقولون. إن الذئب ربما نام بإحدى عينيه وفتح الأخرى؛ وقال حميد بن
ثور:
ينام بإحدى مقلتيه
ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع
والذئب أشد السباع
مطالبة، وإذا عجز عوى عواء استغاثة فتسامعت الذئاب فأقبلت حتى تجتمع على الإنسان فتأكله؛
وليس شيء من السباع يفعل ذلك.
الفيلقالوا: لسان
الفيل مقلوب طرفه إلى داخل.
من أقوال الهند في
لسان الفيل والهند تقول: لولا أن لسانه مقلوي لتكلم.
والفيل إذا ساء خلقه
وصعب عصبوا رجليه فسكن. وليس في جميع الحيوان شيء لذكوره ثدي في صدره إلا الإنسان
والفيل. والفيل المغتلم إن سمع صوت خنوص من الخنازير ارتاع ونفر. والفيل يفزع من
السنور.
وتزعم الهند أن نابي
الفيل هما قرناه يخرجان مستبطنين حتى يخرقا الحنك ويخرجا أعقفين. وقال صاحب
المنطق: ظهر فيل عاش أربعمائة سنة.
وقال حدّثني شيخ لنا
قال: رأيت فيلاً أيام أبي جعفر قيل. إنه سجد لسابور ذي الأكتاف ولأبي جعفر،
والفيلة تضع في سبع سنين.
الفهدقالوا: السباع
تشتهى رائحة الفهد، فإذا سمن الفهد عرف أنه مطلوب وأن حركته قد ثقلت فأخفى نفسه
حتى ينقضي الزمان الذي تسمن فيه الفهود. ويعتري الفهد داء يقالع له خانقة الفهود،
فإذا اعتراه أكل العذرة فبرأ. والوحشي المسن منها في الصيد أنفع من الجرو المربب.
الأرنبقالوا: الأرنب
تحيض ولاتسمن إلا بزيادة اللحم. وقضيب الذكر من الأرانب ربما كاد من عضم، وكذلك
قضيب الثعلب. والأرنب تنام مفتوحة العين. وإنفحة الأرنب إذا شربتهم المرأة من بعد
أن تطهر من المحيض منعت من الحبل. والكلف إن طلي بدم الأرنب أذهبه.
القرد والدبلعمرو بن
ميمون في قردة زنت قال: حدّثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثني سلم بن قتيبة عن هشام عن حصين وأبي بلج عن عمرو بن ميمون قال.
زنت قردة في الجاهلية فرجمهم القرود ورجمتهم معهم.
قالوا: وليس شيء
يجتمع فيه الزواج والغيرة إلا الإنسان والقرد.
قالوا: والديسم جرو
الدب تضعه أمه وهو كفدرة لحم فتهرب به في المواضع العالية من الذر والنمل حتى تثغد
أعضاؤه.
مصايد السباع
العاديةالسباع العادية: تصطاد بالزبى والمغويات، وهي آبار تحفر في أنشاز الأرض،
فلذلك يقال: قد " بلغ السيل الزبى " .
في مصائد السباع
العادية قال صاحب الفلاحة: ومما تصاد به السباع العادية أن يؤخذ سمك من سمك البحر
الكبار السمان فتقطع قطعاً ثم تشرح ثم تكتل كتلاً ثم تؤجج نار في غائط من الأرض
يقرب فيه السباع ثم تقذف تلك الكتل في النار واحدة بعد واحدة حتى ينتشر دخان تلك
النار وقتار تلك الكتل في تلك الأرض ثم تطرح حول تلك النار قطع من لحم قد جعل فيها
الخربق الأسود والأفيون وتكون تلك النار في موضع لا ترى فيه حتى تقبل السباع لريح
القتار وهي آمنة فتأكل من قطع اللحم ويغشى عليها فيصيدها الكامنون لهم كيف شاءوا.
النعامقالوا في
الظليم: إن الصيف إذا أقبل وابتدأ البسر في الحمرة ابتدأ لون وظيفيه بالحمرة ولا
يزالان يتلونان ويزدادان حمرة إلى أن تنتهي حمرة البسر، ولذلك قيل له: خاضب.
وفي الظليم: إن كل ذي
رجلين إذا انكسرت إحدى رجليه قام على الأخرى وتحامل على ظلع غيره فإنه إذا انكسرت
إحدى رجليه جثم، ولذلك قال الشاعر في نفسه وأخيه:
فإني وإياه كرجلي
نعامةٍ ... على ما بنا من ذي غنى وفقير
يقول: لا غنى بواحد
منا عن الآخر.
وقال آخر:
إذا انكسرت رجل
النعامة لم تجد ... على أختهم نهضا ولا باستها حبوا
قالوا: وعلة ذلك أنه
لا مخ له في ساقيه، وكل عظم فهو ينجبر إلا عظماً لا مخ فيه؛ وزماخر الشاء لا
تنجبر؛ قال الشاعر:
أجدك لم تظلع برجل
نعامة ... ولست بنهاض وعظمك زمخر
أي أجوف لا مخ فيه.
شعر لذي الرمة يذكر
الظليم
والظليم يغتذي المرو
والضخر فتذيبه قانصته بطبعهم حتى يصير كالماء؟ قال ذو الرمة يذكره:
ألهاه آء وتنوم
وعقبته ... من لائح المرو والمرعى له عقب
ولأبي النجم قال أبو
النجم:
والمرو يلقيه إلى
أمعائه ... في سرطم هاد على التوائه
والظليم يبتلع الجمرة
وربما ألقي الحجر في النار حتى إذا صار كأنه جمرة قذف به بين يديه فيبتلعه وربما
ابتلع أوزان الحديد.
في النعامة وفي
النعامة إنهم أخذت من البعير المنسم والوظيف والعنق والخزامة، ومن الطائر الريش
والجناحين والمنقار فهو لا بعير ولا طائر؛ وقال أوس بن حجر:
وتنهى ذوي الأحلام
عني حلومهم ... وأرفع صوتي للتعام المخزم
جعله مخزماً للخرقين؟
اللذين في عرض أنفه في موضع الخزامة من البعير.
شعر ليحيى بن نوفل
قال يحيى بن نوفل:
ومثل نعمامة تدعى
بعيراً ... تعاصينا إذا ما قيل طيري
فإن قيل احملي قالت
فإني ... من الطير المربة في الوكور
شعر لابن هرمة في
النعامة وتقول العرب في المثل: هذا " أموق من نعامة " وذلك أنهم ربما
خرجت لطلب الطعم فمرت ببيض نعامة أخرى فحضنته وتركت بيضها؛ ولذلك قال الشاعر وهو
ابن هرمة:
وإني وتركي ندى
الأكرمين ... وقدحي بكفي زندا شحاحا
كتاركة بيضها بالعراء
... وملبسةٍ بيض أخرى جناحا
ولسهم بن حنظلة وقال
سهم بن حنظلة:
إذا ما لقيت بني عامر
... رأيت جفاء ونوكاً كبيرا
نعمام تمد بأعناقها
... ويمنعا نوكهما أن تطيرا
في نفور النعامة،
وشعر لبشر بن أبي خازم يهجو بنو عامر ويضرب بهم المثل في الشراد والنفار؟ قال بشر
بن أبي خازم:
وأما بنو عامر
بالنسار ... فكانوا غداة لقونا نعاما
ير يد مروا منهزمين.
وربما حضنت النعامة
أربعين بيضة أو نحوهم وأخرجت ثلاثين رألا، قال ذو الرمة:
كأنه خاضب بالسي
مرتعه ... أبو ثلاثين أمسى وهو منقلب
والبواقي من بيضها
الذي لا تنقفه يقال لهم: الترائك.
في عدو الظليم وأشد
ما يكون الظليم عدواً إذا استقبل الريح لأنه يضع عنقه على ظهره ثم يخرق الريح وإذا
استدبرها كبته من خلفه.
والنعامة تضع بيضها
طولاً ثم تغطيها كل بيضة بما يصيبها من الحضن؛ قال ابن أحمر:
وضعن وكلهن على غرار
وقال آخر:
على غرار كاستواء
المطمر
والمطمر خيط البناء،
إلا أن ثعلبة بن صعير خالف ذلك فقال يذكر الظليم والنعامة:
فتذكرا ثقلاً رثيداً
بعدما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر
والرثيد: المنضود
بعضه على بعض.
قالوا: الوحش في
الفلوات ما لم تعرف الإنسان ولم تره لا تنفر منه إذا رأته خلا النعام فإنه شارد
أبداً؛ قال ذو الرمة:
وكل أحم المقلتين
كأنه ... أخو الإنس من طول الخلاء المغفل
يريد: أنه لا ينفر من
الناس لأنه في خلاء ولم ير أحداً قبل طلك.
للأحيمر السعدي وقال
الأحيمر السعدي: كنت حين خلعني قومي وأطل السلطان دمي وهربت وترددت في البوادي
ظننت أني قد جزت نخل وبار أو قريب منهم، وذلك أني كنت أرى النوى في رجع الذئاب
وكنت أغشى الظباء وغيرهم من بهائم الوحش فلا تنفر مني، لأنها لم تر أحداً قبلي
وكنت أمشي إلى الظبي السمين فآخذه، وعلى ذلك رأيت جميع تلك الوحوش إلا النعام فإنه
لم أره قط إلا نافراً فزعاً.
الطيرإعجاب للنبي صلى
الله عليه وسلم النظر إلى الحمام الأحمر قان: حدّثني زياد بن يحيى قال. حدّثنا أبو
عتاب قال: حدّثنا طلحة بن يزيد الشامي عن بقية بن الوليد عن عبد اللّه بن أبي كبشة
عن أبيه قال: كان النبي عليه السلام يعجبه أن ينظر إلى الأترج وإلى الحمام الأحمر.
للرياشي عن عليّ بن
أبي طالب حدّثني الرياشيّ قال: ليس شيء يغيب أذناه إلا وهو يبيض، وليس شيء يظهر أذناه
إلا وهو يلد؛ وروي ذلك عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
للنبي صلى الله عليه
وسلم حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن جريج قال ابن
شهاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أربع لا يقتلن النملة والنحلة
والهدهد والصرد " .
دعاء داود عليه
السلام
بلغني عن مكحول قال:
كان من دعاء داود النبي عليه السلام: " يا رازق النعاب في عشه " .
وذلك أن الغراب إذا
فقص عن فراخه خرجت بيضاً فإذا رآها كذلك نفر عنها فتفتح أفواهها ويرسل الله لهم
ذباباً فيدخل في أجوافها فيكون غذاءها حتى تسود، وإذا اسودت عاد الغراب فغذاها
ويرفع الله عنهم الذباب.
للنبي صلى الله عليه
وسلم قال: حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن عباد عن الوليد بن كثير عن عبد الملك
بن يحيى قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " لا تطرقوا الطير في
أوكارها فإن الليل أمان الله " وله صلى الله عليه وسلم في الديك الأبيض
حدّثني أبو سفيان الغنوي عن معاوية بن عمرو عن طلحة بن زيد عن الأحوص بن حكيم عن
خالد بن معدان عن رجل من الأنصار قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع أدور " .
وكان النبي عليه السلام يبيته معه في البيت.
في أصناف الطير
قالوا: الطير ثلاثة أضرب، بهائم الطير وهو ما لقط الحبوب والبزور، وسباع الطير وهي
التي تغتدي اللحم، والمشترك وهو مثل العصفور يشارك بهائم الطير في أنه ليس بذي
مخلب ولا منسر وإذا سقط على عود قدم أصابعه الثلاث وأخر الدابرة. وسباع الطير تقدم
إصبعين وتؤخر إصبعين ويشارك سباع الطير بأنه يلقم فراخه ولا يزق وأنه يأكل اللحم
ويصطاد الجراد والنمل.
قالوا: والعصفور شديد
الوطء، والفيل خفيف الوطء، والورشان يصرغ في كل شهر مرة.
قالوا: وأسوأ الطير
هداية الأسود، والأبيض لا يجيء من الغاية لضعف قوته وأجودهم هداية الغبر والنمر.
لصاحب الفلاحة في
طبائع الحمام قال صاحب الفلاحة: الحمام يعجب بالكمون ويألف الموضع الذي يكون فيه
الكمون، وكذلك العدس ولا سيما إذا أنقعا في عصير حلو. ومما يصلحن عليه ويكثرن أن تدخن بيوتهن بالعلك؛ وأسلم مواضعها وأصلحها
أن يبنى لها بيت على أساطين خشب ويجعل فيه ثلاث كوى: كوة في سمك البيت وكوة من قبل
المشرق وكوة من قبل المغرب، وبابان من قبل مهب الجنوب.
قال: والسذاب إذا
ألقي في البرج تحامته السنانير البرية.
للكلبي في فضل أسماء
كنائن نوح عليه السلام حدّثني ابن أبي سعد عن عليّ بن الصباح عن أبي المنذر هشام
بن محمد قال: حدّثني أن أسماء كنائن نوح إذا كتبن في زوايا بيت حمام نمت الفروخ
وسلمت من الآفات. قال هشام. قد جربته أنا وغيري فوجدته كما قال أبي.
قال: واسم امرأة سام
بن نوح " محلث محو " ، واسم امرأة حام " أذنف نشا " واسم
امرأة يافت " زذقت نبث " .
في أمراض الحمام
قالوا: وأمراض الحمام أربعة: الكباد والخنان والسل والقمل، فدواء الكباد الزعفران
والسكر الطبرزذ وماء الهندباء يجعل في سكرجة ثم يمج في حلقه قبل أن يلتقط شيئاً.
ودواء الخنان أن يلين لسانه يوماً أو اثنين بدهن البنفسج ثم بالرماد والملح ويدلك
بهما حتى تنسلخ الجلدة العليّا التي غشيت لسانه ثم يطلى بعسل ودهن ورد حتى يبرأ.
ودواء السل أن يطعم الماش المقشور ويمج في حلقه لبن حليب ويقطع من وظيفيه عرقان
ظاهران في أسفل ذلك مما يلي المفصل. ودواء القمل أن تطلى أصول ريشه بالزنبق
المخلوط بدهن البنفسج، يفعل به ذلك مراراً حتى يسقط قمله، ويكنس مكانه الذي يكون
فيه كنساً نظيفاً.
في الطير الذي يخرج
في الليل قالوا: والطير الذي يخرج من وكره بالليل البومة والصدى والهامة والضوع
والوطواط والخفاش وغراب الليل.
قالوا: إذا خرج
فرخ الحمامة نفخ أبواه في حلقه الريح لتتسع الحوصلة من بعد التحامها وتنبثق، فإذا
اتسعت زقاه عند ذلك اللعاب ثم زقاه سورج أصول الحيطان ليدبغا به الحوصلة، ثم زقاه
بعد الحب.
للمثنى بن زهير قال المثنى
بن زهير: لم أر شيئا قط في رجل وامرأة إلا وقد رأيته في الحمام، رأيت حمامة لا
تريد إلا ذكرها، ورأيت حمامة لا تمنع شيئاً من الذكور، ورأيت حمامة لا تزيف إلا
بعد شدة طلب، ورأيت حمامة تزيف للذكر ساعة يطلبها، ورأيت حمامة وهي تمكن آخر ما
تعدوه، ورأيت حمامة تقمط حمامة، ورأيت حمامة تقمط الذكر، ورأيت ذكرا يقمط الذكر،
ورأيت الذكر يقمط ما لقي ولا يزواج، ورأيت ذكراً له أنثيان يحضن مع هذه وهذه ويزق
مع هذه وهذه.
البيضفي أصناف البيض
قالوا: والبيض
يكون من أربعة أشياء: منه ما يكون من السفاد؛ ومنه ما يكون من التراب، ومنه ما يكون
من نسيم الريح يصل إلى أرحامها؛ ومنه شيء يعتري الحجل وما شاكله في الطبيعة، فإن
الأنثى منه ربما كانت على سفالة الريح التي تهمت من شق الذكر في بعض الزمان فتحتشي
من ذلك بيضاً، وكذلك النخلة تكون بجنب الفحال وتحت ريحه فتلقح بتلك الريحة وتكتفي
بذلك، والدجاجة إذا هرمت لم يكن لبيضهم مح، وإذا لم يكن للبيضة مح لم يخلق فيهم
فرخ، لأنه لا يكون له طعم يغذوه؛ والفرخ والفروج يخلقان من البياض وغذاؤهما
الصفرة، وإذا باضت الدجاجة بيضتين في اليوم كان ذلك من علامات موتهم؟ والطائر إذا
نتف ريشه احتبس بيضه وإذا سمع صوت الرعد الشديد.
الخفاشخصائص الخفاش
قالوا. عجائب الخفاش أنه لا يبصر في الضوء الشديد ولا في الظلمة الشديدة ونحبل
وتلد وتحيض وترضع وتطير بلا ريش، وتحمل الأنثى ولدهم تحت جناحهم وربما قبضت عليه بفيها
خوفاً عليه، وربما ولدت وهي تطير. ولهم أذنان وأسنان وجناحان متصلان برجليها،
وأبصارها تصح على طول العمر، وإنما يظهر في القمر منهم المسنات.
لبعض الحكماء وقال
بعض الحكماء: الخفاش فأر يطير.
الخطاف
والزرزورقالوا: الخطاف والرزور يتبع الربيع حيث كان.
قالوا: وتقلع
إحدى عينيه فترجع. والزرزور لا يمشي ومتى وقع بالأرض لم يستقل وأخذ، وإنما يعشش في
الأماكن المرتفعة فإذا أراد الطيران رمى بنفسه في الهواء فطار، وإذا أراد أن يشرب
الماء انقض عليه فشرب منه اختلاسا من غير أن يسقط بالأرض.
العقاب والحدأةقالوا:
العقاب تبيض ثلاث بيضات في أكثر حالاتهم فإذا فرخت غذت اثنين وباعدت عنها واحداً
فيتعهد فرخها طائر يقال له: كاسر العظام، ويغذوه حتى يكبر ويقوى.
لصاحب الفلاحة في
العقاب والحدأة وقال صاحب الفلاحة: العقاب والحدأة يتبدلان فتصير العقافي حدأة
والحدأة عقاباً.
قال: وكذلك الأرانب
تتبدل فيصير الذكر منها أنثى وتصير الأنثى ذكراً.
لصاحب المنطق في
العقاب قال صاحب المنطق: العقاب إذا اشتكت كبدهم من رفعهم الثعلب والأرنب في
الهواء وحظهم لذلك وأشباهه تعالجت بأكل الأكباد حتى تبرأ.
الغرابالغربان لا
تقرب النخل المواقير وإنما تسقط على النخل المصرومة فتلقط ما يسقط من التمر في
القلبة وأصول الكرب وعلى إناث الغربان الحضن وعلى الذكور أن تأتي الإناث بالطعم،
والإوزة دون الذكر.
والغربان أكتم شيء
للسفاد.
القطاقالوا: والقطا
لا تضع بيضهما أبداً إلا أفراداً؛ قال أبو وجزة:
وهن ينسبن وهناً كل
صادقة ... باتت تباشر عرماً غير أزواج
الحيوان الذي لا يصلح
شأنه إلا برئيس أو رقيب الحيوان الذي لا يصلح شأنه إلا برئيس أو رقيب: الناس،
والغرانيق، والكراكي والنحل؛ فأما الإبل والبقر والحمير فتتخذ رئيساً من غير رقيب.
باب مصايد الطيرلصاحب
الفلاحة في طرق صيد الطير قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يحتال للطير والدجاج حتى
يتحيرن ويغشى عليهن حتى يصيدهن عمد إلى الحلتيت فدافه بالماء ثم جعل في ذلك الماء
شيئاً من عسل ثم أنقع فيه براً يوماً وليلة ثم ألقى ذلك البر للطير فإنهم إذا التقطته
تحيرت وغشي عليهم فلم تقدر على الطيران إلا أن تسقى لبناً خالطه سمن.
قال: وإن عمد إلى
طحين بر غير منخول فعجن بخمر ثم طرح للطير والحجل فأكلن منه تحيرن. وإن جعل خمر في
إناء وجعل فيه بنبيذ فشربن منه غشي عليهن.
قال: ومما يصاد به
الكراكي وغيرها من الطير أن يوضع لهن في مواقعهن إناء فيه خمر وقد جعل فيه خربق
أسود والنقع فيه شعير فإذا أكلن منه أخذهن الصائد كيف شاء.
من طرق مصائد الطير
قال غيره: ومما تصاد به العصافير بأسهل حيلة أن تؤخذ شبكة في صورة المحبرة
اليهودية المنكوسة ويجعل في جوفهم عصفور فتنقض عليه العصافير ويدخلن عليه وما دخل
منهم لم يقدر على الخروج فيصيد الرجل في اليوم الواحد مائتين وهو وادع.
قال: ويصاد طير الماء
بالقرعة وذلك أن تؤخذ قرعة يابسة صحيحة فيرمى بهم في الماء فإنهم تتحرك فإذا
أبصرهم الطير تتحرك فزع فإذا كثر ذلك عليه أنس حتى لربما سقط عليهم، ثم تؤخذ قرعة
فيقطع رأسها ويخرق فيها موضع عينين ثم يدخل الصائد رأسه فيهم ويدخل الماء فيمشي
إليهم مشياً رويداً فكلما دنا من طائر أدخل يده في الماء فقبض على رجليه ثم غمسه
في الماء ثم دق جناحه وخلاه فبقي طافياً فوق الماء يسبح برجله ولا يطيق الطيران،
وسائر الطير لا يمكن انغماسه فإذا فزع من صيد ما يريد رمى بالقرعة ثم يلتقطهم
ويحملهم.
الحشراتلعبد الله بن
عمر عن أصناف الفار حدّثني يزيد بن عمرو قال. حدّثنا عبد الله بن الربيع قال:
أخبرنا هشام بن عبد الله عن قتادة عن عبد الله بن عمرو أنه قال: الفأرة يهودية ولو
سقيتهم ألبان الإبل ما شربتهم، والفار أصناف: منهن الزباب وهو أصم.
شعر للحارث بن حلزة
قال الحارث بن حلزة:
وهم زباب حائر ... لا
تسمح الآذان رعدا
والخلد وهو أعمى؛
وتقول العرب: هو " أسرق من زبابة " وفأرة البيش، والبيش سم قاتل؛ ويقال:
هو قرون السنبل، وله فأرة تغتذيه لا تأكل غيره، ومن غير هذا فأرة المسك وفارة
الإبل أفاحت أرواحهم إذا عرقت.
قالوا: ومن الحيات ما
يقتل ولا يخطئ: الثعبان والأفعى والهندية؛ فأما سوى هذه فإنما يقتل بما يمده من
الفزع، لأنه إذا فزع تفتحت منافسه فوغل السم إلى مواضع الصميم وعمق البدن، فإن
نهشت النائم والمغمى عليه والطفل الصغير والمجنون الذي لا يعقل لم تقتل.
وأذناب الأفاعي تقطع
فتهبت ونابهم يقطع بالعكاز فينبت حتى يعود في ثلاث ليال؛ والحية إن ننفث في فيهم
حماض الأترج وأطبق لحيها الأعلى على الأسفل لم تقتل بعضتها أياماً صالحة. "
ومن الناس من يبصق في فم الحية فيقتلها بريقه.
والحيات تكره ريح
السذاب والشيح، وتعجب باللفاح؛ والبطيخ والحرف والخردل الموخف واللبن والخمر، وليس
في الأرض حيوان أصبر على جوع من حية؛ ثم الضب بعدها فإذا هرمت صغرت في بدنها
وأقنعها النسيم ولم تشته الطعام، ولذلك قال الراجز
حارية قد صغرت من
الكبر
لصاحب الفلاحة في
الحية وقال صاحب الفلاحة. إن الحية إن ضربتهم بقصبة مرة أوهنتهم القصبة في تلك
الضربة وحيرتهم، فإن ألحت عليهم بالضرب انسابت ولم تكترث.
ما يعالج بن الملسوع
قال. ومن جيد ما يعالج به الملسوع أن يشق بطن الضفددع ثم يرفد به موضع لسعة العقرب.
في الضفاع والضفدع لا
يصيح حتى يدخل حنكه الأسفل في الماء، فإذا صار في فيه بعض الماء صاح، ولذلك لا
تسمع للضفادع نقيقاً إذا خرجن من الماء، قال الراجز:
يدخل في الأشداق ماءً
ينصفه ... حتى ينق والنقيق يتلفه
يريد أن النقيق يدل
عليه حية البحر، كما قال الآخر:
ضفاع في ظلماء ليلٍ
تجاوبت ... فدل عليهما صوتها حية البحر
وقال في السبخ: إنه
إن انخرق فيه خرق بمقدار منخر الثور حتى تدخله الريح استحال ذلك السبخ ضفادع.
والضفادع لا عظام لها، ويضرب بها المثل في الرسح؛ فيقال: " أرسح من ضفدع " و " أجحظ عينا من ضفدع " .
قالوا: وكل شيء يأكل
فهو يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى.
سمك الرعاد في مصر من
صاد منه سمكة لم تزل يده ترعد وتنتفض ما دام في شبكته أو شصه. والجعل ،إذا دفنته
في الورد سكنت حركته حتى يتوهم من رآه قد مات، فإذا أعدته إلى الروث تحرك ورجع في
حسه. والعير إذا ابتلع في علفه خنفساء قتلته إن وصلت إلى جوفه حية. وأطول شيء ذماء
الخنفساء فإنها يسرج على ظهرها فتصبر وتمشي.
والضب يذبح فيمكث
ليلة ثم يقرب من النار فيتحرك.
والأفعى إذا ذبحت
تبقى أياماً تتحرك وإن وطئها واطئ نهشته، ويقطع ثلثها الأسفل فتعيش وينبت ذلك
المقطوع.
والكلب والخنزير
يجرحان الجرح القاتل فيعيشان.
قالوا: وللضب ذكران
وللضبة حران، خبرني بذلك سهل عن الأصمعي أو غيره. قال: ويقال لذكره نزك وأنشد:
سبحل له نزكان كانا
فضيلة ... على كل حافٍ في البلاد وناعل
وكذلك الحردون.
والذبان لا تقرب قدراً فيهم كمأة.
وسام أبرص لا يدخل
بيتاً فيه زعفران.
ومن عضه الكلب الكلب
احتاج إلى أن يستر وجهه من الذباب لئلا يسقط عليه.
وخرطوم الذباب يده،
ومنه يغني، وفيه يجري الصوت كما يجري الزافر الصوت في القصبة بالنفخ.
قالوا: ليس شيء
يذخر إلا الإنسان والنملة والفأرة. والذرة اتذخر في الصيف للشتاء فإذا خافت
العَفَن على الحبوب أخرجتها إلى ظاهِر الأرض فشَرًرَتْها، وأكثرُ ما تَفعلُ ذلك
ليلاً في القمر. فإن خافت أن ينبتَ الحب نقرت وسط الحبة لئلا تنبتَ.
والسلَحْفَاة إذا
أكلت أفْعى أكلت سَعْتَرا جَبَلياً.
وابنُ عِرْسٍ إذا
قاتل الحيةَ أكل السذَابَ.
والكلاب إذا كان في
أجوافها عود أكلت سُنبلَ القَمح.
والأيِّلُ إذا نهشته
الحيةُ أكل السراطين.
لابن ماسويه قال ابن ماسويه:
فلذلك يُظنّ أن السراطينَ صالحة لمن نُهِشَ من الناس.
والوَزَع، يُزاقُّ
الحياتِ ويُقارِبُها، ويَكرع في اللبن والمَرَق ثم يَمُخع في الإناء، وأهلُ السجن
يعملون من الوزع سمّاً أنفذَ من سم البِيش ومن ريق الأفاعي، وذلك أنهم يُدخلون
الوزعَة قارورةً ثم يَصبون فيها من الزيت ما يغمُرها ويضعونها في الشمس أربعين
يوماً حتى تتهرّأ في الزيت، فإن مُسِحَتْ على اللُّقمةِ منه مَسحةٌ وأكله آكل مات
من يومه.
والجرادُ إذا طَلع
فعُمِدَ إلى التُرْمُس والحَنظَل فطبِخا بماء ثم نُضحَ ذلك الماءُ على زرع تنكّبه
الجرادُ.
وإذا زُرع خَرْدَل في
نواحي زرع نجا من الدَبَى.
وإذا أخذ
المُرْدَاسَنْجً فعُجِن بعجين ثم طُرح للفأر فأكلته مُوّتن عنه، وكذلك بُرايةُ
الحديد.
وإذا أخِذ الأفْيون
والشُّونِيز والبارد وقرنُ الأيل وبَابُونَج وظِلفٌ من أظلاف المعز فَخُلِط لك
جميعاً ثم دقّ وعُجِن بخل عتيق ثم قُطِعَ قطعاً فدُخن بقطعة منه نفرت لذلك
الحيّاتُ الهوامُّ والنملُ والعقاربُ، وإن أحرِقَ منه شيء ودُخَن به هرب ما وجَدَ
منها تلك الريحَ.
والنملُ تهرُبُ من
دُخَان أصول الحَنْظَل.
في ما يقتل النمل وإن
عُمِدَ إلى كبريت وسَذَابٍ وخَرْبقٍ فَحُق ذلك جميعاً وطُرِحَ في قرية النمل قتلها
ومنعها ظهورهن من ذلك الموضع ذهبن.
في طرد البعوض
والبعوضُ تهرُب من دخان القَلْقَدِيس إذا دُخن به ومعه حبُّ السوس، وتهرُب من دخان
الكبريت والعِلْك.
منافع لحم الحيوان
وقالت الأطباء: لحمُ ابنِ عرس نافعٌ من الصرْع. ولحمُ القُنفذ نافع من الجُذام
والسل والتشنُج ووجع الكُلَى، يُجففُ وُيشرب ويُطعَمُه العليلُ مطبوخاً ومشو
ويُضمدُ به المتشنج. والعقرب إذا شُقَّ بطنُها ثم شُد على موضع اللسعة نفعت. وقد
تجعل في جوف فَخار مشدود الرأس مُطَين الجوانب ثم يوضع الفخّارُ في تَنُّور، فإذا
صارت العقربُ رَماداً سُقيَ منْ ذلك الرمادِ مَن به الحصاة مقدارَ نصف دانق وأكثر
فيُفَتَت الحصاةَ من غير أن يضر بشيء مم سائر الأعضاء والأخلاط وقد تَلسعُ العقربُ
مَنْ به حُمَّى عتيقة فتقلعُ؛ وتلسعُ المفلوجَ فيذهبُ عنه الفالِجِ، وتلقى في
الدهن وتُترك فيه حتى يأخذَ الدُهنُ منها ويَجتذبَ قُواها فيكون ذلك الدُّهْنُ
مُفرقاً للأورام الغليظة.
من طبع العقرب ومن
طبع العقرب أنك إن ألقيتها في ماء غَمْرٍ بقيت في وسط الماء لا تَطفو ولا تَرسُبُ؛
وهي من الحيوان الذي لا يَسبَحُ.
وعينُ الجرادة وعينُ
الأفعى لا تَدورانِ. وإنما تَنْسُجُ من العناكب الأنثى، والذكر هو الخدْرَنُق.
وولد العنكبوت يَنسُجُ ساعةَ يولدُ. والقَمْلُ يُخلق في الرؤوس على لون الشعر إن كان أسودَ أو أبيضَ أو مخضوباً
بالحِنّاء.
الحُلْكاءُ دُوَيبَّة
تغوص في الرمل كما يغوص طائرُ الماء في الماء.
وبناتُ النّقا كذلك،
وهي التي يُقال لها: شحمةُ الأرض.
وأم حُبَيْنٍ لا
تُقيمُ بمكان تكون فيه السرْفَةُ، والسّرفةُ دويَبَة يُضربُ بها المثلُ في الصّنعة
فيقال: " أصْنَعُ مِنْ سُرْفَةٍ " .
شعر لأعرابية في أفعى
ومن أحسنِ ما قيل في الأفعى قول امرأة من الأعراب:
خُلِقَتْ لَهَازِمُه
عِزِينَ وراسهُ ... كالقُرْص فُرْطِحَ من دقيقِ شعيرِ
وكأن مَلْقاهُ بكلّ
تَنُوفَةٍ ... مَلقاكَ كفَّةَ مِنْجَلٍِ مأطور
وُيدير عيناً للوِقاع
كأنها ... سمراءُ طاحت من نفِيض بَريرِ
لماسرجويه وقد سُئل
عن السموم وعلاجها
قيل لماسرجويه: نَجدُ
ملسوعَ العقرب يُعالجَ بالاسفيوش فينفعه، وآخر يُعالج بالبندق فينفعه، وآخر يَشربُ
الأنقاس فتنفعه، وآخر يأكلُ التفاحَ الحامضَ فينفعًه، وآخر يَطليه بالقِلْي والخل
فيحمَدُه، وآخر يَعْصِبُ عليه الثومَ الحارَّ المطبوخَ، وآخر يُدخِلُ يده في
مِرْجَلٍ حار لا ماء يه فيحَمدُه، وآخر يعالج بالنُّخَالة الحارّة فيحمدَها، وآخر
يَحجِمُ ذلك الموضعَ فيحمَده، ثم رأيناه يتعالج بعدُ بذلك الشيءِ للسعة أخرى فلا
يحمده! فقال: لما اختلفت السّمومُ في أنفسها بالجنس والقدر والزمان، وباختلاف ما
لاقاه اختلفَ الذي يوافقه على حسب اختلافه.
قالوا: وأشدّ ما تكون
لسعتُها إذا خرج الإنسانُ من الحمّام، لتفتّح المنافس وسَعَةِ المجاري وسُخُونة
البدن.
لأي بكر البحري
وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيَ قال: قال أبو بكر البحريّ: ما من شيء يضرّ إلا يحمل
منفعة.
لبعض الأطباء وقيل
لبعض الأطباء: إن قائلاً قال: أنا مثلُ العقرب أضُر ولا أنفعُ. فقال: ما أقلّ علمه
بها، " إنها لتنفع إذا شُقّ بطنُها ثم شُئت على موضع اللّسعة؛ وقد تجعل في
جوف فخار مشدود الرأس مُطيّن الجوانب ثم يُوضع الفخار في تَنُور فإذا صارت العقربُ
رَماداً سُقِيَ من الرمادِ مقدارَ نصف دانق أو أكثر قليلاً مَنْ به الحصاةُ ففتّها
من غير أن يضر بشيء من سائر الأعضاء والأخلاط. وقد تَلسعُ العقربُ مَن به الحمَى
العتيقةُ فتُقلِعُ عنه. ولَسعتِ العقرب رجلاً مفلوجاً فذهب عنه الفالج. وقد تُلقَى
العقربُ في الدهن وتترك فيه حتى يأخذَ الدهنُ منها ويَجتذبَ قواها فيكون ذلك
الدهنُ مُفرقاً للأورام الغليظة.
بين أعرابي لسعته
عقرب وبعض الناس قال أبو عبيدة: ولَسعت أعرابياً عقرب بالبصرة، وخِيفَ عليه فاشتد
جزعُه، فقال بعض الناس له: ليس شي خيراً مِنْ أن تُغْسَلَ له خُصِيةُ زِنجي عَرِقَ
ففعلوا، وكان ذاك في ليلَةٍ ومدة، فلما سَقَوْه قَطَب؛ فقيل له: طعمَ ماذا تَجِدُ؟
قال: أجدُ طعمَ قِرْبَةٍ جديدةٍ.
بين المأمون وسلمويه
وبختيشوع وابن ماسويه قال المأمون: قال لي بَخْتِيَشُوع وسلمويه وابن ماسويه: إن
الذباب إذا دلِكَ على موضع لسعة الزُّنبور هَدَأ وسكن الألمُ، فلسعني زُنبور فحككتُ
على موضعه أكثر من عشرين ذبابة سكن الألمُ إلا في قدر الزمان الني كان يسكن فيه من
غير علاج، فلم يبقَ في يدي منهم إلا أن يقولوا: كان هذا الزنبورُ حنقاً غاضباً،
ولولا ذلك العلاجُ قتلَك.
قالوا: ومما ينفع من اللسعة
أن يُصيروا على موضعها قطعةَ رَصاصٍ رقيقةً وتُشد عليه أياماً. وقد يُمَوهُ بهذا
قوم فيجعلونه خاتَماً فيدفعونه إلى الملسوع إذا نُهِشَ في إصبعه.
لمحمد بن الجَهْم قال
محمد بن الجَهْم: لا تتهاونوا بكثير مما تَرَوْن من علاج العجائز، فإن كثيراً منه
وقع إليهن من قدماء الأطباء، كالذبان يلقَى في الإثمدِ فيسحقُ معه، فيزيدُ ذلك في
نور البصر، النظر وتشديدِ مراكز الشعر في حافات الجفون.
قال: وفي أمة من
الأمم قومٌ يأكلون الذَبانَ فلا يرمَدون، وليس لذلك يأكلونه، ولكن كما يأكل غيرهم
فراخ الزنانير.
لابن ماسويه في علاج
لسع العقرب وقال ابن ماسوِيه: المجرًبُ للسع العقرب أن يُسقَى من الزًراوَند
المدحرج ويُشربَ عليه ماء بارد، ويُمضغ ويوضعَ على اللسعة.
قال: وللسع الأفاعي
والحيّات ورقُ الاس الرطب يُعْصَرُ ويُسقَى من مائه قدرَ نصف رطل، وكذلك ماء
المَرْزَنْجُوش وماء ورق التفاح المدقوق والمعصور مع المطبوخ، ويُضمد الموضعُ بورق
التفاح المدقوق. وللأدوية والسموم القاتلة البندق والتين والسذابُ يُطعم ذلك
العليلُ.
قال: والثُّوم
والملح وبَعْر الغنم نافع جدّاً إذا وُضِعَ على موضع لسعة الحية إلا أن تكون
اصَلةً، فإن الأصَلَةَ تُوضعُ على لسعها الكُلْيتان جميعاً بالزيت والعسل.
والخِطمي إذا أخِذَ
ورقُه فلُق ثم وُضع على لسع قَملة النّسر كان دواء له. وإن طَلَى أحد به يديه أو
جسده لم يَلدغْ ذلك الموضعَ منه زُنْبور. وإن لَدغَ أحداً زنبورٌ فآذاه فشرب من
مائه نفعه.
والبشكول وهو
الطرشَقوقُ إن دُق فضُمد به لسعةُ العقرب نفع إذا أغلي أو شُرِب من عصيره.
قالوا: وإن أخَذَ
مَنْ حذَر على نفسه السمومَ التينَ مع الشُّونِيز على الريق وَقاه.
النباتلكُليب أبي
وائل
حدثني إسحاق بن
إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا قريشُ بن أنس عن كُلَيْب ابن وائل رجل من
المُطَّوٌعة قال: رأيت ببلاد الهند شجراً له ورد أحمر مكتوب فيه ببياض " محمد
رسول الله " . والعرب تقول في مثل هذا هو " أشكرَ من البَرْوَقَة "
، وهو نبت ضعيف ينبت بالغيم.
ويزعم قوم أن
النارَجيلَ هو نخل المُقْل قَلبه طِباعُ البلد.
لصاحب الفلاحة في
الكرنب والكَرْم وقال صاحب الفلاحة: بين الكُرْنب وبين الكَرْم عداوة، فإذا زُرعَ
الكرنب بحضرة الكَرم ذَبَلَ أحدهما وتشنج، ولذلك يُبطىء السُّكْرُ عمن أكل منه
ورقاتٍ على ريق النفس ثم شرب. وقُضبان الرمان إذا ضُرِبَ بها ظهرُ رجل اشتد عليه
الألم.
وقالوا: وكل زَهر
ونَوْرٍ فإنه ينحرفُ مع الشمس وُيحوَل إليها وجهَه؛ ولذلك يقال: يُضاحِكُ الشمسَ.
للأعشى قال الأعشى:
ما روضَةٌ من رياض
الحَزْنِ مُعشِبةٌ ... خضراءُ جَادَ عليها مُسْبِلٌ هَطِل
يُضاحكُ الشمسَ منها
كوكبٌ شَرِقٌ ... مُؤَزَز بِعَميم النَبتِ مُكْتَهِلُ
وقال آخر:
فَنُوَّارُه مِيلٌ
إلى الشمس زَاهِرُه
والخُبًازَي يَنضمُّ
ورقُهً بالليل ويَنفتِحُ بالنهار.
والنًيلُوفَرُ يَنبتُ
في الماء فيغيب الليلَ كلّه ويظهرُ إذا طلعتِ الشمسُ.
في الطحلب وقالوا في
الطحلُب: إن اخذ فجُفِّفَ في الظل ثم سقطَ في النار لم يَحترِق.
وذكروا أن قَسّاً
راهنَ على صليب في عنقه من خشب أنه لا يَحترق، وقال: هو من العود، الذي صًلِبَ
عليه المسيحُ، فكاد يَفتِنُ بذلك خَلْقاً حتى فَطِنَ له بعضُ أهل النظر فأتاهم
بقطعة، تكون بكرِمانَ فكان أبقى على النار منِ صليبه. والطلَقُ كذلك لا يصير جمراً.
وطِلاءُ النفاطين
طَلَقٌ وخِطْمِي ومَغرَةٌ.
وقالوا: إذا أخِذَ
بِزرُ السذاب البريّ وزُرع وطال به ذلك تَحوّل حرملاً، والنّمامُ إذا أعتَقَ تحول
حبقاً.
قالوا: والقُسْطُ
إنما هو جَزَر بحريّ.
قالوا: بالسند
نبتٌ من الحشيش يُسمّى تِرِيَّةً، إذا أخذ فطُبخ ثم صُفِّي ماؤه فجُعِلَ في وِعاء
لم يلبَث إلا يسيراً حتى يشتد ويسكِر شاربَه إسكارَ الخمر.
لصاحب الفلاحة في
إفساد البقل والرمان قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يضرّ بمَبْقَلَةٍ عَمَد إلى شيء
من خُرء البَط فخلط به كل من ملح ثم طُرِحَا في ماءٍ فدِيفَا فيه فيُنضَحُ ذلك
الماءُ على البقل فإنه يَفْسُدُ.
قال: ومن أراد
إفسادَ الرمان الكثير ألقى في أضعافه نوَىَ التمر والملح والجرِيش. ومن أراد قتلَ
السمك في الماء القائم عَمَد إلى نبت يسمى " ما هِي زهره " فدُقّ
وطُرِحَ في الماء فإنه يموت سمكُ ذلك الماءَ؛ والمازريون يفعل ذلك.
قال: ومما يَجِص له
الشجر أن يُعمَد إلى مِسمار من حديد فيُحمَى بالنار حتى تشتدّ حُمرته ثم يدَقّ في
أصل الشجرة، وأن يُعْمَد إلى وتد من طَرْفاءَ فيُثقَبَ أصل الشجرة بِمثقَب حديد
يُجَعلَ ذلك العودُ على قدر الثقب في المِثقَب فتجفّ الشجرةُ إن كان غِلظُ العودُ
على قدر الثقب.
لماسرجويه في أن
النظر إلى الخضرة فضائل قيل لماسرجويه: ما بالُ الأكَرَةِ وسُكَانِ البساتينِ مع
أكلهم الكُراثَ والتمرَ وشُربِهم الحار على السّمكِ المالح أقل عُمياناً
وعُورَاناً وعُمشَاناً؟ قال: فكَّرتُ في ذلك فلم أجهدْ عِلّةً طولَ وُقوع أبصارهم
على الخضرة.
الحجارةلأرسطاطاليس
قال أرسطاطاليس: حَجرُ سنقيلا إذا رُبط على بطن صاحب الاستسقاء نَشَفَ منه الماءَ
والدليل على ذلك أنه يوزن بعد أن كان على بطنه فيوجدُ قد زاد في وزنه؛ وذاكرتُ
بهذا رجلاً من علماء الأطبّاء فعرفه، وقال: هذا الحجر مذكور في التوراة. وحجر المغناطيس
يَجذِبُ الحديدَ من بُعْدٍ وإذا وُضِعَ عليه عَلقَه، فإن دُلِكَ بالثُوم بطلَ
عملُه.
قالوا: والرّمادُ
ؤالقِلْيُ يُدبران فيستحِيلان حجارةً سُوداً تَصلحُ للأرجاء. ومِن الحجارة حصاةٌ
في صورة النواة تَسبَحُ في الخل كأنها سمكة. ومنها خَرَزَة العُقْر إن كانت في
حَقْو المرأة فلا تَحْبَلُ. وحجر يُوضع على حرف التنور فيتساقط خبزُ التنور كله.
وبمصر حجر مَنْ قَبضَ
عليه بِجمبع كَفيهِ فأكل شيئاً في جوفه فإن هو لم يَنْبُذْه من كفه خِيفَ عليه.
ومن الحجارة النَشفُ، ليس شيء من الحجارة يَطْفُو على الماء غيره وفيه حُفَر
صِغَارٌ.
قالوا: الرصاص قد
يدبرُ فيستحيلُ مُرْدَاسَنْجاً.
وإقليمياء النحاس
يدبر فيصيرُ تُوتِياء. وحجر البازَهْر يُفرًقُ الأورام.
الشب اليماني وباليمن
جبل يقطر منه ماء، فإذا صار إلى الأرض ويَبِسَ استحال وصار شباً، وهو هذا الشب
اليماني.
للأصمعي في أشياء لا
تكون إلا باليمن حدّثنا الرياشي عن الأصمعي قال: أربعةُ أشياءَ قد ملأتِ الدنيا لا
تكون إلا باليمن: الوَرْسُ والكُنْدُرُ والخِطْرُ والعَصْب.
وبمصرحجر تُحركه
فسمعُ في جوفه شيئاً يَتقلقلُ كالنواة.
بين شريح ورجلين
اختصما إليه حدثني شيخ لنا عن علي بن عاصم عن خالد الحَذَّاء عن محمد بن سيرين
قال: اختصم رجلان إلى شُرَيْح، فقال أحدُهما: إني استودعتُ هذا وديعةً فأبى أن
يدردها عليّ. فقال له شريح: رُدَ على هذا الرجل وديعَته. قال: يا أبا أميةَ، إنه
حجر إذا رأته الحُبْلَى ألقتْ ولدَها وإذا وَقَع في الخل غَلَى، وإذا وُضِع في
التنُور بَرَدَ فسكتَ شرَيحٌ ولم يَقُلْ شيئاً حتى قاما.
الجنّ
قالوا: الشياطينُ
مَرَدةُ الجن، والجان ضَعَفةُ الجن.
لمجاهد عن إبليس
وبلغني عن يحيى بن آدم عن شَرِيكٍ عن لَيْث عنِ مُجاهد قال: قال - يعني
إبليس عليه لعنة الله - : أعطِينَا أنا نَرَى ولا نُرَى، وأنا ندخُل تحت الثَرَى،
وأن شيخنا يُرَدّ فَتىً.
بين عبدالله بن
الزبير ورجل من الجن حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال: حدّثني يَعْلَى بن عُقْبة -
شيِخ من أهل المدينة مولًى لآل الزُّبَير - : أن عبد الله بن الزبير باتَ
بالقَفْر، فقام ليَرْحَلَ فوجدَ رجلاً طُوله شِبرانِ عظيمَ اللحية على الوَلِيّة، فنفَضَها
فوقع ثم وضَعَها على الراحلة، وجاء وهو بين الشَرْخَينِ، فنفضَ الرحلَ ثم شده،
وأخذ السوطَ ثم أتاه، فقال: مَنْ أنتَ؟ قال: أنا أزَبُ. قال: وما أزَت؟ قال: رجلٌ من الجن. قال: افتح فاك أنظر. ففتح فاه، قال: أهكذا
حُلوقُكُم! لقد شُوًه حُلوقُكمُ! ثم قَلَبَ السوطَ فوضعه في رأس أزَب حتى شقه.
بين بنت عوف بن عفراء
ورجل من الجن ثم بينها وبين عائشة رضي الله عنها حدثني خالد بن محمد الأزدي قال:
حدثنا عمر بن يونس قال: حدثنا عِكرِمة بن عفار قال: حدثنا إسحاق بن أبي طلحة
الأنصاري قال: حدثني أنس بن مالك قال: كانت بنتُ عوف ابن عفراء مُضطجِعَةً في
بيتها قائلة إذا استيقظَتْ وزنجي على صدرها آخذاً بحلقها، قالت: فأمسكَني ما شاء
الله وأنا حينثذ قد حَرُمَتْ علي الصلاةُ، فبينا أنا كذلك نظرتُ إلى سقف البيت يَنْفَرِج،
حتى نظرتُ إلى السماء فإذا صحيفة صفراء تَهِوي بين السماء والأرض حتى وقَعتْ على
صدري، فنشرها وأرسل حَلقي فقرأها، فإذا فيها: من رَبّ لُكَيزٍ إلى لُكيزٍ، اجتنب
ابنةَ العبد الصالح إنه لا سبيل لك عليها. ثم ضرب بيده على ركبتي وقال: لولا هذه الصحيفةُ لكان دم، أي لذبحتُكِ؛
فاسودتْ ركبتي حتى صارت مثلَ رأس الشاة، فأتيت عائشة. فذكرت لها ذلك؛ فقالت لي: يا
بنة أخي، إذا حِضتِ فألزِمي عليك ثيابكِ فإنه لا سبيل له عليكِ إن شاء الله.
فحفظها اللّه بأبيها وكان استُشهِدَ يوم بدر.
بين عجوز وجني أبو
يعقوب الثقفيّ عن عبد الملك بن عُمير عن الشّعْبيّ عن زياد بن النضر أن عجوزاً
سألت جِنّيّاً فقالت: إن بنتي عَروسٌ وقد تمرط شَعَرُها من حمَى رِبْع بها، فهل
عندكَ دواء؟ فقال: اعْمدِي إلى ذُباب الماء الطويل القوائم الذي يكون بأفواه
الأنهار فاجعليه في سبعة ألوان من العِهْنِ: أصفرَ وأحمرَ وأخضرَ وأزرقَ وأبيضَ
وأسودَ وأغبرَ، ثم اجعليه في وسطه وافتِلِيه بأصبعك هكذا ثم اعقِديه على عَضُدها
اليسرى، ففعلَتْ فكأنّها النشِطَتْ من عِقَالٍ.
لمحمد بن مسلم
الطائفي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرني محمد بن مسلم الطائفيّ في حديث
ذكره أن الشياطين لا تستطيعُ أن تغيَرَ خَلْقَها ولكنها تُسَخرُ.
وللنهاس بن قهم،
ولغيره وقال الأصمعي: حدّثنا أبو عمرو بن العلاء قال: حدثنا النفاسُ بن قَهْم قال:
دخلتُ مِرْبَداً لنا فإذا فيه شيء كالعَجوْل له قرنان وله رِيشٌ ينظرُ إليٌ كأنه
شيطان.
حدثنا عبد الرحمن بن
عبدالله عن عمه قال: سَمِع رجلٌ بأرض ليس بها أحدٌ قائلاً من تحته يقول: مَنْ
يُحرك شُعَيراتِي؟ ذاك مَقِيلي، وظِل مَظَفي، حاشا الغزيل وعبد الملك وجمعهِ
الأدْم، وكانوا يَرَوْن أن الأصمعي سمع هذا، وذاك أنه كان في آخر عمره وقد أصابه
مَسٌ ثم ذهب عنه.
بين عُمير بن ضبيعة وصاحب
له وجني حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: أخبرنا عمر بن الهيثم عن عُمَير بن
ضبَيْعة قال: بينا أنا أسيرُ في فلاةٍ أنا وابن ظبيانَ - أو رفيق له آخر ذكره -
عَرَضتْ لنا عجوز - كذا سمعته يقول، إن شاء الله - أو شيخ - ورأيتُ في كتاب محمدٍ
ابنه - وصبي يبكي؛ فقال: إني مُنْقَطَعٌ بي في هذه الفلاة فلو تحمّلتماني! فقال
صاحبُ عمير: لو أردفتَه! فحمله خلفَه، فمكثنا ساعة فنظم في وجه عمير وتنفّس فخرج
مِنْ فِيهِ نارٌ مثلُ نار الأتون فأخذَ له عميرٌ السيفَ؟ فبكى وقال: ما تُرِيدُ
منّي؟ فكفّ عنه ولم يُعْلِم صاحبَه بما رأى؛ فمكث هنيهةً ثم عاد، فأخذ له السيفَ؛
فبكى وقال: ما تريد مني؟ وبكى؛ فتركه ولم يعْلِم صاحبه؛ ثم عاد الثالثةَ ففغر في وجهه؛
فحمل عليه بالسيف؛ فلما رأى الجدَ وثبَ وقال: قاتَلكَ اللُه ما أشد قلبَك! ما فَعلتُه
قطّ في وجه رجل إلا ذهب عقلُه.
بين النبي صلى الله
عليه وسلم وأبو أيوب الأنصاري والغول بلغني عن محمد بن عبد الله الأسديّ عن سفيان
عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن عبد الرحمن عن أبي أيوب الأنصاري أنه كان في سَفْرَة
له وكانت الغولُ تجيء، فشكاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إذا رأيتَها فقُل باسم اللِه أجيبي رسولَ الله " فجاءت فقال لها
ذلك، فأخذها فقالت: لا أعودة فأرسلها فقال له النبي عليه السلام: " ما فَعل أسيرك
" فأخبره؛ فقال: " إنها عائدة " ففعلتْ ذلك مرتين أو ثلاثاً، وقالت
في آخرها: أرسِلْني وأعلَمك شيئاً تقوله فلا يضرّك شيء: آيةَ الكرسيّ. فأتى النبي
عليه السلام فأخبره؛ فقال: " صَدَقَتْ وهي كذُوبٌ " .
بين عمر بن عبد
العزيز وعامل عمان في شأن ساحرة حدّثني زيدُ بن أخزَمَ قال: حدثنا عبد الصمد عن
همام عن يحيى بن أبي كثير أن عامل عُمَانَ كتب إلى عمرَ بن عبد العزيز: إنا
أتِينَا بساحرة فألقيناها في الماء فطَفَتْ؛ فكتب إليه عمرُ لَسْنَا من الماءِ في
شيء، إن قامتِ البينةُ وإلا فَخَل عنها.
للنيي صلى الله عليه
وسلم حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جُريج عن ابن أبي
الحسين المكي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " نعِمَتِ الذخْنةُ اللبانُ واللُبانً دُخنةً الأنبياءِ ولن يَدخُلَ
بيتاً خن فيه بِلُبَانٍ ساحِر ولا كاهِن " .
بين سفيان بن عيينة
وأعرابية حدثني عبدالله بن أبي سعيد قال: حدثني عبدالله بن مروان بن معاوية من ولد
أسماء بن خارجةَ قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعتُ أعرابيةً تقول: من يشتري مني
الحَزَأ؟ فقلتُ: وما الحزأ؟ قالت: يشتريه أكايسُ النساء للطَّشة والخافية
والإقلاتِ. قال عبد الله: سألتُ ابن مُنَاذِرٍ فقال: الطَّشةُ: شيء
يُصيبُ الصبيانَ كالزُّكام. والخافيةُ: الجن. والإقلاتُ: قِلةُ الولد. يريد أن
المرأةَ إذا ولدت يموتُ أولادُها فلا يبقى لها ولد؛ يقال: امرأة مِقْلاَت.
بين شيخ من بني نمير
وقوم من الجن المسلمين
بلغني عن شيخ منِ بني
نُمير أنه قال: أضْللْت أباعر لي بالشُرَيفِ فخرجتُ في بُغَائِها فذأبْتُ أياماً
فأمسيتُ عشيَّةَ بواب مُوحِش وقد كدَدْتُ راحلتي فاختليتُ لها من الشجر وأصبتُ لها
من الماء ثم قيَدتُها واضجعتُ مغموماً، فلما جَرى وسَنُ النوم في عيني إذ هَمس
قَدمٌ قريباً مني، فانتبهتُ فزِعاً وإذا شيخ يتنحنح وهو يقول: لا رَيْعَة عليك! ثم
سلّم وجلس؛ ثم جاء آخر وآخر حتى تألّفوا أربعة فقالوا: ما بك أيها المسلم. فقلت:
أضللتُ أباعِرَ لي وأنا في طلبها؛ منذ أيام. فقال لي الأول منهم: كُنّ لك ما كنّ،
وقد ودعنَ فبِنّ، وصِرنَ حيث صِرنَ، فلا تتعَنّيَن. فاجترأت على المسألة فقلت:
أمِن الخافيةِ أنتم نشدتكم بإلهكم؟. قالوا: نعم وإلهنا إلهكم واحدة فقلت: علموني مما
علمكم الله شيئاً أنتفع به. قالوا: إذا أردتَ حِفظَ مالِكَ فاقرأ عليه: " إن
رَبكُمُ اللُّه الذِي خَلَقَ السموَاتِ والأرضَ في سِتَةِ أيامٍ ثم اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْش " إلى آخر ثلاث الآيات، وآية الكرسي، وإذا أمسيتَ في خَلاءٍ وحمَك
فاقرأ المعوَذتين، وإن حببتَ ألا يعبَثَ بك ولا بأهلك وولدك عابثٌ منا فعليك
بالديكِ الأبيض؛ واجعل في حجور صبيانك بَرِيماً، يعني خيطاً من صوف أبيض وأسود،
واحتَشُوا بالإذخر يُنشر في الصوف. فحدثوني كحديثنا تلك الليلة، فلما أصبحت رجعتُ.
قال المدائنيّ: كانت
وفاةُ زِياد بالعَرْفَةِ ظهرتْ في إصبعه، واشتد عليه الوجع فجمع الأطباء فشاورهم
في قطع إصبعه، فأشار عليه بعضهم بذلك، وقال له رجل منهم: أتجد الوجعَ، الإصبع أم تجده في قلبك والإصبع؟ قال: في قلبي وفي إصبعي. قال: عِش
سليماً ومُتْ سليماً. وأمره أن يَغمِسها في الخّل، فكان ذلك يُخفف عنه بعضَ الوجع،
فمكث بذلك سبعة عشر يوماً ثم مات؛ وسَمِع أهل الحبس ليلةَ مات قائلاً يقول: أنا
النقادُ فوق الرقْيَة قد كفيتُكم الرجلَ. والعرب تدعو الطاعونَ رماحَ الجن.
للنبي صلى الله عليه
وسلم في الطاعون وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " إنه وَخْزٌ من الجنّ
" يعني الطاعونَ. واللهّ أعلم.
صورة ما جاء بخاتمة
الجزء الرابع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي تم كتاب الطبائع
وهو الكتاب الرابع من عيون الأخبار لابن قتيبة ويتلوه في الكتاب الخامس كتاب
العلم. والحمد للّه رب العالمين وصلاته على خير خلقه محمد النبي وآله وصحابته وأهل
بيته أجمعين.
وكتبه الفقير إلى
رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ الجزري وذلك في شهور سنة
أربع وتسعين وخمسمائة هجرية.
إلى هنا ينتهي آخر
القسم المطبوع من هذا الكتاب بمدينة غوتنغن سنة 1899 م. وسنعتمد في مراجعة الجزء الخامس إلى آخر الكتاب على الأصل الفتوغرافي،
وعلى المصادر التي يعول عليها في تصحيح الكتاب.
جاء بعد خاتمة الجزء
الرابع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافيّ ما يأتي: لسديف مولى بني
هاشم يناجي ربه كان سُدَيف مولى بني هاشم يقول: اللهم إنه قد صار فينا دولةً بعد
القِسْمة، و " إمارتنا غلبةً بعد المشورة؛ وعهدُنا ميراثاً بعد الاختيار
للأمة، واشْتُرِيت الملاهي والمعازف بسهم اليتم والأْرْمَلَة؛ وحَكَمَ في أبشار
المسلمين أهلُ الذمة وتولى القيام بأمورهم فاسقُ كل محلة. اللهم وقد استحْصَدَ زرعُ الباطل، وبلغ نُهْيتَه، واستجمعَ طريدهُ،
اللهم فافتح له من الحق يداً حاصدة تُبدَد شملَه، وتُفرق نامَته، ليظهر الحق في أحسن
صوره، وأتم نُوره. والسلام.
دعاء في التوقي من
ظلم السلطان وقيل: كانوا يتوقَون ظُلمَ السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا هذا الدعاء:
" باسم اللّه، " إني أعوذُ بالرحمنِ منكَ إن كُنْتَ تَقِيًّا " ،
" اخْسَئُوا فيها ولا تُكَمون " ، أخذت سمعك وبَصرَك بسمع الله وبصره،
وأخذتُ قوّتكَ بقوة اللهّ، بيني وبينك ستْرُ النبوة الذي كانت الأنبياء تَستتر به
من سَطَوات الفراعنة؛ جبريلُ عن يمينك، وميكائيلُ عن شِمالك، ومحمد أمامك، والله
مطل عليك يَحجزك مني ويمنعني منك. والسلام " .
كتاب عمر بن عبد العزيز
إلى بعض عماله يعظه وكتب عُمر بنُ عبد العزيز إلى بعض عَمَاله: " أما بعد، فإذا دعتك قدرتُك على الناس إلى ظلمهم، فاذكُرْ قدرةَ اللّه
عليك ونَفَادَ ما تأتي إليهم، وبقاءَ ما يأتون إليك. والسلام " .
وقَدِم رجلٌ من بعض
النواحي فقيل له: كيف تركتَ الناس؟ قال: مظلوماً لا يَنْتَصِر، وظالماً لا
ينْتَهَر. والسلام.
شعر في الحبس في
الحبس:
ما يدخُلُ السجنَ
إنسانٌ فتسألُه ... ما بالُ سجنِك إلا قال مظلومُ
وقال بعض المُحَدِثين:
إن الليالي التي
شُغِفتُ بها ... غيبها الدهرُ في تقلُبه
للّه أمري ما ملتُ قط
إلى ... شيء بقَلْبِي إلا فُجِعتُ به
عرفتُ حظي من الزمان
فلا ... ألوم خَلْقاً على تجبه
وكل سَهْم أعمدتُه
وقَفتْ ... به الليالي حتى رُمِيتُ به
بين عبد الملك بن
مروان ورجل من الخوارج وحُكي أن عبد الملك بن مروان أتَوْهُ برجل من الخوارج فأراد
قتله، فأدخل على عبد الملك ابن له صغير وهو يبكي؛ فقال الخارجي: دعه يا عبدَ
الملك، فإن ذلك أرحب لشدقه، وأصح لدماغه، وأذهب لصوته، وأحرى ألاَ تأبى عليه عينه
إذا حَفَزَتْهُ طاعةُ الله فاستدعى عَبْرتها. فأعجب عبدُ الملك بقوله وقال له
متعجباً: أمَا يشغلك ما أنت فيه عن هذا؟ فقال: ما ينبغي أن يَشغَل المؤمنَ عن قول
الحق شيءٌ. فأمر عبدُ الملك بحبسه، وصَفَحَ عن قتله.
بسم اللّه الرحمن
الرحيم
كتاب العلم والبيان
العلمفي نهي رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات حدثني الزيادي قال: حدثنا عيسىِ بن يُونس عن
الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الضنَابِحِي عن معاوية بن أبي سفيان قال: نهَى
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الأغْلُوطات، قال الأوزاعي: يعني صِعَاب المسائل.
بين كعب الأخبار وقوم
من أهل الشام حدثني سُهَيل بن محمّد عن الأصمعي قال: سمعت عِمْران بن حُدَير
يُحدَث عن رجل من أهل الشام قد سماه، قال: قال كعب الأحبار لقوم من أهل الشام: كيف
رأيكم في أبي مُسلم الخَوْلاني؟ فقالوا: ما أحْسَنَ رأيَنَا فيه وأخْذَنا عنه!
فقال: إن أزهَدَ الناس في الحاكم أهْلُه، وإنْ مثل ذلك الجامة تكونُ في القوم
فَيَرْغَبُ فيها الغُرَباء، ويَزْهَدُ فيها القُرَباء، فَبينَا ذلك غَارَ ماؤها
وأصاب هؤلاء منفعتها، وبقي هؤلاء ينفكون، أي يتندمون.
لعيسى عليه السلام
وفي الإنجيل أن عيسى صلى الله عليه لمّا أراهم العجائب، وضرب لهم الأمثال والحكمة،
وأظْهَرَ لهم هذه الآياتِ، قالوا: أليس هذا ابنَ النَّجّار! أوَ لَيْست أمُّه
مَرْيَمَ وأخُوه يعقوبَ ويوسفَ وشمعونَ ويَهُوذا وأخواته كلّهن عندنا! فقال لهم
عيسى: إنّه لا يُسب النبي ولا يحَقَّر إلا في مدينته وبِيئَتِه.
لدغفل النسّابة وقد
سُئل عن تحصيله علمه حدثنا الرياشي قال: حدّثنا الأصمعي قال: قيل لدَغْفَل
النسّابة: بم أدركتَ ما أدركتَ من العلم؟ فقال: بلسْانٍ سَؤُول وقلبٍ عَقُول،
وكنتُ إذا لَقِيتُ عالِماً أخذتُ منه أعطيته.
بين رؤبة بن العجاج
والنسابة البكري حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا العَلاَء بن أسلم
عن رؤبة بن العجّاج قال: أتيت النّسابة البكريّ فقال لي: من أنت. فقلت: أنا ابن العجاح.
قال: قصرت وعًرفْت، لعلك من قوم إن سكتُّ عنهم لم يسألوني، وإن تكلمتُ لم يَعُوا
عنَي. قلت: أرجو ألا أكونَ كذلك. قال: ما أعداءُ المُرُوءَة. قلت: تُخبرنى. قال:
بنو عم السوء إن رأوا حسناً ستَرُوه، وإن رَأوا سيئاً أذاعوه. ثم قال: إن للعِلْم
آفةً وهُجنة ونَكداً، فآفتُه نسيانُه، ونكده الكذبُ فيه، وهُجنته نشره عند غير
أهله.
في طلب العلم كان يقال:
لا يَزَال المرء عالماً ما طَلَب العِلْمَ فإذا ظَن أنْ قد عَلِمَ فقد جَهِلَ.
للنبي صلى الله عليه
وسلم في أربعة أسباب لطلب العلم تُدخل النار حدثني شيخٌ لنا عن محمد بن عُبيد عن
الصلْت بن مِهْرَان عن رجل عن الشعبي عن عبد اللّه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من تعلم العِلْمَ لأربعة دخل النار. ليُباهِيَ به العلماءَ أو يمارِيَ به السفهاءَ أو يُمِيلَ به وجوهَ
الناس أو يأخُذَ به من الأمراء " .
وحدثني عن أبي معاوية
عن حجاج عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد
يُخْلِص العبادة لله أربعين يوماً إلّا ظهرت ينابيعُ الحِكْمة من قلبه على لسانه " .
نصيحة لقمان لابنه
وقرأت في حِكَم
لُقمان أنه قال لابنه: يا بُنَي، اغْدُ عالماً أو متعلَماً أو مُستمِعاً أو
مُحِباً، ولا تكن الخامِسَ فتهلك.
وللنبي صلى الله عليه
وسلم في حمل العلم حدّثني محمد بن داود عن سُوَيد بن سعيد عن إسماعيل عن ابن عياش
عن مُعَاذ بن رِفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " يحمل هذا العِلْمَ من كلّ
خَلَف عدولُه يَنْفُون عنه تحريفَ الغالين وانتحالَ المُبْطِلين وتأويلَ الجاهلين " .
لعلي عليه السلام
وروى أبو خالد بن الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق قال: قال علي
عليه السلام: كَلِماتٌ لو رَحَّلْتم المَطِي فيهنّ لا تُصِيبوهنَّ قبل أن تُحركوا
مثلَهن: لا يَرْجُوَنّ عَبْدٌ إلا ربّه، ولا يَخافنّ إلا ذنبَه، ولا يَسْتَحيي من
لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحيي إذا سُئِل عمّا لا يَعْلَم أن يقول: اللّه أعلمُ.
واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأسُ ذهب
الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.
وكان يقول: من حق
العالِم عليك إذا أتيتَه أن تُسلَم على القوم عامةً وتَخُصَّه بالتحية، وأن
تَجْلِسَ قدَّامَة ولا تُشِيرَ بيدك، ولا تَغْمِزَ بعينك، ولا تقولَ قال فلان
خلافاً لقوله، ولا تَغتابَ عنده أحداً، ولا تسَارَّ في مجلسه، ولا تأخُذَ بثوبه،
ولا تُلَح عليه إذا كَسل، ولا تَغْرَضَ من صحبته لك، فإنما هو بمنزلة النخلة لا
يزال يسقط عليك منها شيء.
وله عليه السلام في
أن العلم خير من المال وفيما قال علي عليه السلام: يا كُمَيْل، العلم خير من
المال، لأن العلم يَحرُسُك وأنت حرُس المال، والمال تَنْقُصه النفقة، والعلم يزكو
على الأنفاق.
وقال: قيمةُ كلٌ امرء
ما يُحسن.
ويقال إذا أرذل الله
عبداً حَظَر عليه العِلمَ.
لبعض الشعراء وقال
الشاعر:
يُعد رفيعَ القوم مَن
كان عالِماً ... وإن لم يكن في قومه بحسيبِ
وإنْ حل أرضاً عاش
فيها بعلمه ... وما عالِم في بلدةٍ بغريبِ
لبزرجمهر قال
بُزُرْجِمهْر: ما ورًثت الآباءُ الأبناءَ شيئاً أفضلَ من الأدب، لأنها تَكتسِب
المال بالأدب بالجهل تُتْلفه فتقعُد عُدما منهما.
بين خالد بن صفوان
ورجل وقال رجل لخالد بن صفوان: ما لي إذا رأيتُكم تتذاكرون الأخبار، وتتدارسون
الآثار، وتتناشدون الأشعار، وَقَعَ عَلَي النومُ؟ قال: لأنك حِمار في مسلاخ إنسان.
بين الوليد بن يزيد
ورجل من ثقيف خرج الوليدُ بن يزيد حاجّاً ومعه عبدُ الله بن معاوية بن عبد الله بن
جعفر فكانا ببعض الطريق يَلْعَبان بالشًطْرَنْج فاستأذن عليه رجل من ثَقِيف فأذِنَ
له وسَتَرَ الشطْرَنْج بمنْدِيل، فلفا دخل سلم فسأله حاجَتَه؛ فقال له الوليد: أقرأتَ
القرآن؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين! شغلتني عنه أمورٌ وهَنَات. قال:
أفتعرف الفِقْه؟ قال: لا. قال: أفَرَوْيت من الشَعر شيئاً. قال: لا. قال:
أفعلِمتَ من أيام العرب شيئاً؟ قال: لا. قال: فكَشَفَ المِنديل عن الشَطْرَنْج
وقال: شاهك. فقال له عبد الله بن معاوية: يا أمير المؤمنين! قال:
اسْكُت فما معنا أحد.
من كتاب الهند وفي
كتاب للهند: العالِمُ إذا اغترب فمعه من عِلْمه كَافٍ، كالأسد معه قوَتُه التي
يَعِيش بها حيثُ تَوجه.
وكان يقال: العلم
أشرفُ الأحساب، والمودةُ أشدُّ الأسباب، قال الشاعر:
الحِلْمُ والعِلْمُ
خلًتا كَرم ... للمرءِ زَيْنٌ إذا هما اجتمعا
صِنْوان لا يَستَتِمّ
حسنهُما ... إلا بجمع لذا وذاك معا
كم من وضيع سما به
العِلْمُ وال ... حِلْمُ فنال العَلاءَ وارتفعا
ومن رفيع البِنا
أضَاعَهُما ... أخمله ما أضاع فاتّضعا
للأحنف ولابن المقفع
في العلماء قال الأحنف: كادَ العلماءُ أن يكونوا أرْبابا، وكل عزٍّ لم يُؤَكَد
بعِلْم فإلى ذُلّ ما يصير.
ولابن المقفّع وقال
ابن المُقَفَّع: إذا أكرمك الناس لمالٍ أو سُلْطانٍ فلا تعْجِبَنًك ذلك، فإن زوال
الكرامة بزوالهما، ولكنْ ليُعْجِبك إن أكرموك لِدِين أو أدب.
وفي بعض الحديث
المرفوع: " مَثَلُ العلماء في الأرض مَثَل النجوم في السماء " .
في فضل العلم
وكان يقال: استُدِل
على فضل العلم أنه ليس أحدٌ يُحِبّ أن له بحظه منه خَطَراً.
ليونس بن حبيب، وأبي
الأسود قال يونس بن حبيب: عِلْمُك من رُوحك، ومَالُك من بَدَنك.
قال أبو الأسود:
الملوك حُكَامٌ على الناس، والعلماء حُكَامٌ على الملوك.
لبزرجمهر في فضل
العالم على الغني قيل لبُزُرْجِمهْر: العلماءُ أفضلُ أم الأغنياء؟ فقال: العلماء.
فقيل له: فما بالُ العلماء بأبواب الأغنياء أكْثَرُ من الأغنياء بأبواب العلماء؟
فقال: لمعرفة العلماء بفضل الغِنَى وجَهل الأغنياء بفضل العلم.
للنبي صلى الله عليه
وسلم وفي الحديث: " ليس المَلَقُ من أخلاق المؤمن إلا في طلب العِلْم " .
لابن عباس رضي الله
عنهما قال ابن عبّاس: ذَلَلْتُ طالباً، فعزَزْتُ مطلوباً؛ وكان يقول: وجدتُّ عامّة
علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحيّ من الأنصار، إنْ كنتُ لأقِيل بباب
أحدهم ولو شئتُ أذن لي، ولكن أبتغي بذلك طِيب نفسه.
في درجات العلم وكان
يقال: أوَّلُ العلم الصمت والثاني الاستماعُ، والثالث الحِفْظُ، والرابع العقل،
والخامس نشرُه.
للحسن قال الحسن: مَن
أحسنَ عِبادَةَ اللّه في شبيبته لقاه الله الحكمة في سِنِّه، وذلك قولُه: "
وَلما بَلَغَ أشُدَّهُ واسْتَوَى أتَيْنَاهُ حُكْماً وعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ " .
في الحكمة، وصفات العالم
قال بعض الحكماء من الصحابة: تقول الحكمةُ: مَن التمسني فلم يَجِدْنِي فَليفْعَلْ
بأحسنِ ما يعْلم، وليترك أقبح ما يَعلم، فإذا فَعَلَ ذلك فأنَا معه وإن لم
يَعرِفْني.
وكان يقال: لا يكون
الرجلُ عالماً حتى يكونَ فيه ثلاثٌ: لا يَحْقِرُ مَن دونه في العلم، ولا يَحسُد من
فوقه، ولا يأخذ على علمه ثَمناً.
لابن عيينة فيما
يُستحب للعالم وقال ابن عُيينة: يُستَحَبّ للعالم إذا علَم ألا يُعَنَف، وإذا
عُلَم ألا يأنَف.
لغيلان وفي كلام
لغَيْلان: لا تكن كعلماء زمن الهَرْج إن علَموا أنِفوا وإن عًلّمُوا عَنفُوا.
من حكم لقمان وفي
حكمة لُقْمان: إن العالمَ الحكيم يَدعو الناسَ إلى علمه بالصَمْت والوَقَار، وإن
العالِم الأخْرَق يَطْرُد الناس عن علمه بالهَدَر والإكثار.
لإبراهيم بن منصور
قال إبراهيم بن منصور: سَلْ مَسْألَةَ الحَمْقَى واحفَظْ حِفظَ الأكياس.
شعر لابن الأعرابي في
طلب العلم وتدبّره وأنشد ابن الأعرابيّ:
ما أقربَ الأشياءَ
حينَ يَسُوقُها ... قدر وأبعدَها إذا لم تُقْدرِ
فسل الفَقِيهَ تكُنْ
فقيهاً مثلَهُ ... مَن يَسْعَ في عمل بِفقْهٍ يَمْهَرِ
وتدبر الأمرَ الني
تُعْنى به ... لا خيرَ في عمل بغير تدبُّرِ
فلقد يَجِدُ المرءُ
وهو مقَصٌر ... ويَخِيبُ جِدّ المرءَ غيرَ مقصَر
ذهب الرجالُ
المُقْتَدَى بفَعَالهم ... والمنكِرُون لكل أمرٍ مُنْكَرِ
وبقيت في خَلَفٍ
يُزَيِّن بعضُهم ... بعضاً ليَدْفَعَ مُعْوِر عن معورِ
مثله لبعض الشعراء
وقال الشاعر:
شِفَاءُ العمى طولُ
السؤال وإنّما ... تمامُ العمى طولُ السكوتِ على الجَهْل
وقال بعضهم: خير
ُخِصال المرء السؤالُ.
ويقال: إذا جلست إلى
عالم فسل تفَقُهاً ولا تَسَلْ تَعَنُتاً.
للحسن في طلب العلم
قال الحسن: مَن استتَر عَن الطلَب بالحَيَاء لَبِسَ للجهل سِرْبَالَه، فقَطِّعُوا
سَرَابِيلَ الحياء فإنّه مَن رَق وجهُه رق عِلْمُه، وقال: إنَي وجدتُ العِلْم بين
الحياء والستْر.
للخليل في منزلة
الجهل وقال الخليل: منزلة الجهل بين الحياء والأنَفة.
لعلي بن أي طالب كرّم
الله وجهه وقال علي بن أبي طالب عليه السلامِ: قُرِنت الهيْبَةُ بالخَيْبة،
والحياءُ بالحِرْمان، والحِكْمة ضالةُ المؤمن فليَطْلُبْها ولو في يَدَيْ أهل
الشرك.
نصيحة عروة بن الزبير
لبنيه وقال عُرْوةُ بن الزُّبَيْر لبنيه: تعلموا العلم فإنْ تكونوا صِغَارَ قوم
فعسى أنْ تكُونوا كِبَارَ قوم آخَرِين، فيا سوءتا ماذا أقبح من جهل بشيخ! في تعلُّم
العلم وتعليمه وكان يقال: عَلم عِلْمَك مَنْ يَجْهَل، وتَعَلَم ممن يَعْلَم، فإنك
إذا فعلتَ ذلك عَلِمتَ ما جَهِلتَ وحَفِظْتَ ما عَلِمت.
لبزرجمهر وقد سُئل عن
إدراكه العلم قيل لبُزُرْجِمهْر: بِم أدركتَ ما أدركتَ من العلم؟ فقال: بِبُكُور
كبُكُور الغُرَاب، وحِرْصٍ كحرص الخِنْزير، وصَبْرٍ كصبر الحِمَار.
للحسن في طلب العلم
في الصّغر وقال الحسن: طلبُ العلم في الصِّغر كالنًقش في الحَجَر، وطلبُ العلم في
الكِبَر كالنقش على الماء.
ويقال: التفقه على
غير علم كحِمار الطاحونة يدور ولا يَبْرَح.
للنبي صلى الله عليه
وسلم وفي الحديث المرفوع " ارحموا عزيزاً ذَلّ ارحموا غنياً افتقر ارحموا
عالماً ضاع بين جُهال " .
ويقال: أحق الناس
بالرحمة عالم يجوز عليه حُكْمُ جاهل.
للمسيح عليه السلام
في الحكمة قال المسيح عليه السلام: يا بَني إسرائيلَ لا تُلْقُوا اللؤلُؤَ إلى
الخنازير، فإنّها لا تَصْنع به شيئاً، ولا تُعْطُوا الحِكْمةَ مَن لا يُريدها، فإن
الحكمةَ أفضلُ من اللؤلؤ، ومن لا يرِيدها شَرُ من الخنازير.
لديمقراط، وغيره قال
ديمقراط: عالِم معانِدٌ خير من منْصف جاهل.
وقال آخر: الجاهل لا
يكون مُنصِفاً؛ وقد يكون العالمُ معانداً.
قال سُفْيان:
تَعوذُوا باللهّ من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر.
قيل للحسن:
الحِرْفَةُ في أهل العلم؛ ولغيرهم الثرْوة، فقال: إنّك طلبت قليلاً في قليل
فأعجزك، طلبت المال وهو قليل في الناس، في أهل العلم وهم قليل في الناس.
شعر للخزيمي، ولآخر
وقال الخُزَيْمي:
لا تَنْظُرَنّ إلى
عَقْل ولا أدبٍ ... إن الجدودَ قريناتُ الحماقات
وقال آخر:
وما ازددتُ من أدبي
حَرْفا أسَر بِهِ ... إلا تَزَيدْتُ حَرْفاً تحته شُومُ
إن المُقدم في حِنْقٍ
بصَنْعته ... أنى تَوجه منها فهو محروم
شعر الطائي لمحمد بن
عبد الملك وقال الطائيّ لمحمد بن عبد الملك:
أبا جَعْفرٍ إنّ
الجَهَالة أمها ... وَلُود وأمُّ العلم جَذَّاءُ حائِلُ
لسفيان الثوري قال
الثوْرِي: مَن طلب الرياسة بالعلم سريعاً فاته عِلم كثيرٌ؛ وقال: يَهتف العلم
بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
لبعض أهل العلم قال
بعض أهل العلم: يُغفَر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يُغفَر للعالم ذنب واحد.
لبلال بن أي بردة شعر
للخليل بن أحمد قال بلال بن أبي بُرْدة: لا يَمنعنكم سوءُ ما تعلمون منا أن
تَقْبلوا أحسنَ ما تسمعون.
شعر للخليل بن أحمد
وقال الخليل بن أحمد:
اعْمَل بعلمي ولا
تَنْظُر إلى عملي ... يَنفَعْك قولي ولا يَضْرُرْك تقصيري
كتب رجل إلى أخ له:
إنّك قد أوتيتَ علماً فلا تُطْفِئَنّ نورَ علمك بظُلْمة الذنوب فتَبقى في الظلمة
يومَ يسعى أهلُ العلم بنور علمهم.
لبعض الحكماء في
اقتران العلم والعمل وقال بعض الحكماء: لولا العلمُ لم يُطْلب العمل، ولولا العملُ
لم يُطلب العلم، ولأن ادعً الحقَّ جهلاً به أحب إلي من أن أدَعَه زُهْداً فيه.
مثله لمالك بن دينار،
ولغيره وقال مالك بنُ دِينار: إن العالِمَ إذا لم يَعْمَل بعلمه زَلّت موعظتُه عن القول كما يَزلّ القَطْرُ
عن الصَفَا.
ونحوه قولُ زياد: إذا
خرج الكلامُ من القلب وَقَعَ في القلب، وإذا خرج من اللسان لم يجاوِز الآذان.
ويقال: العلماءُ إذا
عَلِمُوا كمِلوا، فإذا عَمِلوا شُغِلوا، فإذا شُغِلوا فُقدوا، فإذا فُقدوا
طُلِبُوا فإذا طُلِبُوا هَرَبُوا.
قال الحسن: ما أحسنَ
الرجلَ ناطقاً عالِماً ومُستَمعاً واعِياً وواعياً عامِلاً.
وقال ابن مسعود: إني
لأحسَب الرجل يَنْسَى العلمَ بالخطيئة يَعْمَلُها.
وقال ابن عباس: إذا
تَرَك العالمُ قولَ لا أدري أصِيبت مقاتِلُه.
شعر ليزيد بن الوليد
بن عبد الملك وقال يزيد بن الوليد بن عبد الملك:
إذا ما تحدثتُ في
مَجْلِسٍ ... تَنَاهى حديثي إلى ما علِمتُ
ولم أعْدُ علمي إلى
غيره ... وكان إذا ما تناهى قَصَرْتُ
وقال آخر:
إذا ما انتهَى عِلْمي
تناهيتُ عنده ... أطال فأملَى أم تناهى فاقْصَرا
ويخبِرُني عن غائب
المرء ِفِعْلُه ... كفى الفعلُ عما غَيَب المرءُ مُخْبِرا
لعمر بن الخطاب في
تغاير الناس على العلم
قال عمرُ بن الخطّاب:
لا أدركتُ لا أنا ولا أنت زماناً يتَغايَرُ الناس فيه على العِلْم؛ يتغايرون على
الأزواج.
لسلمان الفارسي قال
سَلْمان: علم لا يُقال به ككنز لا يُنْفَق منه.
للنبي صلى الله عليه
وسلم في أصناف العلم وفي الحديث المرفوع: " العلم علمان علمٌ في القلب فذلك
العلم النافع وعلمٌ محس اللسان فذلك حُجّةُ الله على ابن آدم " .
لعمر بن عبد العزيز
قال عُمر بن عبد العزيز: ما قُرِن شيء إلى شيء أحسن من حِلْم إلى علم ومن عَفْو
إلى قُدْرة.
لأبي الدرداء قال أبو
الدّرْدَاء: مَن يَزْددْ علماً يَزددْ وَجَعا.
لأفلاطون، وغيره في
قول: لا أعلم قال أفلاطون: لولا أن في قول لا أعلم سبَباً لأنَي أعلمُ لقلتُ إنِّي
لا أعْلَمُ.
وقال آخر: ليس معي من
فضيلة العلم إلا علمي بأنَي لستُ أعلم.
للخليل بن أحمد في
أصناف الرجال قال الخليل بنُ أحمد: الرجال أربعة: رجلٌ يدرِي ويدْرِي أنه يَدْرِي
فذاك ناس فذكَر، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك مسترشد فعلِّموه، ورجل لا
يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه.
كتاب كسرى إلى
بزرجمهر وهو في الحبس ورد بزرجمهر عليه كتب كِسْرى إلى بُزُرْجِمهْر وهو في الحبس:
كانت ثمرةُ علمك أن صِرْتَ بها أهلاً للحبس والقتل. فكتب إليه بُزُرجمِهْر: أما ما
كان معي الجد فقد كنتُ أنتفِعُ بثمرة العلم فالآن إذ لا جد فقد صِرتُ أنتفع بثمرة
الصبر مع أني إن كنتُ فَقْدت كثيرَ الخير فقد استرحت من كثير الشر. لبزرجمهر ولبعض
الحكماء قال بُزُرْجِمهْر: من صلح له العُمْرُ صلح له التعلمُ.
وقيل لبعض الحكماء:
أيحسُن بالرجل أن يتعلَم؟ فقال: إن كانت الجَهَالةُ تَقْبُح به فإنّ العلم
يَحْسُنُ به.
ويقال: التودد زَيْن
العلم.
لعمر بن الخطاب قال
عمر بن الخطاب: ما من غاشية أدوَم أرَقاً، وأبطأ شِبَعاً من عالم.
ولمالك بن دينار في
طلب العلم قال مالك بن دينار: مَن طلب العلم لنفسه فالقليل منه يكفي، ومن طلبه
للناس فحوائجُ ناس كثيرةٌ.
قال إِتقْرَاطُ:
العلم كثير، والعُمر قصير، والصنعةُ طويلة، والزمان جديد، والتجرِبة خطأ. للمسيح
عليه السلام قال المسيح عليه السلام: إلى متى تَصِفُون الطريقَ للمُدْلجين، وأنتم
مُقيمون مع المتحيرين، إنما ينبغي من العلم القليلُ، ومن العمل الكثير.
سلمان في علمه قال
سَلْمان: لو حدثتُ الناسَ بكل ما أعلَمُ لقالوا رَحِمَ الله قاتِلَ سَلْمان.
في القول بغير علم
كان يقال: لا تقل فيما لا تعلم قلهَم فيما تَعلَم.
وكان يقال: العلم
قائد، والعمل، سائق، والنًفْس حَرُون، فإذا كان قائدٌ بلا سائق بَلُدَتْ إذا كان
سائقٌ بلا قائد عَدَلتْ يميناً وشِمَالاً، فإذا اجتمعا أنابت طَوْعاً وكَرْهاً.
لأيوب في تعرّف منزلة
العلم قال أيُوب: لا يَعرِف الرجلُ خطأ مُعلَمه حتى يعرِفَ الاختلاف.
ويقال: غَرِيزة العقل
أنْثى وما يُستفاد من العلم ذَكَرٌ ولن يصلُحَا إلا معاً.
للمسيح عليه السلام
قال المسيح عليه السلام: إن أبْغَض العلماء إلى الله رجل يُحِث الذكرَ بالمَغِيب،
ويُوَسع له في المجالس، ويُدْعى إلى الطعام، وتُفْرَغ له المَزَاوِد، بحق أقولُ
لكم: إن أولئك قد أخذوا أجُورَهم في الدنيا، وإن الله يُضاعِف لهم العذابَ يومَ
القيامة.
لابن عباس رضي الله عنهما
على قبر زيد بن ثابت لما دُلًيَ زيد بن ثابت في قبره قال ابن عباس: من سَرًه
أن يَرَى كيف ذهب العِلْمُ فهكذا ذَهَابُ العلم.
لبعض الشعراء في
تلاقي العلماء وقال بعضُ الشعراء في تَلاَقِي العلماء:
إذا تَلاقَى القيُولُ
وازْدحمتْ ... فكيف حالُ البَعُوض في الوَسَطِ
وقال ابن الرقاع:
ولقد أصبتُ من
المعيشةِ لَذةً ... ولَقِيتُ من شَظَفِ الخُطوبِ شِدَادَها
وعلمتُ حتّى لستُ
أسألُ عالِماً ... عن حَرْفِ واحدةٍ لكي أزدادَها
في أربع لا يأنف منهن
الشريف ويقال: أربعٌ لا يَأْنف منهن الشريفُ: قيامُه عن مجلسه لأبيه، وخِدمتُه
لضيفه، وقيامُه على فَرَسه وإن كان له مائةُ عبدٍ، وخدمته العالِم ليأخذَ من علمه.
لعطاء بن مصعب في
غَلَبتْه
قيل لعطاء بن
مُصْعَب: كيف غَلَبْتَ على البرامكةِ وعندهم مَن هو آدب منك. قال: ليس
للقُرَباء ظَرَافَةُ الغُرَباء، كنتُ بعيدَ الدار، غريبَ الاسم، عظيمَ الكِبْر،
صغير الجِرْم، كثير الالتواء، شحيحاً بالإملاء؛ فقَربني إليهم تَباعدني منهم،
ورغَبهم فيَّ رغبتي عنهم.
بين الخزيمي وسعيد بن
وهب، ثم بينه وبين أنس بن أي شيخ قاد أبو يعقوب الخُزَيْميٌ : تلقَاني سعيد بن وَهْب
مع طلوع الشمس فقلت: أين تُريد؟ قال: أدُورُ لعليِّ أسمَع حديثاً حَسَناً، ثم
تلقَّاني أنَس بن أبي شيخ فقلت: أين تُريد؟ قال: عندي حديث حَسَن فأنا أطلُب له
إنساناً حَسَنَ الفهم حَسَنَ الاستماع، قلت: حدّثْني به قال: أنت حَسَنُ الفهم
سَيءَ الاستماع، وما أرى لهذا الحديث إلا إسماعيلَ بن غَزْوان.
شعر للطائي وقال
الطائيّ في نحو هذا:
وكُنْتُ أعَزَ من
قنُوعٍ ... تَعَوّضه صَفُوحٌ من مَلُول
فصِرْتُ أذلَّ من
معنى دَقيقٍ ... به فَقْر إلى فَهْمٍ جَلِيل
في الفرق بين العالم
والأديب كان يقال: إذا أردتَ أن تكون عالماً فاقصِد لفنّ من العلم، وإذا أردت أن
تكون أديباً فخذ من كل شيء أحسَنَه.
شعر لإبراهيم بن مهدي
قال إبراهيم بن المهديّ:
قد يُرْزَق المرءُ لم
تتعب رواحِلُهُ ... ويُحْرَمُ الرِّزقَ مَن لم يُؤْتَ من تَعَبِ
مع أنني واجِدٌ في
الناس واحدةً ... الرزقُ أرْوَغُ شيءٍ عن قوي الأدَب
وخَلَةٍ ليس فيها مَن
يُخالفني ... الرزق والنَوْك مَقرونانِ في سَبَب
يا ثابِتَ العقل كم
عاينتَ ذا حُمُقٍ ... الرزقُ أغرى به من لازم الجَرًبِ
بين أنوشروان والموبذ
قال أنوشِرْوان للمُوبَذ: ما رأسُ الأشياء؟ قال: الطبيعة النقيّة تكتفي من الأدب
برائحته، ومن العلم بالإشارة إليه، وكما يذهب البذْر في السٌباخ ضائعاً، كذلك
الحكمة تموت بموت الطبيعة، وكما تَغلِب السَباخُ طيبَ البَذْر إلى العَفَن، كذلك
الحكمة تَفْسُد عند غير أهلها؛ قال كسرى: قد صدقتَ وبحق قلدناك ما قلًدناك.
قال بعضُ السلف: يكون
في آخر الزمان علماء يُزَهِّدون في الدنيا ولا يَزْهَدُون ويُرَغبون في الآخرة ولا
يَرْغبون، يَنْهَوْن عن غشيان الولاة ولا ينتْهون، يُقَربون الأغنياء ويُباعدون
الفقراء، وَيَنْقبِضون عند الحُقرَاء، وينبسطون عند الكُبرَاء: أولئك
الجبارون أعداء الرحمن.
لابن عمر في العلم
نافع عن ابن عُمَر قال: العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري.
الكُتُب والحفظ
للخليل بن أحمد
حدّثني إسحاق بن إبراهيم قال: حدّثني قريش بن أنَس قال: سمعت الخليل بن أحمد يقول:
اسْلَمْ من الوَحْدة. فقيل له: قد جاء في الوَحدةِ ما جاء. فقال: ما أفسدَها
للجاهل، قال بعض الشعراء في قوم يَجمْعون الكُتُب ولا يَعْلَمون:
زَوامِلُ للأسفارِ لا
عِلْمَ عندهم ... بجيدِها إلا كعِلْم الأباعِرِ
لعمرُك ما يَدْرِي
المِطي إذا غدا ... بأحمالها أو راحَ ما في الغَرَائزِ
ليحيى بن خالد
وللشعبي قال يحيى بن خالد: الناسً يكتُبون أحسنَ ما يَسمعون، ويحفظون أحسنَ ما
يكتُبون ويتحدثون بأحسن ما يَحفظون.
قال الشَعْبيّ: لو أن
رجلاً حفِظ ما نَسِيتُ كان عالماً.
لرجلً يصف رجلاً كان
يغلط في علمه ووَصَف رجلٌ رجلاً فقال: كان يَغْلَطً في علمه من وجُوهٍ أربعةٍ:
يَسمع غيرَ ما يُقال؛ ويَحفَظ غير ما يَسمع، ويكتُب غيرَ ما يحفَظ، ويُحدِّث بغير
ما يَكْتُب.
لأبي نواس عن الأصمعي
وأبي عبيدة قيل لأبي نُوَاس: قد بَعَثُوا إلى أبي عُبَيدة والأصمعي ليُجْمَعَ بينهما. فقال: أما
أبو عُبَيدة فإن أمْكَنوه من شُقَره قرأ عليهم أسَاطيرَ الأولين، وأما الأصمعي
فبُلْبلٌ في قَفَص يُطر بهم بنَغَماتَه.
القرآنلابن شقيق في
أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون بيع المصاحف والأخذ على التعليم
حدثني الزٌيادي قال: حدثنا عبدُ الوارث بن سعيد عن الجُرَيْرِي عن عبد الله بن
شقيق قال: كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يَكْرَهون بَيْعَ المصاحِف
ويَرَوْنه عظيماً، وكانوا يَكْرهون أن يَأخُذَ المعلمُ على تعليم الغِلْمان شيئاً.
لعلي بن أي طالب في المؤمن
والفاجر حدثني محمد بن عبد العزيز عن خالد الكاهلي عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي
عليه السلام قال: مَثَلُ المؤمن الذي يقرأ القرآن مَثَل الأتْرجة ريحُها طَيب
وطعمُها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التَمْرة طعمُها طيب ولا رِيحَ
لهاة ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيْحَانة ريحها طيب وطعمها مُرٌّ، ومثل
الفاجر الذي لا يقرأ القرآن مثل الحَنْظَلة طعمها مُر ولا رِيحَ لها.
للنبي صلى الله عليه
وسلم في النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو وحدثني محمد بن عُبَيد عن معاوية بن
عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أمية ولَيْث بن أبي سُلَيم عن نافع عن ابن عُمَر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا تُسَافروا بالقرآن إلى أرض العدو فإني
أخاف أن يَنَاله العدو " .
في الاستفتاح
بالبسملة حدّثني أبو سفيان الغنوي قال: حدّثنا عُمَيْر بن عِمْران العَلاّف قال:
حدثنا خُرَيمة ابن أسد المُرِّي قال: كان سعيدُ بن المُسيب يَستفتح القراءة ب " ببسم الله الرحمن الرحيم " ويقول: إنها أوّلُ شيءٍ كُتِب في
المصحف، وأوّل الكُتُب، وأوّل ما كَتَبَ به سُليمانُ بن داود إلى المرأة.
بين عمران بن حُدَير
وأعرابي وحدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدثنا رجل عن عِمْران بن
حُدَيْر قال: قرأت علِى أعرابيّ آخر سُورة " براءة " فقال: كان هذا من
آخر ما نَزَل. قالوا: كيف. قال: أرى أشياء تُقْضى وعُهوداً تُنْبَذُ. قال: وقرأتُ
عليه سُورة الأحزاب فقال: كأنّها ليست بتامّة.
لعبد الله بن مسعود
في الحواميم حدّثني محمدُ بن عُبيد قال: حدثنا سفيانُ بن عُييَنة عن ابن أبي
نَجِيح عن مجاهد قال: قال ابن مسعود: " حم " دِيباج القرآن. قال: وزاد
فيه مِسْعَر، قال عبد الله: إذا وقعتُ في ال " حم " وقعتُ في رَوْضات دَمِثات أتأنَق فيهن.
للحسن في حَمَلة
القرآن حدّثني شيخٌ لنا عن المُحارِبي قال: حدّثنا بكر بن خُنَيس عن ضِرَار بن
عَمْرو عن الحسن قال: قراء القرآن ثلاثةٌ: رجل اتّخذه بِضَاعةً ينقله من مصر إلى
مصر، يطلُب به ما عند الناس؛ وقومٌ حفِظوا حروفَه، وضيًعوا حُدوده، واستدرُوا به
الوُلاة، واستطالوا به على أهل بلادهم - وقد كَثَر الله هذا الضربَ في حَمَلة
القرآن لا كثرهم الله - ورجلٌ قرأ القرآن فَبَدَأ بما يَعْلَم من دَواء القرآن
فوَضَعه على دَاءِ قلبِه. فسَهِر ليلَه وهَمَلَت عيناه، تَسَرْبَلوا الخُشُوعَ،
وارتدَوْا بالحُزْن، ورَكدُوا في محاريبهم، وجَثَوْا في بَرَانِسهم، فبهم يَسْقِي
الله الغَيْثَ، ويُنْزِك النًصَر، ويَرْفَعُ البَلاءَ، واللِه لَهَذا الضَّرْبُ في
حَمَلَة القرآن أقل من الكِبْريت الأحمر.
للنبي صلى الله عليه
وسلم في فضل القرآن رَوَى الحارثُ الأعْورُ عن عليّ عليه السلام عن النبيّ صلى
الله عليه وسلم أنه قال: " كتاب الله فيه خَبَرُ ما قبلكم ونبأ ما بعدكم
وحُكْمُ ما بينكم هو الفصلُ ليس بالهَوْل هو الذي لا تُزِيغُ به الأهواء ولا
تَشْبَع منه العلماء ولا يَخْلُق عن كثرة الرد ولا تَنْقَضِي عجائبُه هو الذي مَن
تركه من جبارٍ قَصَمه الله ومن ابتغى الهُدى في غيره أضلَه اللّه هو حَبْلُ اللّه
المتين والذَكر الحكيم والصراط المستقيم خذها إليك يا أعور.
لابن مسعود فيما
ينبغي لحامل القران المُحارِبيّ قال: حدثنا مالكُ بن مِغْول عمن أخبره عن
المُسَيَّب بن رافع عن عبد الله بن مسعود قال: ينبغي لحامل القرآن أن يُعْرَف
بليلِه إذ الناسُ نائمون، وبِحُزْنه إذ الناس يَفْرَحون، وببكائه إذ الناس
يَضْحَكُون؛ وينبغي لحامل القرآن أن يكون عليماً حكيماً ليناً مُستَكِينا.
للنبي صلى الله عليه
وسلم وكيع عن أبي مَعْشر المَدِيني عن طلحة بن عبيد الله بن كَريز قال: قاد رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " إن من تعظيم جَلاَل الله إكرَامَ في الشًيْبة في
الإسلام وإكرامَ الإمام العادل وإكرامَ حامل القرآن " .
لبعض المفسرين قال
بعضُ المفسرين في قول اللهّ عَز وجل: " سَأصرِفُ عَن آيَاتيَ الَذِينَ
يَتَكًبَرُونَ في الأرْض بِغَيْرِ الْحَق " أحْرِمهُم فَهْم القرآن.
لأعرابي وقد سمع ابن
عباس يقرأ سورة من القرآن الكريم
سَمِع أعرابيّ ابن
عباسٍ وهو يقرأ " وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النًارِ
فَأنْقَذَكُمْ مِنْهَا " . فقَال: واللِه ما أنقذهم منها وهو يُريد أن
يُدخِلَهم فيها، فقال ابن عباس: خُذْها من غير فقيه.
الحديثللأعمش عن
إسماعيل بن رجاء حدّثني إسحاقُ بنُ إبراهيمَ بن حبيب بن الشَهيد قال: حدّثنا
محمد بنِ فُضَيْل عن الأعْمش قال: كان إسماعيلُ بن رَجَاء يَجمع صِبْيانَ الكُتَاب
فيُحدَثهم كيلا يَنْسَى حَدِيثه.
بين حبيب بن أبي ثابت
والأعمش وحدّثني إسحاق الشَهيديً قال: حدثنا أبو بكر بن عيّاش عن الأعمش قال: قال
لي حبيب بن أبي ثابت: لو أنّ رجلاً حدَّثني عنك بحديثٍ ما بالَيْت أن أرْوِيه عنك.
لربيعة بن أبي عبد
الرحمن حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: ألْف
عن ألفٍ خير من واحدٍ عن واحدٍ إن فلاناً عن فلانٍ يَنْتَزع السُنَة من أيديكم.
للحسن في: وَيْح حدثني
الرياشيٌ قال: رُوِي عن محمد بن إسماعيل عن مُعتَمِر قال: حدّثني مُنْقذٌ عن أيوب عن الحسن قال: وَيْح: رَحْمة.
للنبي صلى الله عليه
وسلم حدثنا الرياشيّ قال: رَوى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سُهَيل بن أبي صالح عن
أبيه عن أبي هُرَيرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قَضَى باليمينِ مع الشاهد؛
قال ربيعة: ثم ذاكرتُ سُهَيْلاً بهذا الحديثِ فلم يَحفظه، فكان بعد ذلك يَرْوِيه
عني عن نفسه عن أبيه عن أبي هُرَيرة.
لشعبة عن قتادة في
الحديث حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن شُعْبة قال: كان قَتَادةُ إذا حدث بالحديث
الجيِّد ثم ذهب يجيء بالثاني غدْوَه.
لشعبة وقد سُئِل عن
الني يُترك حديثه يلغني عن ابن مَهْديٍّ قال: سئل شُعْبَةُ: مَن الذي
يُتْرَكُ حديثه؟ فقال: الذي يُتَهم بالكَذِب، ومن تكثر بالغَلط، ومن يخطئ في حديث
مُجْمَع عليه فلا يَتَهِمُ نفسَه ويُقيم على غَلَطِه، ورجل رَوَى عن المعروفين ما
لا يَعْرفه المعروفون.
لمالك في أربعة لا يؤخذ
العلم منهم وعن مالك أنه قال: لا يُؤخَذُ العلمُ من أربعة: سفيهٍ معلَن بالسفه،
وصاحبِ هَوىً، ورجلٍ يَكذِب في أحاديث الناس وإن كنتَ لا تَتَهمه في الحديث، ورجل
له فضل وتعفّف وصلاح لا يعرِف ما يحدث.
شعر للأصمعي يرثي
سفيان ابن عيَيْنَة حدثني عبدُ الرحمن عن الأصمعي أنه رَثَى سفيان بن عُيينة فقال:
فَلْيَبْكِ سُفْيانَ
باغي سُنَةٍ دَرَستْ ... ومُسْتَبِيتُ أثاراتٍ وآثارِ
ومُبْتَغِي قُرْب
إسنادٍ وموعظةٍ ... وافَقِيُّون من طَارٍ ومن طارِ
أمْستْ مجالِسُه
وَحْشاً مُعَطلةً ... من قاطنِين وحُجاجٍ وعُمًار
مَن للحديث عن
الزُهرِيِّ حين ثَوَى ... أو للأحاديثِ عَنْ عَمْرِو بن دينارِ
لن يَسمَعُوا بعلي
مَن قال حدّثنا ال ... زهري من أهل بدْوِ أو بإحْضارِ
لا يَهنأ الشامِتَ
المسرًورَ مَصْرَعهُ ... من مارقينَ ومِن جُحَاد أقدار
ومِن زَنادِقةٍ
جَهْمٌ يَقُودهم ... قَوْداً إلى غَضَبِ الرحمن والنارِ
ومُلْحِدين ومُرتابين
قد خَلَطُوا ... بِسُنًة الله اهتارا باهْتارِ
لآخر يرثي مالك بن
أنس وقال آخر في مالك بن أنس الفقيه:
يَأبَى الجَوَابَ فما
يُراجَعُ هَيْبَةً ... والسائلون نَواكِسُ الأذقانِ
هَدْيُ التقيّ وعز
سلطان التُقَى ... فهو المُطاع وليس ذَا سُلْطانِ
لهشام بن حسّان عن
الحسن حدّثنا أبو الخَطَاب قال: حدّثنا محمد بن سًوّار قال: حدّثنا
هِشام بن حسان قال: كان الحسن يًحدثنا اليومَ بالحديث ويرُدُه الغَدَ ويزِيد فيه
وينقُص إلا أن المعنى واحد.
لحذيفة بن اليمان
حدثني أبو الخطاب قال: حدّثنا ميمون قال: حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال حُذَيْفَةُ
بن اليَمَان: إنا قوم عَرَب فنقدِّم ونؤَخِّر ونَزيد ونَنْقُص، ولا نرِيد بذلك
كَذِبا.
لأبي إسحاق الشامي
ولمسعر أبو معاوية قال: قال أبو إسحاق الشاميّ: لو كان هذا الحديث من الخبز نقص.
أبو أسامة قال: قال
مِسعر: من أبغضني فجعله الله محدّثاً.
للأعمش ولسفيان في
كراهية التحدث أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول: والله لأنْ أتصدَق بِكِسْرة أحسن
إليّ من أن أتحدث بستين حديثاً.
أبو أسامة قال: سمعت
سُفْيانَ يقول: لوددتُ أنها قُطِعتْ من هامتي، وأومَأ إلى المَنْكب وأني لم أسْمَع
منه شيئاً.
لأبن عيينة في مثل
فلك المعنى قال ابن عُيَينة: ما أحدث لمَن أحِبّ أن يكون أحْفَظَ الناس للحديث.
قال بعضهم: إنَي
لأسمْع الحديثَ عُطلا فأشَنَفه وأقرطه وأقلده فيَحسنُ، وما زدتُ فيه معنى، ولا
نقصت منه معنى.
للأعمش وقد سأله حفص
بن غياث عن إسناد الحديث أبو أسامة قال: سَأل حَفْص بن غياثٍ الأعمشَ عن إسناد
حديثٍ فأخذ بِحَلْقه وأسنده إلى الحائط وقال: هذا إسناده.
مثله للسمّاك وللحسن
وحدث ابن السًمِّاك بحديثٍ فقال له رجل: ما إسناده؟ فقال: هو من المُرْسَلَاتِ
عُرْفا.
وحدث الحسن بحديث،
فقال له رجلٌ : يا أبا سعيد، عمن؟ قال: وما يصنع بمَن؟ أما أنت فقد نالتْك
موعِظتُه، وقامت عليك حجته.
للأعمش في طلب الفقه
يَعْلَى قال: قال الأعمش: إذا رأيتُ الشيخ لم يطلب الفقهَ أحببتُ أن أصْفَعَه.
ابن عُيينة قال: قال
الأعمش: لولا تَعَلُّم هذه الأحاديث كنتُ كبعض بَقَالي الكُوفة.
بين حاج خراساني وابن
عُيَيْنة ازدحم الناس يوماً على باب ابن عيينة أيام المَوْسِم وبالقُرب منه رجل من
حاجَ خُراسَان قد حطّ بمَحْمِله فَدِيس وكُسِرَ ما كان معه وانتهب كَعْكُه
وسَوِيقُه، فقام يسيرُ إلى سفيانَ ويدعو وبقول: إني لا أحِل لك ما صنعتَ؛ فقال
سفيان: ما يقول؟ فقال بعضهم: يقول لك: زدنا في السماع رحمك اللّه.
شعر العلاء بن
المنهاد الغنوي في شريك أنشدني أبو حاتم عن الأصمعي للعَلاء بن المِنْهَال
الغَنَوِي في شَرِيك:
ليت أبا شَرِيكٍ كان
حياً ... فيُقْصِرَ حين يُبصِرُه شَرِيكُ
ويَتْرُكَ من تَدرَيه
علينا ... إذا قلنا له هذا أبوكا
مثله لآخر في شريك
وقال آخر:
تحرّز سُفيانٌ وفرْ
بدينهِ ... وأمسى شرِيكٌ مُرْصَداً للدراهم
ولآخر في شهر بن حوشب
وقال آخر في شَهْر بن حَوْشَبٍ:
لقد باع شهرٌ دينَه
بخَرِيطةٍ ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهرُ
وذلك أنه كان دخل بيت
المال فسَرَق خَرِيطةً، ورافق رجلًا من أهل الشام فَسَرق عَيْبَتَه.
ولابن مناذر يهجو ابن
داب وقال ابن مُنَاذِر:
ومن يبغ الوَصَاةَ
فإن عِنْدي ... وَصاةً للكُهُول وللشَبابِ
خذوا عن مالكٍ وعن
ابن عَوْنٍ ... ولا تَرْوُوا أحاديثَ ابن دَاب
لحبيب بن أبي ثابت ثم
لسفيان عبد العزيز بن أبَان عن سُفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال: طلبنا هذا الأمر
وما لنا فيه نِيّة، ثم إنّ النية جاءت بعدُ؛ فقال سفيان: قال زيد بن أسْلَم: رأيتم
رجلاً مدّ رِجله فقال: اقطعوها سوف أجْبُرها.
لرقبة بن مصقلة قيل
لرَقَبَة: ما أكثر شَكّك! فقال: محاماة عن اليقين.
وبين شعبة وأيوب
السختياني وقال بعضهم: سأل شُعْبَةُ أيُّوب السخْتِيَانيّ عن حديث فقال: أنا أشُك
فيه. فقال: شَكُّكَ أحبّ إلي من يقينِ سبعة.
للشرقي بن قطامي وقد
سُئِل عما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال:
حدّثني بعضُ الرواة قال: قلت للشرَقِي بن قُطَامَي: ما كانتِ العربُ تقول في صلاتها على موتاها؟ فقال: لا أدري، فأكْذِب
له؛ فقلت: كانوا يقولون:
ما كنتَ وَكْوَاكاً
ولا بِزَوَنَكٍ ... رُوَيْدكَ حتى يَبْعَثَ الحًقّ باعِثُهْ
وَكْوَاك: غليظ،
وزونك: قصيرة قال: فإذا أنا به يُحدث به في المقصورة يومَ الجمعة.
لأبي نواس قال أبو
نُوَاس:
حدثني الأزرقُ
المحدثُ عن ... عَمْرو بن شِمْر عن ابن مسعود
لا يُخلِفُ الوعدَ
غيرُ كافرِه ... وكافرٍ في الجحيم مَصفودِ
بين شقيق البلخي وعلي
بن إسحاق في أبي حنيفة حدثني مِهْيَار قال: حدثني هُدْبَةُ بن عبد الوهاب عن شَقيق
البَلْخِيّ أنه أطرى يوماً حنيفة رحمه الله بمَرْو فقال له عليّ بن إسحاق: لا
تُطْرِه بمَرْو فإنهم لا يحتملون ذلك. فقال شَقِيق: قد مَدَحه مُساوِرٌ الشاعر
فقال:
إذا ما الناسُ يوماً
قَايَسُونا ... بآبِدَةٍ من الفُتْيَا ظَرِيفَهْ
أتيناهُمْ بمقْياسٍ
صحيح ... تِلادٍ من طراز أبي حنيفة
إذا سمع الفقِيهُ بها
وعاها ... وأثبتها بحبرٍ في، صحيفة
فقال له: قد أجابه
بعض أصحابنا:
إذا ذُو الرَّأي
خَاصمَ في قِياسٍ ... وجاء بِبدْعَةٍ هَنَةٍ سخيفه
أتيناهم بقول اللهّ
فيها ... وآثارٍ مبَرَّزة شريفة
فكم من فَرْج
مُحْصَنَةٍ عَفِيفٍ ... أحلً حرامُه بأبي حنيفه
أقال أبو حنيفة بنت
صُلْبٍ ... تكون من الزنا عُرْساً صحيحه
لرجل وقد سمع منادياً
يطلب شيخاً ضالاً فأحضره إلى بِشر المريسي سَمِع رجل منادياً يُنادي: من يَدئُنا
على شيخ ضل؟ فقال: ما سمعتُ كاليوم شيخٌ يُنَادي عليه، ثم جاء به إلى بِشْر
المِريسِي فقال: هذا شيخ ضال فَخُذْ بيده؛ وكان بِشْرٌ يقول بخلقَ القرآن.
الأهواء والكلام في
الدّين
بين المأمون وعلي بن
موسى الرضي قال المأمونُ يوماً لعلي بن موسى رضي عليهما السلام: بم تدعون هذا
الأمر. قال بقرابة علي من النبي صلى الله عليه وسلم، وبقرابة فاطمة رضي الله عنها.
فقال المأمون: إن لم يكن هاهنا شيء إلا القرابة ففي خَلَفِ رسول الله !صلى الله
عليه وسلم من أهل بيته مَنْ هو أقربُ إليه من علي، ومَنْ هو في القرآن مثلُه، وإن
كان بقرابة فاطمةَ من رسول الله، فإن الحق بعد فاطمةَ للحَسَن والحُسَين وليس لعلي
في هذا الأمر حق وهما حَيان؛ وإذا كان الأمر على ذلك، فإن عليّاً قد ابتزهما
جميعاً وهما حيان صحِيحان، واستولى علي على ما لا يَجِبُ له. فما أحارَا علي بن
موسى نطقا.
حدثنا الرياشيٌ قال
سمعت الأصمعي ينشد:
وإنَي لأغْنَى الناس
عن متكلم ... يَرعى الناسَ ضلالاً وليس بُمهتدي
وأنشدني أيضاً
الرِّياشي:
وعاجزُ الرأي
مِضْيَاع لفُرْصَتهِ ... حتى إذا فات أمْرٌ عاتبَ القَدرا
وقال آخر:
إذا عُيروا قالوا
مقاديرُ قُدَرَتْ ... وما العارُ إلا ما تَجُر المَقَادرُ
وأنشدني سَهْلٌ عن
الأصمَعِي:
يا أيها المُضْمِرُ
هَماً لا تُهم ... إنك إن تُقدرْ لك الحُمَى تُحَمً
ولو غَدوْتَ شَاهِقاً
من العَلَم ... كيف تَوَقَيك وقد جَفً القَلَمْ
وأنْشَدني غيرُه:
هِيَ المقاديرُ
فَلُمْنِي أو فَدَرْ ... إن كنتُ أخطأتُ فما أخطأ القَمَر
لأبي يوسف القاضي في
طالبي الدين والكيمياء والحديث قال أبو يوسف: مَن طَلَب الدين بالكلام تَزَنْدَق،
ومَن طلب المال بالكيمْيَاء أفْلَس، ومَن طَلَب غرائِبَ الحديث كَذَب.
لمسلم بن أبى مريم
وقد كُسِرت رجله كان مُسْلِمُ بن أبي مَرْيم - وهو مَوْلًى لبعض أهل المدينة وقد
حُمِل عنه الحديثُ - شديداً على القَدَرِنة، عائباً لهم ولكلامهم، فانكسَرت رِجلُه فتركها
ولم يَجْبُرها، فكُلِّم في ذلك فقال: يَكْسِرها هو وأجبْرُها أنا لقد عاندته إذاً.
بين هشام بن الحكم
وبين رجل قال رجل لهِشَام بن الحَكَم: أترى الله عز وجل في فضله وكَرَمه وعَدْله
كَلًفَنَا ما لا نُطيق ثم يُعَذَبنا؛ فقال هشام: قد والله فَعَل، ولكننا لا
نَسْتَطيع أن نتكلم.
بين قَدري ومجوسي
حدثني رجلٌ من أصحابنا قال: صاحَبَ رجل من القَدَرِية مَجُوسِيّاً في سَفَر فقال
القدَري: يا مجوسي، ما لك لا تُسْلِم؟ قال: حتى يَشَاء الله! قال: قد
شاء الله ذلك، الشيطانَ لا يَدَعُك. قال المجوسي: فأنا مع أقواهما.
بين أبو عَمْرو بن
العلاء وعَمْرو بن عبيد اجتمع أبو عَمْرو بن العَلاَء وعمرو بن عُبَيد فقال عمرو:
إن الله وَعَدَ وَعْداً وأوْعَد ايعاداً وإنه مُنْجِزٌ وعْدَه ووعيدَه. فقال له
أبو عَمْرو: أنت أعْجَم! لا أقول إنَك أعْجَمُ اللسان، ولكن أعجم القَلْب! أما
تعلم، وَيْحَكَ! أن العرب تَعُد إنجاز الوَعْد مَكْرُمة، وتَرْكَ إيقاع الوعيد
مكرمة ثم أنشد:
وإني وَإنْ أوْعدْتُه
أو وعَدْتُه ... لمُخْلِفُ إيعادي ومُنْجِزُ مَوْعدي
بين حبيب بن الشهيد
وإياس بن معاوية في القدري
حبيب بن الشهيد قال:
قال إِياسُ بن معاوية: ما كلَّمتُ أحداً بعَقْلي كفَه إلا صاحب القَدَر قلت: ما
الظلمُ في كلام العرب؟ قال: هو أن يَأخُذ الرجلُ ما ليس له، قلت: فإن الله له كل
شيء.
من كتاب الهند وفي
كتاب للهند: اليقينُ بالقدر لا يَمنعُ الحازِمَ تَوَقَيَ المهالك، وليس على أحدٍ النّظرُ
في القدر المُغَيَّب، ولكن عليه العمل بالحَزْم، ونحنُ نجمَعْ تصديقاً بالقدَرَ
وأخذاً بالحَزْم.
بين ابن سوّار
ورافضيّ حدثني خالد بن محمد الأزْدي قال: حدّثنا شَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ قال:
سَمِعتُ رجلاً من الرافضة يقول: رحِمَ اللهّ أبا لُؤْلُؤةَ! فقلت: تَتَرَحّم على
رَجُلٍ مَجُوسيّ قتل عُمَرَ بنَ الخَطّاب رضي اللّه عنه! فقال: كانت طعنَتُه لِعُمَر
إسلامَه.
لأمير من أمراء
المدينة ورجل شتم أبا بكر وعمر حدثني أحمدُ بن الخليل قال: حدثنا الأصمعي قال:
أخبرني عاصم بن محمد العُمَرِيّ كنتُ جالساً عند أميرٍ من أمراء المدينة فأتِيَ
برجلٍ شَتَم أبا بكر وعُمَر فأسلمه حجاماً حتى حذق.
لبعض شعراء الرافضة
في محمد بن الحنفية وقال بعضُ شعراء الرافِضة في محمد بن الحَنَفِيّة:
ألا قُلْ للوَصِيّ
فَدتْك نفسي ... أطلْتَ بذلك الجَبَل المُقاما
أضَر بمعْشرٍ
وَالَوْكَ منّا ... وسًمّوْك الخَلِيفةَ والِإمامَا
وعَادَوْا فيك أهلَ
الأرض طُرّاً ... مُقامك عنهمُ ستين عاما
وما ذاق ابن خَوْلة
طَعْمَ موتٍ ... ولا وَارتْ له أرضٌ عِظاما
لقد أمسى بمُورِق
شِعْب رضْوى ... تُراجعهُ الملائكةُ الكلاما
شعر لكثير عزّة يمدح
علي بن أبي طالب وأولاده وقال كُثَير عَزّة فيه وكان رافِضِيّاً يقول بالرَّجْعة:
ألا إن الأئِمّة من
قُرَيشٍ ... وُلَاةً الحَق أربعةٌ سَواءُ
علي والثلاثةُ من
بنَيهِ ... هُمُ الأسباطُ ليس بهم خَفَاءُ
فسِبْط سِبْطُ إيمانٍ
وبِرٍّ ... وسِبْطٌ غَيَّبتَهْ كَرْبَلاَءُ
وسِبْطٌ لا يَذُوق
الموتَ حتىِ ... يَقُودَ الخيلَ يَقْدُمها اللِّوَاءُ
تغيب لا يُرَى عنهم
زماناًبِرَضوَى عنده عَسَل وماءُ
وهم يذكرون أنه دخل
شِعْبا باليمن في أربعين من أصحابه فلم يُرَ لهم أثر.
لطلحة بن مصرّف قال
طلحة بن مُصرف لرجل: لولا أني على وُضوءٍ لأخبرتُك بما تقول الشَيعة.
شعر لهارون بن سعد
العجلي الزيدي يتبرأ من الرافضة قال هارون بن سعد العِجْلي وكان رَأْسَ الزيدية:
ألم تَرَ أن
الرافِضِين تَفَرًقُوا ... فكُلهُمُ في جَعْفرٍ قال مُنْكَرَا
فطائفة قالوا إِلهٌ
ومنهمُ ... طوائف سَمّتْهُ النبيَّ المُطهَرَا
فإن كان يَرْضَى ما
يقولون جعفرٌ ... فإنَي إلى رَبي أفارِق جَعْفَرَا
ومن عَجب لم أقْضِهِ
جِلْدُ جَفْرِهم ... بَرِئتُ إلى الرحمن ممن تَجَفَرا
بَرِئت إلى الرحمن من
كل رافضٍ ... بَصيرٍ بباب الكُفْر، في الدين أعورا
إذا كًفّ أهلُ الحق
عنِ بدْعة مَضَى ... عليها وإن يَمْضُوا على الحق قصرا
ولو قال إن الفِيلَ
ضب لصدّقوا ... ولو قال زِنْجِي تحوَّل أحْمَرَا
وأخْلَفُ من بَوْل
البَعِير فإنه ... إذا هو للإقبال وُجه أدْبَرا
فَقُبحَ أقوام
رَمَوْه بِفرْيةٍ ... كما قال في عيسى الفِرَى من تَنصرا
لبعض أهل الأدب في
الروافض سمعت بعضَ أهل الأدب يقول: ما أشبهَ تأويل الرافضة للقرآن بتأويل رجل
للشِّعْر، فإنه قال يوماً: ما سمعتُ بأكذَبَ من بني تميم! زعموا أن قولَ القائل:
بَيْتٌ زُرَارةُ
مُحْتَبٍ بِفنَائه ... ومُجاشِع وأبو الفوارِس نَهْشَلُ
إنما هو في رجال
منهم، قيل له: ما تقول أنت. قال: البيت بيت اللّه، وزُرارة الحجر؛ قيل له: فمجاشع؟
قال: زمزم جَشِعت بالماء؛ قيل له: فأبو الفوارس. قال: أبو قُبَيْس؛ قيل: نهشل؟ قال: نهشل أشد. وفكر ساعةً ثم قال: نعم،
نهشل! مِصباح الكعبة طويلٌ أسودُ فذاك نهشل!.
لأعشى همدان يذكر قتل
الرافضة الناسَ قال أعشىِ هَمْدَان يذكُر قتلَ الرافضةِ الناسَ:
إذا سِرْت في عِجْل
فسِر في صحابة ... وكِندَة فاحذرْها حِذَارك للخَسْفِ
وفي شيعة الأعْمى
زِيادٌ وغِيلَة ... ولَسْبٌ وإعمال لجندلة القَذْفِ
الأعمى هو المُغيرة.
وزياد يعني الخَنْق. واللسْب: السم؛ وإعمال لجِنْدلة القذف: يريد رَضْخهم رؤوسَ
الناس بالحجارة.
ثم قال:
وكُلُّهُمُ شَر على
أنَ رَأسَهم ... حَمِيدَةُ والمَيْلاَءُ حاضِنةُ الكِسْفِ
والكِسْفُ هذا هو أبو
منصور، سُفَي بذلك لأنه قال لأصحابه: قي نَزَلَ: " وَإنْ يَروا كِسْفاً مِنَ
السًمَاءِ سَاقِطاً " وكان يَدِين بخَنْق الناس وَقَتْلِهم.
ثم قال:
مَتى كُنتَ في حيًيْ
بِجَيلَةَ فاستَمِعْ ... فإن لهم قَصْفا يَدلُ على حَتْفِ
كان المغيرة بَجَلياً
مولى لهم.
إذا اعتَزَمُوا يوماً
على قَتْل زَائرٍ ... تَدَاعَوْا عليه بالنُّبَاح وبالعَزْفِ
ولابن عيينة وكان ابن
عُيينة يُنشِد:
إذا مَا سَرك
العَيْشُ ... فَلا تأخذْ على كِنْدَهْ
يريد أن الخَنّاقين
من المنصورية أكثرًهم بالكوفة من كِنْدَة، منهم أبو قُطْبة الخَنّاق.
قتل خالد بن عبد
اللّه للمغيرة وشعر في ذلك حدثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعي عن ابن أبي زائدة
قال: قال هِشَام بنُ القاسم: أخذ خالد بنُ عبد اللّه المُغِيرَةَ فقتله وصَلَبَه
بوَاسِط عند مَنْظَرة العاشر، فقال الشاعر:
طال التًجاوُرُ من
بَيانٍ واقفاً ... ومن المُغِيرة عند جِذْع العَاشِرِ
يا ليته قد شال
جِذْعا نخْلَةٍ ... بأبي حنيفة وابن قَيْس الناصر
وبيان هذا هو بيان
التبان وكان يقول: إلي أشار الله إذ يقول: " هَذَا بَيَان للناس " . وهو
أوّل من قال بخَلْق القرآن.
سؤال الأعمش للمغيرة
بن سعد عن علي بن أبي طالب وأما المغيرة فكان مَوْلًى لبَجِيلَة وكان سَبَائِياً
وصاحبَ نِيْرَنْجَات. قال الأعمش: قلت للمغيرة: هل كان علي يُحْي المَوْتى؟ لقال: لو شاء لأحْيَا عاداً وثَمُودَ
وقُرونَاً بين ذلك كثيراً.
بين إسماعيل بن مسلم
المكي ورجل ادعى أنه علي بن أبي طالب بَلَغنِي عن أبي عاصِم عن إسماعيلَ بنِ
مُسْلم المَكَي قال: كنتُ بالكوفة فإذا قوم من جِيرَاني يُكْثِرُون الدخولَ على
رجل، فقلت: مَن هذا الذي تدخُلون عليه؟ فقالوا: هذا علي بن أبي طالب. فقلت:
ادْخِلُوني معكم. فمضيتُ معهم وخَبأتُ معي سَوْطاً تحتَ ثِيابي فدخلْتُ فإذا شيخ
أصْلَعُ بَطِين، فقلت له: أنت علي بن أبي طالب؟ فأوْمَأ برأسه: أي نعم؛ فأخرجتُ السوْة
فما زلت أقنعُه وهو يقول: لتاوي لتاوي، فقلتُ لهم: يا فَسَقَة! عليُّ بن
أبي طالبٍ نَبَطِي ثم قلت له: ويلك ما قصتك. قال: جُعْلْتُ فِدَاك، أنا رجلٌ من
أهل السوَاد أخذني هؤلاء فقالوا: أنت عليّ بن أبي طالب.
حدّثني رجل من أصحاب
الكلام قال: دخل هِشامُ بن الحَكَم على بعض الولاة العباسيين فقال رجل للعباسيّ:
أنا أقَرِّر هِشاماً بأن عَلِياً كان ظالماً. فقال له: إن فعلتَ ذلك فلك كذا؛ فقال
له: يا أبا محمد، أما علمتَ أن عَلِياً نازع العبّاسَ إلى أبي بكر؟ قال: نعم. قال:
فأيُّهما كان الظالم لصاحبه؟ فتوقف هِشامٌ وقال: إن قلتُ العباسَ خِفتً العباسي،
وإن قلت عَلِياً ناقضت قولي، ثم قال: لم يَكُن فيهما ظالمٌ. قال: فيختصم اثنان في أمر
وهما مُحِقًان جميعاً؛ قال: نعم، اختصم المَلَكَان؛ إلى دَاوُدَ وليس فيهما ظالمٌ
إنّما أرادا أن يُنَبِّهاه على ظلْمه، كذلك اختصم هذان إلى أبي بكر ليُعَرفاه
ظُلْمَه فأسكتَ الرجلَ وأمرَ الخليفةُ لهشام بصِلَة.
شعر لحسان بن ثابت
يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما قال حسّان بن ثابت في
النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
ثَلاَثَة بَرزُوا
بسَبْقِهُمُ ... نَضرَهم ربهم إذا نُشِروا
عَاشُوا بلا فُرْقَةٍ
حياتَهُم ... واجتمعوا في الممات إذْ قُبِروا
فليس مِن مُسْلم له
بَصَر ... يُنْكِرُ من فَضْلهم إذا ذُكِرُوا
شعر لأعرابي في عبد
الله بن عمر
يمدح النبي صلى الله
عليه وسلم وأبا بكر وقال أعرابيّ لعَبْد اللهّ بن عُمَر:
إليكَ ابن خَيْرِ
الناس إلا محمداً ... وإلا أبا بَكرٍ نَرُوحُ ونَغْتَدِي
مثله لأبي طالب
ولعبيد اللّه بن عمر وقال أبو طالب في سُهَيْل بن بيضاء، وكان أسِرَ فأطْلقه رسول
الله صلى الله عليه وسلم بغير فِدَاءٍ، لأنه كان مُسْلماً مُكْرَهاً على الخروج:
وهم رَجعُوا سَهْلَ
بنَ بَيْضاء راضياً ... وسُرّ أبو بَكْرٍ بها ومُحمدُ
وقال عُبَيد اللهّ بن
عمر:
أنا عُبيدُ الله
يَنمِينِي عُمَرْ ... خيرُ قُرَيْش مَن مَضَى ومَنْ غَبَرْ
بعدَ رسول الله
والشَّيْخ الأغَر ... مَهْلاً عُبيَد َالله في ذاك نَظَرْ
لحسان بن ثابت يرثي
أبا بكر رضي الله عنه وقال حَسّان بن ثابت يَرْثِي أبا بَكْرٍ رَضِيَ الله عنه:
إذا تَذَكَّرتَ
شَجْواً من أخي ثقَةٍ ... فاذْكُرْ أخاك أبا بَكرٍ بما فَعَلا
خيرَ البَرِيَّة
أتْقاها وأعْدَلهَا ... بعدَ النًبِي وأوفَاها بما حَمَلا
والثانِيَ الصادقَ
المحمودَ مَشْهده ... وأولَ الناس منهم صَدق الرُّسُلا
وكان حِبّ رسول الله
قد عَلِمُوا ... من البرية لم يَعدِل به رَجُلا
بين جرير بن ثعلبة
وشيطان حدثني مِهْيَار الرازي قال: قال جريرُ بنُ ثَعْلَبة: حَضَرْتُ
شيطاناً مَرةً فقال: ارْفُقْ بِي فإنَي من الشِّيعة. فقلتُ: فمَن تَعْرِف من
الشيعة؟ قال: الأعمش. فخليتُ سَبِيلَه.
شعر لأبي هريرة
العجلي في محمد بن علي بن الحسين قال أبو هريرة العِجْليّ لمحمد بن علي بنِ
الحُسَين عليهم السلامِ:
أبا جَعْفَرٍ أنت
الوَلي أحِبه ... وأرضى بما تَرْضى به وأتابِعُ
أتتنْا رِجال
يَحْمِلون عليكُمُ ... أحادِيثَ قد ضاقتْ بهنَ الأضَالِعُ
أحاديثَ أفشاها
المُغِيرَةُ فيهمُ ... وشَر الأمورِ المُحْدَثَاتُ البَدائِعُ
لعمر بن عبد العزيز
حدثني هارونُ بنُ موسى عن الحسن بن موسى الأشْيَبِ عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد
قال: قال عُمَرُ بن عبد العزيز: مَن جَعَل دِينَه غَرَضاً لخُصومات أكثَرَ التنقُل.
قال:
ما ضَر مَن أصبح
المأمونُ سَائِسَهُ ... إن لم يَسُسْه أبو بَكْرٍ ولا عُمرُ
الردّ على المُلحِدين
بين ملحد وبعض أصحاب
الكلام قال بعض المُلْحِدين لبعض أصحاب الكلام: هل من دَليل على حُدوث العَالَم؟
قال: الحركة والسكون فقال: الحَرَكَةُ والسُّكون من العَالَم، فكأنك إذا قلتَ:
الدليلُ على حُدُوث العَالَم العَالَمُ. فقال له: وسُؤالُك إيايَ من العَالَم، فإذا جئتَ بمسألة من غير العالم
جئتُك بدليل من غير العالم.
بين المأمون وثَنَوي
نَاظَرَ عنده قال المأمونُ لثَنَوي يُناظر عنده: أسألُك عن حرفين قط، خبرْني: هل
نَدِمَ مُسيءٌ قَط على إساءته؟ قال: بَلَى. قال: فالنًدَمُ على الإساءة إساءة أو إحسان؟
قال: بل إحسان. قال: فالذي ندَمِ هو الذي أساء أو غيرُه؟ قال: بل هو الذي أساء.
قال: فأرى صاحبَ الخير هو صاحبَ الشر، وقد بطل قولُكم، إنّ الذي ينْظُر نَظَر
الوعِيد هو الذي ينظُر نَظَر الرحمة. قال: فإني أزعم أن الذي أساء غير الذي نَدِم.
قال: فَندِمَ على شيءٍ كان من غيره أو على شيءٍ كان منه؟ فأسْكَته.
بين الموبذ وهشام بن
الحكم دخل المُوبَذُ علىِ هشام بنِ الحَكَم فقال له: يا هِشام، حولَ الدنيا شيءٌ؟
قال: لا. قال: فإن أخرجتُ يدي فثَمَّ شيءٌ يَرُدُّها؟ قال هِشام: ليس ثَم شي
يَرُدك، ولا شيء تُخْرِج يدك فيه؛ قال: فكيف أعرِف هذا؟ قال له: يا مُوبَذُ؛ أنا
وأنت على طَرَف الدنيا فقلتُ لك يا مُوبَذ: إني لا أرى شيئاً، فقلتَ لي: ولم لا تَرَى،
فقلتُ لك: ليس هاهنَا ظلام يمنعًني، قلتَ لي: يا هشام إني لا أرى شيئاً، فقلتُ لك:
ولم لا ترى؟ قلتَ: ليس ضِياء أنظر به؛ فهل تكافأت المِلَتان في التناقض؟ قال: نعم.
قال: فإذا تَكَافأتَا في التناقض لم تَتَكَافأ في الإبطال ليس شيءٌ؟ فأشار
المُوبَذُ بيده أن أصَبتَ.
ودخل عليه يوماً
آخَرَ فقال: هما في القُوّة سَواء. قال: نعم، قال: فَجَوْهَرُهما واحد؟ قال المُوبَذُ لنفسه - ومَن حضَر يَسْمعُ - إن
قلتُ: إن جَوْهَرهُما واحد عادا في نَعْتٍ واحد، وإن قلت: مُختلِفٌ اختلفا
أيضاً في الهمَم والإرادات ولم يَتفِقا في الخَلْق، فإن أراد هذا قصيراً أراد هذا طويلاً؛
قال هِشام: فكيف لا تُسْلِم! قال: هَيْهاتَ! بين ملحد وهشام بن الحكم وجاءه رجل
مُلْحِد فقال له: أنا أقول بالاثنين وقد عَرَفْتُ إنصافك فلستُ أخاف مُشَاغبَتَك
فقال هِشام وهو مشغول بثَوْب يَنْشُره ولم يُقْبِل عليه: حَفِظك اللّه، هل يَقْدر
أحدُهما أن يخلقَ شيئاً لا يَسْتعِين بصاحبه عليه؟ قال: نعم؟ قال هِشام : فما
تَرْجو من اثنين! واحدٌ خَلَقَ كل شيءٍ أصحّ لك! فقال: لم يُكَلّمني بهذا أحَدٌ
قبلكَ.
بين المأمون ومرتدّ
إلى النصرانية قال المأمون لمُرْتدّ إلى النصرانية خَبَرنْا عن الشيء الذي أوحشَكَ
في ديننا بعد أنْسِك به واستِيحاشِك ممّا كنتَ عليه؛ فإن وجدتَ عندنا دَواءَ
دَائِك تعالجتَ به، وإن أخْطَأ بك الشَفَاءُ ونَبَا عن دائك الدَّوَاءُ كنتَ قد
أعذرتَ ولم تَرْجِع على نفسك بلائمة، وإن قتلناك قتلناك بحُكْم الشريعة، وتَرْجِع
أنت في نفسك إلى الاستبصار والثقَةِ وتَعْلم أنّك لم تُقَصَر في اجتهاد ولم تُفَرط
في الدخول من باب الحزم؛ قال المُرْتَدُّ: أوحشني ما رأيتُ من كثرة الاختلافِ
فيكم، قال المأمون: لنا اختلافان: أحدُهما كالاختلاف في الأذان، والتكبير في
الجنائز، والتشهُد، وصلاة الأعياد، وتكبير التشريق، ووُجُوه القِراءات، ووجوه
الفُتْيا، وهذا ليس باختلافٍ، إنما هو تخيُرٌ وسعَة وتخفيفٌ من المِحْنة، فمن أذنَ
مَثْنَى وأقام مثنى وأقام فُرَادىَ، ولا يَتَعايَرُون بذلك ولا يتَعَايبَوُن، والاختلافُ
الآخرُ كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا، وتَأْوبل الحَدِيث معِ اجتماعنا
على أصل التنزيل واتفاقنا على عَيْن الخبر، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنْكَرْت
هذا الكتابَ، فقد يَنْبغي أن يكونَ اللفظُ بجميع التوراة والإنجيل متَفَقاً على
تأويله كما يكون متَفقاً على تنزيله، ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلافٌ في
شيء من التأويلات؛ وينبغي لك ألاَ تَرْجِع إلا إلى لُغَةٍ لا اختلافَ في تأويل
ألفاظها؛ ولو شاء الله أن يُنْزِلَ كُتُبَه ويَجْعَلَ كلامَ أنبيائِهِ وورثةِ
رسلِه لا يحتاج إلى تفسير الفَعَل، ولكنَا لم نَرَ شيئاً من الدَين والدُنيا دُفِع
إلينا على الكفاية، ولو كان الأمرُ كذلك لسقَطَت البَلْوَى والمِحْنةُ، وذهبت المسابقةُ
والمنافسة ولم يكن تفاضلٌ، وليسِ على هذا بَنَى الله الدنيا. قال المرتَد: أشهَدُ
أن لا إلهَ إلا اللّه، وأن المَسِيحَ عَبْدٌ، وأن محمداَ صادقٌ، وأنك أميرُ
المؤمنين حَقَاً.
الإعراب واللحنبين
عبد الملك بن مروان ورجل كان يرى رأي الخوارج حدثني أبو حاتمِ عن الأصْمَعِيّ قال: سمِعتُ
مَوْلًى لآلِ عُمَر بنِ الخطاب يقول: أخذَ عبدُ الملك بنُ مَرْوانَ رجلاً كان
يَرَى رَأي الخوارج، رأي شَبِيب؛ فقال له: ألستَ القائل:
ومِنّا سوَيْد
والبَطِين وقَعْنَب ... ومِنّا أمِيرُ المؤمنين شَبِيبُ
فقال: إنما قلتُ:
" ومنا أميرَ المؤمنين شبيبُ " بالنصب، أي يا أميرَ المؤمنين. فأمر
بتخلية سبيله.
رفيع بن سلمة يخاطب
أبا عثمان النحوي حدّثني عبدُ اللّه بن حَيان قال: كتب رَفِيع بن سَلَمَة المعروف
بحَمَاد إلى أبي عُثمان النَحْوِي :
تَفَكّرْتُ في
النَّحْو حتى مَلل ... تُ وأتعبتُ نفسي به والبَدَنْ
وأتعبتُ بَكْراً
وأصحابَهُ ... بطولِ المسائل في كل فَن
فمِن عِلْمِه ظاهِر
بَينٌ ... ومِن عِلْمهِ غامض قد بَطَنْ
فكنتُ بظاهره عالِماً
... وكنتُ بباطنه ذَا فِطَنْ
خلا أنَّ باباً عليه
العَفَا ... ءُ للفاء يا ليتَه لم يَكُن
وللواوِ بابٌ إلى
جَنْبِهِ ... من المَقْت أحْسبُه قد لُعِنْ
إذا قلتُ هاتوا لما
يُقَا ... ل لستُ بآتِيك أو تَأتِيَنْ
اجيبُوا لما قيل هذا
كذا ... علي النصب قالوا لإضْمار أنْ
أو ما إن رأيتُ لها
مَوْضِعا ... فاعرِفَ ما قيل إلا بِظَنّ
فقد خِفْتُ يا بَكْرُ
مِن طُول ما ... أفَكَر في أمْرِ أنْ أن أجَنْ
لابن سيرين قال ابن
سِيرينِ: ما رأيتُ على رجل أحْسن من فَصَاحة، ولا على امرأة أحسن من شَحْم.
لابن شبرمة في فضل
تعلُّم العربية وقال ابن شُبْرُمة: إذا سَرك أن تَعْظُم في عَيْن مَن كنتَ في عينه
صغيراً، ويَصْغُرَ في عينكَ من كان في عينك عظيماً فتعلم العربيةَ، فإنها تُجْرِيك
على المَنْطِق وتُدْنِيك من السْلطان. ويقال: النحو في العِلْم بمنزلة المِلْح في القِدْر والرامِكِ في
الطيب. ويقال: الإعرابُ حِلْيةُ الكلام ووَشْيُهُ.
لبعض الشعراء في
النحو وقال بعضُ الشعراء:
النحوُ يَبْسُطُ من
لسانِ الألْكَنِ ... والمرءُ تًكْرِمُه إذا لم يَلْحَن
وإذا طلبتَ من العلوم
... فأجَلها منها مُقِيمُ الألْسُن
بين أعرابي ورجل لحن
في سؤاله قال رجل لأعرابي: كيف أهلِك، بكسر اللام. - يُريد كيفَ أهلُك - فقال الأعرابي: صَلْباً، ظن أنه سأله عن هَلَكَته
كيف تكون.
وقيل لأعرابي:
أتهْمِز إسراييلَ؟ قال: إني إذاً لرجلُ سُوءٍ؛ قيل له: أتَجُرُّ فِلَسْطِين؟ قال:
إني إذاً لَقَوِي.
وقيل لآخر: أتَهْمِز
الفارةَ؟ فقال ة الهِرةُ تَهْمِزُها.
وقيل: كان بِشرٌ
المَريسِي يقول لأصحابه: قضى الله لكم الحوائجَ على أحسِن الوجوه وأهنؤُها؛ فقال
قاسم التّمار: هذا كما قال الشاعر:
إنَ سُلَيْمَيِ والله
يَكْلَؤُها ... ضَنتْ بشيءٍ ما كان يَرْزَؤُها
سمِعَ أعرابي
مُؤَذناً يقول: أشهَدُ أنّ محمداً رسولَ اللّه، بنصب رسول؛ فقال: وَيْحَك
يفعل ماذا؟ لمسلمة بن عبد الملك في اللحن، ومثله لآخرين قال مَسْلَمَةُ بن عبدِ
الملك: اللحنُ في الكلام أقبحُ من الجُدَري في الوجه.
وقال عبدُ الملك:
اللحن في الكلام أقبحُ من التفتيق في الثوب النفيس.
قال أبو الأسْوَد:
إني لأجِدُ غَمْزاً كَغَمز اللحم.
بين الخليل بن أحمد
وأعرابي قال الخليل بن أحمد: أنْشدَني أعرابي:
وإن كِلاباً هنه
عَشْرُ أبطُن ... وأنتَ بريءٌ من قبائلها العَشْر
فجعلتُ أعجَبُ من
قوله: عَشْر ابطُنٍ حين أنَثَ لأنه عَنَى القَبِيلة، فلما رأى عجَبَي ذلك، قال:
أليس هكذا قول الآخر:
فكان مَجِنَي عون من
كنتُ أتَقي ... ثلاث شُخُوص كاعِبانِ ومُعْصِرُ
لرجل من الصالحين قال
رجل من الصالحين: لئِنْ أعرَبْنا في كلامنا حتّى ما نَلْحَن لقد لحَنا في أعمالنا
حتى ما نعرِب .
لأعرابي سمع قوماً
يلحنون دخلِ أعرابي السوقَ فسمِعهم يَلْحَنُون، فقال: سبحانَ اللِّه! يَلْحَنُون
ويَرْبَحُون ونحن لا نلحَن ولا نربَح! بين رجل وزياد دخل رجل على زِيادٍ فقال له:
إنّ أبينَا هَلَك، وإن أخِينا غَصَبنا على ميراثنا من أبانا. فقال زياد: ما ضيعتَ
من نفسك أكثرُ مما ضاع من مالك.
بين بلال وشبيب بن
شيبة قال الرياشي عن محمد بن سلام عن يُونُسَ قال: قال بلالُ لشَبِيب بن شَيْبَةَ
وهو يَسْتَعْدِي على عَبْدِ الأعلى بن عبد الله بنِ عامرٍ قال: أحْضِرْنِيه. قال:
قد دعوتُه لكُل ذلك يأبى؛ قال بلال: فالذنبً لكلّ.
لبعض الشعراء قال بعض
الشعراء:
إما تَرَيْني وأثوابي
مُقَارِبة ... ليستْ بخَزٍّ ولا من نَسْجِ كَتَّان
فإن في المَجْدِ
هِمًاتِي وفي لُغَتي ... عُلْوِيَّةً ولسَاني غير لَحَّانِ
بين زياد ومولى له
وقال فِيلٌ مَوْلَى زيادٍ لزيادٍ: أهْمَوا لنا هِمَار وَهْشٍ. فقال: ما تقول.
وَيْلَك! فقال: أهْدَوْا لنا أيراً؛ فقال زياد: الأوّلُ خَير.
سَمِع أعرابي والياً
يَخْطُب فَلَحن مرّةً أو اثنتين، فقال: أشْهَدُ أنك مَلَكتَ بقَدَر.
وسَمِع أعرابي إماماً
يقرأ: " وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَى يُؤْمِنُوا " بفتح تاء تنكحوا، فقال سبحانَ الله! هذا قبلَ الإسلام قبيح فكيف
بَعْدَه! فقيل له: إنه لحنَ، والقراءةُ " وَلَا تُنْكِحُوا فقال: قبحه
الله، لا تجعلوه بعدها إِماماً فإنه يُحِلُّ ما حَرَّمَ اللّه. قال الشاعر في
جارية له:
أوّلُ ما اسْمَعُ
منها في السحَرْ ... تذكيرُها الأنْثَى وتأنيثُ الذَكَرْ
والسًوْءَةُ السوءُ
في ذِكْر القَمَرْ بين الحجاج ورجل عجمي قال الحجاج لرجل من العَجَم نَخّاس:
أتَبِيعُ الدّوابً المَعِيبة من جندُ السلطان؟ فقال: شَرِيكاتنا في هوازها وشًرِيكاتنا في مداينها وكما تجيء تكون " .
فقال الحجّاج: ما تقول. ففَسَروا له ذلك فضَحِك وكان لا يضحَك.
للحجاج أمَّ الحجّاجُ
قوماً فقرأ والعاديات ضبحاً " وقرأ في آخرها " أن رَبَّهُمْ بِهِمْ
يَوْمَئِذٍ " بنصب أن، ثم تنبه على اللام في لَخَبِير وأنّ " إنّ لما
قبلها لا تكون إلا مكسورة فحَذَفَ الّلامَ من خبير، فقرأ " أن رَبهُمْ بِهِمْ
يَوْمَئِذ خَبِير " .
للخيل بن أحمد في
تصغير واصل قال أبو زيد: قلتُ للخليل بن أحمد: لِمَ قالوا في تَصْغير واصل أو يصل ولم يقولوا وَيْصِل؟
فقال: كَرِهوا أن يُشَبَّهَ كلامهُم بنبح الكلاب.
التشادق والغَريب
بين عيسى بن عمر
وبلال بن أبي بردة حدثني سهلٌ عن الأصمَعيّ قال: كان عيسى بنُ عُمَر لا يَدَعُ
الإعرابَ لشيء. وخاصم إلى بلال بن أبي بردةَ في جارية اشتراها مُصَابةً، فقال: لأن
يذهبَ بعضُ حَق هذا أحبّ إليه من أن يَلْحَنَ؛ فقال له: ومَن يعلم ما تقول. فقال:
ابن طرنوبة.
وبينه وبين عمر بن هبيرة
وقد ضربه وضربه عمرُ بنُ هُبَيْرة ضرباً كثيراً في وَديعة أودعها إياه إنسانٌ
فطلبها، فما كان يزيد على أن يقول: واللِه إن كانت إلا أثياباً في اسَيْفاط
قَبَضَها عَشَارُوك.
بين أبي خالد
النُّميري وجارية تَبِع أبو خالد النُّمَيْري صاحبُ الغَريب جارية مُتَنَقِّبة
فكلّمها فلم تُكلًمْه، فقال: يا خريدةُ، لقد كنتِ عندي عَرُوباً أَنَمِقُكِ وتشْنَئِينا!
بين سهل بن هارون وجارية رومية له وقال سهلُ بن هارونَ لجارية له رُومية أعجمية:
إن أقل ما يَنْطِوي عليه ضميري من رَسِيس حبك لأجل من كل جليل، وأكثرُ من كل كثير.
شعر مالك بن أسماء في
جارية له وقال مالك بنُ أسماء في جارية له:
أمُغَطًى مني على
بَصَري لل ... حب أم أنتِ أكملُ الناس حُسنا؟
وحَديثٍ ألَذُّهُ هو
مما ... يَشْتَهِي الناعتون يُوزنُ وَزْنا
مَنْطِق صَائبٌ
وتَلْحَنُ أحيا ... ناً وأحْلَى الحديثِ ما كان لَحْنا
قال ابن درَيْد:
استثقل منها الإعرابَ.
بين أبي علقمة وأعين
الطبيب دخل أبو عَلْقَمَة علي أعْينَ الطبيب فقال له: أمتعَ الله بك، إني أكلت من لحوم هذه الجَوَازِل فطَسِئْتُ طَسْاةً، فأصابني
وَجَعٌ ما بين الوَابِلَة إلى دَأيَة العنقُ فلم يزل يَربوُ ويَنْمِي حتى خالط
الخِلْبَ والشَراسِيفَ، فهل عندك دواء؟ فقال أعْيَن: نعم، خذ خربقاً وشلفقاً وشِبْرِقاً فزَهْزِقْهُ وزَقْزِقه واغْسِلْه
بماء رَوْثٍ واشربْه؛ فقال أبو عَلْقمة: لم أفهمْ عنك؛ قال أعين: أفهمتُك كما أفهمتَنِي.
وقال له يوماً آخَرَ:
إني أجِد مَعْمَعةً في بطني وقَرْقرةً؛ فقال له: أما المعمعةُ فلا أعرِفها، وأما
القرقرةُ فهي ضُرَاطٌ لم يَنفَج.
بين الهيثم بن
العُريان ورجل أتى رجلٌ الهَيْثَمَ بنَ العًرْيان بغَرِيم له قد مطَلَهُ حقَّه
فقال: أصلح اللّه الأميرَ، إنّ لي على هذا حَقًا قد غلبني عليه؛ فقال له الآخرُ:
أصلحك الله، إن هذا باعني عَنْجَداً واستنسأتُه حوْلاً وشرطتُ عليه أن أعطيَه
مُشاهرة فهو لا يلقاني في لَقَمٍ إلا اقتضانِي. فقال له الهيثمُ: أمن بني أميّة
أنت. قال: لا، قال: فمن بني هاشم. قال: لا؛ قال: فمن أكفائهم من العرب؟ قال: لا؛
قال: وَيْلِي عليك! انَزْع ثيابَه يا جِلْوَاز فلما أرادوا نَزْعَ ثيابِه قال: أصلحك
الله، إنّ إزاري مُرَعْبَل. قال: دعوه، فلو تَرَك الغريبَ في وقتٍ لتركه في هذا الوقت.
لأبي علقمة بالبصرة
ومرّ أبو علقمة ببعض الطُّرُق بالبصرة فهاجت به مِرةٌ فسقط ووَثَب عليه قومٌ
فأقبلوا يعصِرون إِبهامَه ويُؤذِّنون في أذنه، فافْلِتَ من أيديهم وقال: ما لكمِ
تَتَكاكَأون عليَ كما تتكأْكَاون على ذِي جِنَّة! إفْرَنْقِعُوا عَنَي. فقال رجلٌ
منهم: دَعُوه فإنّ شيطانه هِنديٌ، أمَا تسمعونه كلّم بالهِنديّة.
وله يخاطب حجّام
يحجمه
وقال لحجّام
يَحْجِمُه: انظُر ما آمُرك به فاصنَعْه، ولا تكن كمن أمِر بأمرٍ فضيّعه، أنْقِ غسل
المَحَاجِم واشدُدْ قُضُبَ المَلاَزِم وأرْهِفْ ظُبّات المَشارِط وأسْرع الوضع
وعجل النًزْعَ وليْكُن شرطُك وَخْزاً، ومضُك نَهْزاً، ولا تُكرِهن آبيَاً، ولا
تردن آتِياً. فوضع الحجّامُ محاجمه في جونته ومضى.
بين أعرابي وأبي
المكنون النَّحْوي سَمِع أعرابي أبا المكنون النَحْوي في حَلْقَته وهو يقول في
دعاء الاستسقاء: اللهم ربّناَ وإلهَنَا ومولانا صلّ على محمد نبيّنا؛ اللهم ومَن
أراد بنا سوءاً فأحِطْ ذلك السوءَ به كإحاطة القلائد على تَرَائب الوَلَائد، ثم -
ارسِخْه على هَامَته كرُسُوخ السَجِّيل على هَام أصحاب الفِيل؛ اللهم اسْقنا
غَيْثاً مُغيثاً مَريئاً مَريعاً مُجَلْجلاً مُسْحَنْفِراً هَزِجاً سَحًّا سفُوحاً
طَبَقاً غدقاً مُثْعَنجِراً. فقال الأعرابيّ: يا خليفةَ نوح هذا الطوفان وربّ
الكعبة، دَعْني آوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُني من الماء.
بين أبي الأسود
الدؤلي وغلام يقعَر في كلامه أبو الحسن قال: كان غلام يُقعَر في كلامه، فأتى أبا
الأسود الدُّؤلي يلتمس ما عنده؛ فقال له أبو الأسود: ما فعل أبوك؟ قال: أخذته
الحُمى فَطَبَخَتْه طَبْخاً وفَضَخَتْه فَضْخاً وفنخته فَنْخاً فتركته فَرْخا
" قال أبو الأسود: فما فعلت امرأته التي كانت تُجارُه وتُشَاره وتُزارُه
وتهارُّه؛ قال: طلقها فتزوٌجت غيره فرَضِيت وحَظِيَت وبَظِيَت. قال أبو الأسود: قد
عرفنا حَظِيت؛ فما بِظيَت؟ قال: حرف من الغريب لم يبلغك. قال أبو الأسود: يابن
أخي، كل حرف من الغريب لم يبلغ عمك فاستُره كما تستر السنًوْرُ خُراها.
لزيد بن كثيرة قال
زيد بن كثيرة: أتيتُ بابَ كبير دار وهناك حَداد، فأردتُ أن ألج الدارَ فدَلَظَي دَلْظةً
وادرس الناس عليهم فوالله إن زَلْنا نَظَارِ نَظَارِ حتى عَقَل الطلُ.
وقال أيضاً: أتيتُ
بابَ كبير وإذا الرجالُ صَتِيتَان وإذا أرْمدَاءُ كثيرة وطُهَارةٌ لا أحْصِيهم
ولحَامٌ كأنها آكَام.
شعر للطائي وقال
الطائي :
أيوسف جئتَ بالعَجَب
العجيبِ ... تركتَ الناسَ في شَك مُرِيبِ
سمعتُ بكل داهيةٍ
نآدٍ ... ولم أسْمَع بسراج أديبِ
أمَا لَوْ أنّ جهلَك
كان عِلْماً ... إذاً لنفذتَ في عِلم الغُيوبِ
فما لَكَ بالغَرِيب
يد ولكنْ ... تَعَاطِيكَ الغريبَ من الغَريبِ
لرؤبة بن العجاج قال
رؤبة بن العَجّاج: خرجت مع أبي، نريد سليمان بنَ عبد الملك، فلمّا صِرْنا في
الطريق اهْدِيَ لنا جَنْبٌ من لَحْم عليه كَرَافِئُ الشَحْم وخريطة من كَمْاةٍ
ووطْب من لَبَن فطبَخْنا هذا بهذا، فما زال ذِفْرَيَايَ تَنْتِحَان منه إلى أن
رجعتُ الكَرَافئُ: الطبقات، وكذلك كرافئ السحاب "
وصايا المعلّمين
من عتبة بن أبي سفيان
لعبد الصمد مؤدَب ولده قال عُتبة بن أبي سُفيان لعبد الصمد مؤدِّب ولده: ليكن
إصلاحُك بَني إصلاحَك نفسك، فإن عُيوبَهم معقودة بعَيْبك، فالحسنُ عندهم ما
استحسنتَ، والقبيحُ ما استقبحت؛ وعلِّمهم سِيَرَ الحكماءِ، وأخلاقَ الأدباء، وتهدَدْهم
بي وأدَبْهم دوني؛ وكن لهم كالطبيب الذي لا يَعْجَل بالدواء حتى يَعْرِف الداء؛
ولا تَتَكِلَنَ على عذر مني، فإني قد اتكلتُ على كِفاية منك.
من الحجاج لمؤدب بنيه
قال الحجّاج لمؤدب بنيه: علِّمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم يَجدون مَنْ يكتُبُ
عنهم، ولا يَجِدون مَن يَسْبَحُ عنهم.
من عبد الملك لمؤدب
ولده وقال عبد الملك لمؤدٌب ولده: علِّمْهم الصدق كما تُعَلَمهم القرآن وجَنِّبْهم
السًفِلَةَ فإنّهم أسوأ الناس رِعَةً وأقلُهم أدباً، وَجَنَبْهُم الحَشَم فإنّهم
لهم مَفْسَدة؛ وأحفِ شُعُورَهم تَغْلُظْ رِقابُهم، وأطْعِمْهم اللحمَ يَقْوَوْا؛
علَمهم الشِّعر يَمْجُدُوا ويَنْجُدُوا، ومُرْهم أن يَستاكوا عَرْضاً ويَمُصوا
الماء مصاً ولا يَعبُوُه عَبًّا؛ وإذا احتجتَ إلى أن تتناولَهم بأدب فليكن ذلك في
سِتْر لا يعلَمُ به أحدٌ من الغاشية فَيَهُونُوا عليه.
وقال آخر لمؤدَب
ولده: لا تُخْرجهم من عِلْم إلى عِلْم حتى يُحْكِمُوه، فإن اصطِكَاكَ العلم في السمع
وازدحامَه في الوَهم مَضَلَةٌ للفهم.
شعر شريح إلى معلم
ولده يوصيه به
وكان لشُرَيح ابن
يلْعَب بالكلاب، فكتَب شُرَيحٌ إلى مُعلمه:
تَركَ الصلاةَ
لأكْلُبٍ يَسعى بها ... طلب الهِرَاش مع الغِوَاةِ الرُّجس
فإذا خَلَوْتَ
فَعَضّه بمَلاَمَةٍ ... وِعظَتْهُ وَعْظَكَ للأرِيب الكَيس
وإذا همَمْتَ
بضَرْبِه فبدرَةٍ ... وإذا بلغتَ بها ثلاثاً فاحْبِس
واعْلَمْ بأنك ما
فعلتَ فنفسُه ... مع ما يُجَرعُني أعَز الأنْفُس
وقال آخر لرجل يلعب
بالكلاب:
أيها المُبْتلَى بحب
الكلابِ ... لا يُحِبّ الكلابَ إلا الكلاب
لو تَعَريتَ وسطها
كنتَ منها ... إنما فُقتَها بلُبْس الثياب
وقال آخر:
لتَبْكِ أبا أحمدٍ
قِردةٌ ... وكَلْبُ هِرَاشٍ ودِيك صَدُوحُ
وطيرٌ زِجَالٌ
وقُمْرِية ... هَتُوفُ العَشِي وكَبْشٌ نَطُو
من حكم لقمان بلغني
عن أبي الحسن العُكْلي عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المُزنيّ قال: سمعت أبي
يقول قال لقمان: ضربُ الوالدِ وَلَده كالسمَاد للزرع.
وصية عمر لأهل الشام
حدّثني محمد بن عُبَيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن المبارك عن أسامة
ابن زيد عن مكحول قال: كتب عمر إلى أهل الشام: عَلَموا أولادَكًم السَبَاحةَ
والرمْي والفُرُوسية. ما كانت تسميه العرب الكامل من الرجال وكانت العرب تُسمَي
الرجل، إذا كان يكتُب ويُحسِن الرًمْي ويُحسِن العَوْم وهي السِّباحة ويقول
الشَعْر، الكاملَ.
البيانللنبي صلى الله
عليه وسلم في البيان حدّثني عَبْدة بن عبد الله قال: حدثنا يحيى بن آدم عن قيس عن
الأعمش عن عِمارة بن عُمَير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " إن من البيان سِحراً " فأطيلوا الصلاةَ وأقْصِرُوا الخُطَبَ.
وقال العبّاس: يا
رسولَ اللّه، فيم الجَمَالُ. قال: " في اللسان " .
وكان يقال: عَقْلُ
الرجل مدفون تحت لسانه.
ليزيد بن المهلب وقال
يزيد بن المُهلًب: أكرهُ أن يكون عقلُ الرجل على طَرَف لسانه. يريد أنه لا يكون
عقلُه إلا في الكلام.
وقال الشاعر:
كَفَى بالمرء عَيْباً
أن تراهُ ... له وَجْة وليس له لسان
وما حُسْنُ الرجالِ
لهم بزَيْن ... إذا لم يُسعد الحسنَ البيانُ
لخالد بن صفوان وقال
خالد بن صفوان لرجل: رحم الله أباك، فإنّه كان يَقْرِي العَيْنَ جَمَالاً، والأذنَ
بياناً.
شعر للنمر بن تولب
وقال النَمِرُ بن تَوْلَب:
أعذنِي رَبِّ من
حَصَرٍ وعِيٍّ ... ومن نفس أعالِجُها عِلَاجا
ومن حاجاتِ نَفْسي
فاعْصِمَني ... فإن لمُضْمراتِ النفس حَاجا
وصف أعرابي رجلًا
يتكلّم فيُحسِن فقال:
يضَعُ الهِنَاءَ
مواضِعَ النُّقْبِ
من أمثال العرب في
البلاغة ومثلُه قولُهم: فلان يُجِيد الحَزَ، ويُصِيب المَفْصِل. وربما قالوا:
يُقِلّ الحز.
لمعاوية في عبد الله
بن عباس وقال معاوية في عبد الله بن عبّاس:
إذا قال لم يَتْرُك
مقالاً ولم يَقِفْ ... لِعِيٍّ ولم يَثْنِ اللسانَ على هُجْر
يُصَرف بالقول
اللسانَ إذا انتحى ... ويَنْظُرُ في أعطافه نَظَرَ الصَقْرِ
ولحسان في ابن عباس
وقال حسّان فيه:
إذا قال لم يَتْرُك
مقالاً لقائلٍ ... بملتَقَطَاتٍ لَا تَرَى بينها فَصلا
شَفَى وكَفَى ما في
النفوس فلم يَدَعْ ... لذي إزْبَةٍ في القول جِدَا ولا هَزْلا
سَموتَ إلى العلْيَا
بغير مَشقةٍ ... فنِلْتَ فُرَاهَا لَا دَنِيَا ولَا وَغْلا
ويقال: الصمتُ
مَنَامٌ والكلامِ يَقَظةٌ .
ويقال: خير الكلام ما
لم يُحْتج بعده إلى الكلام.
للعباس بن الحسن
الطالبي ذكر العباس بن الحسن الطالبي رجلاً فقال: ألفاظُه قوالِبُ معانيه.
أعرابي يمدح رجلاً
ومدح أعرابي رجلاً فقال: كلامه الوَبْلُ على المَحْل، والعَذْبُ البارِدُ على
الظًمَأ.
وقال الحُطَيئة:
وأخذتُ أقطارَ الكلام
فلم أدَعْ ... فَمًّا يضُر ولا مَدِيحاً يَنْفَعُ
الحطيئة وعمرو بن
عبيد
وكان الحطيئة يقول:
إنما شِعْري حَسَبٌ موضوع. فسَمِع ذلك عمرُو بن عُبَيْد فقال: كَذَبَ، تَرَّحَه
الله، إنما ذلك التقوى.
جواب عمرو بن عبيد
لمن سأله عن صفة البلاغة قيل لعمرو بن عًبيد: ما البلاغة؟ فقال: ما بلغك الجَنة،
وعَدَل بك عن النار. قال السائل: ليس هذا أريد. قال: فما بَصرك مواقِعَ رُشْدك، وعواقِبَ غَيك. قال السائل: ليس هذا أريد.
قال: من لم يُحسِن الاستماع لم يُحْسِن القول. قال: ليس هذا أريد. قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا مَعْشَر الأنبياء بِكَاءٌ " ، وكانوا يكرهون
أن يزيدَ مَنْطِق الرجل على عقله. قال: ليس هذا أريد. قال: كانوا يخافون من فتنة
القول ومن سَقَطات الكلام ما لا يخافون من فتنة السكوت ومن سَقَطَات الصَّمْت.
قال: ليس هذا أريد. قال: فكأنك إنما تريد تخير اللفظ حسن إفهام؟ قال: نعم. قال:
إنك إن أردت تقرير حجة الله في عقول المكلفين، وتخفيف المَؤُونة على المُستمعين،
وتزيين تلك المعاني في قلوب المرِيُدين، بالألفاظ المُسْتَحْسَنة في الآذان،
المقبولة عند الأذهان، رغبةً في سُرْعة استجابتهم، ونَفْي الشواغل عن قلوبهم،
بالمَوْعِظَة الحسنة من الكتاب والسُّنة، كنت قد اوتيتَ فصلَ الخِطَاب، واستوجبتَ
على الله جزيلَ الثواب.
لبعضهم في زياد قال
بعضهم: ما رأيت زياداً كاسِراً إحْدَى أعَيْنيه واضعاً إحدى رِجليه على الأخرى
يُخاطب رَجُلًا إلا رحمتُ المُخاطَبَ.
مثله لآخر في زياد
وقال آخر: ما رأيتُ أحداً يتكلم فيُحسن إلا أحببْتُ أن يَصْمُتَ خوفاً من أن
يُسيءَ إلا زياداً فإنه كلما زاد زاد حُسْناً، وقال:
وقبلَك ما أعييتُ
كاسِر عَينِه ... زِياداً فلم تَقْدِرْ علي حَبَائِلُهْ
لعمر بن الخطاب في
عمرو بن العاص قال محمد بن سلام: كان عمرً بن الخطاب إذا رأى رجلاً يُلجْلِج في
كلامه قال: خالق هذا وخالق عَمْرو بن العاص واحد!.
لعبد الملك في عمرو
بن سعيد الأشدق وتكلم عمرو بن سعيد الأشْدَق، فقال عبد الملك: لقد رجوتُ عثْرَته
لما تكلم، فأحسن حتى خَشِيت عَثْرَته إن سكت.
بين معاوية وصحار
العبدي أبو الحسن قال: قال معاوية لصُحَار العَبدي: ما هذه البلاغةُ التي فيكم.
فقال: شيءٌ تَجِيشُ به صدُورُنا ثم تَقْذِفُه على ألسنتنا. فقال رجل من القوم:
هؤلاء بالبُسْر أبصرُ. فقال صُحَار: أجل، والله إنّا لنعلم أن الريحَ تُلقحه وأن
البرد يُعقده وأن القَمَر يَصْبغه وأن الحر يُنْضِجُه. فقال معاوية: ما تَعُدون
البلاغةَ فيكم؟ قال: الإيجاز، قال: وما الإيجاز؟ قال: أن تُجيب فلا تبطئ، وتقولَ
فلا تخطئ، ثم قال: يا أمير المؤمنين، حسن الإيجاز ألا تبطئَ ولا تخطئَ.
أبو الحسن قال: وَفَد
الحسن بن علي على معاوية الشأمَ، فقال عمرو بن العاص: إن الحسنَ رَجُلْ أمَة فلو
حملتَه على المِنْبَر فتكلم فسَمِع الناسُ من كلامه عابُوه؛ فأمره فَصعد المِنْبَر
فتكلم فأحسن؛ وكان في كلامه أنْ قال: أيها الناس، لو طلبتُم ابناً لنبيكم ما بين
جَابَرْس إلى جَابَلْق لم تَجِدُوه غيري وغيرَ أخي وَإنْ أدرِي لَعَلهُ فِتْنَة
لَكُمْ ومتاع إلَى حِين. فساء ذلك عَمْراً وأراد أن يَقْطع كلامه، فقال: يا أبا
محمد، هل تَنْعَت الرُّطَبَ؟ فقال: أجل، تلْقِحُه الشمَال وتُخَرجه الجَنُوب ويُنْضِجُه بَرْدُ الليل
بحرً النهار. قال: يا أبا محمد، هل تَنْعَتُ الخِرَاءَةَ؟ قال نعمِ، تُبعِد المَمْشَى
في الأرض الصحْصَح حتى تَتَوارَى من القوم، ولا تَسْتَقْبِل القِبْلَة ولا
تَسْتدْبِرها، ولا تَسْتَنْجي بالروْثَة ولا العَظْم، ولا تبول في الماء الراكد؛
وأخَذَ في كلامه.
وكان يقال: كل شيء
ثَنَيْتَه يقْصُر ما خلا الكلامَ، فإنك كلما ثنيتَه طال.
للحسن في أصناف
الرجال قال الحسن: الرجال ثلاثة: رجلٌ بنفسه، ورجل بلسانه، ورجل بماله.
بين صعصعة بن صوحان
ومعاوية تكلم صَعْصَعةُ بن صُوحان عند معاوية فعَرِق، فقال معاوية: بَهَرك القولُ!
فقال صعصعة: إنّ الجِيَادَ نضَّاحة للماء.
ويقال: أبلغُ الكلام
ما سابق معناه لفظَه.
من كتاب الهند في
صفات البلاغة والبليغ
وفي كتاب للهند:
أوّلُ البلاغة اجتماعُ آلةِ البلاغة، وذلك أن يكون الخطيبُ رابِطَ الجأْش، ساكِنَ
الجوارح قليلَ اللفْظ مُتَخَيراً للفظ، لا يُكلم سَيدَ الأمّة بكلام الأمة، ولا
الملوكَ بكلام السوقة، ويكون في قوَاه فَضْل للتَصرُّف في كل طبقة، ولا يُدَقِّق
المعانيَ كلَّ التدقيق، ولا يُنَقِّح كلّ التنقيح ولا يُصفَيها كلَّ التَصْفِية
ولا يُهذَبها غايةَ التهذيب، ولا يفعل ذلك حتىِ يُصادِفَ حكيماً أو فيلسوفا عليما.
ويكون قد تَعوّد حَذْفَ فُضول الكلام وإسقاطَ مشْترَكاتِ الألفاظ، قد نَظَر في
صِناعة المَنْطِق على جِهَة الصناعة والمُبالغة لا على جهة الاعتراض والتصفُّح.
مثله لجعفر بن يحيى
البرمكي في البيان ونحو هذا قول جعفر بن يحيى البَرْمكيّ وقيل له: ما البيان؟
فقال: أن يكون الاسم يُحيط بمعناك ويَحْكِي عن مَغْزَاك، وتُخْرِجه من الشركة ولا
تَستعين عليه بالفِكْرة، والذي لا بدَّ له منه أن يكونَ سَليماً من التكلُّف،
بعيداً من الصنعة، بريئاً من التعَقد، غَنِياً عن التأويل.
للأصمعي في البليغ
قال الأصمعي: البليغ مَن طبق المَفْصِل وأغناك عن المفسر.
رد الحجاج على قتيبة
بن مسلم وقد اشتكى من أمور قال المدائني: كتب قُتَيبةُ بن مُسلم إلى الحجاج يشكو
قِفةَ مَرْزِثَتِه من الطعام وقلة غِشْيانه النساء وحَصَره على المِنْبر؛ فكتب
إليه: استكْثر في الألوان لتُصِيبَ من كلٌ صَحْفة شيئاً، واستَكْثِر من الطرُوقَة،
تجِدْ بذلك قوةً على ما تُريد، وأنْزِل الناس بمَنْزِلة رجل واحد من أهل بيتك
وخاصتك، وارْم ببصرك أمَامَك تبلُغْ حاجتك.
لبعض الشعراء في
العيّ والبلاغة قال بعض الشعراء:
إن كان في العِيَ
آفاتٌ مُقَدَرَةٌ ... ففي البلاغة آفات تًساوِيها
بين معاوية ورجل تكلم
عنده تكلم رجل عند معاوية فَهذَر، فلما أطال قال: أأسكتُ يا أميرَ المؤمنين؟ قال:
و هل تكلمتَ! في العي واللحن ويقال: أعيا العِيّ بلاغةٌ بِعي، وأقبحُ اللَّحْن
لَحْنٌ بإعراب.
وقال أعرابي: الحظ
للمرء في أذنه، والحظُّ لغيره في لسانه.
ويقال: رب كلمةٍ تقول
دَعْني.
ويقال: الصمتُ أبلغُ
من عِيً ببلاغة.
ونحوه قول الشاعر:
أرى الصمتَ أدْنى
لبعض الصًوَابِ ... وبعض التًكَلم أدنى لعِي
لجعفر البرمكي، وغيره
وقال جعفر البَرْمَكي: إذا كان الإكثارُ أبلغَ كان الإيجازُ تقصيراً، وإذا كان
الإيجازُ كافِياً؛ كان الإكثارُ عياً.
قال ابن السماك:
العربُ تقول: العَيُّ الناطق أعيا من العَي الصامت.
قال أنوشِرْوَان
لبزُرْجِمِهْر: متى يكون العييُ بليغاً؟ فقال: إذا وَصَف حَبِيباً.
قال يُونُس بن حبيب:
ليس لعي مُرُوءةٌ، ولا لمنقوص البيان بَهَاء، ولو بَلَغَ يَأفُوخه أعنانَ ماء.
لبعض الشعراء قال
بعضُ الشعراء:
عَجِبت لإدلال
العَيِي بنفسه ... وصمتِ الذي قد كان بالحق أعلما
وفي الصمت سَتْرٌ
لِلعَمِي وإنما ... صحيفةُ لبَ المَرْءِ أن يتكلَما
لسعيد بن العاص قال
سعيدُ بن العاص: مَوْطِنان لا أسْتَحْيِ عن العِي فيهما: إذا أنا خاطبتُ جاهلاً،
وإذا أنا سألتُ حاجةً لنفسي.
لأعرابي وقد ذكر
رجلاً ويعيا ذكر أعرابي رجلاً يَعْيَا فقال: رأيتُ عَوْراتِ الناس بين أرْجُلِهم،
وعَوْرَةَ فلان بَيْنَ فَكيْه.
وعابَ آخرُ رجلاً
فقال: ذاك من يَتَامَى المَجْلِس، أبلغُ ما يكون في نفسه أعيا ما يكون عند
جُلَسائه.
قال ربيعة الرًّأي:
الساكتُ بين النائِم والأخْرَس.
لأبي مسهر في فضل الكلام
على الصمت تذاكر قوم فضلَ الكلام على الصمت وفضلَ الصمت على الكلام، فقال أبو
مُسْهِر: كلا إن النجْمَ ليس كالقَمَر، إنك تَصِف الصمتَ بالكلام، ولا تَصِفُ
الكلامَ بالصمت.
لسليمان بن عبد الملك
في الكلام وذم قومٌ في مجلس سليمانَ بنِ عبد الملك الكلامَ، فقال سليمان: اللهم
غَفْراً، إن من تكلم فأحْسَنَ قَدر أن يَصْمُت فيُحْسِن؛ وليس مَن صَمَت فأحْسن
قادراً على أن يتكَلم فيُحسن.
لبكر بن عبد الله
ولابن الخطاب في الصمت قال بكرُ بن عبد الله: طول الصمتِ حُبْسَةٌ.
ونحوه قول عُمَر بن
الخطاب: ترك الحركةِ عُقْلَة.
بين نوفل بن مساحق
وامرأته
وكان نَوْفل بن
مُساحِق إذا دخل على امرأته صَمَتَ، وإذا خرج من عندها تكلم؛ فقالت له: أما عندي
فتطْرِق، وأنا عند الناس فتَنْطِق! فقال: أدق عن جَلِيلكِ وتجلينَ عن دقيقي.
من حِكم لقمان وفي
حكمة لقمان: يا بُنَي، قد ندِمتُ على الكلام ولم أنْدمَ على السكوت.
حكاية في فضيلة الصمت
قال ابن إسحاق: النسنَاسُ خَلْق باليَمن لأحدهم عَيْن ويَدٌ ورِجْل يَقْفِز بها،
وأهل اليمن يصطادونهم؛ فخرج قومٌ في صيدهم فَرأوْا ثلاثةَ نَفَر منهم فأدْرَكُوا
واحداً فعَقَرُوه وذَبحوه وتَوَارَى اثنان في الشجَر، فقال الذي ذَبَحه: إنه
لسَمِينٌ. فقال أحدُ الاثنين: إنه أكَلَ ضِرْواً. فأخذوه فذَبَحُوه، فقال الذي
ذَبَحه: ما أنفعَ الصمتَ! قال الثالث: فها أنا الصميتُ، فأخذوه وذبحوه. "
الضرْوُ: حبة الخضراء " .
كان يقال: إذا فَاتَك
الأدب فالزم الصمتَ.
وقال بعضهم: لا يجترئ
على الكلام إلا فَائِقٌ أو مَائِق.
لشاعر يمدح رجلاً
وقاد الشاعر يمدح رجلاً:
صَمُوتٌ إذا ما
الصمتُ زينَ أهلَه ... وفَتًاقُ أبْكارِ الكلام المُخَتَم
لأبي الدرداء في
إنصاف الأذن من الفم قال أبو الدرداء: أنْصِفْ أذُنَيْكَ مِن فِيكَ، فإنما جُعُلَ
لك أذُنَانِ اثنتان، وفَمٌ واحدٌ لتَسْمَعَ أكثرَ مما تقول.
لقشيري في حظ الأذن
واللسان حَضَر قشيري مجلساً من مجالس العرب فأطال الصمتَ، فقال له بعضهم: بحق
سُميتم خُرْسَ العرب. فقال القُشَيْرِيّ: يا أخي، إنّ حظّ الرجل في أذُنه لنفسه، وحظَّه في لسانه لغيره.
لبعض الحكماء في
الصمت وقال بعضُ الحكماء: أكثِرِ الصمتَ ما لم تكن مسؤولاً فإن فَوْت الصواب أيسرُ
من خَطَل القول؛ وإذا نازَعتْك نَفْسُك إلى مراتب القائلين المُصِيبين، فاذكُر ما
دون الصواب من وَجَل الخطأ وفضائح المُقصَرين.
بين الهيثم بن صالح
ورجل تكلم عنده بخطأ تكلم رجلٌ في مجلس الهَيْثم بن صالح بخطأ، فقال له الهيثمُ:
يا هذا، بكلام مثلك رُزِقَ أهلُ الصمت المحبة.
شعر لأبي نواس في
فضيلة الصمت وقال أبو نُوَاس:
خَلَ جَنْبَيْك
لِرَام ... وامْض عَنْهُ بِسَلاَم
مُتْ بداءِ الصَمتِ
خَيْرٌ لكَ من داءِ الكلَام
إنما السالمُ من أل
... جَمَ فاه بِلجَام
وقال آخر:
رأيتُ اللسانَ على
أهله ... إذا ساسه الجهلُ لَيْثاً مغيرا
لمالك بن دينار
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا صاحبٌ لنا عن مالك بن دينار أنه قال: لو
كانت الصحُف من عندنا لأقللنا الكلام.
للأصمعي في تظرف
العربي والفارسي وقال الأصمعي: إذا تظرّفَ العربي كَثُر كلامه، وإذا تظرف الفارسي
كثر سكوته.
لحاتم الطائي قال
حاتم طيء: إذا كان الشيءُ يَكْفِيكَهُ الترْكُ فاتركه.
نصيحة عبد اللّه بن
الحسن لابنه قال عبد الله بن الحسن لابنه: استعن على الكلام بطول الفِكْر في
المَواطن التي تدعوك فيها نفسُكَ إلى القول، فإنّ للقول ساعاتٍ يضُرّ فيها الخطأ
ولا ينفع فيها الصواب.
شعر لإياس بن قتادة
وقال إياس بن قَتَادة:
تُعَاقِبُ أيدينا
ويَحْلم رأينا ... ونَشْتم بالأفعال لا بالتكلُم
بين ابن السماك
وجارية له تكلم ابن السَّمَّاك يوماً وجاريةٌ له تسمع كلامه، فلما دخل إليها قال:
كيف رأيتِ كلامي قالت: ما أحسَنَه لولا أنّك تُكثر تَرْدَاده! قال: أردده حتّى
يَفْهَمَه مَن لم يَفْهَمْه. قالت: إلى أن يَفْهَمه من لم يَفْهَمْه قد ملَه مَن
فَهمه! للمسيح عليه السلام قال عيسى بنُ مَرْيم: مَن كان مَنْطِقُه في غير ذكرٍ فقد
لغا، ومَن كان نظرُه في غير اعتبار فقدسَهَا، ومن كان صَمْته في غير فكرٍ فقد لها.
العباس بن زفر وجرير
كان العباس بن زُفَر لا يُكلم أحداً حتى تَنْبسطَ الشمس، فإذا انْفَتَل عن صلاته
ضَرَب الأعناق وقَطَع الأيدي والأرْجل. وكان جَرِير لا يتكلم حتى تبزُغَ الشمس،
فإذا بَزَغت قَذفَ المُحْصَنَات.
من التوراة قال
قَتَادة: مكتوب في التّوراة: لا يُعاد الحديث مرتين.
للزهري قال
الزُهْرِيُ: إعادة الحديث أشدُّ من وَقْع الصَخْر.
من كتاب للعجم
وفي كتب العجم: أن
أربعةً من الملوك اجتمعوا فقالوا كلُهم كلمةً واحدةً كأنها رمية بسهم: ملك فارس،
وملك الهند، وملك الروم، وملك الصين. قال أحدهم: إذا تكلمت بالكلمة مَلَكَتْني ولم
أمْلِكها. وقال آخِر: قد نَدِمتُ على ما قلتُ ولم أنْدَم على ما لم أقُل. وقال
آخر: أنا على رد ما لم أقل أقدرُ مني على رد ما قلتُ. وقال آخر: ما حاجتي إلى أن
أتكلّم بكلمة، إن وقعتْ عليّ ضرْتني، وإن لم تقع علي لم تنفعني.
لزبيد اليامي في كلمة
لابن مسعود قال زُبَيْد الياميّ: أسكتتني كلمةُ ابن مسعود عشرين سنة: مَنْ كان
كلامه لا يوافق فعلَه فإنما يُوَبخ نفسه.
من كتاب كليلة ودمنة
وفي كتاب كليلة ودمنة: ثلاثة يؤمرون بالسكوت: الراقي في جبل طويل، وآكل السمك.
والمُرَوَي في الأمر الجسيم.
لبعض الشعراء قال بعض
الشعراء:
قد أفلح السالمُ
الصَّمُوتُ ... كلامُ واعي الكلام قوتُ
ما كل نطْقٍ لهُ
جوابٌ ... جوابُ ما يُكرهُ السكوتُ
يا عجباً لامرئ
ظَلُومٍ ... مُستيقِن أنهُ يموتُ
للأحنف في مجلس
معاوية بلغني عن أبي أسامة عن ابن عَوْن عن الحسن قال: جلسوا عند معاوية فتكلموا
وصَمَتَ الأحنف فقال معاوية: يا أبا بَحْر، ما لك لا تتكلم، قال: أخافُكم إن
صَدَقْتُكم، وأخاف اللّه إن كذبت لابن عباس حدّثني محمد بنُ داود قال: حدّثنا
الحُمَيديّ قال: حدثنا أبو الحَكَم مَرْوان بن عبد الواحد عن موسى بن أبي درهمِ عن
وهب بن منبه قاد: قال ابن عبّاس: كفىِ بك ظالِماً ألا تزالَ خَاصِماً، وكفى بك
آثماَ ألّا تَزال مُمَارِياً، وكفى بك كاذباً ألّا تزال مُحدَثاَ بغير ذكر الله
تعالى.
شعر في عثرة اللسان
وقال بعضهم:
يَمُوتُ الفتى من
عَثْرةٍ بلسانِهِ ... وليس يموتُ المرءُ من عَثْرة الرِّجْل
فعثرتُه من فِيهِ
تَرْمِي برأسهِ ... وعثرتُه بالرجْل تَبْرا على مَهْل
لبعض الحكماء في صفة
البلاغة سُئِل بعضُ الحكماء عن البلاغة، فقال: من أخذ معاني كثيرة فأداها بألفاظ
قليلة، أو أخذ معانيَ قليلةً فوَلّد فيها ألفاظاً كثيرة.
بلغني عن أبي إسحاق
الفَزَاري قال: كان إبراهيمُ يُطِيل السكوتَ، فإذا تكلمِ انبسط فقلت له ذاتَ يوم:
لو تكلمتَ! فقال: الكلام على أربعة وُجُوه، فمنه كلام ترجو منفعته وتَخْشم
عاقبَتُه، فالفضلُ منه السلامةُ؛ ومنه كلام لا ترجو منفعتَه ولا تخشى عاقبتَه،
فأقلُّ ما لَكَ في تركه خِفة المَؤُونة على بَدَنك ولسانك؛ ومنه كلامٌ لا ترجو
منفعتَه وتخشى عاقبته، وهذا هو الدَّاء العُضال؛ ومن الكلام كلام ترجو منفعته
وتَأمَنُ عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نَشْره. قال: فإن هو قد أسقط ثلاثَةَ أرباع الكلام.
الاستدلال بالعين
والإشارة والنُّصبة
يقال: رب طرف من لسان
قال أعرابي:
إن كاتمونا القلى نمت
عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف
وقال آخر:
إذا قلوب أظهرت غير
ما ... تضمره أنبتك عنها العيون
آخر:
أما تبصر في عين ...
ي عنوان الذي أبدي
شعر لذي الرُّمة وقال
ذو الرُمة:
نَعَمْ هاجت الأطلالُ
شَوْقاً كَفَى به ... من الشًوقِ إلا أنهُ غيرُ ظاهِر
فما زِلْتُ أطْوِي
النفسَ حتى كأنًها ... بِذِي الرمْثِ لَمِ تخطر على بال ذَاكِر
حَيَاءً وإشْفاقاً من
الرَّكْبِ أن يَرَوْا ... دليَلاً على مُستوْدَعات الضمائرِ
للحارثي يذكر ميتاً
وقال الحارثي يذكُر ميتاً:
أتيناه زوَاراً
فأمجدَنا قِرى ... من البَث والدًاءِ الدَخيل المُخَامِرِ
وأوسَعَنا عِلْماً
برد جوابِنا ... فأعْجِبْ به من ناطقٍ لم يُحَاوِرِ
ومثل هذا قولُ
القائل: سَل الأرضَ فقل لها: من شَق أنهارَكِ، وغَرَس أشجارَكِ، وجَنَى ثِمَارَكِ،
فإن لم تُجِبك حِوَاراً، أجابتْك اعتبارا.
لأبي العتاهية قال
أبو العتَاهِيَة:
وللقَلْبِ على القلبِ
... دليلٌ حين يَلْقاهُ
وللناس من الناس ...
مقاييس وأشباهُ
يُقاسُ المرءُ
بالمرءِ ... إذا ما هو ماشاهُ
وفي العين غِنًى للعي
... ن أن تَنْطِق أفواهُ
الشعريقال: خيرُ
الشَعْر ما رَوًاك نفسَهُ.
ويقال: خيرُ الشعر
الحَوْلِي المُنقَح المُحَكًك.
لأعرابي وقد سمع
رجلاً ينشد شعراً لنفسه سَمِع أعرابي رجلاً يُنشِد شِعْراً لنفسه، فقال: كيف
تَرَى؟ قال: سُكر لا حَلاوةَ له لبعض علماء اللغة قيل لبعض علماء اللغة: أرأيتَ
الشاعرين يجتمعان على المعنى الواحد في لفظ واحد؟ فقال: عُقول رجالٍ تَوَافت على
ألسنتها.
شعر لبشار يصف نفسه
قال بَشّار يَصِف نفسَه:
زَوْرُ مُلوكٍ عليه
ابَّهَةٌ ... يُعرفُ من شِعره ومن خُطَبِهْ.
لله ما راح في
جَوَانحهِ ... من لُؤْلُؤ لا يُنام عن طَلبِهْ
يَخرُجْن من فيه في
النَدي ... كما يِخرُج ضوءُ السراج من لَهَبِهْ
ترنُو إليه الحُداثُ
غاديةً ... ولا تَمَلُّ الحديثَ من عَجَبِهْ
تِلْعَابةٌ تَعكُفُ
الملوكُ به ... تأخذ من جِده ومن لَعِبِهْ
يَزدحِمُ الناس كلً
شارقةٍ ... ببابه مُسرعينَ في أدبِهْ
للطائي يذكر الشعر
وقال الطائي يذكر الشعر:
إن القَوافِيَ
والمَسَاعِيَ لم تَزَلْ ... مِثلَ النًظَام إذا أصابَ فَريدا
من أجل ذلك كانتِ
العربُ الألَى ... يَدْعُون هذا سُؤْدداً مَجْمُودا
وتَنِد عندهمُ العُلا
إلا عُلاً ... جُعلت لها مِرَرُ القَرِيض قُيُودا
وقال أيضاً:
ولم أر كالمعروف
تُدْعَى حًقوقُه ... مغارِمَ في الأقوام وهي مَغانِمُ
وإنّ العُلاَ ما لم
تَر الشعر بينها ... لكالأرض غُفْلاً ليس فيها مَعَالِمُ
وما هو إلا القولُ
يَسْرِي فيغتدِي ... له غُرَرٌ في أوجهٍ ومَواسِمُ
يرى حكْمةً ما فيه
وهو فُكَاهةٌ ... ويُقْضَى لما يَقْضي له وهو ظالمُ
ولولا خِلالٌ سَنَها
الشعرُ ما دَرَى ... بُغاةُ العُلاَ من أينَ تُؤْتَى المكارمُ
ولآل عُمر بن لَجأ
لبعض الشعراء: أنا أشعرُ منك؛ قال: ولمَ ذاكَ. قال: لأنَي أقولُ البيتَ وأخاه،
ولأنك تقول البيتَ وابن عفَه.
لعقيل بن علفة قيل
لعَقِيل بن عُلَفة: ألا تُطِيل الهِجَاء. فقال: يَكفِيك من القِلاَعة ما أحاط
بالعُنُق. وقال بعضُهم: خيرُ الشِّعر المُطْمِع.
لكًثير إذا عَسُر
عليه قول الشعر قيل لكًثَير: يا أبا صَخْر، كيف تصنع إذا عسر عليك قولُ الشعر.
قال: أطوف بالرِّباع المُخْلِيَة والرياض المُعشِبة، فيسهُل عليّ أرْصَنُه وشُرع
إليّ أحسنُه.
ويقال: إنه لم
يُستَدْعَ شارِدُ الشعر بمثل الماء الجاري، والشَّرَف العالي، والمكان الخَضِر
الخالي أو الحالي.
بين عبد الملك بن
مروان وأرطأة بن سُهَيّة وقال عبدُ الملك بن مَرْوان لأرْطَاةَ بنِ سُهَيّة: هل
تقول الآن شعراً. قال: ما أشرَب، ولا أطْرَب، ولا أغْضَب؛ وإنما يكون الشعر بواحدة
من هذه.
لكُثيّر عزّة وقيل لكُثَيِّر:
ما بَقِيَ من شِعرك. فقال: ماتت عَزّة فما أطرب، وذهب الشَبَابُ فما أعْجَب، ومات
ابن لَيْلَى فما أرغَب - يعني عبدَ العزيز بن مَرْوان - وإنما الشعر بهذه الخِلالَ.
لبعضهم في أشعر الناس
وقيل لبعضهم: من أشعرُ الناس؟ فقال: امرؤُ القيس إذا رَكِب، والنابغة إذا رَهِب،
وزهير إذا رَغِب، والأعشى إذا طَرِب.
للعجاج في عدم إحسانه
الهجاء وقيل للعجّاج: إنك لا تُحسِن الهجاء. فقال: إن لنا أحلاماً تمنعًنا من أن نَظْلِمَ، وأحساب
تمنعُنا من أن نُظْلَمَ، وهل رأيتَ بانِياً لا يُحسِن أن يَهْدِم!.
للمؤلف في وصف الشعر
وقلتُ في وصف الشَعر:
الشعر مَعْدِنُ عِلْم العرب، وسِفْرُ حِكمتِها، وديوان أخبارها، ومستَوْدعُ
أيامها، والسُورُ المضروبُ على مآثرها، والخَندَقُ المحجوزُ على مفاخرها، والشاهدُ
العَدْلُ يومَ النَفار، والحُجةُ القاطِعةُ عند الخِصَام؛ ومن لم يقم عندهم على
شَرَفه وما يدَّعِيه لسلفه من المناقب الكريمة والفَعَال الحميد بيت منه، شَدَّتَ
مَساعيه وإن كانت مشهورة، ودرسَت على مُرور الأيّام وإن كانت جِساماً؛ ومن قيدها
بقوافي الشعر، وأوثقها بأوزانه، وأشهَرها بالبيت النادر، والمَثَل السائر، والمعنى
اللطيف، أخلدها على الدهر، وأخلصها من الجَحْد، ورفع عنها كَيْدَ العُدو وغض عينَ
الحسود.
وما جاء في الشعر
كثير. وقد أفردتُ للشعراء كتاباً، وللشعر باباً طويلاً في كتاب العرب.
وذكرت هذه النُتْفَةَ
في هذا الكتاب كراهِيَةَ أن أخْلِيَه من فَنٍّ من الفنون.
حُسن التشبيه في
الشِعر
لابن الزبير الأسدي
في وصف الثريا من ذلك قولُ ابن الزَبِير الأسَديّ في الثُّرَيّا:
وقد لاح في الغَوْر
الثرَيّا كأنما ... به راية بيضاءُ تَخْفِقُ للطعْنِ
شبه الثُّرَيّا حين
تدلت للمَغِيب براية بيضاء تخفق للطعن.
لعنترة في الذباب ومن
ذلك قولُ عنترةَ في الذُبَاب:
وخَلاَ الذُبابُ بها
فليس بنازِحٍ ... هَزِجاً كفِعْل الشارِبِ المُنَرَنَم
غَرِداً يَحُك
ذِرَاعَه بذرَاعِهِ ... فِعْلَ المُكِب على الزَناد الأجْذَم
شبًه حكه يده بيده
برَجُل مقطوع الكفَين يَقْدَح النار بعُودَيْن.
ولأعرابي في العنب
ومن ذلك قولُ أعرابي في العِنَب:
يَحْمِلْنَ أوعِيَةَ
السُلافِ كأنّما ... يَحْمِلْنها بأكارع النَغْرَانِ
أوعية السلاف: العنب،
جعله ظرفاً للخمر، وشبه شُعَب العناقيد التي تَحمِل الحب بأرجل النغران. "
والنغَرُ: طائلاً مثل العصفور أحمر المِنْقار " .
لآخر وقال الآخر،
وكان غَشِي عَيْنَيْه بياضٌ أو نَزَل فيهما ماءٌ :
يقولون مَاء طيِّبٌ
خان عينهُ ... وما ماءُ سُوءٍ خان عَيْني بطيبِ
ولكنّه أزمانَ أنظُرُ
طيب ... بعَيْنَيْ غدا فيٍّ علا فوق مَرْقَب
كأن ابن حَجْلٍ مَد
فضلَ جَناحِه ... على ماء إنسانَيْهِما المُتَغَيِّبَ
شبّه ما علا الحَدَقة
بجَناح من فِرَاخ الزنابير قد مدَ على ناظره.
لامرئ القيس في
العقاب ومن ذلك قولُ امرئ القيس وذكر العُقَاب:
كأن قلوبَ الطير
رطباً ويابساً ... لَدَى وَكْرِها العُنّاب والحَشَفُ البالي
شبه الرطْب
بالعُنّاب، واليابس بالحَشَف. وشبّه شيئين بشيئين في بيت واحد.
ولأوس بن حجر وذَكَر
السيف ومن ذلك قولُ أوْس بن حَجَر وذَكَر السيف:
كانّ مَدَب النمل
يلتمِسُ الرُبَى ... ومَدْرَج ذَرٍّ خاف بَرْداً فأسهلا
شبه فِرِندَ السيف
بمدرج الذر ومدبّ النمل.
لأبي نواس في البازي
ومن ذلك قولُ أبي نُوَاس في البازيّ:
ومَنْسِر أكْلَفُ فيه
شَغاً ... كأنّه عَقْدُ ثَمَانينا
لأعرابي في امرأة ومن
ذلك قولُ أعرابيٍّ في امرأة:
قامت تَصَدَى له
عَمْداً لتقتُلَه ... فلم يَرَ الناس وَجْداً مثلَ ما وَجَدا
بجِيد آدَمَ لم تُعقد
قلائِده ... ونَاهِدٍ مثل قَلْب الظَّبِيْ ما نَهَدا
فظل كالحائِم
الهَيْمَانِ ليس له ... صَبْر ولا يَأمَنُ الأعداءَ إن وَرَدا
شبه ثَدْيَها في
نُهوده بقلب الظبي في صلابته، ولا نعلم أحداً شبه الثّدْي بقلب الظَّبْي غيره.
مثله لجحمر العُكْلي
ومن ذلك قولُ جِحْمر العُكْلي في امرأة:
على قَدَمٍ مكنونة
اللونِ رَخْصَةٍ ... وكَعْب كَذِفْرَى جُؤْذُر الرَّمْل أدرَمَا
شبّه كعبها بأصل أذُن
الجُؤْذُر، وهو الصغير من أولاد البقر.
حميد بن ثور يصف فرخ
القطاة ومن ذلك قول حُمَيد بنِ ثَوْر يصف فَرْخ القطاة:
كانً على أشداقهِ
نَوْرَ حَنْوَةٍ ... إذا هو مَذَ الجِيدَ منه لَيطْعَمَا
دعبل يهجو امرأة ومن
ذلك قول دِعْبل يهجو امرأة:
كأن الثآلِيلَ في
وجهها ... إذا سَفَرَتْ بِدَدُ الكِشْمِش
لها شَعْرُ قِرْدٍ
إذا ازيَنتْ ... ووجهٌ كبَيْض القَطَا الأبْرَش
لأبي نواس يصف البط
ومن ذلك قولُ أبي نُوَاس في وصف البطّ:
كأنّما يَصْفِرْنَ من
مَلاَعق
لبعضهم في جارية
سوداء ومن ذلك قولُ بعض الرجّاز في جارية سوداء:
كأنّها والكُحْلُ في
مِرْوَدِها ... تَكْحُلُ عينيها ببعض جِلْدِها
للجعدي في فرس ومن
ذلك قولُ الجَعْدِيّ في فرس:
خِيطَ على زَفْرَةٍ
فَتَمّ ولم ... يَرْجعْ إلى دِقَةٍ ولا هَضَمَ
يقول: هو منتفِخ
الجَنْبَيْن، فكأنه زَفَر فانتفخ جنباه ثم خِيطَ على ذلك.
للطرماح في الثور
ومن ذلك قول
الطِّرِمّاح يصف الثوْر:
يَبْدو وتُضمِره
البلاد كأنهُ ... سيفٌ على شَرَف يُسَل ويُغْمَدُ
قول النابغة للنعمان
ومن ذلك قول النابغة للنُعمان:
فإنَك كالليل الذي هو
مُدْرِكِي ... وإنْ خِلتُ أن المُنْتأى عنك واسِعُ
وللنابغة أيضاً في
المرأة ومن ذلك قولُه في المرأة:
نَظَرتْ إليك بحاجةٍ
لم تَقْضِها ... نَظَرَ المريض إلى وجوه العُودِ
يقول: نظرْت إليك ولم
تَقْدِر أن تتكلم، كما ينظُر المريضُ إلى وجُوه عُواده ولا يَقْدِر أن يُكلَمهم.
لطرفة بن العبد ومن
ذلك قولُ طَرَفَة:
لعمرُكَ إنّ الموتَ
ما أخطأ الفَتَى ... لَكَالطَوَل المُرْخَى وثنْيَاهُ باليَدِ
لبعض الضبيين يصف
أباريق الثرب
ومن ذلك قول بعضِ
الضَّبِئين يصف أباريق الشَّرَاب:
كأنّ أباريقَ
الشَمُول عَشِيةً ... إوَزٌ بأعْلَى الطَف عوجُ الحناجر
لأبي الهندي ونحوه
قولُ أبي الهنديّ:
سَيُغْني أبَا
الهِنْدِي عن وَطْبِ سالم ... أباريقُ لم يَعْلَقْ بها وَضَرُ الزُبْدِ
مُقدَمَة قَزًّا كأنَ
رِقَابَها ... رِقَابُ بَناتِ الماءِ تَفْزَعً للرًعْد
لنُصَيب في عبد
العزيز بن مروان ومن ذلك قولُ نُصَيب في عبد العزيز بن مَرْوان:
وكلبُك آنسُ
بالمُعْتفِين ... من الأمِّ بابنتِها الزائِرْه
لعدي بن الرفاع في
ظبية
ومن ذلك قولُ عَلِي
بن الرِّقاع في الظبية:
تُزْجِي أغنّ كأن
إِبْرَة رَوقِه ... قلم أصاب من الحًواة مِدَادَها
ومن ذلك قولُ بشار:
كأن مُثَار النَقْع
فوق رُؤوسِهم ... وأسيافَنَا ليلٌ تَهَاوى كواكِبُهْ
ومنِ ذلك قولُه:
جَفتْ عيني عن
التَغْمِيض حتّى ... كأنّ جُفونَها عنها قِصَارُ
ومن ذلك قولُ الآخر:
ومولًى كأنّ الشمسَ
بيني وبينه ... إذا ما التقينا ليس ممن أعاتبُهْ
يقول: لا أقْدِرُ على
النظر إليه من بُغْضه، فكأن الشمس بيني وبينه.
ومن ذلك قولُ الآخر:
كأن نيرانَهم في كل
مَنْزِلةٍ ... مُصًبّغَاتٌ على أرسانِ قَصارِ
الناس يَستحسنون هذا،
وأنا أرَى أن أقول: الأولى أن يُشبه المُصبَّغات بالنيران، لا النيران بالمصبغات.
الأبيات التي لا
مِثْلَ لها
حدثني أبو الخطاب
قال: حدّثنا مُعْتَمر عن لَيْث عن طاوس عن ابن عباس قال: إنّها كلمة نبي.
سَتُبدي لك الأيامُ
ما كنتَ جاهلاً ... ويأتِيكَ بالأخبار من لم تُزَوَد
أبرع بيت قالته العرب
حدثني الرياشيّ عن الأصمعي قال: أبرعُ بيت قالته العرب قولُ أبي ذُؤَيب:
والنفسُ راغبة إذا
رغَّبتَها ... وإذا تُرَد إلى قليل تَقْنَعُ
لحميد بن ثور الهلالي
في الكِبَر: وأحسن ما قيل في الكِبَر قولُ حُمَيْد بن ثَوْر الهِلالي:
أرَى بَصرِي قد
رَابَني بعد صِحةٍ ... وحسبُك داءً أن تَصِح وتَسْلَما
لأوس بن حجر وأحسن
مَن ابتدأ مرثية أوس بن حَجَر في قوله:
أيتُها النفسُ
أجْمِلي جَزَعا ... إن الذي تَكْرَهِين قد وَقَعا
للنابغة وأغرب مَن
ابتدأ قصيدة النابغةُ في قوله:
كِلينِي لِهَمٍّ يا
أميمة ناصِبٍ ... وليلٍ أقاسِيهِ بَطِيءِ الكواكبِ
أحسن بيت قيل في
الجبن لنهشل بن حري حدّثني الخَثْعَمِيّ الشاعر قال: أحسنُ بيتٍ قيل في الجُبْن
قولُ نَهْشَل بن حَري:
فلو كان لي نفسان
كنتُ مُقاتلاً ... بإحداهما حتى تَموتَ وأسلما
وفي قساوة القلب قال:
وبيت المُخبَّل في قَساوة القلب:
يُبْكَى علينا ولا
نَبْكِي على أحدٍ ... لنحنُ أغلظُ أكباداً من الإبلَ
وفي الاستعفاف قال:
وبيت عَبِيد في الاستعفاف:
مَنْ يسأل الناسَ
يَحْرِمُوه ... وسَائِلُ الله لا يَخِيبُ
في الاحتفاظ المال
لمنجوف بن مرة قال: وبيت مَنْجوف بن مُرّة السلمي في الاحتفاظ بالمال:
وأدفعُ عن مالي
الحقوقَ وإنَهُ ... لجٌم فإنّ الدهرَ جَم مصائبُهْ
وفي إكرام النفس
للحطيئة قال: وبيت الحُطَيئة في إكرام النفس:
واكرِمُ نفسي اليومَ
عن سُوء طعْمَةٍ ... ويَقْنَي الحياءَ المرء والرمحُ شاجِرُه
لكعب في الإقدام قال:
وقول كعب في الإقدام:
نَصِلُ السيوفَ إذا
قَصًرْنَ بخَطْوِنَا ... قُدماً ونُلْحِقُها إذا لم تَلْحَقِ
ولعمر بن الإطنابة في
الصبر قال: وبيت عمرو بن الإطْنابة في الصبر:
وقَوْلِي كُلَما
جَشَأتْ وجاشت ... مكانَكِ تُحْمَدي أو تَستريحي
لقَطَري بن الفُجَاءة
وأحسن من هذا عندي قول قطَرِيّ:
وقَوْلي كلما جَشَأتْ
لنفسي ... من الأبطال وَيْحَكِ لا تُرَاعِي
فإنكِ لو سألته بقاء
يومٍ ... على الأجَل الذي لكِ لم تُطَاعِي
لمسكين الدارمي في
الجود قال: وبيت مِسكين الدارِميّ في الجُود:
طَعَامي طَعَام
الضَيفِ والرَّحْلُ رَحْلُهُ ... ولم يُلْهِني عنه الغزالُ المُقَنَّعُ
ومثله في حسن الجوار
قال: وفي حسن الجِوَار قوله:
ناري ونارُ الجارِ
واحدة ... وإليه قبلي تُنْزَلُ القدار
ما ضر جاراً لي
أجاوِرُه ... ألّا يكونَ لبابه سِتْرُ
لجميل قال: وممن رضي
بالقليل جَمِيل، قال:
أقلَب طَرْفي في
السماء لعلَهُ ... يُوافقُ طرْفي طرَفها حين تَنْظُرُ
وقول الآخر:
أليس الليلُ يُلْبِس
أم عَمْرو ... وإيّانا فذاك بنا تَدَانِي
تَرَى وَضَحَ النهار
كما أراهُ ... ويعلوها النهار كما علاني
لعمر بن كلثوم في
الجهل قال: وبيت عمرو بن كلْثُوم في الجهل:
ألا لا يَجْهَلَنْ
أحدٌ علينا ... فنَجْهَل فوق جهل الجاهلينا
وللنابغة في ترك
الإلحاح قال: وبيت النابغة في ترك الإلحاح :
فاستبق وُدَكَ للصديق
ولا تكن ... قَتَباً يَعضُ بغَارِبٍ مِلْحَاحا
للمهلهل في إدراك
الثأر قال: وفي إدراك الثأر قول مُهَلْهِل:
لقد قتلتُ بني بَكْرٍ
بربهِمُ ... حتى بكيتُ وما يَبْكِي لهم أحدُ
لعروة بن الورد في
تبليغ العذر في الطلب قال: وبيت عْرْوة بن الوَرْد في تبليغ العذر في الطلب:
لِتُبْلِغَ عُذْراً
أو تُفِيدَ غنيمةً ... ومُبلِغْ نفس عُذْرَها مثلُ مُنْجِح
لجميل في إنفاق المال
والتوكل على اللّه تعالى قال: وبيت جميل في إنفاق المال والتوكل على الله تعالى:
كُلُوا اليومَ من رزق
الإله وأَبْشِرُوا ... فإنّ على الرحمن رِزْقَكُمُ غدا
للعباس بن مرداس في
الشجاعة قال: وفي الشجاعة قول العباس بن مِرْدَاس:
أشُدُّ على الكَتِيبة
لا ابالِي ... أحَتْفِي كان فيها أم سِواها
للمتلمس في المال
قال: وبيت المتلمّس في المال وتثميره:
قليلُ المال تُصلحه
فيَبْقَى ... ولا يبقى الكثيرُ على الفسادِ
أهجى بيت: للطرماح في
تميم وأخبرنا دِعْبِل بن عليّ الشاعر قال: أهجى بيتٍ قيل قولُ الطَرمَّاح في تميم:
تميمٌ بطُرْقِ
اللُّؤْم أهدَى من القَطَا ... ولو سَلَكتْ طُرْقَ المكارِم ضَلَّتِ
وللأخطل قال: وكذلك
قولُ الأخْطَل:
قوم إذا استنْبَحَ
الأضيافُ كلبَهُمُ ... قالوا لامِّهمُ بُولي على النارِ
قول الحطيئة للزبرقان
في قصر الهمّة قال غيره: وقولُ الطِّرِمّاح في القِلّة والخُمول:
دَع المكارِمَ
تَرْحَلْ لِبُغيتها ... واقعُدْ فإنّك أنت الطاعِمُ الكاسِي
وللطرماح في القلة
والخمول
=======================
ج4.
كتاب : عيون الأخبار
المؤلف : ابن قتيبة
الدينوري
قال غيره: وقولُ
الطَرِمّاح في القِلّة والخُمول:
لو كان يَخْفَى على
الرَّحمن خافيةٌ ... من خَلْفِه خَفِيَتْ عنهُ بَنُو أسَدِ
ونحوه قولُ الآخر:
وأنت مَلِيح كلحم
الحُوَا ... رِ لا أنت حُلْوٌ ولا أنت مُرّ
وكذلك قولُ جَريرٍ في
التَّيم:
وأنّك لو رأيتَ عبيد
تَيْم ... وتَيْماً قلتَ أيُّهما العبيدُ
ويُقْضَى الأمرُ حينَ
تَغِيبَ تيمٌ ... ولا يُسْتَأذَنُون وهم شُهُودُ
أحسن ما قيل في
الهيبة شعراً وأحسن ما قيل في الهيبة:
يُغْضِي حَيَاءً
وُيغضى من مَهَابته ... فما يُكًلّمُ إلا حين يبتسِمُ
لمحمد بن أبي حمزة في
مصلوب وأغرب ما قيل في مصلوبٍ قولُ محمد بن أبي حَمْزة مَوْلَى الأنصار:
لَعَمْرِي لئن أصبحتَ
فوقَ مُشَذبٍ ... طَوِيلٍ تُعَفَيكَ الرياحُ مع القَطْرِ
لقد عِشْتَ مبسوطَ
اليدين مُرَزَأً ... وعُوفيتَ عند الموت من ضغطة القبر
وأفْلِتَ من ضِيق
التُراب وغَمه ... ولم تَفْقَدِ الدنيا فهل لك من شكر
لأعرابي في مجوسي
وأغرب ما قيل في مجوسيٍّ قول أعرابيّ:
شَهِدْتُ عليك بطِيبِ
المُشَاش ... وأنَّك بحر جَوادٌ خِضَم
وأنَّك سيدُ أهل
الجَحيم ... إذا ما تَرَدَّيْتَ فيمن ظَلَمْ
لإبراهيم بن إسماعيل
في دعي ومن أغرب ما قيل في دَعِي قولُ إبراهيم بن إسماعيل البنوي:
لو أنّ مَوْتَى تميم
كلّها نْشِرُوا ... وأثبتوك لقيل الأمرُ مصنوعُ
مثل الجديدِ إذا ما
زِيدَ في خَلَقٍ ... تَبَين الناسُ أن الثوبَ مرقوعُ
ونحوه قولُ الآخر:
أجارتَنا بَانَ
الخَلِيطُ فأَبشِري ... فما العَيْشُ إلا أن يَبِين خليطُ
أعاتبُه في عِرْضِه
ليصونَه ... ولا عِلْمَ لي أن الأميرَ لقِيطُ
لدعبل في مالك بن طوق
ونحوه قولُ دِعْبِل في مالك بن طَوْق:
الناسُ كلًهُمُ يسعَى
لحَاجته ... ما بين ذِي فَرَح منهم ومَهْموم
ومالك ظَل مشغولًا
بنِسْبته ... يَرُم منها خَرَاباً غيرَ مَرْموم
يبني بيوتاً خراباً
لا أنيسَ بها ... ما بين طَوْقٍ إلى عَمْرو بن كُلْثوم
التلطُّف في الكلام
والجواب وحسن التعريض
بين معاوية وعقيل بن
أبي طالب حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: ترك عَقِيل عليَاً وذهب إلى مُعاوية،
فقال معاوية: يا أهل الشأم، ما ظنكم برجلٍ لم يصلُحْ لأخيه. فقال عَقِيل: يا أهل
الشأم، إن أخي خيرٌ لنفسه وشر لي، وإن مُعاوية شر لنفسه وخير لي.
قال: وقال مُعاوية
يوماً: يا أهل الشأم، إن عمّ هذا أبو لَهَب. فقال عَقيل: يا أهل الشأم، إن عمة هذا
حَمَالة الحَطَب. وكانت أمّ جميل امرأة أبي لهب وهي بنت حَرْب.
بين عبيد الله بن
زياد وقيس بن عباد وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا أبو هِلاَل عن قَتَادة
قال: قال عُبَيد الله ابن زِيَر لقَيس بن عَبّاد: ما تقول فيّ وفي الحسين. فقال:
أعفِني أعفاك الله! فقال: لَتَقُولَن. قال: يجيء أبوه يوم القيامة فيشفَعَ له،
ويجيء أبوك فيشفَع لك. قال: قد علمتُ غِشّك وخُبْثك، لئن فارقتني يوماً لأضَعَنّ
بالأرض أكثَرك شَعْراً.
لميمون بن مهران قيل
لمَيْمُون بن مِهْران: كيف رِضَاك عن عبد الأعلى؟ قال: نِعْمَ المرء عمرُو بن
ميمون.
بين عمر بن الخطاب
وعبد اللّه بن الزبير مر عمر بن الخطّاب بالصبيان وفيهم عبد الله بن الزبير،
ففرّوا ووقف؛ فقال له عمر: ما لك لم تَفِر مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم
أجْرِم فأخافَك، ولم يكن بالطريق ضِيق فأوسعَ لك.
جواب رجل لعبد الله
بن طاهر حدّثني الفضلُ بن محمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة قال: قال عبد الله
بن طاهر ذاتَ يوم لرجل أمره بعمل: احذر أن تخطئ فأعاقَبك بكذا " لأمر عظيم
" قلت له: أيها الأمير؛ كانت هذه عقوبتَه على الخطأ فما ثوابُه على الإصابة!.
بين قرشي وتغلبي
رأى رجل من قريش
رجلاً له هيئةٌ رَثَّة، فسأل عنه، فقالوا: مِنْ تَغْلِب. فوقف له وهو يطوف بالبيت،
فقال له: أرى رِجْلين قَلّما وطئتا البطحاء، فقال له: البطحاوات ثلاث: بطحاء الجزيرة، وهي لي عونك؛ وبطحاء ذي قار ، وأنا
أحقُّ بها منك؛ وهذه البطحاء وسواء العاكفُ فيه والبادي.
بين معاوية وعبد الرحمن
بن حسان حدثني سَهْل عن الأصمعيّ عن أبي عَمْرو بن العلاء أو غيره: أنّ
معاوية عَرَض فرساً على عبد الرحمن بن حَسّان فقال: كيف تراه؟ قال: أراه
أجَشَّ هَزيماً.
يريد قول النجاشِيّ:
ونَجَّى ابن حَرْبٍ
سابحٌ ذُو علَالةٍ ... أجشُ هَزِيمٌ والرماحُ دَوَانِي
بين أبي بكر وطلحة بن
عبيد الله حدّثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو سَلَمة عن حمَاد بن سلمة قال:
أخبرنا داود بن أبي هند عن محمد بن عَبَّاد المخزومي أن قريشاً قالت: قيِّضُوا
لأبي بكر رجلاًَ يأخذه. فقيضوا له طَلْحَة بن عُبيد الله، فأتاه وهو في القوم
فقال: يا أبا بكر قم إليّ. قال: إلامَ تدعوني؟ قال: أدعوك إلى عبادة اللات والعُزَّى. قال أبو بكر:
مَنِ الَّلات. قال: بناتُ اللّه. قال: فمن أمّهم. فسكت طلحة وقال لأصحابه: أجيبوا
صاحبَكم. فسكتوا؛ فقال طلحة: قم يا أبا بكر، فإني أشْهد أن لا إلهَ إلا الله وأشهد
أنّ محمداً رسولُ الله. فأخذ أبو بكر بيده فأتى به النبيَّ صلى الله عليه وسلم
فأسلم.
بين عمر ورجل عن
قندابيل حدثني محمد بن عُبَيد عن مُعاوية عن أبي إسحاق عن عًبيد اللّه بن عمر أنّ
عمر قال: كل يُخبرنا عن قَنْدَابِيل؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين، ماؤها وَشَل،
وتمرُها دَقَل، ولصها بَطَل؛ إن كان بها الكثيرُ جاعوا، وإن كان بها القليلُ ضاعوا.
قال عمر: لا يسألني الله عن أحدٍ بعثته إليها أبداً.
بين مسروق وشريح في
مرض زياد حدّثني أبو حاتم قال حدثنا الأصمعيّ قال: مَرِض زِيادٌ فدخل عليه
شُرَيْح، فلما خرج بعث إليه مسروقُ بن الأجدع يسأله كيف تركتَ الأمير؟ قال: تركته
يأمر ويَنْهَى. فقال مسروق، : إن شُرَيحاً صاحبُ تعريض فسَلُوه. فسألوه، قال:
تركته يأمر بالوصيّة وينَهم عن البكاء.
ولابن شريح أيضاً في
موت ابنه ومات ابن لشُرَيح ولم يشعرُ به أحدٌ، فغدا عليه قوم يسألون به، وقالوا:
كيف أصبح من تَصِل يا أبا أميّة. فقال: الآن سكن عَلَزُه ورجاه أهلُه.
حدّثني أبو حاتم عن
الأصمعيّ قال: حدّثني بعض الأعراب قال: هَوِيَ رجلٌ امرأة ثم تزوّجها، فأهدَى
إليها ثلاثين شاةً وزِقّا من خَمْر، فشرِب الرسولُ في الطريق بعضَ الخمر وذبح
شاةً؛ فقالت للرسول لمّا أراد الانصراف: اقرأ على مولاك السلام، وقل له إنّ شهرنا
نَقَص يوماً وإن سُحَيْما راعي شائِناً أتانا مرثوماً. فلما أتى مولاه فأخبره ضربه
حتى أقرِّ.
لأعرابي خطب إلى قوم
ثم كره ذلك حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: خَطَب أعرابي إلى قوم، فقالوا: ما
تبذل مر الصَّدَاق. وارتفع السجْف فرأى شيئاً كَرِهَه، فقال: واللّه ما عندي
نَقْد، وأني لأكره أن يكون علي دَيْن.
بين سلم بن قتيبة
والشعبي حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال سَلْم بن قُتَيبة للشَّعْبيّ: ما
تشتهي؟ قال: أعز مفقود، وأهون موجودة قال: يا غلام اسقه ماء.
بين ابن عون وابن عمه
المدائني قال: كان لابن عَوْنٍ ابن عمٍّ يُؤذيه، ولَاحَاه يوماً فقال له ابن عون،
لمّا بلغ منه: لتسكتُنّ أو لأشتمِنّ مُسَيْلِمَة. فشهد بعد ذلك عند عُبيد اللهّ بن
الحسن، فردّ شهادتَه.
بين المُغيرة بن شعبة
ورجل شاوره في امرأة يتزوجها المدائني قال: قال المغيرة بن شعْبة: ما خَدَعني أحدٌ
قط غير غلام من بني الحارث بن كعب، فإني ذكرت امرأة منهم، فقال: أيها الأمير! لا
خير لك فيها، إني رأيت رجلاًَ قد خلا بها يقبلها. ثم بلغني بعدُ أنه تزوّجها،
فأرسلت إليه فقلت: ألم تعلمني أنك رأيت رجلاًَ يقبلها. فقال: بلى! رأيت أباها يقبّلها.
من خطب لبائع سنانير
على أنه نخاس دواب قال المدائني: أتى شريحاً القاضيَ قومٌ برجل، فقالوا: إن هذا
خَطَب إلينا: فسألناه عن حرفته فقال: أبيع الدوابَّ؛ فلما زوّجناه، فإذا هو يبيع
السنانير؛ قال: أفلا قلتم أيَّ الدوابّ تبيع؟ وأجاز ذلك.
ابن شبرمة وسؤال عيسى
بن موسى له عن رجل لا يعرفه
المدائني قال: دخل
رجل على عيسى بن موسى وعنده ابن شُبْرُمَة، فقال له: أتعرفه؟ وكان رُمِي عنده
برِيبة؛ قال: نعم، إنّ له بيتاً وشَرَفاً وقَدَماً، فخلى سبيله فلما خرج قال له
أصحابه: أعَرَفته؟ قال: لا، ولكني أعلم أن له بيتَاَ يأوي إليه، وشرفه أذناه
ومَنْكِباه، وقَدمه هي قدمه التي يمشي عليها.
للشعبي وقد سُئِل عن
رجل المدائني قال: سُئل الشعبيّ عن رجل، فقال: إنه لنافذ الطعْنة، رَكِين القعدة.
يعني أنه خَياط، فأتوه فقالوا: غَرَرتنا. فقال: ما فعلت! وإنه لَكَما وصفت.
بين العريان بن
الهيثم وابن باقلاني المدائني قال: أتيَ العُرْيانُ بن الهيثم بشابٍّ سَكران، فقال
له: من أنت؟ فقال:
أنا ابن الذي لا
ينزلً الدهرَ قِدْرُهُ ... وإن نزلتْ يوماً فسوف تعودُ
ترى الناسَ أفواجاً
إلى شَوْء نارِه ... فمنهم قِيامٌ حولَها وقُعودُ
فظنّ أنه من بعض
أشراف الكوفة فخلاه، ثم ندِم على ألاّ يكون سأله مَنْ هو، فقال لبعض الشُرَط: سَلْ
عن هذا. فسأل، فقالوا: هو ابن بَيّاع البَاقِلي.
بين زياد وحارثة بن
بدر الغداني دخل حارثةُ بن بحر الغُدَاني على زِياد، وكان حارثة صاحب شرابٍ وبوجهه
أثر، فقال له زياد: ما هذا الأثر بوجهك؟ فقال حارثة: أصلح الله الأمير، ركِبت
فرساً لي أشقر فَحَملني حتى صَدم بي الحائط؛ فقال زياد: أما إنك لو ركبت الأشهب لم
يُصبك مكروه: عَنَي زياد اللبنَ، وعني حارثةُ النبيذَ.
لقوم يشربون النبيذ
فسقط الذباب في قدح أحدهم قعد قوم على نبيذ فسَقَط ذُباب في قَدَع أحدهم، فقال رجل
منهم: غطً التميميّ. فقال آخر: غطَهَ فإن كان تميمياً رسَبَ، وإن كان أزْديَا
طَفَا. قال رب المنزل: ما يسرني أنه كان قال بعضكم حرفاً. وإنما عنى أن أزْدَ
عُمَان ملاحون.
بين رجل وامرأة كانت
تأتيه المدائني قال: رأى رجلِ في يد امرأة كانت تأتيه خاتَمَ ذهب، فقال لها: ادفعي
إليّ خاتمك أذكرك به. فقالت: إنه ذهَب، وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود لعلك تعود.
لأبي بكر في النبي
صلى الله عليه وسلم حدثني الزياديّ قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز
بن صُهَيْب عن أنَس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مُردفاً أبا
بكر شيخاً يُعْرَف، ورسول الله شابُّ لا يُعرف، فَيْلقَى الرجلُ أبا بكر فيقول: يا
أبا بكر، مَنْ هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل. فيحسب
السامع أنه يهديه الطريق، وإنما يعني سبيلَ الخير.
بين عمر بن هبيرة وهو
يساير سنان بن مكمل على بغلة كان سِنَان بن مُكًمل النمير في يُساير ابن هُبَيْرةً
يوماً وهو على بغلة، فقال له عمر بن هبيرة: غُض من بغلتك؛ قال: كلا! إنها مكتوبة.
أراد ابن هبيرة قول الشاعر:
فغضُ الطَرفَ إنًك من
نُمَيْرٍ ... فلا كَعْباً لغتَ ولا كلَابَا
وأراد سنان قولَ
الآخَر:
لا تأمَنَن فَزَارياً
خَلَوْتَ به ... على قَلُوصك واكتبْها بأسيارِ
بين معاوية والأحنف
في الشيء الملفف في البجاد حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال معاوية للأحنف: يا
أحنف، ما الشيء الملفف في البِجَاد؟ فقال: هو السخِينة يا أمير المؤمنين. أراد
معاوية قول الشاعر:
إذا ما مات مَيتٌ من
تميم ... فسرَّك أن يعيش فجيء بزَادِ
بخُبْزٍ أو بتمر أو
بسمنٍ ... أو الشي الملًففِ في البِجَادِ
وأراد الأحنف أن
قريشاً تُعًير بأكل السخينة.
المدائني قال: سأل
الحَرَسِي أبا يوسف القاضي عن السواد؛ فقال: النور في السواد. يعين نور العينين في
سواد الناظر.
بين شيطان الطاق
وخارجي المدائني قال: لقي شيطانَ الطاق خارجي فقال: ما أفارقك أو تبرأ من عليّ
فقال: أنا من علي ومن عثمان بريء. يريد أنه من علي، وبريء من عثمان.
بين عمر ورجل عرضت به
امرأته سمع عمر بن الخَطاب امرأةً في الطوَاف تقول:
فمنهنّ من تُسْقَى
عذْب مُبَرَّدٍ ... نُقَاخ فتلكم عند ذلك قَرتِ
ومنهن من تُسْقَى
أخضَرً آجنٍ ... أجَاج ولولا خَشْيةُ الله فَرتِ
فعلم ما تشكو، فبعث
إلى زوجها فوجده متغير الفم، فخيره بين خمسمائة درهم أو جمارية من الفَيْء على أن
يطلًقها، فاختار خمسمائة، فأعطاه وطلقها.
بين أحمد بن محمد
وامرأة في محمد بن زانة حدّثني أحمد بن محمد أبو نصر الكاتب قال: كنت واقفاً بهذا
المكان، وأقبلت امرأة من هذه الناحية، وغلامٌ من الناحية الأخرى أبيضُ الوجه
رائعه، ونظرت إليه المرأة، فلما التقيا قالت له: ما اسمك يا فتى. قال: محمد. قالت:
ابن من. قال: ابن زانة. وتبسم عن ثغر أفلج مختلف قبيح؛ فقالت: واحَرَبَاهُ على ما
قال! فقلت لها: قد وقعتُ لك عليها. قالت: من أين قلت: من كنية أبي الخير النصراني
كاتب سعيد الحاجب. أراد أن الياء إذا نُقلت عن أبي الخير إلى زانة، صار هذا أبا الخر،
وصار هذا ابن زانية.
لابن أبي علقمة في
بني ناجية مر ابن أبي عَلْقَمة بمجلس بني ناجية فكَبَا حمارُه لوجهه فضحكوا؛ فقال:
ما يضحككم! إنه رَأى وجوه قُرَيش فسَجَد.
للجاحظ في أبى الهذيل
يخاطب محمد بن الجهم قال عمرو بن بحر قال أبو الهذيل لمحمد بن الجَهْم وأنا عنده:
يا أبا جعفر، إني رجلٌ منخرِق الكفّ لا ألِيق درهماً، ويدي هذه صَنَاعٌ في الكَسْب
ولكنها في الإنفاق خَرْقاء، كم من مائة ألف درهمٍ قَسَمتها على الإخوان في مجلس
وأبو عثمان يعلم ذلك! أسألُك باللّه يا أبا عثمان، هل تعلم ذلك. قال: يا أبا الهذيل
ما أشك فيما تقول. قال: فلم يرضَ أن حَضَرتُ حتى استشهدني، ولم يرض إذ استشهدني
حتى استحلفني.
لعلي بن أبي طالب قال
المدائنيّ: بعث يزيد بن قَيْس الأرحَبيّ، وكان والياً لعليّ، إلى الحسن والحسين
رضي اللّه عنهم بهدايا بعد انصرافه من الولاية وتَرَكَ ابن الحَنَفِيّة، فضرب علي
- عليه السلام - على جنب ابن الحنفيّة وقال:
وما شَرُّ الثلاثةِ
أمَّ عمرو ... بصاحِبِك الًذي لا تَصْبِحينا
فرجع يزيد إلى منزله
وبعث إلى ابن الحنفية بهديّة سنية.
بين أعرابي ورجل في
صورة خمسة حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدّثني موسى بن محمد قاضي المدينة، قال:
مرّ رجل بأعرابي يوقد في أصل مِيلٍ، فقال: كم على الميل. فقال: لستُ أقرأ، ولكنّ
كتابه فيه. قال: وما كتابه. قال: مِحْجَنٌ وحَلْقَةِ سِمْط وثلاثة أطْباء وحَلْقَة
مُذَنَبة " يعني صورة خمسة " .
بين سعد بن مالك
وعمرو بن مالك بن ضبيعة قال أبو اليقظان: إن عمرو بن مالك بن ضُبَيْعة هو الذي قيل
فيه:
لذي الحِلْم قبل
اليوم ما تُقْرَعُ العصا ... وما علَمَ الإنسانُ إلّا ليَعْلَما
وذلك أن سعد بن مالك
كان عند بعض الملوك، فأراد الملك أن يبعث رائداً يرتاد له منزلاً ينزِله، فبعث
بعمرو فأبطأ عليه، فآلى الملك لئن جاء ذامًّا أو حامداً ليقتلنّه؛ فلما جاء عمرو
وسَعْد عنده، قال سعد للملك: أتأذَنُ لي فأكلِّمه؟ قال: إذاً أقطع لسانك. قال:
فأشير إليه قال: إذاً أقطع يدك. قال: فأومئ إليه. قال: أقطع حِنْوَ عينك. قال: فأقرَعُ له العصا. قال:
اقرَعْ. فأخذ العصا فضرب بها عن يمينه ثم ضرب بها عن شماله ثم هَزَّها بين
يديه، فلقن عمرو، فقال: أبيْتَ اللَعْنَ! أتيتُك من أرض زائرها واقف، وساكنُها خائف،
والشَبْعىَ بها نائمة والمهزولةُ ساهرة جائعة، ولم أر خِصْباً محلاً، ولا جدباً
منزلاً.
بين معاوية وعمرو بن
العاص لما حُكَم أبو موسى وقَدِمَ ليحكم، دسّ معاويةُ إلى عَمْرو رجلاً ليعلم
علمَه وينظر كيف رأيه؛ فأتاه الرجل فكلّمه بما أمره به، فعَضّ عمرو على إبهامه ولم
يُجبه، فنَهَض الرجل فأتى مُعاويةَ فأخبره؛ فقال: قاتله اللّه أراد أن يُعلمني أني
فَرَرْتُ قارحاً.
بين الحجاج وجبر بن
حبيب في رجل سأله عنه الحجاج حدّثني أبو حاتم قال: حدثني الأصمعي قال: حدّثنا عيسى
بن عمر قال: سأل الحجاج جبر بن حبيب عن رجل، وكره أن يعاقبه إن دلّ عليه، فقال:
تركته والله جسداً يُحَرك رأسُه يُصَب في حلقه الماء، والله لئن حُمِلَ على سرير ليكونَنّ
عليه عورةً؛ قال: فتركه.
لعلي بن أبي طالب في
قتل عثمان رضي الله عنه وتفسير محمد بن سيرين لقول علي
حدّثني القاسم بن
الحسن عن خالد بن خِدَاش عن حَمّاد عن مُجالد عن عُمَيْر بن روذي قال: خَطَبَنا
علي عليه السلام فقال: لئن لم يدخل الجنة إلا من قتل عثمان لا أدخلها ولئن يدخل
النار إلا من قتل عثمان لا أدخلها؛ فقيل له: ما صنعتَ! فَرقتَ الناس! فَخَطَبهم
فقال: إنكم قد أكثرِتم في قتل عثمان، ألَا وإن الله قَتَله وأنا معه. قال: فحدثنا
خالد عن حَمّاد عن حَبِيب بن الشَهِيد عن محمد بن سِيرِينَ قال: كلمة عربيّه لها
وجهان. أي وسيقتلني معه.
بين زياد وشريف من
أشراف البصرة كنى عن مسكنه وولده سأل زيادٌ رجلاً بالبصرة: أين منزلك. فقال:
وَاسِط. قال: ما لك من الولد؟ قال: تسعة. فلما قام، قيل لزياد: كَذَبك في كل ما سألته، ما له إلا ابن واحد، وإن
منزلَه بالبصرة. فلما عاد إليه، قال: ذكرتَ أن لك تسعة من الولد، وأن منزلك بواسط؟
قال: نعم؟ قال: خُبٌرتُ بغير ذلك؛ قال: صَدَقتُ وصَدَقوك، دفنت تسعة بنين فهم لي،
ولي اليوم ابن واحد ولست أدري أيكون لي أم لا، وأما منزلي إلى جانب الجبان بين أهل
الدنيا وأهل الآخرة، فأي منزل أوسط منه؛ قال: صدقت.
للمختار الثقفي حدثني
أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: قال المختار لجنده: يا شُرْطة الله،
ليَخرجَن إلى قريبِ على الكعبة الحرام دابَّةٌ له ستُّ قوائم وله رأسٌ بلا عُنُق،
ثم التفت إلى رجل إلى جانب فقاَل: أعني اليَعسوب.
قول إبراهيم إذا لم
يعجبه الرجل كان إبراهيم إذا لم يُعجبه الرجل قال: ما هو بأعجب الناس إلي.
قول مسلم بن يسار إذا
غضب على البهيمة بلغني عن معاوية بن حَيان عن المبارك بن فَضَالة عن عبد الله بن
مسلم بن يَسَار، قال: كان أبي إذا غَضِب على البهيمة، قال: أكلتِ سماً قاضياً.
قول الحسن إذا أخِذ
من لحيته شيء حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا أبو قُتَيبة قال: حدثنا أبو المِنهال البَكْرَاويّ
قال: كان الحسن إذا أخِذَ من لِحْيته شيء، قال: لا يكن بك السوءُ.
وللحسن أيضاً في
الإجابة بآية من آيات القرآن الكريم وقيل للحسن: أتى رجلٌ صاحباً له في منزله وكان
يصلي، فقال: أدخل؟ فقال في صلاته: " ادْخُلُوهَا بِسَلاَم آمِنِينَ " فقال: لا بأس.
لمحمد بن علي كان محمد
بن عليٍّ إذا رأى مُبتلى أخفى الاستعاذة. وكان لا يسمع من داره يا سائل بورك فيك،
ولا يا سائل خذ هذا، ويقول: سَموهم بالحسن الجميل عباد الله، فتقولون: يا عبد الله
بورك فيك.
لعلي بن أبي طالب في
أبعد ما بين المشرق والمغرب والسماء والأرض قيل لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: كم
بين السماء والأرض. قال: دعوة مستجابة. قيل: فكم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة
يوم " يعني للشمس " .
رشْم عمر بن مهران
كانَ رشْمُ عمر بن مِهْران الذي يرشم به على طعامه: اللهم احفظه ممن يَخْطَفه.
لرجل من بين أسد
وابنته وجماعة من بني فزارة خرج رجل من بين أسَد بإبل له يسقيها، ومعه ابنة له
جميلة عاقلة، حتى دفع إلى ماء لبني فَزَارة، فسألهم أن يأذنوا له في سقي إبله؟
فقالوا: على ألا تجأجئ بها، قال: فإذاً لا تشرب شُرْبَ خير. قالوا: إن رَضِيتَ
وإلا فانصرفْ. فقالت له الجارية: اشْرُطْ لهم ما طلبوا وأنا أكفيك. فأخذ الدلوَ،
وجعلت الجارية ترتجز وتقول:
جاريةٌ شَبتْ شبابَ
العُسْلُج ... ذاتُ وِشاحينِ وذاتُ دملُج
وذات ثَغْرٍ أشنب
مُفلَّج ... وذات خَلْقٍ مُستتب مُدمج
في أبيات كثيرة،
فشربت الإبل حتى رَوِيتْ من غير أن جأجأ بها.
بين أعرابيين تبايعا
كبشاً وتبايع أعرابيان على أن يشرب أحدهما لبناً حازراً ولا يتنحنح، فلما شربه
وتَقَطّع في حَلْقه؛ قال: كَبْش أملح؛ فقال صاحبه: فَعلَهَا ورب الكعبة! فقال: مَن فعلها فلا أفلح. وكان ما تبايعا عليه
كبشا.
جواب أعرابي للأصمعي
في شاء قال الأصمعي: قلت لأعرابي معه شَاءٌ: لمن هذه الشّاء؟ فقال: هي للّه عندي.
جواب سعيد بن جبير
للحجاج حدثني أبو الخَطّاب قال: حدّثنا أبو داود عن عمَارة بن زاذان قال: حدثنا
أبو الصهباء قال: قال الحجّاج لسَعيدِ بن جُبَيْر: اخْتَرْ أيَ قِتْلةٍ شئتَ. فقال له: بل اختر أنت لنفسك، فإن القصاص
أمامك.
قول جعفر بن يحيى
لهرثمة وقد ولي الحرس مكانه
وَليَ هَرْثمةُ
الحرسَ مكان جعفر بن يحيى، فقال له جعفر: ما انتقلت عني نعمةٌ صارت إليك.
بين ابن القرية رسول
الحجاج إلى هند بنت أسماء في تطليقها، وجواب هند أمر الحجاجُ ابن القِرية أن يأتي
هندَ بنت أسماء فيطلقها بكلمتين، ويُمَتَعها بعشرة آلاف درهم؛ فأتاها فقال لها: إن
الحجّاج يقول لك: كنتِ فبِنْتِ، وهذه عشرة آلاف مُتْعة لك؛ فقالت: قل له: كنا فما
حَمدنا، وبِنّا فما ندمْنَا؛ وهذه العشرة الآلاف لك ببشارتك إياي بطلاقي.
لابن سفيان بن
عُيَيْنة سئل سُفيان بن عُيَيْنة عن قول طاوُس في ذَكَاة السمك أو الجراد. فقال
ابنه عنه: ذَكَاتُه جدُه.
ليزيد بن المقنع في
بيعة يزيد بن معاوية اجتمع الناس عند معاوية وقام الخطباء لبيعة يزيد وأظهر قوم
الكراهة، فقام رجل من عُذرَة يقال له يزيد بن المقنّع، واخترط من سيفه شبراً، ثم
قال: أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى معاوية، فإن يَهْلِكْ فهذا، وأشار إلى يزيد،
فمن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه. فقال معاوية: أنت سيد الخطباء.
بين ابن شبرمة وحجازي
قال رجل من أهل الحجاز لابن شُبْرُمَة: مِنْ عندنا خَرَجَ العلمُ. قال ابن شبرمة:
ثم يَعُدْ إليكم.
بين معاوية وابن عباس
قال المدائنيّ: قال معاويةُ لابن عبّاس: أنتم يا بني هاشِم تُصابون في أبصاركم.
فقال ابن عباس: وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم.
وقال له معاوية: ما
لبينَ الشَبَق في رجالكم؛ فقال: هو في نسائكم أبْيَن.
بين ابن ظبيان التيمي
وزُرعة بن ضمرة أبو اليقظان قال: قال ابن ظَبْيان التًيْمي لزُرْعة بن ضَمْرَة:
لقد طلبتك يوم الأهواز و ظَفِرتُ بك لقطعت منك طَابِقَاً سُخْنا. قال: أفلا أدلُك
على طابق هو أسخن وأحوج إلى القطع؟ قال: بلى! قال: بَظْرٌ بين إسْكَتَيْ أمّك.
بين الحجاج والفضيل
بن بزوان أبو اليقظان قال: بعث الحجاج إلي الفُضَيْل بن بَزَوَان العدواني، وكان خيراً
من أهل الكوفة، فقال: إني أريد أن أوليك. قال: أوَ يُعفيني الأمير؟ فأبى وكتب
عهده، فأخذه وخرج من عنده فرمى بالعهد وهَرَب، فأخِذَ وأتِيَ به الحجاجُ، فقال: يا
عدو الله؛ فقال: لستُ لله ولا للأمير بعدوّ؛ قال: ألم أكرمك! قال: بل أردتَ أن
تُهينني. قال: ألم أستعملك! قال: بل أردت أن تستعبدني. قال: " إِنًمَا
جَزَاءُ الًذِينَ يُحَارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ " الآية؛ قال: ما استوجب واحدةً منهن؛ قال: كل ذلك قد استوجبت بخلافك. وأمر
رجلاً من أهل الشأم أن يضرب عُنقه ما كُتب في زوايا مجلس زياد بالكوفة سليمان بن
أبي شيخ قال: حدثني حجر بن عبد الجبار عن عبد الملك بن عُمَيْر قال: كان في مجلس
زياد، الذي يجلس فيه للناس بالكوفة، في أربع زوياه كتاب بقلم جليل: " الوالي
شديد في غير عنف، لين في غير ضعف؛ الأعْطِية لإبًانِها، والأرزاقُ لأوقاتها؛
البُعُوث لا تجَمَر. المحسن يُجْزَى بإحسانه، والمسيء يُؤْخذ على يديه " كلما
رفع رأسه إلى زاوية قرأ ما فيها.
بين الحجاج وأبو
الجهم بن كنانة قال سليمان: وحدثنا أبو سفيان الحميري قال: أبْلَى
أبو جَهْم بن كِنَانة يوم الراوية، فقال له الحجاج: من أنت؟ قال: أنا أبو
جهم بن كنانة. قال له الحجاج: قد زدناك في اسمك ألفاً لاماً فأنت أبو الجهم، وزدنا
في عطائك ألفاً.
بين معاوية وشدّاد بن
أوس في المفاضلة بين علي ومعاوية العباس بن بَكار عن عُبَيد الله بن عمر الغَسّاني
عن الشعبيّ قال: قال مُعاوية لشَدّاد بن أوس: يا شدّاد، أنا أفضل أم علي؟ وأينا
أحبُّ إليك؟ فقال: علي أقدمُ هِجْرةً، وأكثرُ مع رسول الله إلى الخير سابقةً،
وأشجعُ منك قلباً، وأسلمُ منك نَفْساًة وأما الحبّ فقد مضى عليّ، فأنت اليوم عند
الناس أرجى منه.
قول الأحنف لمعاوية
في يزيد قال الأحنفُ لمعاوية في كلام: أنت أعلمُنا بيزيد في ليله ونهاره، وسرّه
وَعلانيَته، فلا تلقمه الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.
بين جامع المحاربيّ
والحجاج
خطب الحجّاجُ فشكا
سوءَ طاعة أهل العراق؛ فقال جامع المحاربيّ: أمَا إنهم لو أحبُوك أطاعوك، على أنهم
ما شنئوك لنسبك ولا لبلدك ولا لذات نفسك، فدع ما يباعدهم منك إلى ما يقرِّبهم
إليك، والتمس العافيةَ فيمن عونك تُعْطَها ممن فوقك، وليكن إيقاعُك بعد وعيدك،
ووعيدك بعد وعدِك. فقال الحجاج: واللّه ما أراني أردّ بني اللًكِيعة إلى طاعتي إلا
بالسيف. فقال: أيها الأمير، إن السيف إذا لاقى السيف ذهب الخِيار. قال الحجاج:
الخِيَار يومئذ لله، قال: أجل! ولكنك لا تدري لمن يجعله الله. فقال: يا هَنَاهُ، إنك من مُحارب!
فقال جامع:
وللحرب سميناً وكنا
مُحارباً ... إذا ما القَنَا أمسى من الطعن أحمرا
فقال الحجاج: والله
لقد هَمَمتُ أن أخلع لسانك فأضربَ به وجهك. فقال له: يا حجاج إن صَدَقْناك
أغضبناك، وإن كَذَبناك أغضبنا الله، فَغَضبُ الأمير أهونُ علينا من غضب الله.
بين شيخ من قضاعة
وعجوز ترشده الطريق قال الأصمعي أخبرنا شيخٍ من قضَاعة، قال: ضَلَلْنا مرةً
الطريقَ فاسترشدنا عجوز فقالت: استبطِن الواديَ وكن سيلا حتى تبلُغَ.
كتاب معاوية إلى قيس
بن سعد وجواب قيس ابن الكلبي قال: كتب معاوية إلى قيس بن سعد: أما بعد، فإنما أنت
يهودي، إن ظَفِرَ أحبُّ الفريقين إليك عَزَلك واستبدل بك، وإن ظفر أبغضُهما إليك
قتلك وزرَ بك، وقد كان أبوك وَتَرَ قوسَه ورمى غَرَضَه، فأكثر الحَز وأخطأ
المَفْصِل، فخذلك قومُه، وأعردَ يومُه، ثم مات طريداً بحَوْران؛ والسلام. فكتب
إليه قيس بن سعد: أما بعد، فإنما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام كرهاً وخِرِجت
منه طوعاً، لم يقمُ إيمانك ولم يحدُث نِفاقك، وقد كان أبي وَتَر قوسه ورمى غرضه،
وشَغب عليه من لم يبلُغ كعبه ولم يشُق غُباره، ونحن أنصار الدين الذي خرجت منه،
وأعداءُ الدين الني خرجت إليه؟ والسلام.
بين الأعمش وخالد بن
صفوان قال يحيى بن سَعِيد الأموي: سمعت الأعمش يقول لخالد بن صَفْوان: شَعَرت أن منزلك لا يُعرف إلا بي
حتى يقال عند منزل الأعمش؛ فقال خالد: صدقتَ، مثل حمام عنترة، ويقال وردان وبيطار
" حيان " .
بين الربيع وشريك بين
يدي المهديّ قال الربيع لِشَريك بين يدي المهديّ: بلغني أنك خُنت أمير المؤمنين.
فقال شَرِيك: لو فعلنا ذلك لأتاك نصيبُك.
بين عربي ورجل من
الموالي قال رجل من العرب: أرِيتُ البارحةَ في منامي كأني دخلت الجنةَ فرأيت جميع
ما فيها من القصور، فقلت: لمن هذه؟ فقيل: للعرب. فقال رجل عنده من الموالي: أصعِدتَ الغرف؟ قال:
لا. قال: فتلك لنا.
بين قتيبة بن مسلم
وعبيد اللّه بن زياد بن ظبيان وكتب قُتَيبة بن مسلم إلى عُبيد الله بن زياد بن
ظَبْيان: أما بعد، فإن عشمشم أعشى الشجر. فكتب إليه ابن ظَبْيَان: من ذلك الشجر
كان بَرْبَطُ أبيك. يعني مسلم بن عمرو، وكان مغنيِّاً ليزيد بن معاوية.
بين بحر بن الأحنف
وجارية أبيه قال بَحْر بن الأحنف لجارية أبيه زَبْرَاء: يا فاعلة. فقالت: لو كنتُ
كما تقول أتيتُ أباك بمثلك.
مثله بين رجل وابنه
وقال رجلاً لابنه: يابن الفاعلة. فقال: واللهّ لئن كنتَ صدقتَ ما فعلَتْ حتى
وجدَتْك فحلَ سوء.
بين ابنة الخس ورجل
أراد امتحان عقلها أتت ابنةُ الخُسّ عُكَاظ، فأتاها رجل يَمتِحن عقلَها ويمتحِن
جوابَها، فقال لها: إني أريد أن أسألكِ. قالت: هاتِ. قال: كاد، فقالت: المنتَعِل يكون راكباً. قال: كاد؛ قالت: الفقر
يكون كُفْراً. قال: كاد؛ قالت: العَرُوس تكون مَلِكاً. قال: كاد؛ قالت: النَعَامة
تكون طائراً. قال: كاد؛ قالت: السرار يكون سَحَراً. ثم قالت للرجل: أسألك. قال:
هاتي. قالت: عجبت؛ قال: للسباخ لا ينبت كلؤُها ولا يجف ثراها. قالت: عجبت؛ قال:
للحجارة لا يكبَرُ صغيرُها ولا يَهْرَم كبيرُها. قالت: عجبت؛ قال: لشُفْرِك لا يُحْرَك قعرُه ولا يُملأ حفرُه.
المدائي قال: كان
عُرَام بن شُتَيْر عند عمر بن هُبَيْرة، فألقى إليه ابن هبيرة خَاتَمه وفصه أخضر،
فعقد عرام في الخاتم سَيْراً. أراد عمر قول الشاعر:
لقد زَرِقَتْ عيناك
يابن مُكَعْبَرٍ ... كَما كُل ضَبي من القوم أزرقُ
وأراد عُرَام:
لا تأمنن فَزَارِياً
خلوتَ به ... على قَلُوصك واكْتُبها بأسيارِ
قال جرير للأخطل:
أزقتُ نومَك، واستهضمت قومَك؛ قال الأخطل: قد أزقت نومي، ولو نِمتُ كان خيراً لك.
لعمرو بن العاص يخطب
بصفين أراد معاويةُ أن يخطُب بصِفَينَ فقال له عمرو بن العاص: دعني أتكلم، فإن
أتيتُ على ما تريد وإلا كنتَ من وراء ذلك. فأذِنَ له؛ فتكلم بكلمات، قال: قلموا
المُسْتَلْئِمَة وأخرو الحُسر، كونوا مِقص الشارب، أعيرونا أيدِيَكم ساعةً، قد بلغ
الحق مَفْصِلَه، إنما هو ظالم أو مظلوم.
بين عبد الملك بن
مروان وأعرابي يصف الخمر حدثني ابن أبي سعد عن محمد بن الحسن التميمي عن عبد الله
بن أحمد بن الوَضَّاح، قال: دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان؟ فقال له: يا
أعرابي صف الخمر فقال :
شمول إذا شُجت وفي
الكأس مُزة ... لها في عِظَام الشاربين دَبيبُ
تُريك القَذَى من
دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قُطُوبُ
فقال: ويحك يا
أعرابي! لقد اتهمك عندي حسنُ صفتك لها. قال: يا أمير المؤمنين واتهمك عندي معرفتُك
بحسن صفتي لها.
مقطّعات ألفاظ تقع في
الكِتاب والكلام
لو أخطأتُ سبيلَ
إرشادك، لما أخطأتُ سبيلَ حسن النية فيما بين وبينك.
لو خطر ذلك ببالي من
فعلك، ما عرّضتُ سترَ الإخاء للهَتْك بيني وبينك.
قد أحسنت في كذا
قديماً. وفعلُك كذا إحدى الحُسْنَيَيْن بل ألطفهما موقعاً.
أنت رجكٌ لسانُك فوق
عقلك وذكاؤك فوق حزمك. فقَدِّم على نفسك مَنْ قدمك على اللّه يعلم أنك ما خطرتَ
ببالي في وقتٍ من الأوقات إلا مَثَّلَ الذكرُ منك لي محاسنَ تزيدني صبابةً إليك
وضَنًّا بك واغتباطا بإخائك.
لعل الأيام أن
تُسهِّل لأخيك السبيل إلى ما تقتضيه نفسُك من بِرك ومعَاوضتك ببعض ما سَلَف لك.
ما هذا الغباء العجيب
الذي إلى جانبه فِطنةٌ لطيفة.
حكمُ الفَلَتات
خِلافُ حكم الإصرار.
من أخطأ في ظاهر
دنياه وفيما يُؤخذ بالعين، كان حَرِياً أن يخطئ في باطن دينه وفيما يؤخذ بالعقل.
ومن أوّل ما أحب أن
أوثَرِك به وأقضِيَ فيه واجبَ حقك، تنبيهُكَ على عظيم ما لله عندك، وحَثُّك على
الازدياد مما يَزيدك.
من كان بمثل موضعك
فجُمِعَ له حمدُ إخوانه ورضا مُعامِليه والاستقصاءُ مع ذلك لمن استكفاه، فقد
عَظُمت النعمةُ عليه، ولا أعلم بما أسمع فيك إلا أنك كذلك والحمد للّه.
ما أغنى الفقيرَ عن
الحمد، وأحوجَه إلى ما يجد به طعمَ الحمد! قد حَسدك من لا ينام دون الشَفاء، وطلبك
من لا يُقصِّر دون الظفر، فاشدُد حَيَازِيمَك وكن على حَذر.
أنت تَتَجَنى على
مالك لتُتلفه بأسباب العِلَل، كما يدفع عنِ ماله البخيلُ بوجوه الاعتلال.
أنت طالبُ مَغْنَم،
وأنا دافعِ مَغْرَم، فإن كنتَ شاكراً لما مَضى، فاعذرْ فيما بَقي.
مكرُك حاضر، ووفاؤك
متأخر.
أنا راضٍ بعفوك، باذل
لمجهودي.
نوائب الأيام رمَتْ
به ناحيتك؛ وإذا رأيتَه أنبأك ظاهرُه عن باطنه ودعاك إلى محبّته قبوله، وهو في
الأدب بحيث المستغنى عن النسب.
قد آن أن تَدَع ما
تسمع لما تعلم وإلَّا يكون غيرُك فيما يُبلغك أوثَقَ من نفسك فيما تعرِفه.
هذا فلان قد أتاك على
رِقَةٍ من حاله وبُعْدٍ من شُقَّته، فَنَشدْتُك الله أن تقدم شيئاً على تصديق ظنّه
وسد خَلّته وبَلِّ ما يَبست هذه النكبةُ من أديمه، فإنه غَذِي نعمةٍ وخدينُ مُروعة.
أنا أسأل اللهّ أن
يُنجز لي ما لم تزل الفِرَاسة تَعِدُنِيه فيك.
الحِّريةُ نسبٌ.
فهمت ما اعتذرتَ به
في تأخرك، وغضضتَ به منى طَرْفاً طامحاً إليك ونفساً تَوّاقةً إلى قُرْبك.
وَصَلَ كتابك فكان
موقعه مَوْقِعَ الروح من البَدَن. فإن أمير المؤمنين يحب ألا يَدَع سبيلاً من
سُبُل البر وإن عَفَا ودَثَر إلا أناره وأوضح مَحَجًته، ولا خَلَّة من خلال الخير
لا أولَ لها: اهتبل الفرصة في إنشائها، واختيار مَكرمة ابتدائها، لتجِبَ له
مساهمةُ الفارِط في أجره ويكونَ أسوةَ الغابر في ثوابه.
لولا وجوبُ تقديم
العذر لصاحب السلطان، في الذهول عن مواصلة من يجب عليه مواصلته، بما يستولي عليه
من الشغل بعمله، إذاً لكَثُرَ العَتْبُ.
إنك لكل حسن أبليته،
ومعروف أسديتَه، وجميل أتيتَه، وبَلَاءٍ كان لك ربيتَه، أهلٌ في الدين والحَسَب
القديم.
لك - أعزّك اللهّ -
عندي أيادٍ تشفَعُ لي إلى محبّتك، ومعروف يُوجب عليك الرب والإتمام.
أفعال الأمير مختارةٌ
كالأماني، متصلة عندنا كالأيام؛ ونحن نختار الشكر لكريم فعله ونُواصل الدعاء
والذكر مواصلةَ بِره.
أبدأ بذكر يحك التي
أجارتني على صرف الزمان، وَوَقَتْنِي نوائب الأيام، وثمرت لي بقية النعمة وصانت
وجهي عن استعباد مِنَن الرجال، وبَسَطتْ لي الأملَ في بلوغ ما ناله بك من رفعت
خسيستَهَ ونوّهتَ بذكره، وأعانتني على إتباع مذهب الماضين من سلفي في الوفاء لكم،
حماية النعمة عليهم بكم عن أيدي غيركم، حتى خَلَصتْ لهم منكم فعَزُوا، ولم يشغَلوا
شكرَهم بغيركم حين شكروا، ولم يحتملوا صنيعة لسواكم لما اعتدوا، ولم تتشعبهم
الدنيا عنكم اضطُروا.
إنّ اللّه أحلَّك منا
أهلَ البيت محلاً نراك به عِوَضاً من الغائب، وخَلَفاً من الهالك، حقك مخصوصاً
بضرائنا إذ كنت ولي سَرّائنا، وكنا لك الجوارح نألَمُ لكل ما ألِمَ منها.
نحن نعوذ بالله من
سَخَطك، ونستجير به من غَضَبك، ونسألك النظر فيما كتبنا به صادقين، كما سمِعتَ
قَصَص الكاذبين، فإنا على سلامةٍ مما رَقًوه.
كتبي - أعزك الله -
تأتيك، في الوقت بعد الوقت، على حسب الدواعي، وإن كان حقّك ومني ألا تُغبك، لولا
ما أتذكر من زيادتها في شُغلك.
أنت الحامل لكل
إخوانه، الناهضُ بأعباء أهل مودته، الصابرُ على ما ناب من حقوقهم.
كنتُ أمس - أكرمك
الله - عليلاً، وركبتُ اليوم على ظَلَع ظاهر ورِقَة شديمة، فلما صرفتُ أمرتُ
بإغلاق الباب للمتودع، ووافق ذلك من سوء نيتك وإرصادِك صديقَك بما يستدعي عَتْبَك
عليه وعتبَه عليك ما وافق.
لا أزال - أبقاك الله
- أسأل الكِتابَ إليك في الحاجة، فأتوقف أحياناً توقف المبقي عليك من المؤونة،
وأكتب أحياناً كتاب الراجع منك إلى الثقة والمعتمد منك على المقَة، لا أعدمَنا
الله دوام عزك، ولا سَلَب الدنيا بَهْجتَها بك، ولا أخلانا من الصّنع لله، على يدك
وفي كنفك، فإنا لا نعرِف إلا نعمتك، ولا نجد للحياة طعماً ونَدى إلا في ظِلّك.
إن كان هذا مما ترضاه
لي، فلست ألتمس أكثر منه، وقوفاً بنفسي عند الحظ الذي رَضِيتَه أنا واللّه أراك في
رتبة المنعم إجلالاً، وبمحل الشقيق من القلب محلةً وإخلاصاً.
أما شكري فمقصورٌ على
سالف أياديك، وبه قصور عنه فكيف يتسع لما جَددته!.
للّه عندك نِعَم
جِسام تتقاضاك الشكر. وَقَاك الله شرّ نفسك، فإنها أقرب أعدائك إليك.
ولم أزل وجِلاً من
حادثة كذا عليك، إذ كان ما ينالك - لا أنالك الله سوءاً - متّصلاً بي ومُدخِلاً الضرر علي في رُكنٍ منك أعتمد عليه، وكَنَفٍ لك اشْتَنْرِي
به.
وَصَلَ إليّ كتابٌ
منك، فما رأيت كتاباً أسهلَ فنوناً، ولا أملس متوناً، ولا أكثر عيوناً، ولا أحسن
مقاطعَ ومطالع، ولا أشد على كل مَفْصل حزَا منه؛ أنجزت فيه عدةَ الرأي وبشرى
الفِراسة، وعاد الظن بك يقيناً، والأملُ فيك مبلوغاً.
لا غيّبك الله عن
مواطن العز والصنع، وأشهمك إياها بعلو يدك، وهُبوب رِيحك، واستفادة جميع أهلها
بزمامِ طاعتك.
قد رميت غرّضَ الحق
بسهم الباطل وحللت عِقال الشر.
كنتُ سالماً إن
سَلِمتُ من عَتْبك.
أنا أتوسل إليك بحسن
ظني بك، وأسألك بحق صبري على ظُلمك لما أسعفتَ بما سألتُك.
ليس ينبغي لك أن
تستبطئ فهمي وقد أسأتَ إفهامي.
مَنْ أبعدُ من
البُرْءِ من مريضٍ لا يُؤتَى في دائه إلا من جهة دوائه، ولا في علته إلا من قبل
حِمْيتَه!.
لستُ في حال يقيم
عليها حر أو يرضَى بها كريم، وليس يرضَى بهذا الأمر إلا من ينبغي لك أن ترضَى به.
قد شِخْتُ في ذَرَاك
وهَرِمت في ظلّك، فإمّا رددتَ علي شبابي وأعدتَ إلي قوتي، وإما دفعتَ إليّ ما
ينوبُ عن الشباب ويجبُرُ الضعف، ولا بدّ من أحدهما، فاختَرْ لنفسك واخرُج إلينا من
هذا الدَين؛ فقد أمسكنا عن التقاضي ما أمكن، وصَبَرنا على المواعيد ما صَلَح؛
ودَعْنا من الحَوَالة فإنّ الصنيعةَ لا تتمّ بالحَوالة؛ وإن جاز أن تقيم لنا
زعيماً بالنعمة، جاز أن نقيم لك زعيما بالشكر، وإن جاز أن نُؤمّلك ويحقِّق آمالَنا
غيرك، جاز أن نشكر غير المُنعم ونأمُل غير المصطنع.
ما أستعظم أن تَسبِقَ
إلى حَسَنٍ بل أستعظم أن تُسبَقَ إليك وتُغلَبَ عليه.
لئن كنتَ جاوزتَ بي
قَدْري عندك لَمَا بلغتُ بك أملي فيك.
لا يَقبضك عن الأنْس
بي تقصيرُك في البِرّ.
بلغتني عِلّتك فنالني
من ألمها، وغالني مما مسّك فيها حسبُ حقّك وما يخُصّني من كل حالٍ تصرّفت بك.
أعتذر إليك من تأخر
كتبي عنك بترامي النُّقلة وتقاذُف الغُرْبة وعدِم الطمأنينة، فإني منذ شارقتُك كما
قال القائل:
وكنتً قذَاة الأرض
والأرض عينُها ... تُلَجْلج شخصي جانباً بعد جانبِ
إني - أعزَك الله -
على تشوّقك متزيد، فما أحاشِي بك أحداً، ولا أقف لك على حسنةٍ بوماً إلا
أنسَتْنِيها لك فَضْلةُ غده.
الحمد للّه الني جعل
الأمير معقودَ النيّةِ بطاعته، مطويَ القلب على مُناصحته، مشحوذَ السيفِ علىِ
عدوّه؛ ثم وَهَب له الظفرَ، ودوّخ له البلاد، وشرّد به العدو، وخصّه بشَرَف الفتوح
العِظام شرقاَ وغرباً، وبرّاً وبحراً.
إلى الله أشكو شدّة
الوحشة لغَيْبتك، وفَرْطَ الجَزَع من فِراقك، وظلمةَ الأيام بعدك؛ وأقول كما قال
حبيب بن أوْس:
بَينَ البَيْنُ
فقدَها قلّما تع ... رفُ فقداً للشمس حتَى تَغِيَبا
ورد كتابُك، فيا لَهُ
وارداً بالرِّيَ على ذي ظَمَأ! ما أنقعه للغليل، وأعدَلَ شهادتَه لك بكرم العقد،
وصدق الود وحُسن المغيب، ورعاية حق التحَرُّم، وبُعدِ الشيمة من شِيَم أهل الزمان
إلا من عَصم اللّه، وقليلٌ ما هم، ولله أبواك لقد أوجداك.
قد أجل الله خَطَرَك
عن الاعتذار، وأغناك في القول عن الاعتلال، وأوجب علينا أن نقنَعَ بما فعلتَ،
ونرضى بما أتيت وَصَلْتَ أو قَطَعت، إذ وَثقنا بحُسن نيّتك ونَقَاء طونتك،
وألزِمنا أن نأخذ أنفسَنا لك بما لا نُحمِّلك مثله، ولا نلتمس منك مقابلة به.
ما أخْر كتبي عنك إلا
ما أنا عليه من إيثار التخفيف بقطع الكتب، إلا عند حقٍّ يقع فأقضيه، أو نعمةٍ
تُحدث فأهنيه بها، والقصدِ للزيادة في البِرّ بالزيادة في الغيب، واستدعاءِ دوام
الوِداد بانتهاز فُرَص الوصل.
كتاب المؤلف إلى محمد
بن عبد اللّه بن طاهر وكتبتُ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر: أمّا شكري للأمير على
سالف معروفه فقد غَارَ وأنجد. وأمّا ابتهالي إلى الله في جزائه عني بالحُسْنَى
فإخلاص النيّة عند مَظَانّ القَبول. وأمّا أملي فأحياه على بُعد العهد بلاؤه عندي،
كان ما تقدّم منه شافعاً في المزيد، وفسحةُ وعدِه إياي عند مفارقتي له، إذ كان
مؤذناً بالإنجاز. وأمّا زَلَلي في التأخُّر عما أوجب الله عليّ له، فمقرونٌ
بالعقوبة فيما حُرِمته من عز رِياسته، ونَباهة صُحبته، وعلو الدرجة به، وإن كنتُ
سائرَ أيام انقطاعي عنه مُعتلقاً بسبب لا خيارَ معه. مكاتبتك - أعزّك اللّه - وأنا
مُجاورُك ببلدٍ عون السعي إليك مُجِلاًّ لقدرك مما أكْبِر. لاقِيك بكتابي هذا
فلان، وله عليّ حقّان: حقٌّ عمّ المسلمين فلزمني بلزومه لهم، وحق خصّني بالحُرْمة
والعِشرا فرأيَكَ في كذا إن سَهُل السبيلُ إلى ذلك ورَحُب، وإن يَعُقْ عائق فلستَ
على جميل رأيٍ عندي بمُتَّهَم.
للمتفضِّل أن يُخصّ
بفضله من يشاء؛ والله الحمدُ ثم له فيما أعطى، ولا حجّةَ عليه فيما منع مُستعفِي
السلطانِ أحدُ ثلاثةٍ: رجلٌ آثر اللَهّ وما عنده، وأسأل اللّه توفيقَه؛ ورجلٌ
عَجَز عن عمله فخاف بعجزه عواقبَ تقصيره، وأستعينُ اللّه؛ ورجلٌ سَمَتْ به نفسه عن
قليل هو فيه إلى كثير أمّله. وأعوذُ بالله من أن أدَنَس نعمةَ اللّه بك عليّ وعلى
سَلَفي قبلي بالتصدَي لمن لا يُشبه دهرُه يومَك، ولا أكثرُ جهده في المعروف أقل عَفْوِك.
كن كيف شئتَ، فإنِّي
واحدُ أمري خالصة سَرِيرتي، أرى ببقائك بقاء سُروري، وبتمام النعمة عليك تمامها
عندي، فإنه ليس من نعمة يُجددها الله لأمير المؤمنين في نفسه خاصّةً اتصلتْ برعيته
عامّة، وشَمِلْت المسلمين كافّة، وعَظُم بلاءُ اللّه عندهم فيها، ووجب عليهم شكره
عليها؛ لأن الله جعل بنعمته تمامَ نعمتهم، وبسلامته هدوءَهم واستقامتَهم، وبتدبيره
صلاح أمورهم وأمنهم، وبذَبِّه عن دينهم حفظ حريمهم، وبحياطته حَقْن عمائهم وأمْنَ
سُبُلهم وبِرِعْيَته اتساقَهم وانتظامَهم؛ فأطال الله بقاء أمير المؤمنين مُؤَيداً
بالنصر، مُعَزاً بالتمكين، موصى الطلب بالظفر، ومدّةِ البقاء بالنعيم المقيم.
فهمتُ كتابك ولم
تَعْدُ في وعدك ووعيدك سبيلَ الراغبِ في رَبّ عارفته، المحامي على سالف بَلَائه،
المُؤثْرِ لاستتمام صَنيعته. وإني لأرجو أن أكون على غاية ما عليه ذُو منِيةٍ
حسنةٍ شكر مُصطنعه، وعناية بأداء ما يلزَمُه لولي نعمته، ومراقبةٍ لرئيسه في سرٌ أمره
وعَلَانِيته، وإيثار للقليل من جميل رأيه على كثيرِ المنافع مع سَخَطه. وليس مذهبي
فيما أشرحه من العذر وأطيل بذكره الكتب، مذهبَ من يموه بالاحتجاج ويَحتالُ في
الاعتذار، ومَنْ تُطْعمه نفسه في سلامة النعمة مع فساد النيِّة، وفي محمود العاقبة
مع شَرَهِ النفس، وفي زيادة الحال مع التفريطِ في العمل. ولو كنتُ ممن سوّلتْ له
نفسه ذلك سائرَ دهره، لقد وجب إلى أن يَضطرّني إلى النزوع عنه تأديبُك وتقويمك، وإني
لمجتهدٌ أن يكون أثرُ فعلي هي المخبر عني عون قولي، وأن يكون ما أمُتّ به إليك
ظاهرَ كِفايتي دون ذِمَامي.
لولا ما أنا بسبيله
من العمل، وما في الإخلال به من تعريضه للانتشار ودخول الخَلَل، وعلمي بأن طاعةَ
السلطان مقرونة بطاعة الأمير، وأنه لا فرقَ عنده بين الجاني على السلطان وعليه،
لكنتُ الجوابَ راجلاً معظماً لأمره، مُكبِراً لسُخْطه؛ وإن كان الله قد جعل عند
الأمير من إيثار الحق والعمل به، وتقديم الرويّة قبل الإيقاع، والاستئناء بمن
وَضَح ذنبه وظهر جُرمه عون من وقعتْ الشبهةُ في أمره، ما أمّنني بادرةَ غَضَبه ونازلَ
سَطْوته.
لم أكن أحسِبَني
أحًلّ عندك محلَّ مَنْ جَهِل حظًه، وعَدم تمييزَه، وغَبِي عَمّا عليه وعمّا له، إذ
توهمتَ عليّ أنّي أبيع خطيراً من رضاك، ونفيساً من رَأيك، وشرفاً باقياً على
الأيام بطاعتك، وعُدّةً للنوائب أستظهر بها من نصرتك، بالثمن البخس الحقير من كذا،
أو أن أستبدلَ بما أنا ذو فاقة إليه من عز كَنَفك ومنيع فَرَاك، ما قد وهب الله الغنيَ
عنده بحمده.
كان ورودك وشخوصُك في
وقتين انطويا عني، وكان مُقامك في حالِ شغلٍ منك ومني، ولذلك فقدْتَني في القاضِين
لحقك والمثابرين على لقائك.
وَرَدَ كتابك مضمَناً
من بِرّك وتَطَوُلك ما حسّن شكري، وأثقل ظهري، وأرْتج عن مضاهاتك بمثله قولي؛
فذكرت به - إذ تحيّرت عون تأمُّله، وضَعُفتُ عن تحمُّله، وعَجَزت عن الشكر عليه
عند تمحّله - قولَ القائل:
أنت امرؤ أوليتَني
نِعماً ... أوهَتْ قُوَى شكري فقد ضعُفا
لا تُحدِثَنّ إلي
عارفةً ... حتّى أقومَ بشكر ما سَلَفا
ألفاظ تقع في كتب
الأمانكتاب أمان هذا كتاب من فلان لفلان: إني أمنتُك على عَمك ومالك ومَوَاليك
وأتباعك، لك ولهم ذمة الله المُوفَى بها، وعهده المسكونُ إليه، ثم ذمهُ الأنبياء
الذين أرسلهم برسالته وأكرمهم بوحيه، ثم ذِمَمُ النجباء من خلائفه: بحقن عمك ومَنْ
دخل اسمُه معك في هذا الكتاب، وسلامةِ مالك وأموالهم وكذا وكذاة فاقبلوا معروضه،
واسكنوا إلى أمانه، وتعلّقوا بحبل ذمته، فإنه ليس بعد ما وَكد من ذلك مُتَوَثَق
لداخِلٍ في أمان إلا وقد اعتلقتم بأوثق عُرَاه، ولجأتم إلى أحرز كهوف والسلام.
وفي كتاب آخر: هذا كتاب
من فلان: إن أمير المؤمنين، لِمَا جعل اللّه عليه نيّته في إقالة العاثر واستصلاح
الفاسد، رأى أن يتلافاك بعفوه، ويتغمد زَلّاتك برُحْمه، ويبسُط لك الأمانَ على ما
خرجتَ إليه من الخلاف والمعصية: على دمك وشعرك وبَشَرك وأهلك وولدك ومالك وعَقَارك؛
فإن أنت أتيتَ وسَمِعت وأطعتَ، فأنت آمن بأمان اللّه على ما أمّنك عليه أمير
المؤمنين، ولك بذلك ذمة الله وذمّة رسوله، إلا ما كان من حق قائم بعينه لمسلم أو
معاهد، والله بذلك راع وكفيل، وكفى بالله وكيلا.
وفي كتاب آخر: إن
فلاناً استوهب أميرَ المؤمنين ذنبَك، وسأله أن يَقبل توبتَك وإنابتك، ويؤمِّنك على
دمك وشعرك وبشرك وأهلك وولدك ومالك وعَقَاراتك، على أن تسمع وتًطيع وتُشايع،
وتُوالي أولياءه وتُعادي أعداءه؛ فأجابه أمير المؤمنين إلى ذلك، لرأيه في العفو والصفح
وما يحتسب في ذلك من الثواب والأجر، فأنت آمن بأمان الله على كذا لا تُؤخذ بشيء
مما سلق من أحداثك، ولا تتبع فيه بمكروه ما أقمتَ على الوفاء ولم تُحدِث حَدَثاً
تفسَخ به أمانَك وتجعل به سبيلاً على نفسك والله لك بذلك راع كفيل؛ وكفى به شهيداً.
ألفاظ تقع في كتب
العهود
أمَرَه بتقوى الله
فيما أسْندَ إليه وجعد بسبيله، وأن يُؤْثِرَ الله وطاعتَه آخذاً ومُعطياً، وأعلمه
أن اللّه سائِلُه عمّا عَمِل به وجَازِيه عليه، وأنّه خارجٌ من دُنياه خُروجَه من
بطن أمه إما مَغْبوطاً محموداً، وإمّا مذموماً مسلوباً. فليعتبر بمَنْ كان قبلَه
من الوُلاَة الذينَ وَلُوا مثلَ مَا وَلي، أين صار بهم مَرُّ الليل والنهار، وما
انقلبوا به من أعمالهمِ إلى قبورهم! ويتَزوَّد لنفسه الزادَ النافعَ الباقيَ
" يَوْمِ تَجدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضراً وَمَا
عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أمَداً بَعِيداً " .
وفي فصل أخر: وقد
ولّاك أميرُ المؤمنين ما ولاّك من أمور رعيّته، وأشركك فيما أشركك فيه من أمانته،
ثِقةً بك، رجاءً لمتابعتك وإيثارك الحق وأهلَه، ورفضِك الباطلَ وأهلَه؛ وعَهِدَ
إليك في ذلك بما إن أخذتَ به أعانك الله وسددك، وإن خالفتَه خَذَلك وعاقبك.
وفي الحج: فإنّ أمير
المؤمنين قد اختارك من إقامة الحج لوَفْد اللّه وزَوْر بيته، للأمر العظِيم قدرُه،
الشريف منزلتُه، فعليك بتقوى الله؛ وإيثار مُراقبتِه، ولزوم الهُدى المحمودِ والطريقةِ
المُثْلَى والسِّيرة الجميلة التي تُشْبِه حالَك.
فصل: فإن اللّه نَزه
الإسلام عن كل قبيحة، وأكرمه عن كل رذيلة، ورفعه عن كل دنيّة، وشرفه بكل فضيلة،
وجعل سيماء أهلِه الوقارَ والسكينةَ.
فصل: وإن أحقّ الناس
بالازدياد في طاعته ومناصحته وأداءِ الأمانة في عمله مَنْ عَظُم حق الأمير عليه في
الخاصّة بفضل الصنيعة من الأمير عنده، مع حق الله عليه في العامّة بحقَ الولاية.
فصل: وكنتَ سيفاً من
سيوف الله، ويكْلاً من أنكاله لأهل الشقاق، وشَجًى لمن ابتغى غيرَ سبيل المؤمنين،
قد أحكمتك التجارِبُ وضَرستك الأمور، وفُرِرْتَ عن الذكاء وحَلَبْتَ الدهرَ
أشطُرَه.
فصل: أنت ابن الحرّية
والمروّة، ومن لا يلحَقه عارُ أبوة ولا بُنُوة.
فصل: قد
التمستُ مواجهتك بشكرك ووصفِ ما أجِن لك وأخلص من وفك وأجِلّ من قدرك وأعتدّ من
إحسانك فَلَفتني عن ذلك تَعَذُّر الخَلْوة مع انقباضٍ وحشمة.
فصل: قد أغنى
الله بكرمك عن ذَرِيعةٍ إليك؛ وما تُنازِعني نفسي إلى استعانةٍ عليك إلا أبى ذلك
حسنُ الظنّ بالله فيك، وتأميلُ نُجْح الرغبةِ إليك دون الشفعاء عندك.
فصل: مثلك تقرّب إلى
الله بالتواضُع لنعمته، والإغاثة لمستغيثه، والعائدةِ على راجيه بفضله.
فصل: تَباً
لمن يأتي رأيك! وقبحاً لعُزُوب عقلك، وأفن تدبيرك! ما أبعدَ مذهبَك في الخطأ،
وأسوأ أثَرِك على السلطان، وأقصَرَ باعَك عن النهوض! جزالة تقدك، ومَهَانةٌ
تُضْرِعك وزَهْوٌ يعلُوك، ونحْوة يشمخَ لها عِرْنينك. لقد انصرف رأيُ أمير
المؤمنين عنك، ودعوتَ له عَتْبَك، وكشفتَ له عن قِنَاع سترك، واجتررتَ إليك
سَخْطته وعَطَفْتَ نحوَك مَوْجِدَته، وكنتَ على نصيبك منه والضنّ بمنزلتك عنده
أولى تقدُّماً وأقربَ رُشْداً. واللّه الغني الحميد.
أصناف أصحاب السلطان
أصحاب السلطان ثلاثة: رجلٌ يجعل الدنيا نُصْبَ عينه، ينصِب فيها للخاصّة مَكَايد
ويرفَع عن مصلحة العامّة همّتِه، يُذهله عن التقوى الهوى، وتُنسيه أيامُ القدرة
العثرةَ، حتى تنصرِم مدّتُه وتنقضيَ دولتُه، لم يرتهن بدنياه شُكْراً ولا قَدّم
بها إلى مَعَاده ذُخراً. ورجلٌ لا يَحْفِل مع صَلاح الخاصّة ما دخل من الخلل في
أمور العامّة، ولا مع وفور حظه ما أدخل النقص في حظ رعيته. ورجل حاول في ولايته
إرضاءَ من وَلي له وعليه، وأعانته النيّة وخَذَلته الكفاية. وقد جمع الله لك الثقة
والرضا ممن فوقك، والانقيادَ والمحبة ممن عونك، وأعاد إلى الناس بك عهدَ السلف
الماضي وعَمَر بك آثارهم، حتى كأنهم بك أحياء لم تحترمهم منية وجميعٌ لم تنصدِعْ بينهم
فُرْقة، فليَهْنِئْك أن مَنْ تقدمك من أهل الفضل في السيرة غيرُ متقدم لك، ومن معك
مُقَصِّر عنك، ومن دونك مُقتفٍ لأثرك. فلا زالت الأيام لك، ولا زالت النعم عنك،
ولا انتقلت عُرَى الأمور وأزِمّتها عن يدك.
فصل: أبَى
طبعُ الزمان أن يسمَحَ لنا بك، كما أبى ذلك في مثلك، فلم يزل حض اعْتَرَض بمكروهه
دونك، وكم من نعمةٍ ذهلتْ عنها النفس حين أدبرت بخيرك، فإنّ تَعَلُق القلب بك على
قَدْرك في مواهب الله وقدرِها عندك.
فصل: ولم تأت
في جميع ما عدّدتُ من أياديك شيئاً، وإن كان متناهيَاً إلى الغاية، مختاراً
كالأمنية، متجاوزاً للاستحقاق، إلا وأنت فوقه والمأمولُ للزيادة فيه.
وفي كتاب: إن كان ما
خبّرني به فلان عن هَزْلَ فقد أحوجنا هزلُك إلى الجهد، ووَقَفَنا موقف المعتذرين
من غير ذنب، وإن كان عن حقيقةٍ فقد ظهر لنا من ظُلمك وتحريفك ما دلّ على زُهْدك
منا في مثل الذي رَغِبنا منك فيه.
فصل في كتاب العيد:
كتابي إلى الأمير يوم كذا بعد خروجي فيه ومَنْ قِبَلي من المسلمين إلى المًصَلَى
وقضائنا ما أوجب الله علينا من صلاة العيد، ونحن بخير حال اجتمع عليها فريق من
المسلمين في عيد من أعيادهم ومَجْمعٍ من مجامعهم؛ وكان مَخْرَجُنا إلى المصلَّى
أفضلَ مَخْرجٍ، ومُنصَرَفُنا عنه أفضل مُنصرَف، بما وهب الله من سكون العامة
وهدوئها والفتها، واحتشاد الحند والشاكريّة بأحسنِ الزِّيّ والهيئة، وأظهرِ السلاح
والعُدّة. فالحمد لله على كذا، وهَنَأ اللّه الأمير كذا.
فصل: القلب قرينُ
وَلَهٍ حليفُ حَيْرة، أنظُر بعينٍ كليلةٍ وأحضُر بقلب غائب: إلى ورود كتابك بما
تعتزمه. فأما النوم فلو مَثَل لعيني لنفَرَتْ إلفاً للسُّهاد.
فصل في كتاب بَيْعة:
فبايِعُوا لأمير المؤمنين ولفلانٍ بعدَه على اسم الله وبركته وصُنعِ اللهّ وحُسن
قضائه لدِينه وعِباده، بيعة منبسِطةً لها أكفُّكم، منشرحةً بها صدورُكم، سليمةَ
فيها أهواؤكم، شاكرين لله على ما وفّق له أمير المؤمنين.
للأحنف يخاطب معاوية
وقد عدّد عليه ذنوباً عدّد معاويةُ على الأحنف ذنوباً؛ فقال الأحنف: يا أمير
المؤمنين! لِمَ ترُدُّ الأمورَ على أعقابها! أما والله إنّ القلوبَ التي أبغضناك
بها لبين جوانحنا، وإن السيوفَ التي قاتلناك بها لعَلَى عَوَاتقنا، ولئن مددْتَ
لنا بشبر من غدرٍ، لنمدُّنّ إليك باعاً من أختر ولئن شئت لتستسقينَ كَدرَ قلوبنا
بصفو حلمك. قال معاوية: فإني أفعل.
بين سوار ورجل تقدم
رجل إلى سوار، وكان سوّار له مُبغضاً، فقال سوار في بعض ما يكلمه به: ابن الإخناء! فقال:
ذاك خَصْمي. فقال له الخصمِ: أعدني عليه. فقال له الرجل: خذ له بحقه وخذ لي بحقي.
ففهم، وسأله أن يغفر له ما فرَط منه إليه، ففعل.
بين معاوية وخُرَيم
بن فاتك الأوزاعي قال: دخل خُرَيْم بن فاتك على معاوية، فنظر إلى ساقَيْه فقال:
أفي ساقين، لو كانتا على جاريةٍ عاتق فقال له خرَيم: في مثل عَجِيزتك يا أمير
المؤمنين.
الخطبخُطَب النبي صلى
الله عليه وسلم
تتْبَعتُ خُطَبَ رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فوجدتُ أوائلَ أكثرها: " الحمد نحمده ونستعينه
ونؤمن به ونتوكل عليه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده اللّه فلا مُضِل له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريكَ له " . ووجدت في بعضها: " أوصيكم عباد الله
بتقوى الله وأحدثُّكم على طاعته " .
ووجدت في خطبة له بعد
حمد اللّه والثناء عليه: " أيها الناس إن لكم مَعَالِمَ فانتهوا إلى معالمكم،
وإن لكم نِهايةً فانتهوُا إلي نهايتكم؛ إن المؤمنَ بين مخافتين: بين أجلٍ قد مضى
لا يدري ما الله صانع به، وبين أجل قد بَقِي لا يدري ما الله قاضٍ فيه؛ فليأخذِ
العبدُ لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكِبَر، ومن الحياة قبل
الموت؛ والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مُسْتَعْتب ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة
أو النار " .
ووجدتُ كلّ خطبة
مفتاحها الحمدً إلا خطبة العيد فإن مفتاحها التكبير. وتكبير الإمام في أن يَنزِل
عن المِنْبر أربع عشرة تكبيرة.
خطبة لأبي بكر
الصدّيق رضي اللّه عنه
حدثني أبو سَهْل قال:
حدثني الطًنَافِسي عن محمد بن فُضَيلْ قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الله
القرشي عن عبد الله بن عُكَيْم قال: خطبنا أبو بكر رضي الله عنه فقال: أما بعد،
فإني أوصيكم بتقوى الله وحدَه وأن تُثنوا عليه بما هو أهلُه، وتَخْلِطوا الرغبةَ
بالرهبة، والإلحافَ بالمسألة؛ فإن اللّه أثنى على زكريا وأهله بيته فقال: "
إنهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً
" . ثم اعلموا أن الله قد ارتهن بحقِّه أنفسَكم، وأخَذَ على ذلك مواثيقَكم،
واشترى منكم القليلَ الفانيَ بالكثير الباقي. هذا كتابُ الله فيكم لا تَفْنَى
عجائبُه ولا يُطفأ نورُه، فصدِّقوه وانتصِحُوه واستضِيئوا منه ليوم الظُّلمة. ثم
اعلموا أنكم تغدون وتروحون في أجلٍ قد غُيِّبَ علمُه عنكم، فإن استطعتم ألا ينقضَ
إلا وأنتم في عملٍ لله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا باللّه. فسابقوا في مَهَل؛
فإن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونسُوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالَهم،
والوَحَا الوَحَا، والنجاءَ النجاءَ! فإن من ورائكم طالباً حثيثاً مَرّه، سريعاً
سيره.
وفي غير هذه الرواية:
أين مَنْ تعرِفون من إخوانكم! قد انتهت عنهم الأعمال، ووروا على ما قدموا وحلوا
عليهم بالشْقوَة والسّعادة. أينَ الجَبّارون الني بَنَوا المدائنَ وحصَّنوها
بالحوائط! قد صاروا تحتَ الصَخْر والآكام.
خطبة لأبي بكر أيضَاً
رضي اللّه عنه
رواها إبراهيم بن
محمد من ولد أبي زيد القارئ.
حَمِد الله وأثنى
عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إن أشْقى الناس في الدنيا والآخرة
الملوك. فرفع الناس رؤوسَهم؛ فقِال: ما لكم يا معشرَ الناس إنكم لطَعانون عَجِلون،
إن المَلِك زهده اللّه فيما في يده، ورَغَبه فيما في يديْ غيره، وانتقصه شطرَ
أجله، وأشرب قلبَه الإشفاقَ، فهو يحسد على القليل، ويتسخْط الكثير، ويسأم الرخاءَ،
وتنقطع عنه لذة البهاء، لا يستعمِل العِبْرة ولا يسكُن إلى الثقة، فهو كالدرهم
القسِىّ والسّراب الخادع، جَذْل الظاهر حزين الباطن، فإذا وَجَبَتْ نفسُه ونَضَب
عمرُه وضَحَا ظِلُّه، حاسَبَه اللّه فأشدّ حِسابَه وأقل عفَوه ألا إنّ الفقراء هم المرحومون،
وخير الملوك من آمن باللّه، وحَكَم بكتاب اللّه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وإنكم اليوم على خلافة نبوّة، ومَفْرِق مَحَجّة، وسَتَروْن بَعْدي مُلْكاً عضوضاً،
وآفةً شَعَاعاً ودماً مُفَاحاً. فإن كانت للباطل نَزْوَة، ولأهل الحق جَوْلة؛ يعفو
لها الأثَر، وتموت السُّنن فالزَمُوا المساجد، واستشِيروا القرآن، والزموا
الجماعة. وليكن الإبرامُ بعد التشاوًر، والصفقة بعد طُول التناظُر، أي بلادكم خرسة
فإن الله سيفتح عليكم أقصاها كما فتح أدناها.
خطبة أبي بكر رضي اللّه
عنه يوم سقيفة بني ساعدة
أراد عُمَر الكلامِ،
فقال له أبو بكر: على رِسْلِك. نحنُ المهاجرون أوّلُ الناس إسلاماً، وأوْسَطُهم
داراً، وأكرمُهم أحساباً، وأحسنُهم وُجوهاً، وأكثرُ الناس وِلايةً في العرب
وأمسُّهم رَحِماً برسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلمَنا قبلكم، وقُدِّمْنا في
القرآن عليكم، فأنتم إخوانُنا في الدِّين، وشركاؤنا في الفَيْء، وأنصارُنا على
العَدُوّ، اويْتُم وواسَيْتُم، فجزاكم اللّه خيراً؛ نحن الأمَراءُ، وأنتم الوزراء
لا تَدِينُ العربُ إلا لهذا الحَي من قرَيش، وأنتم محقوقون ألا تَنْفَسوا على
إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم.
خطبة لأبي بكر رضي
اللّه عنه
الهيثم عن مُجالد عن الشِّعْبيّ
قال: لما بويع أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه، صَعِد المنبرِ فنزل مَرْقاةً من
مَقْعَد النبيّ صلى الله عليه وسلم فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني وَليتُ
أمرَكُم ولست بخيرِكم، ولكنه نزل القرآن وسنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اعلموا أيها الناس أن أكيس الكَيْس التُقَى، وأن أحمقَ الحُمْق الفُجُور، وأن
أقواكم عندي الضعيف حتى آخُذَ له بحقه، وأضعفَكم عندي القويُ حتى آخذَ منه الحقّ،
إنما أنا متبع ولست بمبتدِع، فإن حسنتُ فأعِينوني، وإن زُغْتُ فقوَموني. أقول قولي
هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
خطبة لعمر بن الخطاب
رضي اللّه عنه
قال: ولما وَلي عمر
صعِد المنبر وقال:
ما كان اللُه ليراني
أرى نفسي أهلًا لمجلس أبي بكر، ثم نزل عن مجلسه مَرْقاة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم
قال: اقرأوا القرآن تُعْرَفوا به، واعمَلوا به تكونوا من أهله. إنه لم يبلُغ حق ذي
حقً أن يُطاعَ في معصيةِ الله. ألا وإني أنزلتُ نفسي من مال الله بمنزلة وَالي
اليتيم: إن استغنَيْتُ عَفَفتُ وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروف تَقرمَ البَهْمَةِ
الأعرابية: القَضْمَ لا الخَضْمَ.
خطبة لعثمان بن عفّان
رضي اللّه عنه
قال: ولما وَلي عثمان
صعِد المنبر فقال: رحمهما الله، لو جلسا هذا المجلس ما كان بذلك مِن بأس، فجلس على
فِرْوة المنبر فرماه الناسُ بأبصارهم، فقال: إن أولَ مركب صعبٌ، وإن مع اليوم
أياماً، وما كُنا خُطَباء، وإن نعشْ لكم تأتكم الخطبةُ على وجهها إن شاءً الله
تعالى.
خطبة لعليّ بن أبي
طالب رضي اللّه عنه
خطب فقال: أما بعدُ،
فإن الدنيا قد أدْبرتْ وآذنتْ بوَدَاع، وإن الآخرةَ قد أقبلتْ فأشرفتْ باطلاع، وإن
المضمار اليوم وغدا السباق. ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجَل، فمن قصر في أيام
أمله بل حضور أجله فقد خَسِرَ عمله. ألاَ فاعمَلوا لله في الرغْبة كما تعمَلون له في الرهْبَة. ألا وإِنَي
لم أرَ كالجنة نامَ طالبُها، ولا كالنار نام هاربُها. ألا وإنه مَن لم ينفعه الحق
ضره الباطل، ومن لم يستقِم به الهُدَى جارَ به الضلال. ألا وإنكم قد أمِرتم بالظعْن،
ودُلِلتم على الزاد؛ وإن أخوفَ ما خافُ عليكم اتباعُ الهوى وطولُ الأمل.
خطبة عليّ عليه
السلام بعد مقتل عثمان رضي اللّه عنه
أيها الناس، كتابَ
الله وسنّةَ نبيكم. لا يذعي مدع إلا على نفسه. شُغِلَ مَن الجنة والنارُ أمَامَه.
ساعٍ نَجا، وطالب يرجو، ومقَصَر في النار: ثلاثة؛ واثنان: مَلَكٌ طارَ بجَناحَيْه،
ونبيّ أخذ اللّه بيديه، لا سادِسَ. هَلَك مَن اقتحم، ورَديَ مَن هوَى. اليمينُ
والشِّمالُ مَضَلَّة، والوسْطى الجادَّةُ: مَنْهَج عليه باقي الكتاب وآثارُ
النبوّة. إن اللهّ أدّب هذه الأمةً بأدبين: السوطِ والسيفِ فلا هَوَادَةَ فيهما
عند الإمام. فاستتِروا ببيوتكم، واصْلحوا ذاتَ بَيِنْكم؛ والتوبة من ورائكم. مَن
أبدى صَفْحته للحق هَلَك. قد كانت أمور مِلْتُم عليّ فيها مَيْلَةً لم تكونوا عندي
محمودين ولا مًصيبين. واللِّه أن لو أشاءُ أن أقول لقلتُ. عفا الله عمّا سَلَف. انظروا،
فإن أنكرتم فأنكِروا. وإن عَرَفتم فارْوُوا. حق وباطل، ولكُل أهل. والله لئن
أمِّرَ الباطلُ لَقَدِيماً فعل؛ ولئن أمَرَ الحق لَرب ولعل. ما أدبر شيءٌ فأقبل.
خطبة أيضاً لعليّ رضي
اللّه عنه
خطب عليّ حين قُتِلَ
عاملُه بالأنْبار فقال في خطبته: يا عَجَباً من جِدَ هؤلاء في باطلهم وفَشَلِكم عن
حَقِّكم! فقًبْحاً لكم وتَرَحاً حين صِرت غَرَضاً يُرْمَى، يُغارُ عليكم ولا
تُغِيرون، وتُغزَون ولا تَغزون، ويُعصَى اللُه وتَرضون. إن أمرتُكم بالمسير إليهم
في الحر قلتم: حَمَارَة القَيْظ، أمهلنا حتى يَنْسلِخَ الحر، وإن أمرتُكم بالمسير
إليهم في الشتاء قلتم: أمهِلْنا حتى ينسلِخَ الشتاء هذا أوانُ قر؛ كل هذا فِراراً
من الحرّ والقُر، فأنتم والله من السيف أفرّ، يا أشباهَ الرجال ولا رجال! أحلام
الأطفال وعقول رَبَّاتِ الحِجَال؛ أفسدتُم علي رأي بالعِصْيان والخِذْلان، حتى
قالت قريش: ابن أبي طالب شُجاعٌ ولكن لا عِلْمَ له بالحرب. لله أبوهم! هل منهم
أحدٌ أشدُّ لها مِرَاساً وأطولُ تَجْرِبةً منِّي! لقد نهضت فيها وما بلغتُ العشرين
فها أنا الآن قد نيّفتُ على الستين، ولكن لا رأيَ لمن لا يُطاع.
خطبة لمعاوية رحمة
اللّه
بلغني عن شُعَيْب بن
صَفْوَان قال: خطب معاوية فقال:
أيها الناس، إنّا قد
أصبحنا في دَهْر عَنُود، وزَمن شديد، يُعَدُّ فيه المحسِنُ مُسيئاً، ويزدادُ
الظالمُ فيه عُتُواً، لا ننتفع بما عَلِمنا، ولا نَسأل عما جَهِلْنا، ولا نتخوَّف
قارِعةً حتى تَحُل بنا. فالناس أربعة أصناف: منهم مَن لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مَهانةُ نفسِه وكَلال حدَه ونَضِيض
وَفْره؛ ومنهم المُصلِت لسيفه والمُجلِب بخيله ورَجْلِه والمُعلِن بشرِّه، قد
أشْرَط نفسَه وأوْبق دِينَه لحُطَامٍ يَنتهِزه أو مِقْنَب يقوده أو مِنْبر
يَفْرَعُه، ولبئس المَتْجَران تراهما لنفسك ثمناً ومما عند اللّه عِوَضاً. ومنهم
مَن يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طامَنَ من شخصه
وقارَبَ من خَطْوه، وشفَر من ثوبه، وزَخرَفَ نفسَه للأمانة، واتخذ سِتر الله
ذَرِيعةً إلى المعصية. ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضُؤُولةٌ في نفسه وانقطاع من
سببه، فقصَر به الحال عن أمله، فتحلى باسم القناعة وتزيّن بِلباس الزُهّاد، وليس
من ذاك في مَرَاحٍ ولا مَغذًى. وبقي رجَالٌ غضّ أبصارَهم ذكرُ المَرْجِع، وأراقَ
دموعهم خوفُ المَحْشر فهم بين شَرِيد نَاد، وخائفٍ مُنقَمِع، وساكتِ مَكْعُوم،
وداعٍ مُخْلِص، ومُوجَع ثَكْلَان، قد أخملْتهم التقيّة، وشَمِلَتْهم الذَلَة، فهم في
بَحر أجَاج، أفواهُهم ضامرة، وقلوبُهم ضامرة، وقلوبُهم قَرِحَةٌ، قد وُعِظُوا حتى
مَلوا، وقُهِروا حتى ذَلُّوا، وقتِلوا حتى قَلُّوا. فلتكنِ الدنيا في أعينكم أصغرَ
من حًثَالة القَرَظ وقُرَاضة الجَلَم، واتعِظُوا بمَن كان قبلكم قبل أن يَتَعِظ
بكم مَن بعدكم، وارفضوها ذَميمةً، فإنها قد رَفضتْ مَن كان أشغفَ بها منِكم.
خطبة ليزيد بن معاوية
بعد موت معاويةخَطَبَ فقال: إن معاوية كان حَبْلاً من حِبال الله، مده ما شاء أن يَمُده،
ثم قطعه حينَ شاء أن يَقطَعه؛ وكان دونَ مَن قَبْله وهو خيرٌ ممن بعده، ولا
أزَكًيه عند ربه وقد صار إليه فإن يعف عنه فبرحمته، وإن يعاقبْه فبذنبه. وقد
وَليتُ الأمرَ بعده، ولستُ أعتذر من جَهْل ولا أشتغل بطلب علم. وعلى
رِسْلكم! إذا كَرِهَ الله أمراً غيّره.
خطبة لعُتْبة بن أبي
سُفيان
أبو حاتم عن
العُتْبيّ قال: احتبسَتْ كُتُب معاويةَ حتى أرْجَفَ أهلُ مصر بموته ثم ورد كتابه
بسلامته، فصعِد عتبةُ المنبر والكتابُ في يده فقال: يا أهل مصرَ! قد طالت
معاتبتُنا إياكم بأطراف الرِّماح وظُبَات السيوف حتى صِرْنَا شَجًى في لَهَواتِكم
ما تُسِيغُنا حلوقُكم، وأقْذَاءً في أعيُنكم ما تَطْرِف عليها جفونُكم. فحين اشتدت
عُرىَ الحق عليكم عَقْداً، واسترختْ عُقْدُ الباطل منكم حَلاً، أرجفتُم بالخليفة
وأردتًم توهينَ السلطان وخُضتم الحقَّ إلى الباطل، وأقدمُ عهدكم به حديثَ!
فارْبَحُوا أنفسَكم إذ خَسِرْتم دينَكم، فهذا كتابُ أمير المؤمنين بالخَبَر السار
عنه والعهدِ القريب منه. واعلموا أن سلطاننا على أبدانكم دون قلوبكم؛ فأصلِحوا لنا
ما ظَهَر، نَكِلْكُم إلى الله فيما بَطَن؛ وأظهِرُوا خيراً وإن أسررتُم شراً فإنكم
حاصدون ما أنتم زارعون. وعلى الله نتوكل وبه نستعين.
خطبة لعُتْبة أيضاً
وبهذا الإسناد أن
عُتبة خطب أهلَ مصر حين هاجوا فقال: يا أهل مصر، خف على ألسنتكم مدحُ الحق ولا
تفعلونه، وذمُ الباطل وأنتم تأتُونه كالحِمَار يَحْمِل أسفاراً أثقله حَمْلُها ولم
ينفعْه عِلْمها. وإني واللّه لا أداوِي أدواءَكم بالسيف ما اكتفيت السًوْط، ولا
أبلغ السوطَ ما كفتني الدرَة، ولا أبطئ عن الأولى إن لم تصلحوا عن الأخرى؛ ناجزاً
بناجز، ومَن حذّر كمن بشر فدعوا قال ويقول من قبل أن يقال فعل ويفعل فإن هذا اليوم
الذي ليس فيه عِقَاب، ولا بعده عِتَاب.
خطبة لعبد اللّه بن
الزُّبَيْر
خطب عبد اللّه بن
الزُبير حين قُتِلَ أخوه مُصْعَب فقال:
الحمد للّه الذي
يُعِز مَن يشاء وُيذِل مَن يشاء. إنه لن يذلّ من كان الحق معه وإن كان فَرْداً،
ولن يعزَّ من كان أولياء الشيطان حزبه وإن كان معه الأنام. أتانا خبرٌ من قِبل
العراق أجزَعَنا وأفرَحنا: قتلُ مُصْعَب رحمه الله. فأما الذي أحزنَنَا من ذلك فإن
لفراق الحميم لَذْعَةً يَجِدها حميمُه عند المًصيبة به ثم يَرْعَوِي بعدها ذَوُو
الرأي إلى جميل الصبرِ وكريم العزاء. وأما الذي أفرحنا من ذلك فعلمُنا أنّ قتله
شهادة، وأن ذلك لنا وله الخِيَرَة. ألا إن أهل العراق أهلَ الشَقاق والنِّفاق
باعوه بأقلّ ثمن كانوا يأخذونه به. إنا واللّه ما نموت حَبَجاً ولا نموتُ إلا
قتلاً، قَعْصاً بالرماح تحتَ ظِلال السيوف، ليس كما تموت بنو مروان والله إنْ قُتِل
رجلٌ منهم في جاهليّةٍ ولا إسلام. ألا إنما الدنيا عَارِيةٌ من الملك الأعلى الذي
لا يَبِيدُ ذكرُه ولا يَذل سلطانُه، فإن تُقبِل علي لا آخُذْها أخْذَ البَطِر
الأشِر، وإن تُدبر عني لا أبْكِ عليها بُكاءَ الخَرِف المُهْتَر. ثم نزل.
خطبة زياد
البتراءحدثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ عن أبي بكر بن أبي عاصم ببعضها، وحدثني أبي
عن الهيثم بن عَدِي، قال: لما قدم زيادٌ أميراً على البَصْرة فنظر إلى أبياتها،
قال: رُبَّ فَرحٍ بإمارتي لن تنفعَه، وكاره لها لن تَضُره؛ فدخل وعليه قَباء أبيض ورِداء
صغير، فصعِد المنبر، فخطب الناسَ خطبة بتراء: لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه
وسلم، وكان أولَ من خطبها، ثم قال: أما بعد، فقد قال معاوية ما قد علِمتم، وشهِدت
الشهودُ بما قد سمِعتم، وإنما كنت امرأً حَفظ الله منه ما ضَيّع الناسُ، ووَصَل ما
قطعوا ألا وإنا قد وَلينا ووَليَنَا الوالون، وسسنا وساسنا السائسون، وإنا وجدنا
هذا الأمرَ لا يُصلحه إلا شدّةٌ في غير عُنْف، ولينٌ في غير ضعف. وأيم اللهّ ما من
كِذْبة أكبرُ شاهداً من كِذْبة إمام على منبر؛ فإذا سمعتموها منّي فاعتمِزُوها فيّ
واعلموا أن عندي أمثالَها، وإذا رأيتموني آمر فيكم بالأمر فأنفِذوه على إذلاله.
وايم الله إن لي فيكم لصَرْعىَ كثيرة، فليحذَرْ كلّ امرئ منكم أن يكون من صَرْعاي.
وايمُ اللّه لآخُذن البريء بالسقيم، والمطيعَ بالعاصي، والمقبلَ بالمدبر، حتى
تستقيمَ لي قَنَاتُكم، وحتى يقولَ القائل: " انْج سعد فقد قُتِل سُعَيْد!.
فقال إليه عبد الله بن الأهْتم التميمي، فقال: أيها الأمير، أشهد أنك اوتيتَ الحكمةَ وفصلَ الخطاب. فقال له:
كَذَبتَ، ذاك نبيّ الله داود. ثم قام إليه الأحنفُ فقال: إنما المرءْ بجده، والسيف
بحَده، والجواد بشده، وقد بلغك جدُك أيها الأمير ما تري وإنما الحمدُ بعد البَلاَء،
والثناءُ بعد العطاء، وإنا لا نُثْنِي حتى نَبْتَلي. ثم قام إليه مِرْداس بن
أدَيّة، فقال: قد سمِعنا مقالتك أيها الأمير، وإنّ خليلَ الله إبراهيمَ عليه
السلام أدىّ عن اللّه في الذي أديتَه، قال اللّه تعالى: " لا تَزِرُ وَازرَةٌ
وِزْرَ أخْرَى " وأنت تزعُم أنك تأخُذ البريء بالسقيم، والمطيعَ العاصي،
والمقبلَ بالمدبر. فقال له: اسكت، فواللّه ما أجِد إلى ما أريد سبيلاً، إلا أن
أخوضَ إليه الباطلَ خوضاً. ثم نزل.
وقال في خطبة له
أخرى: حَرامٌ عليّ الطعامُ والشرابُ حتى أسوِّيَها بالأرض هَدْماً وإحراقاً.
إيّايَ ودَلَجَ الليل، فإني لا أوتَى بمُدلج إلا سَفَكتً دمه، وإيّايَ ودَعْوَى
الجاهليّة، فإني لا أجد أحداً دعَا بها إلا قطعتُ لسانَه. وقد أحدثتم أحداثاً، وأحدثنا لكل ذنبٍ عقوبة؛ فمن غَرق قوماً غَرقته،
ومن أحرق قوماً أحرقتُه، ومن نَقَبَ بيتاً نقبتُ عن قلبه، ومَنْ نَبَش قبراً دفنتُه
فيه حيًّاً؛ فكُفوا أيديكم وألسنتكم أكُفَ عنكم. وقد كانت بيني وبين أقوام منكم
أشياءُ قد جعلتُها دَبْرَ أذني وتحت قَدَمِي، فمن كان محسناً فليزددْ، ومن كان
مسيئاً فلينزعْ. إني لو علمتُ أن أحدكم قد قتله السل من بُغْضي لم أكشِف له
قِناعاً ولما أهتِكْ له سِتْراً، حتى يُبديَ لي صَفْحتَه، فإذا فعل ذلك لم أناظره؛
فأعينوا على أنفِسكم وأتَنِفوا أمركم.
خطبة للحجاج حين دخل
البصرةدخل وهو متقلد سيفاً متنكِّبٌ قوساً عربية، فعلا المنبرَ فقال:
أنا ابن جَلا وطلاع
الثنَايَا ... مَتَى أضَع العمامةَ تعرِفُوني
إن أمير المؤمنين
نَكَبَ عيدانَه بين يديه، فوجدني أمرها عُوداً وأصْلَبَها مَكْسِراً، فوجًهني
إليكم. ألا فوالله لأعْصِبَنكم عَصْبَ السلَمة، ولألحُوَنكم لحْوَ العُود،
ولأضرِبنكم ضربَ غرائبِ الإبل، حتى تستقيمَ لي قَنَاتُكم، وحتى يقولَ القائل:
" أنْجُ سعدُ فقد قُتِل سعيدا " . ألَا وإياي وهذه السقَفَاءَ والزَّرَافاتِ،
فإني لا أوتَى بأحدٍ من الجالسين في زَرَافةٍ إلا ضربتُ عُنُقَه. هكذا حدثنيه أحمد
بن سعيد عن أبي عُبَيد في كتاب غَرِيب الحديث. وقال لي غيره: هو إيايَ وهذه
الشفَعاءَ والزَّرَافات. وقد فسرتُ الحديثَ في كتابي المؤلَّف في غريب الحديث.
خطبة للحجاج أيضاً
أرْجَف الناس بموت
الحجاج، فخطب فقال: إن طائفةً من أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، نَزَغَ الشيطانُ
بينهم، فقالوا: مات الحجاج ومات الحجاج! فَمْهْ! وهل يرجو الحجاج الخيرَ إلا بعد الموت! والله ما يسرني أموتَ وأنٌ لي الدنيا
وما فيها! وما رأيت الله رضِيَ بالتخليد إلا لأهوِن خَلْقه عليه إبليس. ولقد دعا
اللّه العبدُ الصالحُ فقال: " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لي مُلْكاً لاَ
يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي " ، فأعطاه ذلك إلا البقاء. فما عسى
أن يكون أيها الرجل! وكلكمِ ذلك الرجل!. كأنَي والله بكلَ حي منكم ميتاً، وبكل رطب
يابساً أفرُع طُولًا في ذِراع عَرْضاً، وأكلتِ الأرضُ لحمَه ومَضتْ صديدة وانصرف
الحبيبُ من ولده يَقْسِم الخبيثَ من ماله؛ إن الذين يعقِلون يعلَمون ما أقول. ثم
نزل.
خطبة أخرى للحجّاج
حين أراد الحج
خطب فقال: أيها الناس
إني أريد الحج، وقد استخلفت عليكم ابني هذا، وأوصيته بخلاف ما أوصَى به رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم، في الأنصار؛ إن رسول الله أوصَى أن يُقبَلَ من مُحسنهم، وأن
يُتجاوَز عن مُسيئهم؛ وإني أمرتُه ألّا يقبلَ من محسنكم ولا يتجاوزَ مسيئكم. ألَا
وإنكم ستقولون بعدي مقالةً لا يمنعُكم من إظهارها إلا مخافتي، ستقولون بعد لا
أحسَنَ الله له الصَحابة! ألاَ وإني مُعجل لكم الجوابَ: لا أحسَنَ الله لكم
الخِلاَفة. ثم نزل.
خطبة للحجاج أيضاً
من خطبة للحجاج وقول
الحسن فيه خطب فقال في خطبته: سوْطي سيفي، فنِجَادةُ في عُنُقي، وقائمُه في يدي،
وذُبَابه قلادة لمن اغتر بي! فقال الحسن: بُؤْساً لهذا! ما أغره بالله!.
بين رجل حلف بالطلاق
أن الحجاج في النار وفتوى ابن سيرين وحلف رجل بالطلاق أن الحجاج في النار، ثم أتى
امرأتَه فمنعته نفسها فأتى سِيرِين يستفتيه؛ فقال: يابن أخي، امض فكن مع أهلك، فإن
الحجاجَ إن لم يكن في النار لم يَضُرك أن تَزنيَ.
خطبة لعمر بن عبد
العزيز رحمة اللّه عليه
حدّثني أبو سَهْل عن
إسحاق بن سليمان عن شُعَيب بن صَفْوان عن رجل من آل سَعِيد بن العاص، قال: كان آخر
خطبةٍ خطب بها عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنْ حَمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد، فإنكم لم تُخْلَقوا عَبَثاً، ولن تُتْركوا سدى، وإنّ لكم مَعاداً يَنزِل
الله فيه للحكم فيكم لفصل بينكم، فخاب وخَسِر من خَرَج من رحمة الله وحُرِمِ جنةً
عَرْضُها السمواتُ والأرضُ. ألم تعلموا أنه لا يأمَن غداً إلا من حَذِر اليومَ وخاف،
وباع نافداً بباقٍ، وقليلاً بكثيرٍ، وخوفاً بأمانٍ؛ ألا ترون أنكم في أسْلاب
الهالكين، وستكون من بعدكم للباقين كذلك، حتى تُرَدّ إلى خير الوارثين! ثم إنكم في
كل يوم تُشيِّعون غادياً ورائحاً إلى اللّه قد قَضَى نَحْبَه، حتى تُغيَّبوه في سدْع
من الأرض في بطن صَدْعِ غير موَسَّد ولا ممهَّد، قد فارَقَ الأحباب وباشرَ الترابَ
وواجه حساَبَ، فهو مرتَهَنٌ بعمله، غني عما ترك فقير إلى ما قدمّ. فاتَقُوا اللهّ
قبل انقضاء مَوَاقِيته ونزول الموت بكم! غَنيٌ عما ترك فقير إلى ما قدمّ. فاتَقُوا
اللهّ قبل انقضاء مَوَاقِيته ونزول الموت بكم أمَا إني أقول هذا وما أعلم أنّ عند
أحدٍ من الذنوب أكثرَ مما عندي، فأستغفر الله وأتوبُ به. ثم رفع طَرَفَ رِدائه على
وجهه فبكى وأبكى من حوله.
خطبة لخالد بن عبد
اللّه يوم عيد
خطب فذكر اللّه
وجلالَه ثم قال: كنتَ كذلك ما شئتَ أن تكون، لا يَعلم كيف أنت إلا أنت، ثم ارتأيتَ
أن تخلُقَ الخَلْق، فماذا جئتَ به من عجائب صُنْعك، والكبير والصغير من خلقك،
والظاهر والباطن من ذرك: من صُنوف أفواجه وأفراعه وأزواجه، كيف أدمجتَ قوائم الذرة
والبَعُوضة إلى ما هو أعظمُ من ذلك من الأشباح التي امتزجتْ بالأرواح!.
وخَطَب يوماً فسقطتْ
جَرَادةٌ على ثوبه فقال: سبحانَ مَنِ الجرادةُ من خلقه، أدمَجَ قوائمها، وطوّقها
جَنَاحها، ووَشى جلدَها، وسَفطها على ما هو أعظمُ منها.
خطبة للحجاجخطب فقال:
أيها الناس، احفَظُوا فُروجكم، وخذوا الأنفس بضميرها، فإنها أسوكُ شيء إذا
أعْطِيَتْ، وأعصَى شيء إذا سًئلت. وإني رأيت الصبر عن مَحَارِم اللهّ أيسَرَ من
الصبر على عذاب اللّه.
خطبة سليمان بن عبد
الملكخطب فقال: إن الدارَ دارُ غُرورٍ ومنزلُ باطلٍ، تُضحك باكياً وتُبْكي ضاحكاً،
وتُخيف آمناً وتُؤمن خائفاً، وتُفقر مُثرياً وتُثري مُقْتِراً، مَيالةٌ غَرارة لَعّابة
بأهلها! عبادَ الله! اتَّخذوا كتاب الله إماماً، وارتضُوا به حَكَماً، واجعلوه
لكم قائداً، فإنه ناسخٌ لِمَا كان قبله ولم ينسَخْه كتابٌ بعده. اعلموا عبادَ اللّه
أن هذا القران يجلو كَيْدَ الشيطان كما يجلو ضوءُ الصبح إذا تنفّس، ظلامَ الليل
إذا عسعس.
خطبة يزيد بن الوليد
بعد قتله الوليدحمِد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، والله ما خرجت أشَراً
ولا بَطَراً ولَا حِرْصاً على الدنيا ولا رغبةً في الملك، وما بي إطراءُ نفسي،
وإني لظَلُومٌ لها إن لم يرحَمْني اللهّ، ولكن خرجت غَضَباً لله ودِينه، داعياً
إلى اللّه وإلى سنة نبيه، لَمّا هُدمت معالمُ الهدى، وأطفئ نورُ أهل التقوى، وظَهَر
الجبار العَنِيد، المستحِل لكل حُرْمة، والراكبُ لكل بِدْعة، الكافرُ بيوم الحساب،
وإنه لابن عَمِّي في النًسَب وكَفِيئي في الحَسَب؛ فلمّا رأيتُ ذلك استخرتُ اللّه
في أمره وسألته ألا يَكِلَني إلى نفسي، ودعوتُ إلى ذلك مَنْ أجابني من أهلا
وِلايتي، حتى أراح الله. منه العبادَ، وطهّر منه البلاد، بحَوْله وقُوّته لا بحولي
وقوتي.
أيها الناس، إنّ لكم!
عليّ ألّا أضَعَ حَجَراً على حجر، ولا لَبِنةً على لبنة، ولا أكْرِي نهراً، ولا
أكنِزُ مالًا، ولا أعطيه زوجاً ولا وَلَداً، ولا أنقُلُه من بلد إلى بلد حتى أسُد
فقرَ ذلك البلد وخَصَاصةَ أهله، فإنْ فَضَلَ فضلٌ نقلتُه إلى البلد الذي يَلِيه.
ولا أجَمَركم في بُعُوثكم فأفتنَكم وأفتِنَ أهليكم، ولا أغْلِق بابي دونكم فيأكُلَ
قَوِيكم ضعيفكم، ولا أحمِلُ على أهل جِزْيتكم ما أجْليهم به عن بلادهم وأقطَعُ به
نَسْلَهم. ولكم علي إدرارُ العَطَاء في كل سنةٍ والرزقِ في كل شهر، حتى يستويَ بكم
الحال فيكونَ أفضلُكم كأدناكم. فإن أنا وَفَيت لكم فعليكم السمع والطاعة وحسن
المؤازرة والمكانفة، وإن لم أفِ لكم فلكم أن تخلعوني، إلا أن تستتيبوني، فإن أنا
تبت قبلتم مني، وإن عرفتم أحداً يقوم مَقَامي ممن يُعرف بالصَلاَحُ يعطيكم من نفسه
مثلَ الذي أعطيتُكم فأردتم أن تُبايعوه، فأنا أولُ مَنْ بايعه ودَخَل في طاعته.
أيها الناس، إنه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق. وأقول قولي هذا وأستغفر الله
العظيمَ لي ولكم.
فلما بُويع مَرْوانُ
نَبَشَه وصَلَبه. وكانوا يقرأون في الكتب: يا مبذَر الكنوز ويا سجاداً بالأسحار، كانت
ولايتُك لهم رحمةً وعليهم حجة، أخذوك فصَلَبوك.
خطبة أبي حمزة
الخارجيّ
خطب أبو حمزةَ
الخارجي بمكة فذكر رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم،، ثم أبا بكر وعمر رضي الله
عنهما بما هُمْ أهله، ثم قال: ووَلي عثمانُ فسار سِتَّ سنين بسِيرة صاحبَيْه وكان
عونَهما، تم سار في الستّ الأواخر بما أحبط به الأوائل، ثم مضى لسبيله. ووَليَ
عليٌ فلم يَبْلُغ من الحق قَصْداً ولم يرفِعْ له مناراً، ثم مضى لسبيله. ثم وَلي
معاوية لَعِينُ رسولِ الله وابن لعينه، اتّخذ عبادَ الله خوَلاً، ومالَ الله
دوَلاً، ودِينَه دَغَلا، ثم مضى لسبيله، فالعَنُوه لعنه الله. ثم ولي يزيدُ بن
معاوية، يزيد الخمور، ويزيد القُرود، ويزيد الفهود، الفاسقُ في بَطْنه والمأبون في
فَرْجه. ثم اقتصَّهم خليفةً خليفَةَ. فلما انتهى إلى عمر بن عبد العزيز أعرضَ عن
ذكره. ثم ذكر يزيدَ بنَ عبد الملك فقال: يأكلُ الحرامَ، ويلبَس الحُلّة بألف
دينار، قد ضُرِبَت فيها الأبشارُ، وهُتِكت الأستار، حَبَابةُ عن يمينه وسَلامة عن
يَساره تغنَيانه، حتى إذا أخَذَ الشرابُ فيه كل مَأْخَذٍ قَد ثوبَه ثم التفتَ إلى
إحداهما فقال: ألَا أطِير! نعم! طِرْ إلى النار. ثم ذكر أصحابَه فقال: شبابٌ والله
مُكتهلون في شَبَابهم، غَضيضةٌ عن الشر أعينُهم، ثَقِيلة عن الباطل أرجلُهم،
أنْضاءُ عِبادة، وأطْلاح سَهَر، ينظُرُ اللّه إليهم في جوف الليل مُنْحنِيةً
أصلابُهم على أجزاء القرآن، قد أكلت الأرض رُكَبَهم وأيديَهم وجِبَاهَهم،
واستقلُوا ذلك في جَنْب الله، حتى إذا رأوُا السهام قد فُوَقَتْ، والرماحَ قد
أشْرِعتْ، والسيوفَ قد انتُضِيتْ. وأرْعدت الكتيبةُ بصواعق الموت، مضى الشاب منهم
قدماً، حتى اختلفت رجلاه على عُنُق فرسه، وتخضبتْ محاسِنُ وجهه بالدماء، فأسرعت
إليه سِباعُ الأرض وانحطَّتْ إليه طيرُ السماء، فكم من عيْنٍ في مِنْقار طائرٍ طالما
بَكَى صاحبُها في جوف الليل من خوف اللّه! وكم من كف زَايَلَتْ مِعْصَمَها طالما
اعتمَدَ عليها صاحبُها في جوف الليل بالسجود لله! ثم قال: اوه أوّه وبكى ثم نزل.
خطبة لقَطَرِيّ
الخارجيّ
ذَكَر فيها الذي قالوا
مَنْ أشد منا قوةً، فقال: حُمِلُوا إلى قُبُورهم فلا يُدْعَوْنَ رُكْباناً،
وأنْزِلوا فلا يُدعون ضِيفاناً، وجعلوا لهمِ من الضًرِيح أجْناناً، ومن التراب
أكفاناً، ومن الرفَ جِيراناً، فهم جِيرةٌ لا يُجيبون داعياَ ولا يَمنعون ضَيماً،
إن أخصَبوا لم يفرحوا، أو أقحَطوا لم يَقْنَطوا؛ جميع أوحادٌ، وجِيرةٌ أبعاد، لا
يَزُورون ولا يُزارون. فاحذَرُوا ما حَذّركم الله وانتفعوا بمَوَاعظه واعتصِموا بحبله.
وفي خطبة ليوسف بن
عمراتقوا الله عبادَ الله! فكم من مُؤَمَل أملاً لا يبلُغه، وجاِمعٍ مالاً لا
يأكله، ومانعٍ ما سوف يَتركُه، ولعله من باطل جَمَعَه، ومن حقٍّ مَنَعَه، أصابه
حراماً ووَرَّثَه عدواً، إحتمل إصْرَه وباء بوِزْره، ووَرَد على ربّه آَسفاً
لاهِفاً، قد خَسِر الدنيا والآخرةَ، ذلك هو الخُسْرانُ المبين.
وفي خطبة للحجاجقال
مالك بن دِينار: سمعته على المنبر يقول: امرأً زور عمله امرأً حاسَبَ نفسَه، امرأً
فكر فيما يقرؤُه في صحيفته ويراه في مِيزانه، امرأً كان عند هواه زاجراً، وعند
هَمَه آمراً، أخذ بعِنَان قلبه كما يأخُذ بخِطام جَمَله، فإن قاده إلى طاعة الله
تَبِعه، وإن قاده إلى مَعْصِية الله كفه.
خطبة للمنصورخطب
المنصور بمكة فقال: أيها الناس، إنما أنا سلطانُ الله في أرضه، أسوسُكم بتوفيقه وتَسْديده
وتأيِيده وتَبْصيره، وخازنُه على فَيْئه أعمَلُ فيه بمشيئته، وأقْسِمه بإرادته،
وأعطيه بإذنه، قد جَعَلني عليه قُفْلا إذا شاء أن يفتَحَني لإعطائكم وقَسْم
أرزاقكم فتحني، وإذا شاء أن يقفِلني عليها أقفلني. فارغَبُوا إلى الله واسألوه في هذا اليوم الشريف الني وهَبَ لكم فيه
من فَضْله ما أعلمكم في كتابه، إذ يقول: " اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الِإسْلامَ دِينَاً " أن
يُوَفقني للصَّواب والرشاد، ويُلْهِمَني الرأفةَ بكم والإحسانَ إليكم، ويَفْتَحَني
لإعطائكم وقَسْم أرزاقكم بالعَدْل عليكم.
خطبة لداود بن عليّ
خطب فقال: أحرزَ
لسانٌ رأسَه، اتعظ امرؤٌ بغيره، اعتبَرَ عاقل قبل أن يُعْتَبَر به، قأمسكَ
الفَضْلَ من قوله وقدّم الفضلَ من عمله. ثم أخذ بقائم سيفه فقال: إن بكم داءً هذا
عواؤُه، وأنا زعيمٌ لكم بشِفائه، وما بعد الوعيدِ إلّا الإيقاع.
خطبة لدواد بن عليّ
أيضاً
لما قام أبو العبّاس في
أول خِلافته على المنبر قام بوجهٍ كورقة المصحف فاستَحْيَا فلم يتكلَّم؛ فنَهَض
داودُ بن عليّ حتى صَعِد المنبرة فقال المنصور: فقلت في شيخِنا وكبيرِنا ويدعو إلى
نفسه فلا يختلف عليه اثنان، فانتضَيْتً سيفي وغَطيت ثوبي وقلتُ: إن فَعَلَ
ناجزتُه، فلما رَقِيَ عَتَباً استقبل الناسَ بوجهه عون أبي العباس، ثم قال: أيها
الناس، إن أمير المؤمنين يَكْرَه أن يتقدّم قولُه فعلَه، ولأثَر الفِعال عليكم
أجْوَر من تَشْقيق المَقَال، وحسبكُم بكتابِ الله مُمْتَثَلاً فيكم، وابن عمّ
رسولِ اللهّ خليفةً عليكم. والله قَسَماً بَرا لا أريد إلّا اللَه به ما قام هذا المقامَ أحد بعد
رسول الله أحق به من عليّ بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا، فلَيظُنَّ ظانكم وليَهْمِسْ
هامسُكم. قال أبو جعفر: ثم نزل وشِمْتُ سيفي.
خطبة لأعرابيّ
أما بعد، فإن الدنيا
دارُ بَلَاء والآخرةَ دارُ بقاء، فخُذُوا أيها الناس لمَقَرّكم من مَمَرّكم، ولا
تهْتِكوا أستاركم عند من لا يَخْفَى عليه أسراركم، ففي الدنيا أحيِيتم ولغيرها
خُلقتم. أقول قولي هذا، والمستَغْفَرُ اللّه، والمدعوُ له الخليفةُ ثم الأميرُ
جعفر بن سليمان.
خطبة المأمون يوم
الجمعةالحمد لله مستخلِص الحمدِ لنفسه، ومستوجبه على خَلْقه، أحمدُه وأستعينُه
وأومن به وأتوكَل عليه، وأشهَدُ إنْ لا إلهَ إلا اللُّه وحده لا شريكَ له، وأشهد
أنّ محمداً عبده ورسولُ أرسله بالهُدَى ودِينِ الحق ليُظهِرَه على الدينِ كلَه ولو
كَرِهَ المُشركون. أوصِيكم عِبادَ الله بتقوى الله وحدَه، والعمل لما عنده،
والتنجُّز لوعده، والخوفِ لوعيده، فإنه لا يسلَم إلا من اتّقاه ورَجَاه، وعَمِل له
وأَرْضاه. فاتَّقوا اللّه عبادَ اللّه وبادِرُوا آجالَكم بأعمالكم، وابتاعُوا ما
يبقَى به يزولُ عنكم، وترحّلوا فقد جُدً بكم، واستعِدُوا للموت فقد أظلَّكم،
وكُونوا قوماً صِيحَ بهم فانتبهُوا، وعلِموا أنّ الدنيا ليسْت لهم بدار
فاستَبْدلواة فإنّ الله لم يخلُقْكم عبثاً ولم يترُكْ سُدًى؛ وما بين أحدِكم وبين
الجنّة والنار إلا الموتُ أنْ يَنزِلَ به. وإنّ غايةً تنقصُها اللحظة وتَهدِمها الساعةً
الواحدةُ لجديرة بقِصَر المُدّة، وإنّ غائباً يحدُوه الجديدانِ الليلُ والنهارُ
لحرىِ بسُرعة الأوْبة، وإنّ قادماً يحُلّ بالفوز أو بالشِّقْوة لمستحِق لأفضل
العدة، فتَقي عبدٌ ربَّه، ونَصَح نفسَه، وقَدّم توبته، وغَلَب شهوتَه، فإنّ أجلَه
مستور عنه، وأملَه خادع له، والشيطان مُوكَّل به يُزَينُ له المعصيةَ ليركبها،
وُيمَنِّيه التوبةَ ليُسَوّفها، حتىِ تهجُمَ عليه منيتُه أغفَل ما يكون عنها. فيا
لها حسرةً على في غَفْلة: أن يكون عمرُه عليه حُجّةَ، أو تؤدَيهَ أيامُه إلى شْقْوة نسألُ الله يجعلَنا
وإيّاكم ممن لا تُبطره نعمة، ولا تُقصَر به عن طاعته غَفْلة، ولا تُحلّ به بعد
الموت فَزْعة، إنه سميع الدعاء، وبيده الخيرُ، وإنه فعال لما يُريد.
وفي خطبة المأمون يوم
الأضحى بعد التكبير الأوّل
إنَ يوصكم هذا يومٌ
أبانَ الله فضلَه، وأوجبَ تشريفَه، وعَظّم حُرْمته، ووَفَق له من خَلا صفوتَه،
وابتَلَى فيه خليلَه، وفَدَى فيه من الذَبْح نبئه، وجعله خاتمَ الأيام المعْلومات
من العَشْر ومتقدَم الأيام المعدودات منِ النفْر؛ يومٌ حرامٌ من أيام عِظام في
شهرَ حَرَام، يومُ الحجِّ الأكبر يومٌ دعا اللُّه إلى مَشْهَده، ونزَل القرآنُ
بتعظيمه، قال اللهّ جلّ وعزّ: " وَأذِّنْ في الناس بالحج " َ؛ الآيات؛ فتقربوا إلى اللّه في هذا
اليوم بذبائحكم، وعَظِّموا شعائرَ الله واجعلوها من طَيبِ أموالَ وبصحّة التقوى من
قلوبكم، فإنه يقول: " لَنْ يَنَالَ اللَّه لُحُومُهَا وَلَا دمَاؤُهَا وَلَكِنْ
يَنَالُهُ التًقْوَى مِنْكُمْ " ، ثم التكبير والتحميد والصلاة على النبي
والوصية بالتقوى، ثم قال بعد ذكر الجنة والنار: عَظُمَ قدرُ الدارين وارتفع جزاءُ
العملين وطالت مدّة الفريقين الله للّه! فوالله إنه الجِدُ لا اللعِبُ، وإنه
الحقُّ لا الكذِب، وما هو إلا الموت والبَعْث والمِيزان والحِساب والقِصَاص
والصَراط ثم العقاب والثَواب، فمن نَجَا يومئذٍ فقد فاز، ومن هَوَى يومئذ فقد خاب.
الخيرً كلّه الجنّة، والشر كله في النار.
وفي خطبة المأمون يوم
الفطر بعد التكبير الأوّل
إنّ يومكم هذا يومُ
عِيدٍ وسُنَّة وابتهال ورغبة، يومٌ خَتَم الله به صيامَ شهر رمضان وافتتح به حجَّ
بيته الحَرَام، فجعله خاتمةَ الشهر وأوّلَ أيام شهور الحجّ، وجعله مُعقِّباً
لمفروض صيامكم ومنتفَل قيامكم، أحل فيه الطعامَ لكم وحَرم فيه الصيامَ عليكم؛
فاطلبوا إلى الله حوائجكَم استغفروه لتفريطكم، فإنه يُقال: لا كبيرَ مع استغفار،
ولا صغير مع إصرار. ثم التكبير والتحميد وذكر النبيّ عليه السلام والوصية بالتقوى.
ثم قال: فاتقوا الله عبادَ الله وبادروا الأمرَ الذي اعتدَلَ فيه يقينُكم، ولم
يتحضِر الشكُ فيه أحداً منكم، وهو الموت المكتوبُ عليكم، فإنه لا تُستقالُ بعده
عَثْرةٌ، ولا تُحْظَر قبله توبة. واعلموا أنه لا شيءَ قبله إلا دونَه ولا شيءَ
بعده إلا فوقَه. ولا من على جَزَعه وعَلَزه وكُرَبه، ولا يُعين على القبر وظُلْمته
وضِيقه ووَحْشته وهَوْل مَطْلَعه ومسألة ملائكته، إلا العملُ الصالحُ الذي أمر
اللّه به. فمن زَلَّت عند الموت قَدَمُه، فقد ظهرت ندامتُه، وفاتته استقالتُه،
ودعا من الرَّجْعة إلى ما لا يجاب إليه، وبذَلَ من الفِدْية ما لا يُقْبَلُ منه.
فالله اللَّه عبادَ اللهّ! وكونوا قوماً سألوا الرَّجْعةَ فأعْطُوها إذ مُنِعَهَا
الذين طَلَبوها فإنه ليس يتمنَى متقدون قبلكم إلا هذا المهلَ المبسوطَ لكم.
واحذَرُوا ما حذَّركم الله، واتَقوا اليومَ الذي جمَعُكم الله فيه لوَضْع
مَوَازينكم، ونَشْر صُحُفكم الحافِظةِ لأعمالكم. فلينظُرْ عبدٌ ما يَضَعُ في زاده مما يثقل به، وما يًمِلُ في صحيفته الحافِظة
لما عليه وله؛ فقد حَكَى الله لكم ما قال مفرطون عندها إذ طال إعراضُهم عنها، قال:
" وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمينَ مُشْفِقِينَ مما فيه " !
الآية. وقال: " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ
" . ولستُ أنهاكم عن الدنيا بأعظمَ مما نهتْكم الدنيا عن نفسها، فإنه كل ما
لها ينهَى عنها، وكل ما فيها يدعو إلى غيرها. وأعظمُ ما رأته أعينكم من عجائبها
فمُّ كتاب اللّه لها ونَهْيُ اللّه عنها، فإنه يقول: " فَلَا تَغُرنًكُمُ
الحَيَاة الدنْيَا وَلاَ يَغُرنكُمْ بِالله الغَرُورُ " وقال: " إنمَا
الْحَيَاةُ الدُنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ " الآية. فانتفعوا بمعرفتكم بها وبإخبار الله عنها، واعلَموا أنّ قوماً من عباد
اللهّ أدركتُهم عِصمةُ اللّه فحذِروا مَصَارِعَها، وجانَبُوا خدائعها، وآثروا
طاعةَ الله فيها، فأدركوا الجنَّة بما تركوا منها.
كلام مَنْ أرتِجَ
عليه
لعيسى بن عمر حدّثنا
أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: خَطَب أميرٌ مرّةً فانقطع فخجِل، فبعث إلى قوم من
القبائل عابوا ذلك وَلفَهم، وفيهم يَرْبوعِي جَلْد، فقال: اخطُبُوا؛ فقام واحدٌ فمرّ في الخطبًة، حتىٍ إذا بلغ " أما بعد
" قال: أما بعد أما بعد، ولم يدرِ ما يقول: ثم قال: فإنّ امرأتي طالق ثلاثا،
لم أرِد أن أجمع اليوم فمنْعتني.
وخطب آخر، فلما بلغ
" أما بعد " بَقِي ونَظرَ فإذا إنسان ينظر إليه، فقال: لعنك الله! تري
ما أنا فيه وتَلْمَحني ببصرك أيضاً.
قال: وقال أحدهم:
رأيتُ القَرَاقير من السُّفُن تجرِي بيني وبين الناس.
قال: وصَعِد
اليربوعيً فخطب فقال: أمّا بعدُ فوالله ما أدرِي ما أقولُ ولا فِيمَ أقمتموني.
أقول ماذا. فقال بعضهم: قل في الزيت؛ فقال: الزيتُ مبارك، فكُلُوا منه وادّهِنوا.
قال: فهو قولُ الشُطَار اليوم إذا قيل: لم فعلت ذا؟ فقل في شأن الزيت وفي حال
الزيت.
ليزيد بن أبي سفيان
ولما أتى يزيدُ بن أبي سُفْيان الشأم والياً لأبي بكر رضي الله عنه، خطب فأرتِج
عليه، فعاد إلى الحمد لله فأرتج عليه، فعاد إلى الحمد لله ثم أرتج عليه، فقال: يا
أهل الشأْم عسى الله أن يجعل من بعد عسرٍ يُسراً، ومن بعد عِيً بياناً، وأنتم إلى
إمامٍ عادل أجوجُ منكم إلى إمام قائل. ثم نزل. فبلغ ذلك عَمرو بن العاص فاستحسنه.
لثابت قطنة بسجستان
صعِد ثابتً قُطْنَة منبراً بسِجِسْتان فحمِد الله ثم أرتج عليه، فنزل وهو يقول:
فإلا أكُنْ فيكم
خطيباً فإنّني ... بسيفي إذا جَدّ الوَغَي لخَطَيبُ
فقيل له: لو قلتَها
على المنبر كنتَ أخطبَ الناس.
لعبد اللّه بن عامر
بالبصرة وأرتج على عبد اللهّ بن عامر بالبَصْرة يومَ أضْحَى، فَمكَث ساعةً ثم قال:
والله لا أجمَعُ عليكم عِيًّا ولُؤماً، من أخَذَ شاةً من السوق فهي له وثمنُها
عليّ.
لخالد بن عبد اللّه
القسري وارتج على خالد بن عبد اللّه القَسْرِيّ فقال: إن هذا الكلامَ يجيء أحياناً
ويعزُبُ أحياناً، وربما طُلِب فأبَى، وكُوبِرَ فعسا، فالتّأنِّي لمجيّه، أيسرُ من
التَّعاطِي لأبيه؛ وقد يَختَلِط من الجريء جَنَانهُ، وينقطع من الذَرِب لسانُه،
فلا يُبْطره ذلك ولا يَكْسِره؛ وسأعودُ إن شاء الله.
لمعَن بن زائمة وأرتج
على مَعن بن زائدة فضرب المنبر برجله ثم قال: " فَتَى حُرُوبٍ لا فَتَى
مَنَابر " .
لعبد ربه اليشكريّ
وكان عبد ربه اليَشْكُريّ عاملاً لعيسى بن موسى على المدائن، فصعِد المنبرَ فحمِد
الله وارتج عليه فسكت، ثم قال: والله إني لأكون في بيتي فتجيءُ على لساني ألفُ
كلمة، فإذا قمتُ على أعوادكم هذه جاء الشيطانُ فمحاها من صَدْري، ولقد كنتُ وما في
الأيّام أحب إلي من يوم الجمعة، فصِرْتُ وما في الأيام يوم أبغضُ إلي من يوم
الجمعة، وما ذلك إلاّ لخطبتكم هذه. لروح بن حاتم صَعِدَ رَوْح بن حاتم المنبَر،
فلما رأى جَمْعَ الناس حَصِر، فقال: نَكَسوا رؤوسَكم وغُضُوا أبصاركم، فإن أوّلَ
مَرْكبٍ صعْب، وإذا يسر اللّه فَتْحَ قُفْل تيسر.
رجل دُعي ليخطب في
نكاح فأرتج عليه ودُعِي رجلٌ ليخطب في نكاح فحَصِر، فقال: لَقَنوا موتاكم شهادةَ
أنْ لا إلهَ إلا الله. فقالت امرأةٌ حضرتْ: ألهذا دعوناك! أماتك الله!.
لعبيد اللّه بن زياد،
ولعبد الملك قال عُبَيد الله بن زِياد: نِعْمَ الشيءُ الإمارةُ لولا قعقعةُ البريد
والتشرُف للخُطَب.
قيل لعبد الملك: عَجل
عليك الشَّيبُ؛ فقال: كيف لا يُعجل علي وأنا أعرِض عقلي على الناس في كل جمعة
مَرةً أو مرتين.
للدندان الهاشمى
ووَليَ رجل من بني هاشم يُعْرَف بالدَنْدَان بحر اليمامة، فلما صعِد المنبر أرتج
عليه فقال: حيا اللهّ هذه الوجوهَ وجعلني فِداءَها، إنَي قد أمرتُ طائفي بالليل
ألا يرى أحداً إلا أتاني به وإن كنت أنا هو ثم نزل.
المنابرقال بعض
المفسرين في قول اللّه جل وعزّ " ومَقَامٍ كَرِيم " ؛ إنه المنبر. وقال:
الشاعر:
لنا المساجدُ
نَبْنِيها ونَعْمُرُها ... وفي المنابر قَعْداتٌ لنا ذُلُلُ
فلا نَقِيلُ عليها
حين نركَبُها ... ولا لهنّ لنا من مَعْشرٍ بَدَلُ
وقال الكُمَيْت يذكر
بني أمية:
مُصيبٌ على الأعوادِ
يومَ ركُوبِهِ ... لِمَا قال فيها مخطئ حين ينزِلُ
يُشَبِّهها الأشباهَ
وهي نَصِيبُه ... له مَشْرَب منها حرامٌ ومأكَلُ
وقال بعض المُحْدَثين :
فما مِنبرٌ دنسته
باستِ لا أفكل ... بِزَاكٍ ولو طهّرتَه بابن طاهر
للأقيشر ومرّ
الأقَيْشِر بمَطَر بن نَاجِية اليربوعي حين غَلَبَ على الكُوفة في أيام الضًحاك بن
قيس الشّارِي ومَطَرٌ يخطُبُ، فقال:
أبني تَميم ما لمنبر
ِمُلْككم ... لا يستمِرّ قعوده يتَمرْمَرُ
إنّ المنابرَ أنكرتْ
أشباهَكم ... فادعُوا خُزَيْمةَ يستقِرّ المنبرُ
خلعُوا أمِيرَ
المؤمنين وبايَعُوا ... مَطَراً لعمرُك بَيْعةً لا تظهرُ
واستخلفوا مطراً فكان
كقائلٍ ... بَدَلٌ لعمرُك من أمَيّة أعورُ
لقتيبة بن مسلم وقد
سقط القضيب من يده وهو يخطب خَطَب قُتَيْبة بن مُسْلم على منبر خُرَاسان فسَقَط
القضِيبُ من يده، فتفاءل له عدوّه بالشرّ واغتمّ صديقُه، فعَرَف ذلك قُتَيبة فقال:
ليس الأمرُ على ما ظَنّ العدوّ وخاف الصديقُ، ولكنه كما قال الشاعر:
فألقتْ عَصَاها
واستقرّ بها النَّوَى ... كما قَرّ عَيْناً بالإيابِ المُسافرُ
لواثلة بن خليفة يهجو
عبد الملك بن المهلب وقال واثلةُ بن خَلِيفة السًدُوسيّ يهجو عبد الملك بن
المُهَلَب:
لقد صَبَرتْ للذُّلِّ
أعواد منبرٍ ... تقوم عليها في يديك قضيبُ
بكى المنبرُ الغربيُ
إذ قُمْتَ فوقَه ... وكادت مساميرُ الحديد تنوبُ
تم كتاب العلم وهو
الكتاب الخامس من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمه الله، ويتلوه في الكتاب السادس
كتاب الزهد.
والحمد للهّ رب
العالمين، وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله أجمعين.
صورة ما كتبه الناسخ
بخطه في آخر النسخة كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن
علي الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
وقال بعضهم: بُنِي
الإسلامُ على خمسة: التواضع عند الدولة، والعفو عند القدرة، والسخاء مع القِلّة،
والعطيّة من غير مِنّة، والنصيحة للعامّة.
لبعض الشعراء في
الصبر وقال بعض الشعراء في الصبر:
وإذا ابتُلِيتَ
بمِحْنةَ فالبس لها ... ثوبَ السكوتِ فإن ذلك أسلمُ
لا تشكوَن إلى العباد
فإنما ... تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يَرْحَم
للشافعي رضي الله عنه
وُيرْوَى للشافعيّ رضي اللّه عنه:
نَعِيبُ زمانَنا
والعيبُ فينا ... وما لزماننا عيبٌ سوانا
وقد نهجُو الزمانَ
بغير جُرْم ... ولو نطق الزمانُ بنا هجانا
فدُنْيانا التصنُعُ
والترائيً ... ونحن به نُخادع من يرانا
وليس الذئبُ يأكل
لحمَ ذئبٍ ... ويأكلُ بعضُنا بعضاً عِيانا
كتاب الزهد
ما أوحى الله عز وجل
إلى أنبيائه عليهم السلاملوهب بن منبه في ما أوحى اللّه تعالى به إلى أرمياء
حدثني محمد بن عُبَيد
قال: حدّثنا خَلَف بن تَميم عن أبي عِصْمة الشاميّ عن ابن أخت وهب بن منبه عن وهب
قال: أوحَى الله إلى نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له إرمِياء حين ظهرت فيهم
المعاصي: أن قُمْ بين ظَهْرانَيْ قومِك فأخبِرهم أن لهم قلوباً ولا يفقهون،
وأعيناً ولا يبصرون، أذاناً ولا يسمعون، وأنِّي تذكرتُ صلاحَ آبائهم، فعطفني ذلك
على أبنائهم، سلهم كيف وجدوا غب طاعتي، وهل سعِد أحد ممن عصاني بمعصيتي، وهل شقِي
أحدٌ ممن أطاعني بطاعتي؛ إن الدواب تذكُرُ أوطانَها فتنزعُ إليها، وإن هؤلاء القوم
تركوا الأمر الذي أكرمتُ عليه آباءهم، والتمسوا كرامةَ من غير وجهها. أما أحبارهم فأنكروا
حقي؛ وأما قرّاؤهم فعبدوا غيري وأما نساكهم فلم ينتفعوا بما عُلَمُوا من حكمتي؛
وأما وُلاتهم فكذَبوا علي وكذَبوا رُسُلي، خزنوا المكر في قلوبهم، عودوا الكذبَ
ألسنتَهم، وإني أقسم بجلالي وعزتي لاهيّجن عليهم جنوداً لا يفقهون ألسنتهم، ولا
يعرفون وجوههم، ولا يرحمون بكاءهم؛ ولأبتعِثن فيهم ملِكاً جناراً قاسياً، له عساكر
كقِطَع سحاب، ومواكبُ كأمثال العَجَاج، كان خَفَقانَ راياتِه طَيَرانُ النسور،
وكأنْ حمل فُرسانه كرّ العِقبان، يعيدون العُمران خراباً، ويتركون القُرى وحشةً.
فيا ويلَ إيلياء وَسُكانِها كيف أذلَلهم للقتل، واسلَط عليهم السباء، وأعيدُ بعد لَجَبِ
الأعراس صُراخَ الهام، وبعد صهيل الخيل عُواءَ الذئاب، وبعد شُرفات القصور مساكنَ
السباع، وبعد ضوءِ السرُج رَهَجَ العَجَاج. ولأبدلنّ رِجالهم بتلاوةِ الكتاب
انتهارَ الأرباب، وبالعزّ الذلَّ، وبالنعمةِ العبوديةَ. ولأبدلن نساءهم بالطيبِ التراب وبالمشي على الزرابي الخِبَبَ؛
ولأجعلنً أجسادهم زبلاً للأرض، وعظَامهم ضاحيةً للشمس وفي رواية أخرى: ولأدوسنَّهم
بألوان العذاب، حتى لو كان الكائنُ خاتَماً في يميني لوصلتَ الحربُ إليه؛ ثم
لآمرنَ السماءَ فلتكوننَ طبَقاً من حديد، والأرضَ فلتكونن سبيكة من نحاس، أمطرت
السماءُ وأنبتت الأرضُ شيئاً في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم، ثم أحبِسه في زمن الزرع
وأرسله في زمن الحِصاد، فإن زرعوا خلال ذلك شيئاً سلطتُ علِيه الآفةَ، فإن خَلص
منه شيء نزعتُ منه البركةَ، فإن دعَوْني لم أجبهم، وإن سألوا لم أعطِهم، وإن
بكَوْا لم أرحمهم، تضرّعوا صرفت وجهي عنهم.
في ما أوحى الله
تعالى به إلى موسى بن منسى بن يوسف حدّثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن
وهب: أن الله عزّ وجل أوحى إلى موسى بن مَنسَّى بن يوسف أن قُلْ لقومك: إني بريء
ممن سَحَر أو سُحِر له، أو تَكَفَنَ أو تُكُفَنَ له تَطَيرَ أو تُطُيرَ له؛ من آمن
بي صادقاً فليتوكل عليّ صادقاً، فكفى بي مثيباًة ومن عدل عنّي، بغيري فإني خير
شريك أردّ عليه ما توسّل به إليّ، وأكِلُه إلى من توكل عليه؛ ومن وكَلَته غيري
فليستعذَ للفتنة والبلاء.
ما أوحى اللّه به إلى
داود عليه السلام وحدّثني بهذا الإسناد قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام في
الزَّبور: يا عبدي الشكور إني قد وهبتُ لك الزبورَ، وأتبعتُه بنصح منّي من أعين
السطور، ومن الوحي المحفوظ المحجوب من وراء الستور، فاعبدْني به في الأيام
والليالي والشهور؛ وأحببْني من كل قلبك، وحببْني خَلْقي، وأبغِضْ من عبادي كل
منافقٍ جهول. قال: يا ربّ، كيف أَحَببُكَ إلى خلقِك؛ قال: تُذكرهم آلائي.
في ما أنزل على
إبراهيم عليه السلام وبهذا الإسناد قال: أنزل الله على إبراهيم عليه السلام عشرين
صحيفة، وكانت صُحُفه أمثالاً وعِبَراً وتسبيحاً وتمجيداً وتهليلاً، فكان فيها:
أيها الملك المسلَّط المغرور المبتلَى، إني لم أبعثك لتردَّ عني دعوةَ المظلوم،
فإني لا أرُدّها ولو كانت من كافر.
ما أوحى اللّه تعالى
به لشَعْيا
وبهذا الإسناد أن
الله تعالى قال لِشَعْيا: قم في قومك أوح على لسانك؛ فلما قام شَعْيا أنطق اللُه
لسانَه بالوحي، فقال: يا سماءُ اسْتَمِعي، يا أرضُ أنْصِتي، فأنصتت الأرضُ واستمعت
السماءُ؛ فقال: إن اللّه يقول لكم: إني استقبلتُ بني إسرائيلَ بالكرامةِ وهم
كالغنم الضائعةِ لا راعيَ لها، فآويتُ شاذَّتَها، وجمعتُ ضالَتها، وجبرتُ كسِيرها،
وداويتُ مريضَها، وأسمنتُ مهزولَها؛ فبطِرْت فتناطحتْ، فقتل بعضُها بعضاً حتى لم
يبقَ منها عظمٌ صحيح يُجبر إليه آخرُ كسيرٌ. إن الحمار مما يتذكر ارِيَّه الذي
شَبع عليه فيراجعه، وإنّ الثور مما يتذكر مَرْجَه الذي سَمِنَ فيه فينتابه، وإنّ البعير
مما يتذكر وطنَه الذي نُتِج فيه فينرع إليه، وإن هؤلاء القومَ لا يذكرون أنَى
جاءهم الخيرُ وهم أهلُ الألباب وأهل العقول، ليسوا بإبلِ ولا بقر ولا حميرٍ. وإني
ضاربٌ لهم مثلاً فاسمعوه: قل لهم: كيف تروْن في أرضٍ كانت زماناً من زمانها خربةً
مواتاً لا حَرْثَ فيها، وكان لها رب قويٌ حليم، فأقبل عليها بالعِمارة وكرِه أن
تخرَبَ أرضُه وهو قويٌ وأن يقال له ضيًع وهو عليم، فأحاط عليها سياجاً وشَيَد فيها
قصراً وأنبط فيها نهراً وصنف فيها غِراساً من الزيتون والرُمان والنخيل والأعناب
وألوان الثمار، وولَّى ذلك ذا رأيٍ وهمةٍ حفيظَاَ قوياً أميناً؛ فلما جاء إبَّانُ
إثمارها أثمرت خَرًوباُ، ما كنتم قائلين له ومشيرين عليه؟ قالوا: كنا نقول: بئست الأرض
أرضُك، ونشير عليه أن يقلَع سياجها، ويهدِمَ قصرها، ويدفِنَ نهرها، ويحرِق غراسَها
حتى تعودَ خربِةً مَواتاً لا عُمرانَ فيها. قال الله تعالى: قل لهم،
إن السياجَ ذمتي، وإن القصرَ شريعتي، وإن النهر كتابي، وإن القيم نبييّ، وإن
الغرسَ مثَلٌ لهم، والخروبَ أعمالُهم الخبيثةُ، وإني قد قضيتُ عليهم قضاءَهم على
أنفسهم، يتقربون إلي بذبح الغنم والبقر وليس ينالني اللحمُ ولا آكُلُه، ويَدَعون
أن يتقربوا إليّ بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرَّمتُها ويُشيِّدون لي
البيوتَ ويُزَوًقون لي المساجدَة وأي حاجة بي إلى تشييد البيوت ولستُ أسكنُها،
وإلى تزويق المساجد ولست أدخلُها؟ إنما أمرتُ برفعها لأذكَرَ فيها وأسَبًحَ،
ويُنَجسون أنفسهم وعقولَهم وقلوبهم ويخرًبونها، يقولون: لو كان يقدِرُ على أن
يجمعَ ألفتَنا لجمعَها، ولو كان يقدر على أن يُفقه قلوبنا لفقهها. فاعمِدْ إلى
عودَين يابسَينِ فاكتب فيهما كتاباً ثمَّ ائتِ ناديَهم أجمعَ ما يكونون، فقل
للعودين: إن اللّه يأمركما أن تعودا عُوداَ واحداً؛ فقال لهما ذلك، فاختلطا فصارا
عُوداً واحداً، وصار الكتاب في طَرَفَي العودِ كتاباً واحداً: يا معشر القبائل، إن
اللّه يقول لكم: إني قدرت على أن أفقَه العيدان اليابسة وعلى أن أؤلِّفَ بينها؛ فكيف
لا أقدِرُ على أن أجمعَ ألْفَتكمِ إن شئت! أم كيف لا أقدِر على أن أؤلَف قلوبكم!
يقولون: صمنا يُرفَع صيامُنا وصلَّينا فلم تُنوَّرْ صَلاتُنا وزكَينا فلم تَزْك
زكاتُنا، ودعَونا بمثل حنين الحمام، و بمثل عُواء الذئاب، في كلّ ذلك لا يُسمعُ
منّا ولا يُستجابُ لنا. قال اللّه تبارك وتعالى: " سلهم ذلك وما الذي منعني
أن أجيبَهم؟ ألستُ أسْمَعَ السامعين وأبصَر الناظرين وأقرَبَ المجيبين وأرحم
الراحمين! ألِأنّ خزائني فَنِيَتْ؟ كيف ويداي مبسوطتان بالخير انفِق كيف أشاء! أم
لأن ذاتَ يدي قلتْ. كيف ومفاتيح الخير بيدي لا يفتحها ولا يُغلقها غيري! أم لأن
رحمتي ضاقت؟ كيف ورحمتي وسِعتْ كل شيء، وإنما يتراحم بفضلها المتراحمون! أم لأنّ
البخل يعتريني. كيف وأنا النفاح بالخيرات أجوَدُ مَن أعطَى وأكرمُ من سُئل! ولكن كيف
أرفعُ صيامَهم وهم يَلْبِسونه بقول الزور ويتقوّون عليه بطُعْمة الحرام! كيف
أنوِّر صلاتَهم وقلوبهم صاغيَةٌ إلى من يُحَادّني وينتهك محارمي أم كيف أستجيب
دعاءهم وإنما هو قولٌ بألسنتهم والعملُ في ذلك بعيد! أم كيف تزكو صدقاتهم وهي من أموال غيرهم! إنما أجزِي عليها المغصوبين.
وإن من علامة رضاي رضا المساكين.
في ما ناجى الله
تعالى به موسى عليه السلام
قال وهب: وفيما ناجى
الله به موسى عليه السلام: لا تُعْجبكما زينة ولا ما مُتِّعَ به، ولا إلى ذلك
أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترَفين. ولو شئت أن أزيِّنكما بزينة
يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تَعجِز عما اوتيتما فعلتُ، ولكنّي أرغب بكما
عن ذلك وأزوِيه عنكما؛ وكذلك أفعل بأوليائي، إني لأذودُهم عن نعيمها ورخائها كما
يذود الراعي الشفيقُ غنَمه عن مراتع الهَلَكَة، وإني لأحميهم عيشَها وسَلوتها كما يُجنَبُ
الراعي الشفيقُ إبلَه مباركَ العُر، وما ذاك لهَوَانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم
من كرامتي سالماً موفَّراً لم يَكْلِمْه الطمعُ ولم يطبعه الهوى. واعلم أنه لن
يتزينُ العبادُ بزينة أبلغَ فيما عندي من الزهد في الدنيا، إنما هي زينة الأبرار
عندي، وأنْقَى ما تَزَينَ به العبادُ في عيني عليهم منها، لباسٌ يُعرَفون به من
السكينة والخضوع، سيماهم النحولُ والسجود، أولئك أوليائي حقاً. فإذا لقيتَهم
فاخفِضْ لهم جناحَك، وذلل لهم قلبك ولسانَك.
وأعلم أنه من أهان لي
ولياً أو أخافه، فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وعرَّضني لنفسه ودعاني إليها، وأنا
أسرع شيء إلى نُصرة أولياء، أفيظنّ الذي يحاربني فيهم أنه يقوم لي! أم يظنّ الذي
يعاديني فيهم أنه يعجِزني! أم يظن الذي يبادرني إليهم أنه يسبقني أو يفوتني! كيف
وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، لا أكل نصرَهم إلى غيري! ما أوحى الله به إلى
موسى عليه السلام بطور سيناء وفي التوراة: أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السلام
بطور سيناء: يا موسى بن عمران صاحب جبل لُبنان، أنت عبدي وأنا إلهك الديان؛ لا
تستذلَّ الفقير، ولا تَغبِط الغني بشيء يسير؛ وكن عند ذكري خاشعاً، وعند تلاوة
وحيي طَائعاً؛ أسْمِعْني لذاذةَ التوراة بصوتٍ حزين.
ما أوحى الله تعالى
به إلى عيسى عليه السلام وفيما أوحى اللّه إلى عيسى عليه السلام: أنزلْني من نفسك
كهمِّك، واجعلْني ذخرَك في مَعَادك، وتقرًبْ إلي بالنوافل أدْنِك، وتوكَل عليَّ
أكفِك، ولا تَوَلَّ غيري فأخذُلك؛ إصْبر على البلاء، وارضَ بالقضاء، وكن كمسَرّتي
فيك، فإنّ مَسرّتي أن أطاعِ، وأحْي ذكري بلسانك، وليكن وُدي في قلبك تيقَظْ لي في
ساعات الغفلة؛ وكن راهباً لي وراغباَ إلي. أمِتْ قلبَك بالخشية؛ راع الليلَ لتحري
مَسَرّتي، واظمأ لي نهارَك لليوم الذي عندي؛ نافسْ في الخيرات جُهدك. قُمْ في
الخليقة بعدلي، واحكم فيهم بنصيحتي، فقد أنزلتُ عليك شفاءَ وساوِس ما في الصدور من
مرض الشيطان، وجلاءَ الأبصارِ من غِشاء الكَلال؛ ولا تكن حِلْساً كأنك مقبورٌ وأنت
حيّ تتنفَس. إكحَلْ عينيك بمُلمولِ الحزن إذا ضحِك البطّالون. إبكِ على نفسك أيام
الحياة بكاءَ مَنْ قد ودّع الأهلَ وقَلَى الدنيا، وتركَ اللذاتِ لأهلها، وارتفعتْ
رغبتُه فيما عند إلهه. طوبَى لك إن نالك ما وعدتُ الصابرين تَرجَ من الدنيا يوماً
فيوماً، وارضَ بالبُلْغَة، ولْيكفِك منها الخَشِنُ. تذوَّق مذاقةَ ما قد خلا أين
طعمُه! وما لم يأت أين لذّتُه! لو رأت عيناك ما أعددتُ لأوليائي لذاب قلبك
وزهِقَتْ نفسُك شوقاً إليه.
فيما قال عيسى
للحواريين
وفيما قال للحواريين:
بحقٍّ أقول لكم: إنّ شجر الأرض بمطر السماء تعيش وتزكو، وكذلك القلوب بنور الحكمة
تُبصِر وتَهتدي؛ بحق أقول لكم: إنه من ليس عليه دَينٌ أروَحُ وأقل همًّا ممن عليه
دين وإن حَسُنَ قضاؤه، وكذلك من لم يعمل الخطيئةَ أروحُ وأقلُّ هَمًّا ممن عمل بها
وإن حسُنْت توبتُه. إن الدابة تزداد على كثرة الرياضة خيراً، وقلوبكم لا تزداد على
كثرة الموعظة إلا قسوةً. إنّ الجسدَ إذا صلَح كفاه القليل من الطعام، وإنّ القلب
إذا صح كفاه القليل من الحكمة. كم مِن سراجٍ قد أطفأته الريحُ، وكم من عابد قد
أفسده العُجْب. يا بني إسرائيل، استمعوا قولي فإن مَثَل من يستمع قولي ثم يعمَلُ به
مثلُ رجلٍ حكيم أسس بنيانَه على الصفا، فمطرت السماء وسالت الأوديةُ وضربته
الرياحُ فثبت بنيانُه ولم يَخِر، وَمَثل الذي يستمع قولي ثم لا يعمَل بهَ مثل رجلٍ
سفيهٍ أسَسَ بنيانَه على الرمل، فمطرت السماءُ وسالت الأوديةُ وهاجت الريحً فضربته
فسقط بنيانُه. يا بني إسرائيل، ما يُغنِي عن الأعمَى سَعَةُ نورِ الشمس وهو لا
يُبصرها! وما يغني عن العالم كثرةُ العلم وهو لا يعمَل به!. بحق أقول لكم: إن
قائلَ الحكمة وسامعَها شريكان، وأوْلاهما بها من حقّقها بعمله. بحقٍّ أقول لكم: لو
وجدتم سراجاً يتوقد بالقَطِران في ليلة مظلمةٍ لاستضأتم بنوره ولم يمنعكم منه
نتْنُ قَطرَانه، فكذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمةَ ممن وجدتموها عنده قول عيسى
عليه السلام لأصحابه بلغني عن محمد بن فُضَيل عن عمران بن سليم قال: بلغني أنّ
عيسى بن مريم قال لأصحابه: إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا أنفسَكم على العداوة والبغضاء
من الناس؛ إنكم لا تُدرِكون ما تطلبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تنالون ما تُحبون
إلا بالصبر على ما تكرهون. إياكم والنَظْرَة، فإنها تزرع في القلب الشهوةَ. طوبى
لمن كان بصرُه في قلبه ولم يكن قلبه في بصره! بين عيسى عليه السلام وأصحابه قال:
وبلغني أن عيسى خرج على أصحابه وعليه جُبًةٌ من صوف وكساءٌ وتبانٌ حافياً مجزوز
الرأس والشاربين باكياً شَعِثاً مصفَرً اللون من الجوع يابسَ الشًفتين من العطش،
طويلَ شعر الصدر والذراعين والساقين؛ فقال: السلام عليكم يا بني إسرائيل أنا الذي
أنزلتُ الدنيا منزلَها، ولا عجَب ولا فخر، أتدرون أين بيتي؟ قالوا: أين بيتك يا
رُوحَ الله؟ قال: بيتي المساجد، وطيبي الماء وإدامي الجوعُ، ودابتي رجلي، وسراجي بالليل
القمرُ، وصِلاتي في الشتاء مشارقُ الشمس وطعامي ما تيسَّر، وفاكهتي ورَيْحاني
بُقُولُ الأرض، ولباسي الصوفُ، وشِعَاري الخوف، وجُلَسا الزَمْنى والمساكينُ،
أصبحُ ليس لي شيء، وأمْسي وليس لي شيء، وأنا طيب النفس غنيّ مُكْثر فمن أغنى وأربح
مني.
وقرأت في بعض الكتب:
عبدي! ما يزال مَلَكٌ كريم قد صعِد إليِّ منك بعمل قبيح، أتقرب إليك بالنّعم،
وتتمقَّتً إليَّ بالمعاصي خيري إليك نازلٌ، وشرك إليّ صاعدٌ.
وفي التوراة: لعلّكَ
يا إسرائيلُ إذا أنت خرجتَ من البرية فدخلتَ الأرضَ المقدسة، أرض بني آبائك إبراهيم
وإسحاقَ، فإنها تَفِيضُ بُراً وشعيراً ولبناً وعسلاً، فَورِثتَ بيوتاً بناها غيرُك
وعصرتَ كروماً غرسها غيرك، فأكلتَ وشربتَ وتنعَمتَ بشحم لُبابِ القمح، ضربتَ بيدك
إلىِ صدرك ورمحتَ كما ترمح الدابّةُ برجليها، وقلتَ: بشدّتي وبقوّتي وبأسي ورِثتُ
هذه الأرض وغلَبتُ أهلَها، ونسِيتَ نعمتي عليك! فأقذف الرُّعبَ في صدرك إذا أنت
لقِيتَ عدوك، وإذا هبت الريحُ فتقعقعِ لها ورِقُ الشجر انهزمتَ، فأقِل رجالكَ،
وأرمَلُ نساءك، وأيتَم أبناءك، وأجعلُ السماءَ عليك نُحاسَاً والأرض حديداً، فلا
السماءُ تُمطِر ولا الأرضُ تُنبِت، واقِلُّ لك البركةَ حتى تجتمع نِسوةٌ عَشْرٌ
يختبزن في تَنُّورٍ واحدٍ .
لوهب بن منبه بلغني
عن عبد الرحمن المحاربيّ عن جعفر بن بُرْقان قال: بلغني عن وهب بن منبه قال: أجُد
في الكتاب أنّ قوماً يتديّنون لغير العبادة، ويختِلون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون
مُسُوك الضأن على قلوب الذئاب، ألسنتهم أحلى من العسل وأنفُسهم أمرّ من الصبر، ألي
يغترُّون! أم إياي يخادعون! أقسمتُ لأبعثن عليهم فتنةً يعود الحليمُ فيها حَيْران.
وقرأتُ في الإنجيل:
" لا تجعلوا كنوزكم في الأرض حيث يفسِدها السوسُ والدودُ وحيث ينقُبُ
السراقُ، ولكن اجعلوا كنوزكم في السماء فإنه حيث تكون كنوزكم تكون قلوبكم. إنَّ
العينَ هي سِراجُ الجسد فإذا كانت عينك صحيحةً فإن جسدَك كلَّه مُضِيء. وإنه لا
يستطيع أحد أن يعملَ لربيْن اثنيْن إلا أن يُحب أحدَهُما وُيبغِضَ الآخر، ويُوقِّر
أحدهما ويُهينَ الآخرَ، فكذلك لا تستطيعون أن تعمَلوا لله وللمال. ولا يُهمَنًكم
ما تأكلون وما تشربون وما تلبسون، أليست النفسُ أفضل من الطعام، والجسدُ أفضلَ من اللباس
انظروا إلى طَير السماءِ فإنهن لا يزرعن ولا يَحصدن ولا يَجمعنَ في الأهْراءِ،
وأبوكم الذي في السماء هو الذي يرزقُهنَ، أفلستم أفضلَ منهنَّ ! وأيكم
الذي إذا جهِد قدر أن يزيدَ في طوله ذراعاً واحداً! فلِمَ تهتمون باللباس؟ اعتبروا
بسُوس البرية فإنه لا يعملَ ولا يغزِل، أنا أقول: إن سليمانَ بوقاره لم يستطع أن
يلبسَ كواحده منه، فإذا كان اللهّ يُلبِسُ عُشبَ الأرض الذي ينبت اليوم ويُلقَى في
النارِ غداً، أفلستم يا قليلي الإيمانِ أفضلَ منه! ولا تهتفُوا فتقولوا: ماذا نأكل
وماذا نشربُ وماذا نلبَسُ، فإنه إنما يهتمُّ لذلك ابن الدنيا؛ وإن أباكم الذي في
السماء يَعْلم أنَّ ذلك ينبغي لكم، فابدأوا فالتمسوا ملَكوتَ الله وصِدِّيقيّته، فإنكم
سوف تُكْفَون. ولا يُهمَنّكم ما في غدٍ، فإن غداً مكتفٍ بهمّه، وحَسْبُ اليوم
شرهُ. وكما تَدِينون تُدانون، وبالمكيال الذي تكيلون يُكال لكم. وكيف تُبصِر
القذاةَ في عين أخيك ولا تُبصر الساريةَ في عينك! لا تُعطوا الكلاب القُدْسَ، ولا
تُلقما لؤلؤكم للخنازير. سَلوا تُعْطواَ وابتغُوا تجِدوا، واستفتحُوا يُفتحْ لكم،
وانظروا الذي تُحبُّون أن يَأتِيَ الناسُ إليكم فأتوا إليهم؛ أدخلوا البابَ الضيق،
فإن البابَ والطريقَ إلى الهَلَكةِ عَرِيضان، والذين يسلُكونَهما كثيرٌ. وما أضيق
البابَ والطريقَ اللذين يُبلَغان إلى الحياةِ! والذين يسلكونَهما قليلٌ " .
بين عيسى عليه السلام
ورجل وقال له رجل: أتْبعُك حيث ذهبتَ. فقال له عيسى: للثعالبِ حِجرَةٌ، ولطير
السماء كِنَان وليس لابن الإنسانِ مكان يُسنِدُ فيه رأسَه.
وبينه وبين رجل من
الحواريين وقال له رجل من الحَوارِيين: أتأذن لي أن أدفِنَ أبي؟ فقال له: دع
الموتَى يَدفنون موتاهم واتْبَعْني.
من أقوال عيسى
للحواريين وقال للحوارِيين: لا تَتزودوا شيئاً، فإن العائلَ محقوقٌ أن يُطْعَم
قُوتَه، وإني أرسلكم كالخِرفان بين الذئاب، فكونوا حُلَماء كالحياتِ وبُلْهاً
كالحَمام. وإذا دخلتم البيتَ فسلموا على البيتِ، فإن كان ذلكَ البيت أهلَاَ
لسلامكم فليُصِبْهم، وإن لم يكن أهلاً لسلامكم فإنه يرجع إليكم. ومن لم يُؤوِكم
ويستمَعْ لقولكم، فإذا خرجتم من قَريته فانفُضُوا الغبارَ عن أرجُلِكم ما ناجى به
عُزير ربه حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وَهْب قال: كان فيما ناجَى
به عُزَير ربه: " اللهَم فإن لك من كلِّ خَلْقٍ خلفتَه خِيْرَةً اخترتها،
وإنك اخترتَ من النابت الحبْلة؛ ومن المواشي الضائنةَ، ومن الطير الحمامةَ، ومن
البيوت بيتَ إيلياء، ومن إيلياءَ بيتَ المقدِس، ومن جميع الخلائق آدمَ، ومن وَلَدِ
آدمَ نوحاً، ومن وَلَد نوحٍ إبراهيمَ، ومن وَلَد إبراهيمَ إسماعيلَ وإسحاقَ، من وَلَد
إسحاقَ إسرائيل؛ اللهمً فأصبحتْ خِيْرَتُك قد تمَت ونفذَتْ في كل ما اخترتَ إلا ما
كان من وَلَد خليلك إبراهيم، فإنهم أصبحوا أعبُداً لأهل معصيتك وخَوَلًا لأعدائك،
فما الذي سلَط علينا ذلك؟ أمن أجل خطايانا. فالخاطئون ولَدونا، أو من أجل ضعفنا؟ فمن ضعفٍ خلِقْنا. قال: فجاءني الملَكُ
فكلمني، فبينما أنا كذلك سمعت صوتاً هالني فنظرت، فإذا امرأةٌ حاسرةٌ عن رأسها،
ناشرةٌ شعرَها، شاقَّة جبيْها، تَلطِمُ وجهَها، وتصرُخُ بأعلى صوتِها، وتحثُو
الترابَ على رأسها، فأقلبتُ عليها وتركتُ ما كنتُ فيه، فقلتُ لها: ما بالُكِ أيتها
المرأةُ وما الذي دهاكِ؟ أخبريني خبرَكِ، فقد أصابت المصائبُ غيرَك.
قالتْ: إليك عنّي
أيها الرجلُ، فإن ربّي هو الذي أبكاني، ومصيبتي أعظمُ مما ترى. فقلتُ: فإن في
اللهّ عزاءً من كلّ مصيبة، وخَلَفَاً من كلّ هالك، وعوضاً من كل فائتٍ، فإياه
استعيني، وإلى نظره لك فانظري.
قالت: إني كنتُ امرأة
كثيراً مالي، عظيماً شرَفي، وكنت عاقراً لا وَلَدَ لي، وكنتُ عند بعلٍ له نِسوة
معي وكلهن وُلدَ له غيري، فملنَ به لحب الولد فصرفَ وجهَه عنّي، فحزنتُ وحزن أهلي
وصديقي، فلما رأيت هواني عليه وسقوطَ منزلتي عنده، رغِبتُ إلى ربي ودَعَوْتُه
فأجابني، واستوهبتُه غلاماً فوهبه لي، فقرتْ به عيني، وفرح أهلي، وعطَف اللُه به زوجي،
وقطعَ عنّي ألسنةَ ضرائري، فربيْتُ غلاماً لم تحمِلْ أنثى مثلَه حُسناً وجمالاً
ونضَرة وتماماً، فلما بلَغ أشُده وكمَل به سروري خطبتُ عليه عظيمةَ قومي، وبذلتُ
دونه مالي، وخرجتُ من خُلعتي، وجمعت رجالَ قومي، فخرج يَمشي بينهم حتى دخلَ بيتَه،
فلما قَعد على سريره، خر منه فاندقت عنقُه فمات ابني وضلَّ عملي وبطَلَ نصيبي
وتَلِفَ مالي، فخرجتُ إلى هذه البَريًة أبكيه فيها لا أريدُ أن أرى أثراً من آثاره
ولا أحداً من أصحابه، ولن أبرَحَ أبكيه حتَّى ألحقَ به.
قال عُزَيرٌ: اذكري
ربك وراجعيه، فقد أصابت المصائبُ غيرَك أما رأيتِ هلاكَ إيلياءَ وهي سيدةُ المدائن
وأمُّ القُرَى؟ أوَ ما رأيتِ مصيبة أهلها وهم الرجال؟ قالت: إي رحِمك اللُه! إن هذا
ليس لي بعزاء وليستْ لي بشيء منه أسوةٌ، إنما تبكي مدينةً خرِبَتْ، ولو تُعمَرُ
عادتْ كما كانت، وإنما تبغِي قوماً وعدَهم الله الكَرَّةَ على عدوهم، وأنا أبكيَ
على أمرٍ قد فات، وعلى مُصيبة لا أستقيلُها.
قال عُزَير: فإنه
خُلِقَ لما صار إليه، وكل شيء خُلِقَ للدنيا فلا بد أن سيَفْنَى، أمَا رأيتِ
مدينتنا أصبحتْ خاويةً على عروشها بعد عِمارتها، وأوحشتْ بعد أنسها وأثاثها؛ أوَ
ما رأيت مسجدَنا كيف غُير حسنُه، وهُمَ حِصنُه، وأطفئ نورُه! أوَ ما رأيتِ عزَ
أهلها كيف ذَلَّ، وشرفَهم كيف خَمُلَ ومجدَهم كيف سقَط، وفخرَهم كيف بطَل! أو ما
رأيتِ كتاب اللّه كيف أحْرِقَ، ووليَ اللّه كيف رُفِعَ، وتابوتَ السكينةِ كيف
سُبي! أو ما رأيتِ نساءَ الملوك وبناتِهم في بُطون الأسواقِ حاسرات عن السُوق
والوجوه والأشعار! أو ما رأيت الأشياخ الذين على وجوههم النورُ والسكينةُ مقَرَّنِين
في الحبال والقِطار! أو ما رأيتِ الأحبارَ والرهبانَ مصفدين في الإسار، أو ما
رأيتِ أبناءَ موسى وهارون تُضرب عليهم السهامُ ويقتسمُهم الأشرارُ، وولدانَ الملوك
خَدماً للكُفْار؟ أو ما رأيتِ قتلانا لم يوار أحداً منهم قبرٌ، ولم يَعهَدْ أحد
منهم إلى ولد، فالحكماء مبهوتون، والعلماء يموجون، والحلماء متحيّرون، وأهلُ الرأي
مُلْقُون بأيديهم مُستسلِمون.
قال: فبينا أنا
أكلَمها غشى وجهَها نورٌ مثلُ شعاع الشمس حال بيني وبين النظر إليها فخمرتُ من
شدته وجهي ورددتُ يدي على بصري، ثم كشفتُ وجهي فإذا أنا لا أحِسّها ولا أرى
مكانَها، وإذا مدينة قد رُفعتْ لي حصينةٌ بسورها وأبوابها، فلما نظرتُ إلى ذلك
خَرَرتُ صَعِقاً؛ فجاءني الملَك فأخذ بضَبْعي ونعشني وقال لي: ما أضعفك يا
عُزَيْر! وقد زعمتَ أن بك من القوة ما تخاطبُ به ربك وتُدلِي بالعذر عن الخاطئين
من بني إسرائيل.
قال له عُزَيْر: مثل
الني رأيتُ وعاينتُ أضعفني وأذهب روحي.
قال الملَك: فإن
المرأةَ التي كلمتْك هي المدينة التي تبكي عليها، صورها الله لك في صورة أنثى
فكلمتك، فافقَهْ عنها: أما قولها: إنها عُمَرتْ زماناً من دهرها عاقراً لا ولد
لها، فكذلك كانت إيلياءُ صعيداً من الأرض خرابَاً لا عُمرانَ فيها أكثر من ثلاثة آلاف
سنة. وأمّا قولها: إن اللّه وهب لها غلاماً عند اليأس، فذلك حين أقبل الله عليها
بالعُمران فابتعث اللُّه منها أنبياءه وأنزل كتابه. وأما قولها: إنه هلك ولدُها
حين كمل فيه سرورُها، فذلك حين غيَّر أهلُها نعَم اللّه وبدّلوها ولم يزدادوا
بالنعم عليهم إلا جُرأة على الله وفساداً، فغير اللّه ما بهم وسلّط عليهم عدوَّهم
حتى أفناهم، وقد شفَعك اللّه في قومِك وكتابك ومدينتك، وسيُعيدها الله عامرة كما
رأيت عليها حيطانُها وأبوابُها، نجيها مساجدُها وأنهارها وأشجارها.
بين إبراهيم عليه
السلام وصديق له يُدعى العازر
وحدثني بهذا الإسناد
قال: لما أمر الله إبراهيم أن يذبح إسحاقَ عليهما السلام ويجعلَه رباناً، أسر ذلك
إلى خليلٍ له يقال له: العازر؛ فقال له الصديق: إن الله لا يَبتلي بمثل هذا ملَك،
ولكنَّه يريد أن يُجرَبك ويختبرَك، وقد علمتَ أنه لم يبتلِك بهذا ليَفتِنك ولا
ليُضلَك ولا ليعنتك ولا لينقُص به بصيرتَك وإيمانَك ويقينَك، ولا يروعنَك هذا ولا
تَسُوءنّ باللّه ظنّك، وإنما رَفع ذلك اسمكَ في البلاء على جميع أهل البلاء، حتى
كنت أعظمهم في نفسك وولدك، ليرفعَك بقدر لك عليهم في المنازل والدرجات والفضائل؛
فليس لأهل الصبر في فضيلة الصبر إلا فضلُ صبرك، وليس لأهل الثواب في فضيلة الثواب
إلى فضل ثوابك، وليس لأهل البلاء في جسيم شرف البلاء إلا فضلُ شرفك. وليس هذا
من وجوه البلاء الذي يبتلي الله به أولياءه، لأن الله أكرمُ في نفسه وأعدلُ في
حكمه وأعدل في عبادة من أن يجعل ذبح الولد الطيِّب بيد الوالد النبيّ المصطفَى؛
وأنا أعوذ بالله من أن يكون هذا منّي حتماً على اللّه أو ردّاً لأمره أو سُخْطاً
لحكمه على عباده، ولكن هذا الرجاءُ فيه والظن به. فإن عزم ربك على ذلك فكن عبداً
أحسن علمه بك ة إني أعلم أنه لم يُعرضك لهذا البلاء العظيم إلا لحُسن علمه بك
وبصدقك وبصبرك، ليجعلك لناس إماماً، ولا حول ولا قوة إلا باللّه.
بين جبريل ويوسف
عليهما السلام وحدثني بهذا الإسناد أن يوسف عليه السلام لما لبِث في السجن سبع
سنين أرسل الله عز وجل إليه جبريلَ عليه السلامِ بالبشارة بخروجه، فقال له:
أتعرفني أيها الصديق؟ قال له يوسف: أرى صورةً طاهرةً وروحاً طيباً لا يشبه أرواح الخاطئين.
قال جبريل: أنا الروح الأمين، رسول رب العالمين. قال يوسف: فما أدخلك مداخل
المذنبين وأنت سيد المرسلين ورأس المقربين. قال جبريل: أوَ لم تعلم أيها الصدّيقُ
أن الله يطفَر البيوت بطُهر النبيين، وأن البقعة التي يحلون بها هي أطهر الأرضين،
وأنه قد طهّر بك السجنَ وما حوله يابن الطاهرين. قال يوسف: كيف تشبّهني بالصالحين،
وتسمّيني بأسماء الصدّيقين، وتُعدّني مع آبائي المخلصين، وأنا أسيرٌ بين هؤلاء
المجرمين؟ قال جبريلُ: لم يَكلِم قلبَك الجزعُ، ولم يغير خُلُقَك البلاءُ، ولم يتعاظمك
السجنُ ولم تطأ فراش سيّدك، ولم يُنسك بلاءُ الدنيا بلاءَ الآخرة، ولم تُنسك نفسُك
أباك ربك ولا أبوك ربَّك؛ وهذا الزمان الذي يفُكُّ الله به عنوّك، ويُعْتِق به
رِقك، ويُبيَن للناس فيه حكمتك، ويُصدق رؤياك وُينصفك ممن ظلمك، ويجمع إليك
أحبّتك، ويهب لك مُلك مصرَ: يملكك ملوكها ويُعبِّد لك جبابرتها، ويُذلّ لك
أعزّتها، ويُصغَر لك عظماءها، ويخدِمُك سُوقتها، ويخوّلك خوَلَها ويرحَم بك
مساكينَها، ويُلقيِ لك المودةَ والهيبةَ في قلوبهم، ويجعل لك اليدَ العليا عليهم
والأثر الصالحَ فيهم، ويُري فرعون حلْماً يفزَع منه ويأخذه له كربٌ شديد حتى
يُسهرَه ويُذهَب نومَه ويعمّي عليه تفسيره وعلى السحرة والكهنة ويعلَمك تأويلَه.
وفي بعض الكتب: أوحى
الله تعالى إلى بعض الأنبياء: إذا أردت أن تسكنَ معي غداً في حظيرة القُدس فكن في
الدنيا وحيداً فريداً مهموماً حزيناً، كالطائر الوحدانيّ يظلُّ بأرض الفلاة ويرِد ماء
العيون ويأكل من أطراف الشجر، فإذا جَنً عليه الليل أوى وحده استيحاشاً من الطير
واستئناساً بربه جلّ وعزّ.
الحجاج وصندوق عبد
الله بن الزبير لما قُتِلَ عبدُ الله بن الزبَير وجد الحَجاجُ فيما ترك صُندوقاً
عليه أقفال حديد، فتعجْب؛ وقال: إنّ في هذا شيئاً. ففتحه فإذا صندوقٌ آخرُ عليه قُفْل
ففتحه فإذا سَفَطٌ فيه درج، ففتحه فإذا صحيفة فيها: إذا كان الحديث حَلفاً،
والميعادُ خُلْفاً، والمِقْنبُ ألفاً، وكان الولدُ غيظاً، والشتاء قيظاً؛ وغاض الكرامُ
غيضاً، وفاض اللئام فيضاً، فأعنزٌ عُفْرٌ، في جبل وَعْر، خير من مُلك بني النضّر.
حدثني بذلك كعب الحِبر.
الدعاءللنبي صلى الله
عليه وسلم
حدثني أبو مسعود
الدارمي: قال: حدثنا جريرٌ عن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم: " قال ربكم عزّ وجلّ ثلاثة: واحدةٌ لي، وواحدةٌ لك يا بن آدم، وواحدة
بيني وبينك، فأما التي لي فتخلِصُ لي لا تُشرِك بي شيئاً، وأما التي لك فأحوجُ ما
تكون إلى عملك أوفيكه، وأمما التي بيني وبينك فمنك الدعاءُ وعلي الإجابة " .
ما يفتتح به النبي
صلى الله عليه وسلم صلاته في قيام الليل حدّثني عَبْدةُ بن عبد اللّه قال: أخبرنا
زيد بن الحُبَاب قال: حدثنا معاوية قال: حدثني أزهرُ ابن سعيد عن عاصم بن حميد
قال: سألتُ عائشةَ رضي اللّه عنها، ما كان يفتتح به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
به صلاتَه في قيام الليل؟ قالت: كان يُكبر عَشْراً ويحمَدُ عشرا ويسبح عشراً ويهلَل
عشراً ويستغفرُ الله عشراً، وثم يقول: " اللهم اغفرْ لي واهدني وارزقني
وعافني " ، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة.
للنبي صلى الله عليه
وسلم إذا أصبح حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا الخُفَافُ عن أبي الوَرْقاء
عن عبد الله بن أبي أوفَى قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال:
" أصبحنا وأصبح الملكُ والكبرياءُ والعظمةُ والخَلقُ والأمرُ والليلُ
والنهارُ وما يسكن فيهما لله رب العالمين وحده لا شريك له. اللهم
اجعل أوّلَ هذا النهار صلاحاً وأوسطه فلاحاً وآخرَه نجاحاً. اللهم إني أسألك خيرَ
الدنيا وخير الآخرة يا أرحمَ الراحمين " .
دعاء الاستسقاء
للحسين حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا حسين بن عليّ الجُعْفِيِ عن إسرائيلي عن
الحسين أنه كان إذا استسقى قال: " اللهم اسقنا سُقْيا واسعةً وادعةً عامةً
نافعةَ غيرَ ضارة تعم بها حاضرَنا وبادينَا وتزيد بها في رزقنا وشكرنا. اللهم
اجعله رزقَ إيمانٍ وعطاءَ إيمانٍ إن عطاءك لم يكن محظوراً. اللهم أنزل علينا في
أرضنا سكنها، وأنبِتْ فيها زينتها ومرعاها " .
دعاء الاستسقاء
للعباس روى الكلبيّ عن أبي صالح أن العباس قال: يوم استسقى عمر رضي اللّه عنه:
" اللهم إنه لم ينزلْ بلاء إلا بذنب، ولا يُكشَف إلا بتوبةٍ، وقد توجّه بي
القوم إليك لمكاني من نبيّك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة، فاسقنا
الغيث،. فأرخت السماءُ شابيب مثلَ الجبال بديمةٍ مُطبِقَةٍ.
دعاء عمر بن عبد
العزيز عشية عرفة بعرفة وروى سفيان بن عيينة عن أبي عبد الملك قال: سمعت عمر بن
عبد العزيز عشية عرفه بعرفة وهو يقول: " اللهم زِدْ في إحسان محسنهم، وراجعْ
بمسيئهم إلى التوبة، وحُطْ من ورائهم بالرحمة " .
دعوات النبي صلى الله
عليه وسلم عند انصرافه من مجلس حدّثنا حسين بن حسين قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك
قال: أخبرنا يحيى بن أيوب عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عبد اللّه بن
عمر قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقوم من مجلس إلا دعا بهؤلاء
الدعوات: لا اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما
تُبلغنا به إلى رحمتك، ومن اليقين ما تهونُ به علينا مصيباتُ الدنيا ومَتِّعنا
بأسماعنا، أبصارنا، واجعل ذلك الوارثَ منا، وانصرنا على من ظلمنا، ولا تجعل
مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلَط علينا من
لا يرحمنا " .
لشدّاد بن أوس ثم
للنبي صلى الله عليه وسلم بلغني عن يونس عن الأوزاعيّ عن حسّانَ بن عُطَيًة قال:
كان شدّاد بن أوس في سفر، فنزلنا منزلاً فقال لغلامه: ائتِنا بالسفرة نَعبث بها،
فأنكرت منه، فقال: ما تكلمت بكلمة مذ أسلمت إلا وأنا أخطِمها وأزّمها غير كلمتي
هذه فلا تحفظوها عني، واحفظوا عني ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا كنز الناسُ
الذهبَ والفضّة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمر
والعزيمةَ في الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسنَ عبادتك أسألك قلباً سليماً
ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، أستغفرك لِما تعلم،
إنك أنت علام الغيوب " .
من أدعية النبي صلى
الله عليه وسلم
بلغني عن الوليد بن
مسلم قال: حدّثنا أبو سلمة الحوسيّ عن سالم بن عبد الله قال: كان من
دعاء رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " اللهم ارزقني عينين هطّالتين تبكيان
بذروف الدموع وتشفيانني من خشيتك قبل أن تكون الدموع دماً والأضراس جمراً " .
حدّثني أبو سفيان
الغَنْوِيّ قال: حدثنا عمر بن عِمران قال: حدّثني الحارث بن عِنبة عن العلاء بن
كثير عن أبي الأسقع: أنه كان يحفظ من دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم: " يا
موضعَ كلّ شكوى ويا شاهدَ كلّ نَجْوَى بكل سبيل أنت مقيم تَرَى ولا تُرَى وأنت
بالمنظَر الأعلى " .
دعاء عيسى عليه
السلام للمرض والعميان والمجانين حدّثنا عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب
بن منبّه قال: كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى والزِّمْنَى والعميان والمجانين
وغيرهم: " اللهم أنت إله مَنْ في السماء وإله مَنْ في الأرض لا إله فيهما
غيرُك، وأنت جبار مَنْ في السماء وجبار مَنْ في الأرض لا جبارَ فيهما غيرك، وأنت
حَكَمُ مَنْ في السماء وحَكَمُ مَنْ في الأرض لا حَكَمَ فيهما غيرُك، وأنت ملِك
منْ في السماء وملِك مَنْ في الأرض لا ملِك فيهما غيرك؛ قُدرتُك في الأرض كقدرتِك
في السماء، وسلطانُك في الأرض كسلطانك في السماء؛ أسألك باسمك الكريم ووجهِك المنير
إمُلكِك القديم، إنك على كلّ شيء قدير،. قال وهب: هذا يُقرأ للفزع على المجنون
ويُكتب له ويغسل ويسقى، فيبرأ بإذن اللهّ أيّ ذلك شاء فعل.
من دعاء المسيح حين
أخذه اليهود وحدّثني أيضاً بهذا الإسناد قال: كان من دعاء المسِيح حين أخذه اليهود
ليصْلُبوه بزعمهم فرفعه الله إليك: " اللهم أنت القريب في علوك، المتعالي في
دنوّك، الرفيع على كل شيء خَلْقك، أنت الذي نفذ بصرك في خلقك، وحَسِرَت الأبصار
دون النظر إليك وعَشِيَتْ دونك وشمخ بك العلوّ في النور؛ أنت الذي جَلّيت
الظُّلَمَ بنورك فتباركت اللهم خالق الخلق بقدرتك مقدر الأمور بحكمتك، مبتدِعَ
الخلق بعظمتك، القاضي في كل شيء بعلمك؛ أنت الذي خلقتَ سبعاً في الهواء بكلماتك،
مستوِياتِ الطباق مذعِناتٍ لطاعتك، سَمَا بهنّ العلوّ بسلطانك فَأجبْنَ وهنّ دخان
من خوفك، فأتَيْنَ طائعاتٍ بأمرك، فيهن ملائكتك يسبّحون قدسَك بتقديسك وجعلتَ
فيهنّ نوراً يجلو الظلام، وضياءً أضوا من شمس النهار، وجعلتَ فيهنّ مصابيحَ يُهتد
بها في ظُلمات البحر والبر ورجوماً للشياطين، فتباركتَ اللهم في مفطور سمواتك، وفيها
دَحَوت من أرضك، ودَحوتها على الماء، فأذللت لها الماء المتظاهر فذل لطاعتك وأذعن
لأمرك وخضع لقوتك أمواجِ البحار، ففجّرتَ فيها بعد البحار الأنهارَ، وبعد الأنهار
العيونَ الغِزار والينابيعَ؛ ثم أخرجت منها الأشجارَ بالثمار، ثم جعلتَ على ظهرها
الجبالَ أوتاداً فأطاعتا أطوادُها، فتباركت اللهم في صنعك، فمن يبلغ صفةَ قدرتك
ومن يُنعَتُ نعتك. تُنزِل الغيث وتُنشِئ السحابَ، وتفُك الرقابَ وتَقْضِي الحقّ
وأنت خير الفاصلين. لا إله إلا أنت سبحانك أمرتَ أن يستغفرك كلُّ خاطئ. لا إله إلا أنت
إنما يخشاك من عبادك العلماء الأكياس. أشهد أنك لست بإله استحدثناه، ولا رب يبيد ذِكرُه،
ولا كان لك شركاءُ يقضون معك فندعو ونَدَعُك، ولا أعانك أحدٌ على خَلْقِك فنشك
فيك. أشهدُ أنك أحد صمدٌ لم تلِد ولم يكن لك كفواً أحدٌ، ولم تتخذ صاحبةً ولا
ولدا. اجعل لي من أمري فرجاً ومخرجا " .
قال وهب: وهذا الدعاء
عُوذَةٌ للشقيقة وغيرها من قولك: " أشهد أنك لستَ بإله استحدثناه، إلى آخره " .
لابن عباس في كيفية
الدعاء حدّثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا سفيان بن عُيَينة عن ابن عباس قال:
" الإخلاص هكذا، وبسط يده اليمنى وأشار بإصبعه من يده اليسرى، والدعاء هكذا،
وأشار براحتيه إلى السماء، والابتهال هكذا، ورفع يديه فوق رأسه ظهورُهما إلى وجهه " .
دعاء داود في الليل
حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبّه قال: كان داود إذا دعا في
جوف الليل قال: " اللهم نامتِ العيونً وغارتِ النجومُ وأنت حيّ قيّوم اغفر لي
ذنبي العظيم إنك عظيم. وإنما يغفر العظيمَ العظيمُ، إليك رفعتُ رأسي عامرَ السماء
نظرَ العبيد إلى أربابها. اللهمّ تساقطت القُرَى وأبطِل ذكرُها وأنت دائبٌ الدهرَ
مُعد كرسيَّ القضاء " .
من تحميد داود
قال: وكان من
تحميده: " الحمد للّه عدد قطَر المطر، وورق الشجر، وتسبيح الملائكة، وعددَ ما
في البرّ والبحر. والحمد للّه عددَ أنفاس الخَلْق ولَفْظهم وطَرْفهم وظِلالهم،
وعددَ ما عن أيْمانِهم وشمائِلهم، وعددَ ما قهره ملكُه، ووسِعه حِفظُه، وأحاطت به
قُدرته، وأحصاه علمُه. والحمد للّه عددَ ما تجري به الرياحُ، وتحمله السحابُ،
وعددَ ما يختلِف به الليلُ والنهارُ، وتسير به الشمسُ والقمرُ والنجومُ. والحمدُ
للّه عددَ كل شيء أدركه بصرُه، ونفذَ فيه علمًه، وبلغ فيه لطفًه. والحمد للّه الذي
أدعوه فيُجِيبُني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني. والحمد للّه الذي أسأله فيعطيني، وإن
كنتُ بخيلاً حين يَستقرِضًني. والحمد لله الذي أستعفِيه فيُعافيني، وإن كنتُ
متعرضاً لما يُهلِكني. والحمد للّه الذي حَلُم في الذنوب عن عقوبتي حتى كأني لا
ذنبَ لي، ولو يؤاخِذُني لم يظلِمني سيدي. والحمد للّه الذي أرجوه أيامَ حياتي، وهو
ذُخْرِي في آخرتي، ولو رَجوتُ غيره لانقطع رجائي. والحمد لله الذي تُمسِي أبواب الملوك مغلقةً دوني، وبابُه مفتوح لكل
ما شئتُ من حاجاتي بغير شفيع فيقضيها لي. والحمد لله الذي أخلو به في كل حاجاتى،
وأضعُ عنده سرّي في أي ساعة شئتُ من ساعاتي. والحمد لله الذي تحبب إليَّ وهو عني غَنِي،
فربّي أحمدُ شيء عنده وأحقُه بحمده " .
دعاء يوسف عليه
السلام وكان من دعاء يوسفَ: " يا عُدَتي عند كربتي، ويا صاحبي في وَحْدَتي،
ويا غِياثي عند شدتي، ومَفزَعي عند فاقتي، ورجائي إذا انقطعتْ حيلتي، إلهي وإله
آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ، اجعل لي فرجاً ومخرجاً واقض حاجتي!.
دعاء بكّاء بني
إسرائيل وكان بَكاء بني إسرائيل يقول: " اللهم لا تؤدبْني بعقوبتك، ولا تمكُرْ بي في حيلتك، ولا تؤاخذني
بتقصيري عن رضاك، عظيم خطيئتي فاغفِرْ، ويسير عملي فتقبل، كما شئتَ تكون مشيئتك،
وإذا عزمتَ يمضي عزمُك؛ فلا الذي أحسنَ استغنى عنك وعن عَونك، ولا الذي أساء استبد
بشيء يخرُج به من قُدرتِك؛ فكيف لي بالنجاة ولا توجدُ إلا من قِبَلِك! إلهُ
الأنبياء وولي الأنبياء، وبديعُ مرتبة الكرامة، جديد لا يبلى، حفيظٌ لا يَنْسَى؛
دائمٌ لا يبيد، حي يموت، يقظانُ لا ينام؛ بك عرفتُك، وبك اهتديتُ إليك، ولولا أنت
لم أعْرِ ما أنتَ؛ فتباركت وتعاليتَ " .
للنبي صلى الله عليه
وسلم قال الأزديّ: حدَثتُ عن محمّد بن النضر الحارثي أنّ النبيّ صلى الله عليه
وسلم قال: " لا تقطعوا الشهادة على أهل القبلة فإنه من يقطع الشهادةَ عليهم
فأنا منه بريءٌ إنّ الله كتمنا ما يصنع بأهل القبلة وقال: " من عَلّم آيةً!
كتاب اللّه أو كلمةً من سنّة في دين الله حثا الله له من الثواب حثواً " .
قال: وقال الأوزاعيّ
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم إني أسألك التوفيق لمحَابِّك
الأعمال وحسن الظن بك وصحة التوكل عليك " .
لعلي بن أبي طالب
عليه السلام وقد سمع رجَلاً يدعو عند الكعبة محمد بن بشر العَبْدِي قال: حدثنا بعض
أشياخنا قال: اعتمر علي عليه السلام ورجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: يا من
لا يشغَلُه سمعٌ عن سمع، ولا تُغلِطه المسائل ولا يبرمه إلحاحُ الملحين؛ أذقْني
بَرْدَ عفوك وحلاوةَ مغفرتك. فقال علي: والذي نفسي بيده لو قلتها وعليك ملءُ
السموات والأرَضين ذنوباً لغُفِر لك.
دعاء أعرابي عند
الملتزم دعا أعرابي عند الملتزَم فقال: اللهم إن لك علي حقوقاً فتصدَقْ بها علي،
وللناس تَبِعاتٍ فتحملها عني، وقد أوجبتَ لكل ضيف قِرى، وأنا ضيفُك فاجعلْ قِراي
الليلة الجنةَ.
مثله لآخر وقال آخر:
اللهم إليك خرجِتُ، وما عندك طلبتُ، فلا تحرمني خيرَ ما عندك لشرّ ما عندي. اللهم
وإن كنتَ لم ترحم نصَبي وتَعَبي فلا تحرمني أجرَ المصابِ على مصيبته.
من كتاب لشيخ للمؤلف
وقرأتُ في كتابٍ لشيخ
لنا: اللهمّ إنه من تهيأ و تعبأ، وأعد واستعدّ لوِفَادة مخلوقٍ رَجاءَ رفدِه
وطَلَبَ نَيلِه، فإن تهيّئي وتعبئي وإعدادي واستعدادي لك رجاءَ رِفدك وطلبَ نائلك
الذي لا خطَر ولا مِثلَ. اللهمّ إني لم آتَك بعمل صالح قدّمتُه، ولا شفاعةِ مخلوقٍ
رجوته، أتيتك مُقِرا بالظُلم والإساءةِ على نفسي، أتيتُك بأنّي لا حجةَ لي، أرجو
عظيمَ عفوك الذي عدتَ به علي الخَطّائين، ثم لم يمنعك عكوفُهم على عظيم الجُرم أن
جُدتَ لهم بالمغفرة. فيا مَنْ رحمته واسعةٌ، وفضلُه عظيم اغفر الذنبَ العظيم.
للفضل بن عيسى
الرقاشي ابن عائشة قال: قال الفضل بن عيسى الرٌقاشِي: اللهم لا تُدخِلنا النارَ
بعد إذ أسكنتَ قلوبَنا توحيدَك؛ وإني لأرجو ألا تفعلَ، ولئن فعلتَ لتجمعنَ بيننا
وبين قوم عاديناهم فيك.
لأبي حازم بلغني عن
ابن عيَيْنةَ عن أبي حازم قال: لأنا مِنْ أن أمنَع الدعاءَ أخوفُ منّي من أن أمنَع
الإجابةَ.
لبعض الشعراء في وصف
دعوة أنشدنا محمد بن عمر لبعض الشعراء في وصف دعوة:
وسارية لم تَسْرِ في
الأرض تبتغي ... مَحَلاً ولم يقطع بها البيد قاطعُ
سَرتْ حيث لم تَسْرِ
الركابُ ولم تُنَخْ ... لِورْد ولم يَقصُصْ لها القيْدَ مانعُ
تَحل وراءَ الليل
والليلُ ساقط ... بأوراقه فيه سميرٌ وهاجعُ
تَفَتَحُ أبوابُ
السماء ودونَها ... إذا قَرَع الأبوابَ منهن قارعُ
إذا أوفدتْ لم يروُرِ
اللُه وفدَها ... على أهلها والله راءٍ وسامع
وإني لأرجو اللَه حتى
كأنني ... أرى بجميل الظنَ ما الله صانع
وقال آخر:
وإني لأدعو الله
والأمرُ ضيَق ... علي فما ينفك أن يتفرًجا
ورُث فتى سُدًتْ عليه
وجوهُهُ ... أصاب له في دعوةِ الله مَخرجا
ونحوه:
إذا تضايقَ أمرٌ
فانتظر فرجاً ... فأضيقُ الأمر أدناه من الفرج
كتاب رجل من العرب
لآخر أخذ له مالاً أخِذَ لرجلٍ من العرب مالٌ فكتبَ إلى آخِذه: يا هذا، إن الرجلَ
ينام علىِ الثكْل، ولا ينام على الحَرَبِ؛ فإمّا رددتَه، وإما عرضتُ اسمَك على
الله تعالى كل يوم وليلةٍ خمْسَ مراتٍ رد بكر بن عبد اللّه على رجل طلب منه أن
يدعو له قال عبد الرحمن بن زياد: اشتكَى أبي فكتب إلىِ بكر بن عبد الله يسأله أن
يدعُوَ فكتب إليه بكر: يحقّ لمن عمِل ذنباً لا عُذر له فيه، وتوقَع موتاً لا بد له
منه، أن يكون وجلاً مشفِقاً، سأدعو لك، ولستُ أرجو أن يُستجابَ لي بقوة في عملٍ،
ولا براءةٍ من ذنبٍ، والسلام لإبراهيم بن أدهم خَلَفُ بنُ تميم عن عبد الجبّار بن
كُلَيب قال: قال لنا إبراهيم بن أدهم حين عَرض لنا السبعُ: قولوا: اللهم احرُسْنا بعينك
التي لا تنامُ، واجعلنا في كَنَفك الذي لا يُرام، وارحمنا بقدرتك علينا، لا
نَهلِكُ وأنت رجاؤنا. قال خَلف: فما زلتُ أقولُها مذ سمعتُها، فما عَرض لي قط لِصٌ
ولا غيرُهُ.
لأعرابي في الاستغفار
قال أعرابيّ: من أقام بأرضنا فليُكثر من الاستغفار، فإنْ مع الاستغفار القُطَارَ .
كلمات عبر بهنّ
العلاء بن الحضرمي البحر إلى أهل دارين بلغني عن موسى بن مسعود النًهْدي عن سفيان
الثوري عن قُدامة بن حَمَاطَة الضَبيّ عن خالد بن مِنْجاب عن زياد بن حُدَير
الأسديّ أن العلاء بنَ الحضرَميّ عبرَ إلى أهل دَارِينَ البحر بهذه الكلمات: يا
حليمُ يا حكيمُ يا عليُ يا عظيمُ.
دعاء لقضاء الحاجة
حدّثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا يزيد بن هارون عن هشام الدَّسْتَوَائيّ عن
حمّاد عن إبراهيم عن عبد الله في الرجل إذا أراد الحاجةَ صلَى ركعتين ثم قال:
اللهم إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرُك بقُدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدِرُ
ولا أقدِرُ، وتملِك ولا أملِك، وتعلَمُ ولا أعلَمُ، إن كان هذا الأمرُ الذي أريده
- وتسميّه - خيراً لي في دِيني وخيراً لي في معيشتي وخيراً لي فيما أبتغي فيه
الخِيَرَةَ فيَسرْه لي وباركْ لي فيه، وإن كان شرَاً لي في دِيني شرّاً لي في
معيشتي وشرّاً لي فيما أبتغي فيه الخيرَ فاصرفه عنّي، ويسَرْ لي الخيرَ حيث كان ثم
رضَني به.
من دعاء لبعض
الصالحين
ومن دعاء بعض
الصالحين: اللهم إنًي أستغفرك من كل ذنبِ قَوِيَ عليه بدني بعافيتك، ونالته يدي
بفضل نعمتك، وانبسطتُ إليه بسَعَة رزقك، واحتجَبتُ فيه عن الناس بسَتْرك،
اتّكَلْتُ فيه على أنَاتِكَ وحِلْمك، وعولتُ فيه على كريم عفوك.
الأوزاعي في دعاء
الأوزاعيّ قال: مَن قال: " اللهمّ إني أستغفرك لمَا تبتً إليك منه ثم عدتُ
فيه، وأستغفِرُك مَا وعدتُك من نفسي وأخلفتُك، وأستغفرك لمَا أردتُ به وجهَك
فخالَطَه ما ليس لكَ، وأستغفرك للنًعم التي أنعمتَ بها عليّ فتقويْتُ بها على
معصيتك، وأستغفرك لكل ذنبٍ أذنبتُه أو معصيةٍ ارتكبتها " غفر الله له ولو
كانت ذنوبُه عَدَدَ ورق الشجر، ورمل عالج، وقَطْرِ السماء.
دعاء مطرف وكان
مُطَرِّف يقول: اللهمّ إني أعوذً بك من شر السلطان، ومن شرّ ما تجرِي به أقلامُهم
وأعوذ بك أن أقولَ قولًا حقّاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك، وأعوذ بك أن أتزيًن للناس
بشي يَشينُني، وأعوذ بك أن أكونَ عِبرةً لأحدٍ من خَلْقك، وأعوذ بك أن يكونَ أحدٌ
من خَلْقك أسعد بما علّمتَني منّي، وأعوذ بك أن أستغيثَ بمعصيةٍ لك من ضُر يُصيبني.
بين مالك بن دينار
وقوماً سألوه أن يدعو الله للاستسقاء الأزديّ عن عبد الواحد بن زيد قال: شهدتُ
مالكَ بن دينار يوماً وقيل له: يا أبا يحيى ادعُ اللَه أن يَسقيَنَا. قال:
تستبطِؤون المطرَ! قالوا: نعم قال: إنني والله أستبطئُ الحجارَة.
لعطاء السُلمي قال
أبو كعب: سمعتُ عطاءً السُلَمِيّ يقول: اللهم ارحَمْ غُرْبتي في الدنيا، ومَصرعي
عند الموت ووحدتي في القبور، ومُقامي بين يديك.
في أن اللّه تعالى
قسمَ الأخلاق على العباد كما قسم الأرزاق حدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا
أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدّثنا زُهير عن زُبيد اليامي عن مُرةَ عن عبد الله
قال: إن الله تعالى قسمَ بينكم أخلاقَكم كما قسمَ بينكم أرزاقَكم، إن الله يُؤتِي
المالَ مَنْ يحب ومن لا يحب، ولا يؤتي الإيمانَ إلا من يُحِب. فمن ضن بالمال أن
يُنفقه، وهاب العدوً أن يُجاهده، والليلَ أن يكابدهَ فليُكثِرْ من سبحان الله
والحمد لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر " .
ومن جامِع الدعاء:
اللهمّ أغنني بالعِلْم، وزيني بالحِلْم، وجفَلني بالعافية، وأكرمني بالتقوى.
من دعاء أبي المجيب
وكان من دعاء أبي المجيب: اللهم لا تَكِلْنا إلى أنفسنا فنعجِز، ولا إلى الناس
فنَضِيعَ، اللهمّ اجعلْ خيرَ عملي ما قاربَ أجلي.
من دعاء عمرو بن عبيد
ومن دعاء عمرو بن عبيد: اللهم أغنِني بالافتقار إليك، ولا تُغنِني بالاستغناء عنك.
لابن عون فيما كانوا
يستحبون من الدعاء ابن عائشة عن سلام بن أبي مُطِيع قال: سمعت ابن عون يقول: كانوا يَستحبون من الدعاء: اللهم عبدُك وابن عبدك
وابن أمَتِك لعبيدك وإمائك، أنا الذليلُ ولا أنتصر، وأنا الظالم ولا أغتفر، عملتُ
سوءا وظلمتُ نفسي وإلّا تغفر لي وترحمْني أكنْ من الخاسرين. فما أتمها ابن عون حتى
أجهشَ بالبكاء .
من دعاء النبي صلى
الله عليه وسلم ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اجعلْني لك شَكاراً، لك
ذَكّاراً، لك رهاباً، لك مطيعاً، إليك مُخبِتاً، لك أواهاً مُنيباً، رب تَقبلْ
توبتي واغسِلْ حَوْبتي وأجبْ دعوتي وثبت حجتي واهدِ قلبي وسددْ لساني " .
المناجاةدعاء لبعضهم
حدثني عبد الله بن هارون عن سُلَيم بن منصور عن أبيه قال: كنتُ بالكوفة فخرجتُ في
بعض الليل لحاجة وأنا أظنُ أني قد أصبحتُ فإذا علي ليلٌ فمِلْتُ إلى بعض أبوابها
أنتظر الصبحَ فسمعتُ من وراء الباب كلامَ رجلٍ وهو يقول: فوعزتك وجَلالِك ما أردتُ
بمعصيتي مخالفتَكَ، وما عَصَيتُك إذ عصيتُك وأنا بنَكالِكَ جاهل، ولا بعقوبتك ولا
بنظركَ مُستخِفٌ، ولكن سولتْ لي نفسي، وأعانني على ذلك شِقْوَتي، وغرني سَتْرُك
المرْخَى علي، فعصيتُك بجهل وخالفتُك بجهل، فالآنَ من عذابك مَنْ يستنقِذُني وبحبل
مَنْ أعتصمُ إن قطعتَ حبلَك عني، فوا سوأتاه من الوقوف بين يديك غدا! إذا قيل
للمِخفَين: جُوزُوا، وللمثْقِلين: حُطُوا؛ أفمع المثقلين أحُط أم مع المخفَين
أجُوز! ويلي! كلمّا كَبِرتْ سِني كَثُرتْ ذنوبي؛ ويليِ! كُلما طال عمري كثُرت
مَعاصِي فمِنْ كَمْ أتوبُ! وفي كم أعودُ! أما آن لي أن أستحييَ من رَبيَ!.
من مناجاة داود عليه
السلام بلغني عن الوليد بن مُسلم عن عثمان بن أبي العاتكة قال: كان داودُ النبي
عليه السلامُ يقول في مناجاته: سبحانكَ إلهي! إذا ذكرتُ خطيئتي ضاقت علي الأرضُ برُحْبها، وإذا ذكرت رحمتَك ارتد
إلي رُوحي، سبحانك إلهي! أتيتُ أطباءَ عبادك ليُداووا لي خطيئتي فكلهم عليك يَدُلُني.
لداود الطائي حدّثني
بعضُ أشياخنا قال: كان داودُ الطائي يقول: همك عطًلَ علي الهمومَ، وحالف بيني وبين
السُّهادِ، وشدّةُ الشفَق من لقائك أوبقَ عليَّ الشهواتِ، ومنعني اللذْاتِ، فأنا
في طلبك أيها الكريمُ مطلوبٌ.
لضيغم وقال: تعبدَ
ضيغم قائماً حتى اقعِدَ، وقاعداً حتى استلقَى، ومُستلقياً حتى أفحم؛ فلما جَهِد
رفع بصرَه إلى السماء وقال: سبحانك، عجباً للخليقة كيف أرادتْ بك بدَلاً! وسبحانك عجباً للخليقة
كيف استنارت قلوبُها بذكر غيرك! وعجباً للخليقة كيف أنسَتْ بسواك.
لامرأة من التابعين
عُتبة أبو الوليد قال: كانت امرأة من التابعين تقول: سبحانك، ما أضيقَ الطريقَ على
من لم تكن دليلَه، سبحانك ما أوحشَ الطريقَ على لم تكن أنيسَه.
مناجاة عروة بن
الزبير أبو الحسن قال: كان عُروة بن الزُبير يقول في مناجاته بعد أن قُطِعتْ رجلُه
ومات ابنُه: كانوا أربعةً، يعني بنيه، فأخذتَ واحداً وأبقيتَ ثلاثةً، وكن أربعاً
يعني يديْه ورِجليه؛ فأخذتَ واحدةً وأبقيتَ ثلاثاً،. لَيْمُنُكَ لئن كنتَ أخذتَ
لقد أبقيتَ، ولئن كنتَ ابتليتَ عافيتَ.
بين يونس وجبريل
عليهما السلام وأعبد أهل الأرض وفي حديث بني إسرائيل أن يونُس عليه السلامُ قال:
لجبريلَ عليه السلام: دُلني على أعبِد أهل الأرض. فدلَه على رجل قد قَطَع الجُذامُ
يديه ورِجليْه، وذهب ببصرَه، فسمِعه يقول: متّعتَني ما شئتَ، وسلبتَني حين شئتَ، وأبقيتَ
لي فيك الأملَ يا بارُ يا وَصُولً.
من دعاء لبعض
الصالحين ومن دعاء بعض الصالحين: اللهمّ اقطع حوائجي من الدنيا بالشوق إلى لقائك،
واجعل قُرَّةَ عيني في عبادتك، وارزقني غَم خوفِ الوعيدِ، وشوقَ رجاءِ الموعود، الَلهمّ
إنك تعلم ما يصلِحُني في دنياي وآخرتي فكن بي حفِيًّا.
باب البكاءبين النبي
صلى الله عليه وسلم وفتى من الأنصار حدّثني أبو مسعود الدارِميّ قال: حدثني جدّي
عن أنَس بن مالك قال: جاء فتًى من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
إن أمي تُكثر البكاءَ وأخاف على بصرها أن يذهب، فلو أتيتَها فوعَظتَها! فذهب معه
فدخل فقال لها في ذلك؛ فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن ذهب بصري في الدنيا ثم صرتُ
إلى الجنة، أيُبدلني الله خيراً منه. قال: " نعم " . قالت: فإن ذهب بصري
في الدنيا ثم صرت إلى النار، أفيُعِيد الله بصري؟ فقال النبيّ عليه السلام للفتى:
لا إن أمّك صِدَيقةٌ " .
لثابت بن سعيد في
ثلاث أعين لا تمسها النار حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن
الأوزاعي عن ثابت بن سعيد قال: ثلاث أعينٍ لا تمسها النار؛ عين حرَسَتْ في سبيل اللّه؛ وعينٌ سهِرتْ
في كتاب الله، وعينٌ بكتْ في سواد الليل من خشية الله.
لأبي إبراهيم أبو
حاتم عن العُتبي قال: حدثنا أبو إبراهيم قال: لا يكون البكاءُ إلا من فضل فإذا
اشتد الحزنُ ذهب البكاء وأنشد:
فلئن بكيناه يَحِقُّ
لنا ... ولئن تركنا ذاك للكِبر
فلمثله جرت العيونُ
دَماً ... ولمثله جمَدتْ فلم تَجرِ
عن عَمْرو بن العاص
في يحيى بن زكريا
بلغني عن أبي الحارث
الليث بن سعد عن أبيه عن ابن لَهِيعَة عن أبي قَبِيلٍ عن عبد الله بن عمرو بن
العاص قال : دخل يحيى بن زكريّا بيتَ المقدس وهو ابن ثَمانِي حجج، فنظر إلى عبادِ
بيت المقدس قد لبِسُوا مدارعَ الشعرَ، وبَرانسَ الصوف، ونظر إلى متهجِّديهم، أو
قال مجتهديهم، قد خرقوا التراقيَ، وسلكوا فيها السلاسلَ، وشدّوها إلى حنايا بيت
المقدس، فهاله ذلك؛ فرجع إلى أبوبه فمر بصِبيانٍ يلعبون فقالوا: يا يحيى هلمَّ
فلنلعبْ قال: إني لم أخلق للَّعب، فذلك قول الله تعالى: " وآتيناه الحكمَ
صبيّا " فأتى أبويه فسألهما أن يُدَرِّعاه الشعر ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس
فكان يخدُمه نهاراً ويَصيحُ فيه ليلاً، حتى أتت له خمسَ عشرة سنة، وأتاه الخوفُ
فساح ولزم أطرافَ الأرض وغِيرَانَ الشَعاب، وخرج أبواه في طَلبه فوجداه حين نزلا من
جبال التِّيهِ على بُحيرة الأردنّ وقد قعد على شَفِير البُحَيرة وأنقعَ قدميه في
الماء وقد كاد العطشُ يذبحهُ وهو يقول: وعزتِك لا أفوقُ باردَ الشراب حتى أعلَم
أين مكاني منك فسأله أبواه أن يأكلَ قُرصاً كان معهما من شَعير، ويشربَ من الماء
ففعلَ وكفَر عن يمينه فمدحُ بالبِرّ، قال اللّه عز وجل: " وَبَراً
بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَباراً عَصِيًا " ورده أبواه إلى بيت المقدس
فكان إذا قام في صلاته بكى، ويبكي زكريا لبكائه حتى يُغمَى عليه، فلم يزل كذلك حتى
خر دموعُه لحمَ خَدّيه، وبدَتْ أضراسُه، فقالت له أمه: يا يحيى " لو أذنتَ لي
لاتخذتُ لك لبداً لِيواريَ أضراسكَ عن الناظرين " . قال: أنتِ وذاكِ، فعَمَدَتْ إلى قِطْعَتيْ لًبودٍ فألصقتهما على خدّيه،
فكان إذا بكى استنقعتْ دموعُه في القطعتين فتقومُ إليه أمُّهُ فتعصِرهُما بيديها،
فكان إذا نطر إلى دموعه تجري على ذراعَيْ أمَهِ قال: اللهَم هذه دموعي وهذه أمَي وأنا عبدُك وأنت أرحمُ الراحمين.
ليزيد الرقاشيّ
بلَغني عن أبي معاوية عن أبي إسحاق الخَمِيسيّ قال: كان يزيدُ الرقاشي يقول: ويحك
يا يزيدُ! مَن يصومُ عنك! مَن يصلَي عنك! ومن ذا يترضَى لك ربك من بعدك! ثم يقول:
يا معشر مَنِ الموت موعده، والقْبرُ بيتُه ألا تبكون! قال: فكان يبكي حتى تسقطَ
أشفارُ عينيه.
للنبي صلى الله عليه وسلم
في البكاء من خشية الله بلَغني عن محمد بن فُضَيل عن العَلاء بن المسيًب عن الحَسن
قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " مَا منْ قطرةٍ أحب إلى الله مِنْ
قطرةِ دمٍ في سبيله وقطرةِ دمعٍ في جوف الليل من خشيته، وما من جرْعةٍ أحبُّ إلى
الله من جَرْعةِ مصيبة مُوجِعة ردّها بصبرٍ وحسُن عزاؤه، وجرعةِ غيظٍ كظَم عليها " .
لمعتمر بن سليمان عن
رجل في بكاء ابن عباس مُعتَمِر بن سليمان عن رجلٍ قال: كان في وجنتَي ابن عباس
خطَّان من أثر الدموع.
بين سيار بن جعفر
ومحمد بن واسع حدثني محمدُ بن داود عن سعيد بن نُصَيْر قال: حدثنا
سَنار عن جعفرٍ قال: كنتُ إذا أحسستُ من قلبي بقسوة أتيتُ محمدَ بن واسعٍ فنظرتُ
إليه نظرةً؛ قال: وكنت إذا رأيت وجهَه حسبتُه وجهَ ثَكلَى.
وكان يقال: أخوك مَنْ
وعَظَك برؤيته قبلَ أن يعظَك بكلامه.
تكلم الحسَن يوماً
حتى أبكَى مَن حولَه فقال: عَجيج كعجيج النساء ولا عزم، وخدعةٌ كخدعة إخوة يوسف
جاءوا أباهم عِشاءً يبكون.
لمالك بن دينار وقد
فقد مصحفه في مجلسه أبو عاصم قال: فقَدَ مالكُ بن دينار مصحفَه في مجلسه؛ فنظر
إليهم كلَهم يبكون؛ فقال كلُّكم يبكي فمن سرَق المصحف؟ لعبد العزيز بن مرزوق قال
عبد العزيز بن مرزوق: الكمد أبقَى للحزن. وكانت له شُعَيرات في مُقدمَّ صُدْغه فإذا رق نتفها أو مدَها إلى فوق فتقلصَ
دمعُه.
لغالب بن عبيد اللّه
قيل لغالب بن عبيد الله: إنا نخاف على عينك العمى من طول البكاء. فقال: هُوَ لها
شفاعة.
لبعض الشعراء في
البكاء قال بعض الشعراء:
سأبكيك حتى تُنْفِدَ
العينُ ماءَها ... ويَشفِيَ مني الدمعُ ما أتوجعً
مثله لبعض الكتاب
وقال بعض الكتابِ في مثله:
إبك فمن أنفع ما في
البكا ... أنّه للأحزان تسهيلُ
وهو إذا أنت تأملتَه
... حُزْنٌ على الخدّين محلول
لعفيرة العابدة في
البكاء
قيل لعُفَيْرةَ
العابدة: ألا تسأمين من طول البكاء؛ فبكت ثم قالت: كيف يسأم ذو داء من شيء يرجو أن
يكونَ له فيه من دائه شفاء!.
بين ابن أبي الحواري
وأبي سليمان الداراني قال ابن أبي الحوَارِي: رأيت أبا سليمان الدارانيّ يبكي،
فقلت له: ما يُبكيك؟ فقال: إنما أبكِي لذلك الغم الذي ليس فيه فرحٌ، وذلك الأمدِ
الذي ليس له انقطاعٌ.
بين بعضهم وراهب بدير
حرملة قال بعضهم: أتيتُ الشأمَ، فمررتُ بدير حَرْمَلَة، وبه راهبٌ كأن عينيْه
عِدْلاً مَزادٍ؛ فقلتُ: ما يُبكيك. فقال: يا مسلمً، أبكِي على ما فرطتُ فيه من
عمري، وعلى يومٍ مضى من أجلي لم يَتبيَّنْ فيه عملي. قال: ثم مررتُ بعد ذلك فسألتُ
عنه؛ فقالوا: أسلمَ وغَزَا فقُتِل في بلاد الروم.
ليزيد الرقاشي أشعث
قال: دخلتُ على يزيد الرقَاشيّ فقال لي: يا أشعثُ، تعالَ حتى نبكيَ على الماء
البارد في يوم الظمأ. ثم قال: والهفاه! سبقني العابدون وقُطِعَ بي. وكان قد صام
ثلاثين أو أربعين سنة.
بين زيد الحميري
وثوبان الراهب زيد الحميريّ قال: قلتُ لثوبانَ الراهب: أخبرني عن لُبْس النصارى هذا
السوادَ، ما المعنى فيه؟ قال: هو أشبه بلباس أهل المصائب. قال فقلتُ: وكلّكم
معشرَ الرهبان قد أصيبَ بمصيبة؟ فقال: يرحمك الله! وأيّ مصيبةٍ أعظمُ من مصائب
الذنوب على أهلها! قال زيد: فلا أذكر قولَه ذلك إلا أبكاني.
أيضاً بين ابن أبي
الحواري وأبي سليمان الداراني ابن أبي الحوَاريّ قال: دخلت على أبي سليمان وهو
يبكي، فقلت: ما يُبكيك. قال: يا أحمد، إنه إذا جَن الليلُ وهدأت العيونُ وأنسَ كلُ
خليلَ بخليله، فرَشَ أهلُ المحبة أقدَامهم، وجرت دموعُهم على خدودهم يُسمع لها
وقعٌ على أقدامهم، وقد أشرف الجليلُ عليهم فقال: بعيني مَنْ تلذَذَ بكلامي واستراح
إليَّ، فما هذا البكاء الذي أراه منكم! هل أخبركم أحدٌ أن حبيباً بعذَبُ أحباءَه!
أم كيف أبيتُ قوماً، وعند البيات أجدهم وقوفاً يتملقونني! فبي حلفتُ أن أكشفَ هم
يومَ القيامة عن وجهي ينظرون إلي.
للخنساء في بكائها
على أخيها صخر قالت خنساء: كنتُ أبكي لصخر من القتال، فأنا أبكي له اليوم من النار.
بين عمر بن ذر وأبيه
قال عمر بن ذَرٍّ لأبيه: يا أبتِ، ما لَكَ إذا تكلمت أبكيتَ النساَ، وإذا تكلّمَ
غيرُك يُبكهم؟ فقال: يا بني، ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المسأجرَة.
بعض ما أوحى به اللّه
تعالى إلى نبي من أنبيائه وفي بعض ما أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبيائه: هبْ لي من
قلبك الخشوعَ، ومن بَدَنك الخضوعَ، ومن عينك الدموعَ، وادعُني، فإني قريب.
لعمر وكان عمر يقول:
استغزروا العيون بالتذكر.
التهجدللنبي صلى الله
عليه وسلم حدثنا حسين بن حسن المَرْوَزي قال: حدثنا عبد اللّه بن المبارك قال:
أخبرني مَعْمرَ والأوزاعيُ عن يحيى بن أبي كَثِير عن أبي سلَمة عن أبي زَمَعة بن
كعب الأسلميّ قال: كنت أتيتُ عند حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعُ، إذا
قام من الليل: " سبحانَ الله رب العالمين " الهَوِي من الليل، ثم يقول: " سبحانَ اللِه وبحمده "
الهَوِيً.
حدثنا حسين قال:
حدثنا سفيان بن عُيَينة عن زياد بن عِلاَقَة قال: سمعتُ المُغيرةَ بن شعْبة يقول:
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توزمت قدَماه فقيل: يا رسول الله، قد غفر
اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؛ قال: " أفلا أكون عبداً شكوراً " .
حدّثنا حسين قال:
حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حمّاد بن سلَمة عن ثابت البُنَاني عن
مُطَرف بن عبد الله عن أبيه قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي
ولجوفه أزيز كأزيز المِرْجَل.
ليزيد الرقاشي بلغني
عن رَبَاح عن معْتمِر عن رجل قد سمّاه قال: قال يزيد الرًقَاشيٌ: إذا أنا نمتُ ثم
استيقظتُ ثم نمتُ فلا نامت عينايَ، وعلى الماءِ الباردِ السلامُ. يعني بالنهار.
بين عمر وعبيدة بن
هلال الثقفي وروى جَرير عن عطاء بن السائب قال: قال عبيدة بن هلال الثَّقفي: لا
يشهد عليّ ليل بنومٍ ولا شمسٌ بإفطارٍ. فبلغ ذلك عمرَ فأقسم عليه ليُفطرن العيدين.
قول عبيدة بن هلال
لأهله
وروى حمَاد بن سَلَمة
عن أبي جعفر الخَطميّ عن جده عُمَير بن حبيب قال: كان يقول لأهله: يا أهلاه،
الدُلْجَةَ الدُلْجَةَ، إنه من يسبِق إلى الماء يظمأ؛ يا أهلاَ، الدلجةَ
الدُّلجةَ، إنه من يسبق إلى الظلّ يَضْحَى.
لأي سليمان الداراني
قال أبو سليمان الدارانيّ: أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا
الليلُ ما أحببتُ البقاء.
قول عيسى عليه السلام
للحواريين خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليهم العَبَاءُ وعلى وجوههم
النور، فقال: يا أبناء الآخرة، ما تنغَم المتنغَمون إلا بفضل نعيمكم.
للحسن في المتهجّدين
وقيل للحسن: ما بالُ المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؛ فقال: إنهم خَلَوا بالرحمن
فألبسهم نوراً من نوره.
لهمام حُصَيْن بن عبد
الرحمن عن إبراهيم قال: كان رجل يقال له همام يقول: اللهمً اشفني من النوم
باليسير، وارزقني سهراً في طاعتك. وكان يُصبح وجُفَتُه مُرَخلة؛ فيقول بعضُهم
لبعض: إن جُمَةَ همام تخبركم أنه لم يتوسَدها الليلة.
لعبد اللّه بن داود
قال عبد الله بن داود: كان أحدُهم إذا بلغ أربعين سنةً طوى فراشَه، وكان بعضهم
يحيي الليلَ، فإذا نظر إلى الفجر قال: " عند الصباح يَحْمَدُ القومُ السرَى " .
بين الفضيل بن عياض
وحسين بن حسن حدّثنا حسين بن حسن قال: أخذ الفُضَيل بن عياض بيدي ثم قال: يا حسين،
يقول الله: كذَبَ من ادعى محبتي وإذا أجَنَّه الليلُ نام عني، أليس كل حبيبٍ يُحب
خلوةَ حبيبه! هأنذا مطلع على أحبّائي، إذا أجَمًهم الليلُ جعلتُ أبصارَهم في
قلوبهم، ومثلتُ نفسي بين أعينهم فخاطَبوني على المشاهدة وكلَموني على الحضور.
لعطاء الخراساني
الوليد بن مسلم قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد قال: كنَّا نعازي عطاء الخُراساني
فكان يُحيي الليلَ صلاةً، فإذا مضى من الليل ثُلُثُه أو أكثرُ نادانا ونحنُ في
فِسطاطنا: يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا هشام بن الغاز، قوموا
فتوضَؤوا وصلُّوا، فإن قيامَ الليل وصيامَ هذا النهار أيسرُ من شرب الصديدِ ومن مُقطّعات
الحديد، فالوَحَا الوحا ثم النجاءَ النجاء، ويُقبل على صلاتِهِ.
لعلي كرم الله وجهه
في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مِغْوَل عن رجل في جُعْفي عن
السديّ عن أبي أراكة قال: صلفى عليُّ الغداة ثم جلس حتى ارتفعت الشمسُ كأن عليه
كآبةً، ثم قال: واللهّ، لقد رأيتُ أثرأ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما
رأى أحداً يُشبِههم، واللّه إن كانوا لَيُصبحون شُعْثاً غُبْراً صُفْراً، بين
اعْينهم رُكَبِ المِعْزَى، قد باتوا يتلُون كتابَ الله، يراوحون بين أقدامهم
وجباههم، إذا ذكروا الله مادوا كما يميدُ الشجر في يوم ريح، وانهملت أعينُهم حتى
تُبل ثيابَهم، وكأنهم والله، باتوا غافلين. يريد أنهم يستقلّون ذلك.
لأبي هريرة في أهل السماء
وأهل الذكر المحاربي عن الإفريقي قال: حدثنا أبو عَلْقَمَة عن أبي هريرة قال: إن
أهلَ السماء ليرَوْن بيوتَ أهل الذكر تُضيءُ لهم كما تضيء الكواكبُ لأهل الأرض.
لعبد الله بن عيسى
يَعْلَى بن عُبَيْد عن محمد بن عَوْن عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن عيسى قال:
كونوا ينابيعَ العلم، مفاتيحَ الهدى، أحلاس البيوت، جددَ القلوب، خُلقانَ الثياب،
سرُجَ الليل، تعْرَفوا في أهل السماء، وتَخْفَوا في أهل الأرض.
لإبراهيم النخعي في الرجل
يرى الضوء بالليل حدثني محمد بن داود قال: حدثنا أبو الربيع الزَّهْراني قال:
حدثنا أبو عَوَانة عن المغيرة بن إبراهيم، في الرجل يرى الضوءَ بالليل؛ قال: هو من
الشيطان، لو كان هذا فضلاً لأوثر أهلُ بدر.
الموتبين محمد بن كعب
وعمر بن عبد العزيز حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدثني عيسى بن ميمون عن محمد
بن كعب قال: نطرت إلى عمر بن عبد العزيز فأدمتُ النظرَ إليه؛ قال: ما تنظُر يا
محمد؟ قلت: أنظر إلى ما ابيض من شعرك، ونحَلَ من جسمك، وتغيَّر من لونك. فقال:
أمَا واللّه لو رأيتني في القبر بعد ثالثة؛ وقد سالتْ حدقتاي على وجنتيّ، وسال
منخراي صديداً ودوداً، لكنتَ أشد نَكرَة.
لجارية ترثي ميتا
وقال الأصمعي: دخلتُ بعضَ الجَبَابين، فإذا أنا بجاريةٍ ما أحسبها أتت مكليها
عَشْرُ سنينَ، وهي تقول:
عَدِمتُ الحياةَ ولا
نلتها ... إذا كنت في القبر قد ألحدوكا
وكيف أذوق لذيذ الكرى
... وأنت بيمناك قد وسّدوكا
قال الأزديّ: بلغني
أن داود الطائيّ مر بامرأة تبكي عند قبرٍ وهي تقول: يا أخاه! شعري:
بأيَ خديك تبدي
البِلى ... وأيُ عينيك إذاً سالا
شعر لمالك بن دينار
وقد أتى القبور حدّثني محمد بن مرزوق قال: حدّثنا محمد بن نصر المعلم قال: حدّثنا
جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار أنه قال:
أتيت القبورَ
فناديتُه ... ن أين المعظَّم والمحتقَرْ
وأين المدلُ بسلطانه
... وأين المزكَى إذا ما افتخَرْ
قال: فنوديتُ من
بينها ولا أرى أحداً:
تفانَوْا جميعاً فما
مُخبِرٌ ... وماتوا جميعاً وماتَ الخبَرْ
تروحُ وتغدو بناتُ
الثرى ... وتُمْحَى محاسنُ تلك الصُّوَرْ
فيا سائلي عن أناس
مَضَوْا ... أمَالك فيما ترى مُعتبَرْ
قال: فرجعت وأنا أبكي.
شعر على قبر بالشام
بلغني أنه قرئ على قبرٍ بالشام:
باتوا على قُلَل
الأجبال تحرُسُهم ... غُلْبُ الرجال فلم تنفعهم القُلَلُ
واستُنْزِلوا بعد
عزٍّ من معاقلهم ... فأسكِنوا حُفْرهًّ يا بئس ما نزلوا
ناداهُمُ صارخٌ من
بعد ما دُفنوا ... أين الأسرةُ والتيجانُ والحُلَلً
أين الوجوهُ التي
كانت مُحخبةً ... من دونها تُضرَبُ الأستارُ والكِلَلُ
فأفصحَ القبرُ عنهم
حين ساء لهم ... تلك الوجوهُ عليها الدودُ تقتتلُ
قد طال ما أكلوا
دهراً وما نَعِموا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكِلُوا
وقال آخر:
ربَّ قوم عَبَروا من
عيشهم ... في نعيم وسرور وغَدَقْ
سكتَ الدهرُ زمانا
عنهُمُ ... ثم أبكاهم دماً حين نَطَقْ
بين النعمان وعدي بن
يزيد نزل النُعمان ومعه عِدي بن زيد في ظل شجرةٍ عظيمةٍ ليَلْهُوَا، فقال له عدي
بن زيد: أتدري ما تقولُ هذه الشجرةُ. قال: لا؛ قال تقول:
رب شَرْب قد أناخوا
عندنا ... يشربون الخمرَ بالماءِ الزلازل
ثم أضحًوْا لَعب
الدهرُ بهم ... وكذاك الدهرُ حالاً بعد حال
لإبراهيم بن مهدي
وقال إبراهيم بن المهدي:
بالله ربك كم بيتٍ
مررتَ به ... قد كان يُعْمَر باللذات والطربِ
طارتْ عُقابُ المنايا
في سقائفه ... فصار من بعدها للويل والحربِ
شعر للخليل بن أحمد
الفراهيدي أنشدنا أبو عبد الرحمن صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل بن أحمد العروضي:
كن كيف شئتَ فقَصرُك
الموتُ ... لا مَزْحَلٌ عنه ولا فَوْت
بينا غِنَى بيِتِ
وبهجتُه ... زال الغنَى وتقوَضَ البيتُ
شعر لمالك بن دينار
وقد كان يخرج إلى القبور كل خميس حدّثني يزداد بن أسد عن الطَّنَافسيّ قال: حدّثنا
أبو محمد قال: كان مالك بن دينار يخرج إلى القبور كل خميس على حِمار قوطرانيّ؛
ويقول:
ألا حَي القبورَ ومن
بِهِنَّهْ ... وجوه في القبورِ أحِبُّهنَهْ
فلو أنّ القبور سمعنَ
صوتي ... إذاً لأجبنني من وجدِهِنَهْ
ولكنّ القبورَ صمتنَ
عني ... فابْتُ بحسرةٍ من عندِهِنَهْ
ثم يبكي ونبكي.
بين معاوية بن أي
سفيان وعُبَيْد بن شرية الجُرْهميّ قال معاوية بن أبي سفيان لعُبَيد بن شرية
الجُرْهُميّ: أخبِرْني بأعجبِ شيءٍ رأيتَه الجاهليَّة. فقال: إني نزلتُ بحي من قُضاعة فخرجوا بجنازةِ رجل من عُفرَة يقال له
حُريث وخرجتُ معهم، حتى إذا وارَوْه في حفرته انتبذتُ جانباً عن القوم وعيناي تذْرِفان
ثم تمثلت بأبياتِ شعرٍ كنتُ أرويها قبل ذلك بزمانٍ طويلٍ:
تجري أمور ولا
تَدْرِي: أوائلُها ... خَيْرٌ لنفسك أم ما فيه تأخير
فاستقدرِ الله خيراً
وارضَيَنَ به ... فبينما العسرُ إذ دارت مياسر
وبينما المرءُ في
الأحياءِ مغتبطاً ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي الغريبُ عليه
ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحيّ مسرور
قال: وإلى
جانبي رجلٌ يسمع ما أقول، فقال لي: يا عبدَ الله، هل لك علم بقائل الأبيات. قلتُ:
لا والله؛ إلا أني أرويها منذُ زمانٍ . فقال: والذي تحلِفُ به إن قائلَها لصاحبنا
الذي دفنَّاه آنفاً، وهذا الذي ترى ذو قرابته أسر الناس بموته، وإنك لغريب وتبكي
عليه وصفتَ. فعجبتُ لما ذكره في شعره وما صار إليه من أمره وقوله، كأنه ينظر إلى
مكاني جنازته، فقلت: " إنً البلاء موكُل بالقول " فذهبتْ مثلاً.
لأعرابي فيما هو خير
من الحياة وشر من الموت قال أعرابي: خيرٌ من الحياة ما إذا فقدتَه أبغضتَ لفقده
الحياةَ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت لنزوله الموت.
شعر لأبي زبيد ولأبي
العتاهية وقال أبو زُبَيد:
يملِكُ المرءُ
بالرجاءِ وُيضحي ... غَرَضا للمنون نَصْبَ العودِ
كلّ يومٍ ترميه منها
برَشْقٍ ... فمصيبٌ أو صاف غير بعيد
وقال أبو العتاهية:
وَعَظَتْك أحداث
صُمُتْ ... وَنَعَتْك أزمنة خُفُتْ
وتكلَّمتْ عن أوجهٍ
... تَبلى وعن صور شُتُتْ
وأرتك قبرَكَ في
القبو ... رِ وأنت حي لم تمًتْ
لأعرابي وقال أعرابي:
أبْعدَ سفر أولُ مَنْقَلةٍ منه الموتُ.
وقيل لأعرابيّ: مات
فلانٌ أصح ما كان. فقال: أوَ صحيحٌ مَن الموتُ في عُنقِه! وقال بعض المحدَثين:
اسمعْ فقد أسمعك
الصوتُ ... إن لم تبادر فهو الفوت
بل كُلْ إذا شئت
وعِشْ ناعما ... آخرُ هذا كلَه الموتُ
ما كان يقوله صالح
المرّي في قصصه وكان صالح المرّي يقول في قَصَصه:
مؤمِّل دنيا لتبقَى
له ... فماتَ المؤفَلُ قبل الأمَلْ
وباتَ يُروِّي أصولَ
الفَسيل ... فعاش الفسيلُ ومات الرجُلْ
لمسلم بن الوليد وقال
مسلم بن الوليد:
كم رأينا من أناس
هلكوا ... وبكَى أحبَابُهم ثم بُكُوا
تركوا الدنيا لمن
بعدهُمُ ... ودُفُم لو قدموا ما تركوا
كم رأينا من ملوكٍ
سوقةَ ... ورأينا سُوقةً قد مَلَكوا
قَلَب الدهرُ عليهم
وَرِكا ... فاستداروا حيث دار الفلَكُ
بيتان كانا على جدار
من جُدر القسطنطينية حدثني أبي عن أبي العتاهية أنه قرئ له بيتان على جدارٍ من
جُحُر كنيسة القسطنطينية ما اختلف الليلُ والنهار ولا دارتْ نجومُ السماء في
الفلَكِ إلا بنقل السلطانَ عن مَلكٍ كان يحدث الدنيا إلى مَلِكِ وقال آخر:
ما أنزل الموتَ حق
منزلِهِ ... من عَدً يوماً لم يأتِ من أجَلِهْ
والصدق والصّبرُ
يبلُغان بمن ... كانا قرينيْه منتهَى أملِهْ
عليك صدق اللسان
مجتهدا ... فإنّ جُل الهلاك في زللِهْ
للطرماح وقال
الطِّرماح:
فيا ربّ لا تجعلْ
وفاتيِ إن أتت ... على شَرجَع يُعْلَى بدُكنِ المطارف
ولكن أجِزْ يومي
شهيداً وعُصْبةً ... يصابون في فجٍّ من الأرض خائف
عصائبُ من شتَّى
يؤلفُ بينهم ... هُدى الله نزَّالون عند المواقف
إذا فارقوا دنياهُم
فارقوا الأذى ... هُدى الله نزَّالون عند المواقف
فأقتل قَعْصاً ثم
يُرمَى بأعظمي ... كضِغْثِ الخَلاَ بين الرياح العواصِف
ويصبِح لحمي بطنَ طير
مقيلة ... دُوينَ السماء في نسورٍ عوائِف
لنوح عليه السلام وقد
بنى بيتاً من خص وُهَيب بن الوَرْد قال: اتّخذ نوح بيتاً من خُصٍّ، فقيل له لو
بنيت بيتاً. فقال: هذا لمن يموت كثيرٌ.
لأبي الدرداء إذا رأى
جنازة، وشعر للبيد بلغني عن إسماعيل بن عَيّاش عن شُرحَبيْل بن مسلم أن أبا
الدَرداء كان إذا رأى جنازةً قال: إغْدِي فإنّا رائحون، أو قال: روحي فإنا غادون.
وهذا مثل قول لبيد:
وإنا وإخواناً لنا قد
تتابعوا ... لكالمغتدي والرائح المتهجرِ
لهلال بن إساف بلغني
عن وَكِيع عن شَريك عن منصور عن هلال بن إِساف قال: ما من مولود يولد إلا وفي
سرّته من تربة الأرض التي يموت فيها.
أول شعر قيل في ذم
الدنيا قال الأصمعي: أوّل شعر قيل في ذم الدنيا قول ابن خَذّاق:
هل للفتى من بناتِ
الدهر من راقي ... أم هل له من حِمَام الموت من واقي
قد رجَّلوني وما
رُجِّلتُ من شَعَثٍ ... وألبسوني ثياباً غيرَ أخلاقِ
وطيَّبوني وقالوا
أيّما رجلٍ ... وأدرجوني كأنّي طي مخراقِ
هوَن عليك ولا تُولَع
بإشفاقِ ... فإنما مالُنا للوارث الباقي
بين النبي صلى الله
عليه وسلم ورجل لا يحب الموت محمد بن فُضَيل عن عُبيد الله بن عُمَير قال: جاء رجل
إلى النبي عليه السلام فقال: يا نبيً الله، ما لي لا أحبُّ الموت؟ فقال له: "
هل لك مال؟ " قال: نعم. قال: " قدمه بين يديك " .
قال: لا أطيق ذلك.
قال: فقال النبي عليه السلام: " إنّ المرءَ مع ماله إن قدمه أحبَّ أن يَلْحق
به وإن أخَّره أحب أن يتخلَف معه " .
للربيع بن خيثم في
مرضه المحاربيّ عن عبد الملك بن عُمَير قال: قيل للربيع بن خيْثم في مرضه: ألا
ندعو لك طبيباً؟ قال: أنظِروني؛ ثم فكر فقال: " وعادٍ وثَمُودَ وأصحابَ
الرَسَ وقُرُوناً بينَ ذلكَ كثيراً " قد كانت فيهمِ أطباءُ، فما أرى المداوى
بَقِي ولا المداوَى؛ هلك الناعتُ والمنعوتُ له، لا تدعوا لي طبيباً.
شعر كان يتمثل به عمر
بن عبد العزيز دائماً إسحاق بن سليمان عن أبي أحمد قال: كان عمر بن عبد العزيز ليس
له هِجيرَى إلا أن يقول:
تُسَر بما يَبلَى
وتفرَحُ بالمنى ... كما اغترّ باللذاتِ في النوم حالمُ
نهارُك يا مغرورُ
سهوٌ وغَفْلةٌ ... وليلُك نومٌ والردىَ لك لازمُ
وسعيُك فيما سوف تكره
غبهُ ... كذلك في الدنيا تعيشُ البهائمُ
كم من مستقبل يوماً
ليس بمستكمله، ومنتظِرٍ غدا ليس من أجله، لو رأيتم الأجل ومسيرَه، لأبغضتم الأمل
وغرورَه.
لا يلبث القُرنَاء أن
يتفرّقوا ... ليل يَكُرّ عليهمُ ونهارُا
لأبي هريرة يحيى بن
آدم عن عبد اللّه بن المبارك عن عبد الوهاب بن وَرْد عن سالم بن بَشير بن حَجَل عن
أبي هريرة: أنه بكى في مرضه فقال: أمَا إني لا أبكي على دنياكم ولكني أبكي على
بُعْدِ سفري وقلّة زادي، وأني أمسيتُ في صُعودٍ مهبِطُه على جنةٍ أو نار، ولا أدري
على أيّهما يؤخذ بي.
لمعاذ لما احتُضِر
أبو جَنَاب قال: لما احتُضِر معاذٌ قال لجاريته: ويحكِ! هل أصبحنا؟ قالت: لا؛ ثم
تركها ساعةً ثم قال لهًا: أنظُرِي! فقالت: نعم؛ فقال: أعوذ باللّه من صباح إلى النار ثم قال: مرحباً بالموت، مرحبا بزائر
جاء على فاقةٍ، لا أفلَح مَنْ نَدِم! اللهمّ إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاءَ في
الدنيا لكَرْي الأنهارِ ولا لغرس الأشجارِ، ولكن كنت أحب البقاءَ لمكابدة الليل
الطويل ولظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمةِ العلماء بالرُّكَبِ في حلَق الذَكر.
لعمرو بن العاص عند
احتضاره أبو اليَقْظان قال: لما احتُضِر عمرُو بن العاص جعل يده في موضع الغُل من
عنقه ثم قال: اللهم إنك أمرتَنا ففَرّطْنا، ونهيتنا فركِبنا، اللهم إنه لا يَسعُنا
إلا رحمتُك؛ فلم يزل ذلك هِجيراه حتى قُبضَ.
لأزاذمرد في احتضاره
وقد سُئِل عن حاله قيل لأزاذمَرْد بن الهِرْبذ حيني احتًضِر: ما حالُك؟ فقال: ما
حال من يريد سفراً بعيداً بلا زاد، وينزلُ حفرةً من الأرض مُوحِشة بلا مؤنس، ويَقْدَمُ
على ملكٍ جبّارٍ قد قَدم إليه العذرَ بلا حُجةٍ.
لأمية بن أبي الصلت
عند وفاته حدثني عَبدةُ الصفارُ قال: حدّثني العَلاء بن الفضل قال: حدّثني
محمد بن إسماعيل عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال: سمعتُ أميةَ بن أبي الصلْت عند
وفاته وأغميَ عليه طويلاً ثم أفاق، ورفع رأسه إلى سقف البيت وقال: لبيكما لبيكما،
هأنذا لديكما، لا عشيرتي تَحمِيني، إلا مالي يَفدِيني. ثم أغميَ عليه طويلاً ثم
أفاق فقال:
كل عيش وإن تطاولَ
دهراً ... صائرٌ مرة إلى أن يزولا
ليتني كنتُ قبل ما قد
بدا لي ... في رؤوس الجبال أرعَى الوُعُولا
ثم فاضت نفسُه.
للمنصور عند موته
الحكَم بن عثمان قال:
قال المنصور عند موته: اللهمّ إن كنتَ تعلمَ أني قد ارتكبتُ لأمورَ العظامَ جُرأة
منّي عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتُك في أحب الأشياء إليك شهادةِ أن لا له إلا أنت،
مَنًا مِنْك لا مَنُّا عليك.
وكان سببُ إحرامه من
الخضراء أنه كان يوماً نائماً، فأتاه آتٍ في منامه فقال:
كأنّي بهذا القصر قد
بادَ أهلُه ... وعُرِّيَ منه أهلُه ومنازلُه
وصار عميدُ القوم من
بعد نعمةٍ ... إلى جَدَثٍ تُبنَى عليه جنادله
فلم يبق إلا رسمهُ
وحديثُه ... تُبَكِّي عليه مُعْوِلاتٍ حلائله
فاستيقظ مرعوباً ثم
نام فأتاه الآتي فقال:
أبا جعفرٍ حانت وفاتك
وانقضت ... سنُوكَ وأمرُ الله لا بد واقع
فهل كاهن أعددتَه أو
منجم ... أبا جعفرٍ عنك المنيةَ دافع
فقال: يا ربيع
آئْتِني بطَهوري. فقام واغتسل وصلَى ولبى وتجهًز للحج، فلما صار في الثلث الأؤل
اشتدت علتُه، فجعل يقول: يا ربيع ألقِني في حرم اللّه، فمات ببئر ميمون.
فيمن يذهله احتضاره
عن قول: لا إله إلا اللّه حدثني محمد بن داود عن سعيد بن نصير عن العباس بن طالب
قال: قال الربيع بزة: كنتُ بالشامٍ فسمعتُ رجلاً وهو في الموت يقال له: قل لا إله
إلا الله، فقال: اشرب واسقني.
ورأيت رجلاً بالأهواز
قيل له: قل لا إلهَ إلا الله؛ فقال: ده يا ذده وده وداوزده . وقيل لرجل بالبصر: قل
لا إله إلا الله، فقال:
يارب قائلة يوماً وقد
لَغِبتْ ... كيف الطريقُ إلى حمفَام مِنجاب
لأبي معمر فى تلقين
الميت حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن معمر عن أبيه قال: لقَن ميتَك، فإذا قالها فدعه يتكلم بغيرها من أمر الدنيا ولا تُضجِرْه.
وصية والد مالك بن
ضيغم لبنيه قال مالك بن ضيغم: لما احتُضِر أبي قلنا له: ألا تُوصي قال: بلى،
أوصيكم بما أوصى به إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ: " يَا بَنِيً إنً الله اصطَفَى
لَكُمُ الدينَ فَلاَ تَمُوتن إلا وأنتُمْ مسْلِمُونَ " وأوصيكم بصلة الرحم وحسنِ الجوار وفعل ما استطعتم من المعروف،
وادفنوني مع المساكين.
بين عمر بن عبد
العزيز وابنه وقال عمر بن عبد العزيز لابنه: كيف تَجدك. قال: في الموت؛ قال: لأن تكونَ في ميزاني أحبّ إلي من أن
أكون في ميزانك. قال: وأنا والله لأن يكون ما تُحبّ أحبّ إليَّ من أن يكون ما أحِبّ.
لسيبويه النحويّ في
احتضاره احتضر سيبويه النحوي فوضع رأسه في حجر أخيه فقطَرت قَطرةٌ من دموع أخيه
على خدّه، فأفاق من غشيته وقال:
أخيينْ كنّا فرّق
الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا!
وصية هَرِم بن حبان
أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال: قيل لهَرِم بن حبئان: أوص؛ فقال:
قد صدَقَتني نفسي في الحياة، ما لي شيء أوصِي فيه، ولكن أوصيكم بخواتيم سورة النحل.
قال الشاعر:
ما ارتدّ طرفُ امرىء
بلحظته ... إلا وشيء يموتُ من جسدهْ
وقال آخر:
المرء يشقَى بما
يسعَى لوارثه ... والقبرُ وارثُ ما يسعى له الرجُلُ
وصية الربيع بن خيثم
حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن أبي حيّان التيميّ عن أبيه
قال: أوصَى الربيعُ بن خيثم وأشهدَ على نفسه وكفَى بالله شهيداً وجازياً لعباده
الصالحين ومُثيباً: إني رضيت بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وأوصِي
نفسي ومن أطاعني أن يعبُدَ اللّه في العابدين ويحمده فيٍ الحامدين وينصحَ لجماعة
المسلمين؛ وأوصَى أهله: ألًا تُشعِروا بي أحداً وسُلُوني إلى ربّي سَلاً.
لعمر بن ذرّ عند موت
ابنه ذز حدثني محمد بن أحمد بن يونس قال: سمعتُ عمر بن جرير المهاجري يقول: لما مات
ذرّ بن عمر بن ذر قال لأصحابه: الآن يضيع الشيخ لأنه كان به بارّاً؛ فسمعها الشيخُ
فقال: أنَى
أضيعُ والله حيّ لا
يموت! فلما واراه الترابَ وقف على قبره وقال: رحمك الله يا ذراً ماعلينا بعدك من
خصاصةٍ وما بنا إلى أحدٍ مع الله حاجةٌ، وما يسرُّني أنَي كنت المقدمَ قبلَك،
ولولا هولُ المطًلَع لتمنيّتُ أن أكون مكانَك، لقد شغلني الحزنُ لك عن الحزن عليك،
فيا ليت شعري ماذا قلتَ وما قيل لك! ثم رفع رأسَه إلى السماء فقال: اللهمّ
إنّي قد وهبتُ حقَي في بيني وبينه له، فهبْ حقَك فيما بينك وبينه له. ثم قال عند
انصرافه: مضينا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك.
لعائشة رضي اللّه
عنها في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولها أيضاً على قبر أبيها حدّثني محمد بن
عبيد قال: حدّثنا شُرَيح بن النّعمان عن عبد العزيز بن أبي سَلمة الماجِشُون عن
عبد الواحد بن أبي عَوْن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "
تُوِّفي رسولُ الله؛ فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضَها، إشرأب
النفاق بالمدينة وارتدت العربُ، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها
وغَنَائها في الإسلام وكانت مع هذا تقول: " من رأى عمرَ بن الخطاب عرفَ أنه
خُلِقَ غَنَاءً للإسلام، كان والله أحوزِيّاً نسيجَ وحده، قد أعد للأمور أقرانَها " .
وقالت عند قبره: " رحِمك الله يا أبتِ! لقد قمتَ بالدين حين وهى شَعْبهُ وتفاقم صَدْعه؛
ورجفت جوانبُه؛ إنقبضتَ مما أصغَوْا إليه، وشمرت فيما وَنُوا فيه واستخففتَ من دنياك
استوطنوا وصغَّرتَ منها ما عظموا ورعَيت دينك فيما أغفلوا، أطالوا عِنان الأمن
واقتَدت مطي الحذر، ولم تهضِم دينك ولم تَشِنْ غدَك ففاز عند المساهمة قِدْحُك
وخفً مما استوزروا ظهرُك " .
وقالت أيضاً عند قبره: " نَضر اللّه وجهك يا أبتِ! فلقد كنتَ للدنيا مُذُلاً بإدبارِك عنها
وللآخرة مِعزاً بإقبالك عليها؛ ولئن كان أجل الرزايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
رُزْؤك وأكبرَ المصائب فقدُك إنّ كتابَ الله ليَعِدُ بجميل العزاءه عند أحسنِ
العِوَض منك، فأنا أتنَجَز من الله مَوعده فيك بالصبر عليك، وأستعيضُه منك
بالاستغفار لك؛ عليك سلامُ الله ورحمتُه، توديعَ غير قاليةٍ لحياتك ولا زاريةٍ على
القضاء فيك " .
للحسين بن علي على
قبر أخيه الحسن قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن: " رحِمك الله أبا
محمد! إن كنتَ لَتُباصِرُ الحق مَظَانًه، وتؤلِر اللّه عند تداحُض الباطل في مواطن
التقية بحسن الروية، وتستشف جليلَ مَعاظم الدنيا بعينِ لها حاقرة، وتُفيضُ عليها يداً
طاهرةَ الأطرافِ نقيةَ الأسرةِ، وتردَعُ بادرةَ غربِ أعدائك بأَيسرٍ المؤونة عليك؛
ولا غَروَ وأنت ابن سلالة النبوة ورضيعُ لِبان الحكمةِ، فإلي رَوْح ورَيحانٍ وجنةِ
نعيم؛ أعظمَ الله لنا ولكم الأجرَ عليه، ووهبَ لنا ولكم النبوةَ وحُسْنَ الأسَى
عنه " .
تأبين ابن السماك
لداود الطائي
حدثني عبد الرحمن بن
الحسين السعيديّ عن محمد بن مُصْعَب: أن ابن السفَاك قال يوم مات داودُ الطائيّ في
كلام له: إن داود رحمه الله نظر بقلبه إلى ما بين يديه من آخرته، فأعشَى بصرُ
القلب بصرَ العين، فكًان كأنه لا ينظر إلى ما إليه تنظرون، وكأنكم لا تنظرون إلى
ما إليه ينظر، فأنتم منه تعجَبون وهو منكم يعجَب، فلما رآكم راغبين مذهولين
مغرورين قد أذهلت الدنيا عقولَكم وأماتت بحتها قلوبَكم استوحش منكم، فكنتُ إذا
نظرتُ إليه نظرت إلى، حي وسطَ أمواتٍ. يا داود ما أعجب شأنك بين أهل زمانك؛ أهَنت
نفسَك وإنما تريد إكرامَها، وأتعبتهِا وإنما تريد راحتَها، أخشنتَ المطعمَ وإنما
تريد طِيبَه وأخشنتَ الملبسَ وإنما تريد لِينَه، ثم أمتَ نفسَك قبل أن تموتَ، وقبَرتَها
قبلَ أن تُقبَر، وعذَبتها ولما تُعذب، وأغنيتها عن الدنيا لكيلا تُذكَر، رغبتْ
نفسُك عن الدنيا فلم ترها لك قدراً إلى الآخرة، فما أظنُّك إلا وقد ظَفِرت بما
طالبت؛ كان سيماك في سرك ولم يكن سيماك في علانيتك، تفقًهتَ في دينك وتركت الناس
يُغَنُّون، وسمعتَ الحديثَ وتركتهم يُحدَثُون، وخَرِسْتَ عن القول وتركتهم ينطقون،
لا تَحسُد الأخيارَ، ولا تعيبُ الأشرارَ، ولا تقبل من السلطان عطية، ولا من
الإخوان هدية؛ آنسُ ما تكون إذا كنتَ بالله خالياً، وأوحشُ ما تكون آنسُ ما يكون
الناس؛ فمن سمِع بمثلك وصبرَ صبرَك وعزَم عزمَك! لا أحسَبُك إلا وقد أتعبت
العابدين بعدَك، سجنتَ نفسَك في بيتك فلا مُحدَثَ لك ولا جليسَ معك ولا فراشَ تحتك
ولا سترَعلى بابك ولا قلةَ يُبَرْد فيها ماؤك ولا صحفةَ يكون فيها غَداؤك وعَشاؤك،
مِطْهَرَتُك قلبُك وقَصْعتُك تَوْرُك. داود ما كنتَ تشتهي من الماء باردَه ولا من
الطعام طيبَهُ ولا من اللباس ليِّنَه، بلى! ولكن زَهِدتَ فيه لما بين يديك، فما
أصغرَ ما بذلت وما أحقرَ ما تركتَ في جنب ما أملتَ، فلما مِتَّ شَهَرَك ربك بموتك،
وألبسَك رداءَ عصلك وأكثرَ تبعَك، فلو رأيتَ من حضَرك عرفتَ أنّ ربَّك قد أكرمك
وشرفك، فَلْتتكلّم اليوم عشيرتُك بكلِّ ألسنتها، فقد أوضحَ ربك فضلَها بك، ووالله
لو لم يَدْعُ عبداً إلى خيرٍ بعمله إلا حُسْنُ هذا النَشرِ من كثرة هذا التَبَع،
لقد كان حقيقاً بالاجتهاد والجهد لمن لا يُضيع مُطيعاً ولا ينسى صنيعاً شاكراً
ومُثيباً.
لمحمد بن سليمان عند
قبر ابنه وقف محمد بن سليمان على قبر ابنه فقال: اللهم إني أرجوك له وأخافك عليه،
فحقق رجائي وآمن خوفي.
لمالك بن أنس عند قبر
ابنه مات ابن لأنَس بن مالك فقال أنَسٌ عند قبره: اللهم عبدُك وولدُ عبدك وقد
رُدَّ إليك فارأفْ به وارحمْه، وجافِ الأرضَ عن بدنه، وافتح أبوابَ السماء لرُوحه
وتقبلْه بقبولٍ حسنِ. ثم رجع فأكلَ وشربَ وادهن وأصاب من أهله.
شعر لجرير يرثي امرأته
وقال جرير في امرأته:
لا يلبَث القُرنَاءُ
أن يتفرّقوا ... ليل يَكُرُ عليهم ونهارُ
صلّى الملائكةُ الذين
تُخِيرُوا ... والطيِّبون عليكِ والأبرارُ
أعرابية ترثي ابنها
وقفتْ أعرابيّة على قبر ابنها فقالت: والله ما كان مالُك لعِرسِك، ولا همُّك
لنفسك، وما كنتَ إلا كما قال القائل:
رحيبُ النراع بالتي
لا تَشِينُه ... وإن كانت الفحشاءُ ضَاقَ بها ذَرْعا
شعر لعديّ بن زيد كان
سفيان بن عيينة يستحسنه حدثني محمد بن داود عن الصَلْت بن مسعود قال: كان سفيان بن
عُيَينة يستحسن شعر عدي بن زيد:
أين أهلُ الديار من
قوم نوحٍ ... ثم عادٌ من بعدهم وثمودُ
بينما هم على الأسرة
والأن ... ماط أفضت إلى التراب الخدودُ
ثم لم ينقَض الحديثُ
ولكن ... بعد ذا الوعدُ كلُه والوعيدُ
وأطباءُ بعدَهم
لحِقوهمٍ ... ضل عنهم سَعُوطهم واللًدُود
وصحيحٌ أضحى يعود
مريضاً ... وهو أدنى للموتِ ممن يعودُ
أخذه عليّ بن الجهم
فقال:
كم من عليل قد تخَطاه
الردى ... فنجا ومات طبيبُه والعُوَّدُ
لربعي بن حراش
حدثني عَبْدة بن عبد
الله قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الملك بن عُمَير عن ربْعِي بن حِراش
قال: أتيتُ أهلي فقيل لي: مات أخوك. فوجدتُ أخي مُسَجًى عليه بثوب، فأنا عند رأسه
أترحَم عليه وأدعو له إذ كَشَفَ الثوبَ عن وجهه فقال: السلام عليكم. فقلنا: وعليكَ
السلام، سبحان الله! بعد الموت! فقال: إني تُلُقَيتُ برَوْح ورَيْحان وربً غيرِ غضبان، وكساني باباً
من سندسٍ وإسْتَبرَق، وإني وجدتُ الأمرَ أيسرَ مما تظنون ولا تتكِلوا؛ إني استأذنت
ربيِّ أن أخبركم وأبشّرَكم، إحملوني إلى رسول الله، فقد عُهِد إليّ ألَّا أبْرَحَ
حتى ألقاه ثم طَفِيء.
لمطرف عن أهل القبور
حدثني أبو سهل عن عليّ بن محمد عن إسحاق بن منصور عن عمارة بن زاذان عن ثابت أن
مُطرفاً كان يبدو على دابته بين المقام فأغفى فإذا أهلُ القبور جلوس على شِفَاه قبورهم
يقولون: هذا مُطَرفٌ يروح إلى الجُمعة. قلتُ: هل تعرفون يومَ الجمعة. قالوا: نعم،
وما تقول الطيرُ في جوف السماء، يقولون: سلام، يومٌ صالحٌ.
عن جابر في عين أبي
زياد التي حفرها معاوية حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سُفيان بن عُيَينة عن أبي
الربير عن جابر قال: لما أراد معاوية أن تَجرِيَ العينُ التي حفرها - قال سفيان:
تُسفَى عينَ أبي زياد - نادوْا بالمدينة: من كان له قتيل فليأتِ قتيلَه. قال جابر:
فأتيناهم فأخرجناهم رِطَباً يتثَنون، وأصابت المِسحَاة رِجْلَ رجلٍ منهم
فانفَطَرتْ دماً. قال أبو سعيد الخدري: لا يُنكِرُ بعدَ هذا مُنكِر أبداً.
في أن أهل القبور يتوكفون
الأخبار حدّثني محمد بن عُبيد قال: حدثنا ابن عُيينة عن عمرو بن دينار عن عُبَيد
بن عُمَير قال: أهلُ القبور يتوَكَفُون الأخبارَ فإذا أتاهم الميت سألوه: ما فعل
فلانٌ؟ فيقول: ألم يأتكم! فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون، سُلِكَ به غيرُ
سبيلنا.
للربيع بن صبيح وحميد
الطويل في ثابت البناني بعد موته حدثني عبد الرحمن العَبْدي عن جعفر بن أبي جعفر
قال: حدثنا أبو جعفر السائح عن الربيع بن صَبِيح قال: شهِدتُ ثابتاً
البُنَاني يوم مات وشهده أهلُ البَصرة، فدخلتُ قبرَه أنا وحُميدَ الطويلُ وأبو
جعفر حسن مما يلي رأسَه فلما ذهبتُ أسَوَي عليه اللَبِنةَ سقطَتْ من يدي فلم أرَ في
اللحد أحداً، وأصغى إليً حُميدٌ أن اختُطِفَ صاحبُنا وضجً الناسُ فسوينا على اللحد
وحثونا الترابَ؛ فلبم يكن لحُميدٍ هِمًةٌ حتى أتى سليمان بن عليّ وهو أميرٌ على
البَصرة فأخبره، فقال: ما ينكَرُ لله قدرة! إلا أني انكِر أن يكون أحد من أهل
زماننا يُفْعَلُ هذا به، فهل علم به أحد سواك قال: نعم، الربيع بن صَبيح وحَسَن؛
قال: عَدْلان مَرْضِيان، فبعثَ أمناءَ جيرانه فنبشوا عنه فلم يجدوه في قبره.
لأعرابية تدعى أم
غسان المكفوفة وحدثني أيضاً عن أعرابيّة كان يُقال لها أم غَسّان مكفوفةٍ وكانت
تعيشُ بمِغزَلها وتقول: الحمدُ للة على ما قضى وارتضَى. رضيتُ من الله ما رضِيَ لي،
وأستعينُ اللهّ على بيتٍ ضيق الفِناء قليلِ الكِوَاءِ وأستعين الله على ما يُطالعَ
من نواحيه.
وماتت جارةٌ لها فقيل
لها: ما فعلتْ جارتك؟ فقالت:
تقَسّم جاراتُها
بيتَها ... وصارت إلى بيتها الأتلد
وقالت يوماً: إن تقبل
الله مني صلاةً لم يعذَبْني. فقيل لها: كيف ذلك؟ قالت: لأنّ الله وجل لايثني في
رحمتِه وحلمِهِ.
قال: وكنتُ سمعتُ
حديثَ معاذ " من كُتِبَتْ له حسنةٌ دخلَ الجنّةَ، ولم أعر ما تفسيره حتى سمعت
أمّ غسانَ تقول هذا، فعرفت تأويلَه.
الكِبَر والمشيب
للنبى صلى الله عليه
وسلم حدثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو داود عن عبد الجليل بن عطية عن شَهْر بن
حَوْشَب عن عمرو بن عَنْبَسَة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" مَنْ شابَ شَيبةً في الإسلام كانت له نوراً يومَ القيامة ما لم يَخضبْها أو
يَنتِفْها " .
في الكِبَر أبو حاتم
عن الأصمعي عن شيخ من بني فَزارة قال: مررتُ بالبادية وإذا شيخٌ قاعد على شفِيرِ
قبرٍ، وإذا في القبور رجالٌ كأنهم الرماحُ يدفِنُون رجُلاً والشيخُ يقول:
احثُوا على الدَيسَم
من بَرْد الثرى ... قِدْماً أبَى ربك إلا ما تَرَى
فقلت له: مَن الميتُ؟
فقال: إبني. فقلت له: مَن الذين يَدفِنونه؟ قال: بنوه.
بين يونس بن حبيب
ورجل حدثنا أبو عبد الرحمن قال: دخل يونس بن حبيب المسجدَ يُهادى بين اثنين من
الكبر فقال له رجلٌ كان يَتَّهِمه على مودّته: بلغتَ ما أرى يا أبا عبد الرحمن!
قال: هو ما تَرَى فلا بَلَغْتَه. ونحوه قولُ الشاعر:
يا عائبَ الشيبِ لا
بَلَغْتَه
من الزبور ويقال في
الزبور: " من بلغ السبعينَ اشتكَى من غير عِلة " .
لمحمد بن حسان النبطي
وقال محمد بن حسّان النبطِي: لا تسأل نفسَك العامَ ما أعطتك في العام الماضي.
لضرار بن عمرو
الضبّيّ رأى ضرار بن عمرو الضبيّ له ثلاثةَ عشر ذكراً قد بلغوا فقال: من سرّه بنوه
ساءته نفسه شعر لابن أبي فنن قال ابن أبي فَنَنٍ:
من عاش أخلقت الأيام
جِدّتَه ... وخانه الثِّقتانِ السمعُ والبصرُ
قالت عَهِدتُك
مجنوناً فقلت لها ... إن الشبابَ جنونٌ برؤه الكِبَرُ
لشيخ معمّر أبوعبيدة
قال: قيل لشيخ: ما بَقِي منك؟ قال: يسبِقُني مَنْ بين يدَي، ويُدرِكني خلفي، وأنسى
الحديثَ، وأذكر القديمَ، وأنعُسُ في الملا، وأسهَرُ في الخلا، وإذا قمتُ قربت
الأرضُ منّي، وإذا قعدتُ تباعدتْ عني.
لشاعر في الكِبر قال
الشاعر:
قالت عَهِدتك مجنوناً
فقلتُ لها ... إن الشبابَ جنون برؤه الكِبرُ
بين عبد الملك بن
مروان والعريان بن الهيثم
قال عبد الملك بن
مروان للعُريان بن الهَيثم: كيف تَجدك؟ قال: أجِدُني قد ابيض مني ما كنتُ أحب أن
يسود، واسودّ منّي ما كنتُ أحبّ أن يبيَضّ واشتدّ منّي ما أحب أن يلين ولان ما
أحِبّ أن يشتد وقال :
سَلْنِي أنَبئْكَ
بآياتِ الكِبَرْ ... نومُ العِشاء وسُعَال بالسحرْ
وقِلّةُ النوم إذا
الليلُ اعتكَرْ ... وقِفةُ الطعم إذا الزادً حضَرْ
وسرعةُ الطرفِ
وتَحميجُ النظر ... وتركًكَ الحسناءَ في قُبْل الطهُرْ
والناس يَبْلَون كما
تَبلَى الشَّجَرْ
شعر لحميد بن ثور،
وغيره وقال حميد بن ثور:
أرى بصري قد رابني
بعد صحّة ... وحَسْبُك داءً أن تصِح وتَسلما
وقال الكميتُ:
لا تَغبط المرءَ أن
يُقالَ له ... أمسى فلانٌ لِسِنَه حَكَما
إن سرهَ طولُ عمره
فلقد أضحَى ... على الوجه طولُ ما سَلما
للنًمر بن تَوْلب:
يَود الفتى طولَ
السلامة والغنَى ... فكيف تُرى طولَ السلامةِ يَفعَلُ
وقال آخر:
كانت قناتي لا تَلينُ
لغامز ... فألانها الإصباحُ والإمساءُ
ودعوتُ ربي بالسلامة
جاهداً ... ليُصِحنِي فإذا السّلامةُ داءُ
وقال أبو العتاهية:
أسرعَ في نقص امرىءٍ
تمامُهُ
وقال عبد الحميد
الكاتب:
ترحل ما ليس بالقافل
... وأعقب ما ليس بالآئِل
فلهفي من الخلَف
النازل ... ولهفي على السلف الراحل
أبكَي على ذا وأبكي
لذا ... بكاءَ المولًهة الثاكل
تُبَكَي من ابن لها
قاطعٍ ... وتَبْكي على ابن لها واصل
تقضت غَواياتُ لسُكر
الصبا ... وردً التَقَى عَنَدَ الباطل
كتاب الحجاج إلى
قتيبة بن مسلم وشعر للحجاج بن يوسف التيمي محمد بن سلاّم الجُمحِيّ عن عبد القاهر
بن السري قال: كتب الحجاج إلى قتيبة مسلم: إني نظرتُ في سنَك فوجدتُك لِدَتي وقد
بلغت الخمسين وإن امرأً سار إلى خمسين عاماً لقريب منه. فسمع به الحجاج بن يوسف
التيمي فقال:
إذا كانت السبعون
سِنك لم يكن ... لدائك إلا أن تموت طبيبُ
وإن امرأً قد سار
سبعين حِجة ... إلى منهل من وِرْده لقريبُ
إذا ما خلوتَ الدهر
يوماً فلا تقل ... خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ
إذا ما انقضى القَرْن
الذي أنت منهُم ... وخُلفتَ في قَرْنٍ فأنت غريبُ
شعرللبيد وقال لبيد:
أليس ورائي إن تراخت
منيتي ... لزومُ العصا تُحنَى عليها الأصابعُ
أخبر أخبارَ القرونِ
التي مضت ... أدِب كأني كلما قمتُ راكعُ
مثله لآخر وقال آخر
في مثله:
حنتني حانيات الدهر
حتْى ... كأني خَاتِلٌ يدنو لصيد
لرجل من الحكماء وشعر
لبعضهم وقيل لرجل مِن الحكماء: ما لك تُدْمِنُ إمساكَ العصا ولستَ بكبيرٍ ولا
مريض. فقال: لأذكرَ أني مسافر.
قال الشاعر:
حملتُ العصا لا
الضعفُ أوجبَ حملَها ... علي ولا أني تحنيتُ مِن كِبَرْ
ولكنني ألزمتُ نفسيَ
حملها ... لأعلِمَها أن المقيمَ على سَفَرْ
بين شيخ من العرب
وغلام ومرَّ شيخ من العرب بغلامٍ فقال له الغلام: أحْصَدْتَ يا عمّاه فقال: يا
بنيّ وتُحتَصَدون .
موعظة للحسن قال الحسنُ
في موعظة له: يا معشر الشيوخ، الزرعُ إذا بلغ ما يُصنَع به. قالوا: يُحصد.
يا معشر الشباب كم من
زرع لم يبلغ أدركته آفةٌ. قال الشاعر:
الدّهر أبلاني وما
أبليتُه ... والدهرُ غيّرني وما يَتَغيرُ
والدّهر قيّدني بخيطٍ
مبرَمٍ ... فمشيتُ فيه وكلّ يومٍ يَقصُرً
لعمارة بن عقيل وقال
عُمَارة بن عَقِيل:
وأدركتُ مِلءَ الأرض
ناساً فأصبحوا ... كأهل الديار قوَضوا فتحمًلوا
وما نحن إلا رُفقةَ
قد ترحَلت ... وأخرَى تُقَضَي حاجَها وتَرَحَلً
لأعرابي يذكر الشيب
ذكر أعرابي الشيبَ فقال: واللّه لقد كنتُ انكر الشعرةَ البيضاء فقد صرتُ أنكر
السوداء، فيا خير بَدَلٍ ويا شرَّ مبدول.
لبعض الشعراء في
الشيب وقال بعض الشعراء:
شاب رأسي وما رأيتُ
مشيبَ ال ... رأس إلا من فضل شَيب الفؤادِ
وكذاك القلوب في كل
بؤسٍ ... ونعيمٍ طلائعُ الأجسادِ
طال إنكاريَ البياضَ
فإن عُم ... رت شيئاً أنكرتُ لونَ السوادِ
لإياس بن قتادة في
الشيب رأى إياس بن قَتادة شَعرة بيضاءَ في لحيته، فقال: أرى الموتَ يطلبني وأراني
لا أفوته، أعِوذ بك يا ربّ من فُجَاءاتِ الأمور، يا بني سعد قد وهبت لكم شبابي
فهبوا لي شيبتي، ولزم بيته.
أقوال في الشيب قال
قيس بن عاصم: الشيب خِطام المنية.
قال آخر: الشيبُ
بريدُ الحِمام.
قال آخر: الشيب
تَوْأم الموت.
قال آخر: الشيب تاريخ
الموت.
قال آخر: الشيب أوّل
مراحل الموت.
قال آخر: الشَّيب
تمهيد الحمام.
قال آخر: الشيب عنوان
الكِبَر.
قال عَبِيدُ بن
الأبرص:
والشَّيْبُ شينٌ لمن
يشيب
ويقال: شَيْب الشَعرَ
موتُ الشَّعَر، وموتُ الشعَرِ عِلَّةُ موتِ البشر.
قال الشاعر:
وكان الشباب الغضُ لي
فيه لذةٌ ... فوقَّرني عنه المشيبُ وأدبا
فسَقْياً ورَعياً
للشبابِ الذي مضى ... وأهلاً وسهلاً بالمشيب ومرحبَا
وقال أعرابي - ويقال
هي لأبي دُلَفَ:
في كل يوم من الأيام
نابتةٌ ... كأنما نبتَتْ فيه على بَصَري
لئن قَرَضتكِ
بالمقراض عن بصري ... لما قرضتُكِ عن همَي ولا فِكَري
وقال أعرابيّ:
أرَى الشيبَ مذ
جاوزتُ خمسين دائباً ... يَدِت دبيبَ الصبح في غَسَق الظلَمْ
هو السم إلا أنه غيرُ
مُؤلمٍ ... ولم أر مثلَ الشيب سُماً بلا ألَمْ
وقال آخر:
قَصَرالحوادِثُ خطوَه
فتدانَى ... وحَنَيْنَ صدرَ قَناتِه فتحَانَى
صحِبَ الزمانَ على
اختلاف فُنُونه ... فأراه منه شِدة ولَيَانَا
ما بالُ شيخٍ قدتخدد
لحمُه ... أنضَى ثلاثَ عمائم ألوانَا
سوداءَ داجية وسَحقَ
مُفَوفٍ ... وأجد أخرى بعد ذاك هِجَانَا
ثم المماتُ وراء ذلك كلَهِ
... وكأنما يُعْنَى بذاك سِوانَا
وقال آخر يذكر
الشبابَ:
لما مضى ظاعِناً عنا
فودعنا ... وكان كالميْتِ لم يترك له عَقِبَا
عُدنا إلى حالة لا
نستطيعُ لها ... وصلَ الغَوانِي وعابَ الشيبَ مَنْ لَعِبا
شعر لمحمود الوراق
وقال محمود الوراق:
بكيتُ لقُرب الأجلْ ...
وبُعْدِ فوات الأملْ
ووافدِ شيب طرا ...
بعُقْب شباب رَحَلْ
شبَاب كأن لم يكن ...
وشيب كأن لًم يَزَلْ
طَوَاكَ بشيرُ البقا
... وجاء بشيرُ الأجَلْ
طَوَى صاحب صاحباً
... كذاك انتقال الدوَلْ
لأبي الأسود يذم
الشباب وقال أبو الأسود يذم الشبابَ:
غدا منك أسبابُ الشبابِ
فأسرعا ... وكان كجارٍ بان يوماً فودعَا
فقلت له فاذهَبْ
ذميماً فليتَنِي ... قتلتُك عِلماً قبل أن تتصدعَا
جنيتَ علي الذنبَ ثم
خذلتَني ... عليه فبئسَ الخلتانِ هُمَا معَا
وكنتَ سَراباً ما
ضَحَا إذ تركتَني ... رَهِينةَ ما أجني من الشر أجمعَا
وقال آخر:
استنكرتْ شيبي فقلتُ
لها ... ليس المشيب بناقص عُمْرِي
وتَنفَسَتْ بي هِمة
وصلَتْ ... أملي بكل رفيعةِ الذَكر
لعمر بن الخطاب في
الخضاب روى عبد الله بن حَفْص الطاحِي عن زكريا بن يحيى بن نافع الأزدي عن أبيه أن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اخْضِبُوا بالسواد، فإنه أنْسٌ للنساء وهَيبةٌ
للعدو.
شعر لعمر بن المبارك
الخزاعي قال عمرُ بن المبارك الخزاعي:
مَنْ لاِذنِي بمَلام
... ولكَفي بمُدَام
عَقَّ عظمُ الجْهل
مني ... وانثنَى شَن عُرَامي
وتمشى الفَذ من شَي
... بي إلى الشَيب التؤام
نَظْمَكَ الذر إلى
الدرة ... في سِلكِ النَظاَم
شعر لأبي العتاهية
وقال أبو العتاهيةِ:
نعَى لك ظل الشبابِ
المشيب ... ونادتْك باسم سِواك الخطُوبُ
فكن مُستعداً لداعي
المنون ... فكل الذنىِ هو أت قَرِيبُ
وقبلكَ داوَى المريضَ
الطبيبُ ... فعاشَ المريضُ ومات الطبيبُ
يَخافُ على نفسه مَنْ
يتوبُ ... فكيف ترى حال مَن لا يتوبُ
ليونس بن حبيب محمد
بن سلام قال: سمعتُ يونسَ بن حبيب يقول: لا يأمنُ مَنْ قطع في خمسةِ دراهم خيرَ
عُضوٍ منك أن يكون عقابه هكذا غداً.
الدنياللنبي صلى الله
عليه وسلم حدّثني أبو مسعود الدارمي قال: حدّثنيِ جدّي خِراش عن أنس بن مالك قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أصبحت الدنيا همه وسدمه نزَع اللهّ
الغِنَى من قلبه، وصير الفقَر بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتبَ له، ومن
أصبحتِ الآخرةُ همَّه وسدمه نزعَ اللُه الفقرَ من قلبه وصَير الغِنَى بين عينيه
وأتته الدنيا وهي راغِمة " .
بين النبي صلى الله
عليه وسلم والضحّاك بن سفيان حدّثني محمد بن داود قال: حدّثنا أبو الربيع عن حمّاد عن علي بن زيد عن الحسن أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال للضحّاك بن سفيان: " ما طعَامكَ " ؟ قال: اللحمُ واللبنُ.
قال: " ثم يصير إلىِ ماذا " . قال: ثم يصيرُ إلى ما قد عَلمتَ. قال:
" فإنّ اللهّ ضربَ ما يخرجُ من ابن آدم مثلاَ للدنيا " .
لبشير بن كعب في
الدنيا قال: وكان بشيرُ بنُ كعبٍ يقول لأصحابه إذا فرغ من حديثه: انطلقوا حتى أرِيَكم
الدنيا. فيجيءُ فيقفُ بهم على السُّوقِ، وهي يومئذ مَزْبَلَةٌ، فيقول: أنظروا إلى
عَسَلهم وسَمْنِهم وإلى دجَاجهم وبطهم صار إلى ما تَروْن.
للنبي صلى الله عليه
وسلم حدّثني هارون بن موسى قال: حدثنا محمد بن سعيد القُزويني عن عمرو بن أبي قيس
عن هارون بن عنترة عن عمرو بن مرة قال: سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن
قول اللّه: " فَمَنْ يُرِدِ الله أنْ يهِديَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلاَم
" فقال: " إذا دخل النورُ القلبَ وانفسحَ شُرِح لذلك الصدرُ " ،
قالوا: يا نبيّ الله هل لذلكَ آَيةٌ يُعرَفُ بها؟ قال: " نعم الإنابَةُ إلى
دار الخلود والتَجافِي عن دار الغرور والاستعدادُ للموت قبل نُزول الموتِ " .
لوهب بن منبه
بلغني عن العُتبي عن
حبيب العَدوي عن وهب بن منبه قال: رأينا ورقةً يَهفُو بها الريحُ تأرسلْنا بعضَ
الفِتيانِ فأتانا لها فإذا فيها: الدنيا دار لا يُسلَمُ منها إلا فيها، ما أخذَ
أهلُها منها لها خرجوا منه ثم حُوسِبوا به، وما أخَذَ منها أهلُها لغيرها خرجوا
منه ثم أقاموا فيه، وكأن قوماً من أهل الدنيا ليسوا من أهلها،، هم فيها كمن ليس
فيها، عمِلوا بما يُبصِرون وبادَرُوا ما يحذَرون، تتقلّبُ أجسادُهم بين ظهَرانَيْ
أهل الدنيا، وتتقلّبُ قلوبهم بين ظهرانَيْ أهل الآخرة، يَروْن الناس يُعظّمون
وفاةَ أجسامهم وهم أشدُ تعظيماً لموت قلوب أحيائهم. فسألت عن الكلام فلم أجد يعرفه.
للمسيح عليه السلام
وقال المسيح عليه السلام: الدنيا قنطرةٌ فاعبُرُوها ولا تعمُرُوها.
ما أوحى به اللّه
تعالى إلى الدنيا وفي بعض الكتب: أن اللّه تعالى أوحى إلى الدنيا: " مَنْ
خَدمَني فاخدُمِيه، ومَنْ خَدَمك فاستخْدِميه.
لبعض العابدين يذكر
الدنيا قال بعضُ العابدين يَذكُر الدنيا:
لقد غَرت الدنيا
رجالاً فأصبحوا ... بمنزلةٍ ما بعدها مُتحَوًلُ
فساخِطُ أمرٍ لا
يُبَدَلُ غيرَه ... وراض بأمرٍ غيرَه سَيُبدَل
وبالغُ أمرٍ كان
يأمُلُ دونه ... ومختَلَجٌ من دون ما كان يأمُلُ
وقال آخرُ يذكر
الدنيا:
حُتوفُها رَصَد
وعيشُها رَنق ... وكَرُّها نَكدٌ ومُلْكُهَا عُوَلُ
وقال آخر:
نراعُ لذكر الموت
ساعةَ ذكره ... وتَعْتَرِض الدنيا فنلهو ونلعبُ
ونحن بنو الدنيا
خُلِقنا لغيرها ... وما كنتَ منه فهو شيء مُحبًبُ
ليحيى بن خالد وقال
يحيى بن خالد: دخلنا في الدنيا دُخولاً أخرجَنَا منها.
لعلي بن أبي طالب في
يصف الدنيا ذم رجلٌ الدنيا عند على بن أبى طالب رضى الله عنه، فقال علي عليه
السلام: الدنيا دار صِدقٍ لمن صَدّقها، ودارُ نَجاة لمن فَهِم عنها، ودارُ غِنًى
لمن تَزود منها، مَهْبِطُ وحي الله، ومصلَى ملائكته، ومَسجِدُ أنبيائه، ومَتْجَرُ
أوليائه، رَبِحُوا منها الرحمَةَ واحْتسَبُوا فيها الجنةَ؛ فمن ذا يذمها وقد
آذَنَتْ ببينها ونادَتْ بفِراقها وشَبهَتْ بسرُورها السّرورَ وببلائها البلاءَ
ترغيباً وترهيباً؛ فيا أيها الذامُّ الدنيا المعلّلُ نفسَه، متى خَدَعَتْك الدنيا
أم متى استذمت إليكَ! أبمصارع آبائك في البِلَى! أم بمضاجع أمهاتك في الثرى! كم مَرضتَ
بيديك، وعًللتَ بكفّيك، تطلبُ له لشفاء، وتستوصفُ له الأطباءَ، غداة لا يُغني عنه
دواؤك، ولا ينفعك بكاؤك.
شعر لإبراهيم بن أدهم
العجلي كان إبراهيم بن أدهم العِجلي يقول:
نُرَقَع دنيانا
بتَمزِيق ديننا ... فلا ديننا يبقَى ولا ما نُرَقَعُ
لأبي حازم في الدنيا
قال أبو حازم: وما الدنيا! أما ما مضى فحُلْمٌ وأما ما بقي فَأمانيٌ.
لسفيان فيما أوحى به
الله لنبي من أنبيائه قال سفيانُ: أوحى اللّه تعالى إلى نبيّ من الأنبياء "
اتخِذِ الدنيا ظِئْراً والآخرَة أماً " .
للشعبي قال الشعبيّ:
ما أعلمُ لنا وللدنيا مَثلاً إلا ما قال كُثَيِّرٌ:
أسيئي بنا أو أحسِني
لا مَلُومَة ... لَدَيْنَا ولا مَقليةٌ إن تَقلًتِ
لبكر بن عبد اللّه
قال بكر بن عبد الله: المستغني عن الدنيا بالدنيا كالمطفئ النارَ بالتِّبْنِ.
لابن مسعود قال ابن
مسعود: الدنيا كلّها غمومٌ، فما كان فيها مِن سرورٍ فهو ربح.
لمحمد بن الحنفية قال
محمد بن الحنفية: مَنْ كَرُمَتْ عليه نفسُه هانت عليه الدنيا.
في الدنيا والآخرة
وقال بعضُ الحكماء: مَثَلُ الدنيا والآخرةِ مَثَلُ رجل له ضَرتان إن أرضى إحداهما
أسخط الأخرى.
قال سفيان: ترك لكم
الملوكُ الحكمةَ فَاترُكوا لهم الدنيا.
وقال آخر: إن الدنيا
قد استودَقَتْ وأنعظَ الناسُ.
قال وُهَيبُ بن
الورد: مَنْ أرادَ الدنيا فَلْيتهيأ للذل.
قيل لمحمد بن واسع:
إنك لَترضَى بالدون؛ فقال: إنما رِضيَ بالدُونِ مَنْ رضي بالدنيا.
قيل لعليّ بن الحسين:
مَنْ أعظمُ الناس خَطَراً. فقال: مَنْ لم ير الدنيا خطَراً لنفسه.
كان يقال: لأنْ
تُطلَبَ الدنيا بأقبح ما تُطلَبُ به الدنيا أحسنُ مِنْ أن تُطلَبَ بأحسنِ ما
تُطلَبُ به الآخرة.
قالتِ امرأةٌ لبعلها
ورأته مهموماً: مم هَمكَ؟ أبالدنيا فقد فرغ الله منها أم بالاخرة فزادك الله هماً.
للمسيح في حب الدنيا
الثوري قال: قال المسيحُ: حبُ الدنيا أصلُ كلً خطيئةٍ والمالُ فيها داءٌ كثير؛
قيل: ما داؤه؟ قال: لا يَسلمُ صاحبه من الفخر والكبر؛ قيل: وإن سَلم؟ قال: يَشْغَلُه
إصلاحُه عن ذكر الله.
لبأي الدرداء يخاطب
أهل حمص بلغني عن محمد بن فُضَيل قال: حدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن عن سالم بن
أبي الجعد عن أبي الدرداء قال: يا أهل حِمْصَ، ما لي أراكم تجمعونَ كثيراً،
وتبنُونَ شَديداً، وتأمُلُون بعيداً إن مَنْ قبلكم جمعوا كثيراً وبَنَوْا شديداً
وأمَلوا بعيداً فصار جمعهم بُوراً وصارتْ مساكنُهم قبوراً وأملُهم غُروراً. وفي
رواية أخرى: يا أهل دمشق، ما لكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون،
وتأمُلُون ما لا تدركون! ألا إن عاداً وثمودَ كانوا قد ملأوا ما بين بُصَرى وعَدَن
أموالاً وأولاداً ونَعَماً، فمنْ يَشتَرِي مِني ما تركوا بدرهمين! لعبد الواحد بن
الخطاب بلغني عن داود بن المحبر عن عبد الواحد بن الخطّاب قال: أقبلنَا قافلين من بلاد
الروم نُريدُ البصرةَ، حتى إذا كنا بين الرصَافة وحمص سمعنا صائحاً يصيحً من بين
تلك الرمال - سَمِعته الاذانُ ولم تَرَهُ العيون - يقول: يا مستورُ يا محفوظُ!
أعْقِلْ في سِتْر مَنْ أنتَ! فإن كنتَ لا تعقِلُ مَنْ أنتَ فيِ ستْره فاتقِ الدنيا
فإنها حِمَى الله؛ فإن كنتَ لا تعقِلُ كيف تتًقِيها فَصَيرْها شوكاً ثم انظر أين
تضعُ قدميكَ منها.
للمأمون وشعر لأبي
النواس في الدنيا قال المأمون: لو سُئِلَت الدنيا عن نفسها ما أحسَنَتْ أن تصفَ
نفسَها صِفَةَ أبي نُواسٍ في هذا البيت:
إذا اختَبَر الدنيا
لَبِيب تكشَّفَتْ ... له عن عَدو في ثياب صَدِيقِ
للمسيح عليه السلام
قال المسيحُ عليه السلام: أنا الذي كَفَفتُ الدنيا على وجهها، فليسَتْ لي زوجة
تموتُ ولا بيتٌ يَخرَبُ.
شعر لأبي العتاهية
قال أبو العتاهية:
يا مَنْ ترفَّعَ
للدُنيا وزِينتها ... ليس الترفُّع رفعَ الطين بالطينِ
إذا أردت شريفَ الناس
كُلَهِم ... فانظُر إلى مَلِكٍ في زِيَ مِسكينِ
شعر لآخر في الدنيا
وقال آخر وذكر الدنيا:
إذا تَم أمر دنا
نقصُه ... توَقَعْ زوالاً إذا قيل تَم
وقال آخر:
لا تَبْكِ للدنيا ولا
أهلِها ... وابِك ليوم تسكُنُ الحافرهْ
وابْكِ إذا صِيحَ
بأهل الثرى ... فاجتمَعوا فيً ساحة الساهِرَهْ
ويلك يا دنيا لقد
قصرت ... آمال من يسكنك الآخرة
مقامات الزهاد عند
الخلفاء والملوك
مقام صالح بن عبد
الجليل بين يدي المهديّ
قام فقال: إنه لما
سَهُلَ علينا ما توعَرَ علىِ غيرنا من الوصول إليك، قُمنا مَقَامَ الأداء عنهم وعن
رسول اللة صلى الله عليه وسلم بإظهار ما في أعناقنا من فريضةِ الأمر والنهي عند
انقطاع عُذر الكِتمان ولا سَيما حين اتسَمْتَ بِمَيسَم التواضع ووَعَدتَ الله
وحَمَلَةَ كتابه إيثار الحق على ما سواه، فجمعنَا وإياكَ مَشْهد من مشاهد التمحيص
لِيُتَمَ مُؤَدينا على موعود الأداء وقابِلُنَا على موعود القبول، أو يَزيدنا
تَمحِيصُ الله إيانا في اختلاف السر والعلانية، ويُحَلَينا حِليةَ الكذابين، فقد
كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقولون: مَنْ حجب اللُه عنه العلم عذبه
على الجهل، وأشَدُّ منه عذاباً مَنْ أقبل إليه العلمُ وأدبرَ عنه، ومن أهدى الله
إليه علماً فلم يعمَل به فقد رَغِبَ عن هديه الله وقصَر بها، فأقبل ما أهدَى الله
إليكَ من ألسنتنا قبولَ تحقيقٍ وعمل لا قبولَ سمعةٍ ورياءٍ فإنه لا يعلَمك منَا
إعلامٌ لما تَجهَلُ أو مواطأةٌ على ما تعلمُ أو تذكيرٌ من غفلةَ؛ فقد وطًنَ اللّه
عز وجل نبيه عليه السلام على نزولها تعزية عما فات وتحصيناً من التمادي ودلالةً
على المخرَج فقال: " وإما يَنْزَغنك مِن الشَيْطَانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ
بِاللّه " فأطْلِع الله على قلبكَ بما يُنَوٌرهُ من إيثار الحق ومًنَابذةِ
الأهواء. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مقام رجل من الزهّاد
بين يدي المنصور
بينما المنصورُ يطوفُ
ليلاً إذ سمع قائلاً يقول: اللَهم إني أشكو إليكَ ظهورٍ البغي والفساد في الأرض
وما يحولُ بين الحق وأهله من الطمع. فخرج المنصورُ فجلس ناحية من المسجد وأرسل إلى
الرجل يدعوه، فصلى الرجلُ ركعتين واستلَم الركنَ وأقبل مع الرسول فسلم عليه
بالخلافة، فقال المنصورُ: ما الذي سمعتُكَ تذكُر من ظهور البغي والفساد في الأرض
وما يحول بينِ الحق وأهله من الطمع؟ فوالله لقد حَشَوْتَ مَسَامِعي ما أرمَضَنِي،
قال: يا أمير المؤمنين إن أمنتني على نفسي أنبأتُك بالأمور من أصولها، وإلا
احتجزتُ منكَ واقتصرتُ على نفسي ففيها لي شاغِل. فقال: أنتَ آمنُ على نفسك فقل
فقال: إن النبي دخله الطمعُ حتى حال بينه وبين ما ظهر من البغي والفساد لأنتَ. قال: ويحك
وكيف يدخلُني الطمعُ والصفراءُ والببضاءُ في قبضتي والحلو والحامض عندي! قال: وهل
دخل أحد من الطمع ما دخلكَ! إن الله تبارك وتعالى استرعاك المسلمينَ وأموالَهم
فأغفلتَ أمورهم واهتممتَ بجمع أموالِهم، وجعلتَ بينك وبينهم حجاباً من الجص
والآجُر وأبواباً من الحديد وحَجَبَةً معهم السلاحُ ثم سجنتَ نفسَكَ فيها عنهم،
وبعثتَ عُمَالَكَ في جباية الأموال وجمعها وقويتَهم بالرجال والسلاح والكراع،
وأمرتَ بألا يدخُلَ عليك من الناس إلا فلانٌ وفلان نفر سميتَهم، ولم تأمر بإيصال
المظلوم ولا الملهوف ولا الجائع العاري ولا الضعيفِ الفقير، ولا أحدٌ إلا وله في
هذا المال حق، فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتَهم لنفسك وآثرتَهم على رعيتكَ
وأمرتَ ألا يُحجَبُوا عنك، تَجْبي الأموال وتجمعها ولا تَقسِمُها قالوا: هذا قد
خان الله فما بالنا لا نخونه وقد سجن لنا نفسَه! فَأتمروا بألا يصلَ إليك مِنْ علم
أخبار الناس شيء؛ إلا ما أرادوا، ولا يخرجَ لك عاملٌ فيخالفَ أمرَهُم إلا قصبوه
عندك ونَفَوْه حتى تسقطَ منزلتُه ويَصْغُر َقدرُه، فلما انتشر ذلكَ عنكَ وعهم،
أعظمَهُم الناسُ وهابوهم، فكان أولَ مَنْ صانعَهم عُمالُكَ بالهدايا والأموال
لِيَقْوَوْا بها على ظلم رعيتكَ، ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا
به ظلمَ من دونهم، فامتلأت بلادُ الله بالطمع بغياً وفساداً، وصار هؤلاء القوم
شُركاءك في سلطانك وأنت غافل، فإن جاء مُتظلم حِيلَ بينه وبين دخول مدينتك؛ فإن
أراد رفع قصته إليك عند ظهورك وجدك قد نهيتَ عن ذلكَ، وأوقفت للناس رجلاً ينظر في
مظالمهم، فإن جاء ذلك الرجل فبلَغَ بطانَتَكَ خبرُه سألوا صاحبَ المظالم ألا يرفعَ
مَظْلِمَتَه إليك، فإن المتظلَم منه له بهم حُرمة، فأجابهم خوفاً منهم؛ فلا يزال المظلومُ
يختلف إليه ويلوذ به ويشكو ويستغيث وهو يدفعه ويعتل عليه، فإذا اجهِدَ واحرجَ
وظَهَرْتَ، صَرَخ بين يديك، فضُرِبَ ضَرْباً مُبَرّحاً، ليكون نكالاً لغيره، وأنت
تَنظر فلا تُنكِر، فما بقاءُ الإسلام على هذا! وقد كنتُ يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصَين فقدِمتها مرةً وقد أصِيبَ
مَلِكُها بسمعه، فبكى يوماً بكاءً شديداً فحثه جلساؤه على الصبر فقال: أمَا إني
لست أبكي للبلية النازلة بي، ولكني أبكي لمظلوم بالباب يصرُخُ ولا أسمعُ صوتَه؛ ثم
قال: أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادُوا في الناس ألاً يلبَسَ ثوباً أحمرَ
إلا متظلمٌ، ثم كان يركب الفيل طرفَيْ نهاره، وينظر هل يرى مظلوماً. فهذا يا أمير
المؤمنين مُشركٌ بالله غلبتْ رأفتُه بالمشركين شُحَ
نفسه وأنت مؤمنٌ
بالله من أهل بيت نبيه لا تغلب رأفتكَ بالمسلمين على شح نفسك! فإن كنت إنما تجمع
المال لولدك، فقد أراك الله عِبَراً في الطفل يسقط من بطن أمه وما له على الأرض
مال، وما من مال إلا ودونه يد شحيحة تحويه فما يزالُ الله يلطُفُ بذلك الطفل حتى
تعظُمَ رغبةُ الناس إليه، ولست بالذي تُعطي بل الله يعطي من يشاء ما يشاء، وإن قلت
إنما أجمع المال لتَشديد السلطان فقد أراك الله عِبَراً في بني أميةَ: ما أغنى
عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة وأعدوا من الرجال والسلاح والكُرَاع حتى أراد الله
بكم ما أراد، وإن قلتَ إنما أجمع المالَ لطلب غايةٍ هي أجسمُ من الغاية التي أنا
فيها، فوالله ما فوق ما أنتَ فيه إلا منزلةٌ لا تدرك، إلا بخلاف ما أنتَ عليه يا
أميرَ المؤمنين؛ هل تُعاقب من عصاك بأشد من القتل؟ قال المنصور: لا. قال: فكيف
تصنع بالملكِ الذي خولك مُلكَ الدنيا وهو لا يعاقب من عصاه بالقتل! ولكنَ بالخلود
في العذاب الأليم، قد رأى ما قد عقِدَ قلبك وعَمِلته جوارحُك ونظر إليه بصرُك
واجترحته يداكَ ومشت إليه رجلاك، هل يغني عنك ما شَحَحْتَ عليه من مُلك الدنيا
إِذا انتزعَه من يدك ودعاكَ إلى الحساب. فبكى المنصور وقال: يا ليتني لم أخْلَقْ!
ويحكَ! فكيف أحتال لنفسي قال: يا أمير المؤمنين إن للناس أعلاماً يفزعون إليهم في
دينهم ويرضَوْن بهم فاجعلهم بطانَتك رشدوكَ، وشاورْهم في أمرك يُسددوك. قال: قد بعثت
إليهم فهربوا مني. قال: خافوا أن تحمِلَهم على طريقتك ولكن إفتَحْ بابكَ وسَفَل
حجابَك وانصُرِ المظلومَ واقمَعْ الظالمَ وخذ الفيء والصدقاتِ مما حل وطابَ
واقسِمه بالحق والعدل على أهله وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويُسْعِدوك على صلاح
الأمة.
وجاء المؤذَنون
فسلموا عليه فصلى وعاد إلى مجلسه وطُلِبَ الرجلُ فلم يوجَدْ.
مقام آخر والمنصور
يخطبخَطبَ المنصورُ فحمِد الله ومضى في كلامه، فلما انتهى إلى أن أشهد أن لا إله
إلا الله وثَبَ رجل من أقصى المسجد فقال: أذَكرك مَنْ تذكرُ. فقال المنصور: سمعاً
لمن فَهِم عن الله وذكرَ به وأعوذ بالله أن أكون جباراً عصياً وأن تأخذني العزة
بالإثم لقد ضَلَلْتُ إذاً وما أنا من المهتدين، وأنتَ واللِه أيها القائل ما أردتَ
بها الله ولكن حاولتَ أن يقال: قام فقال فعوقب فصَبَر، وأهوِنْ بقائلها لو
هَمَمْت، فاهتَبِلها ويلكَ إذ عفوتُ، وإياكم معشرَ الناس وأختَها؛ فإن الموعظة
علينا نزلت ومن عندنا انبثتْ فردوا الأمر إلى أهله يُصْحِرُوه كما أورعوه. ثم رجع
إلى خطبته فقال: وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه.
مقام عَمْرو بن
عُبَيد بين يدي المنصور
قال للمنصور: إن الله
أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتَرِ نفسك ببعضها، واذكر ليلةً تَمَخضُ عن يوم لا ليلةَ
بعده. فوجَمَ أبو جعفر من قوله؛ فقال له الربيع: يا عَمْرو غمَمْت أمير المؤمنين.
فقال عَمْرو: إن هذا
صَحِبك عشرين سنة لم يَرَ لك عليه أن يَنْصحَكَ يوماً واحداً وما عَمِلَ وراءَ ذلك
بشيء من كتاب الله ولا سنة نبيه. قال أبو جعفر: فما أصنع؟ قد قلتُ لكَ: خاتمي في يدك
فتعالَ وأصحابك فاكفِنِي. قال عَمْرو: ادعُنا بعدلك تسْخُ أنفسنا بعونك؛ ببابك ألف
مَظلِمةٍ ارددْ منها شيئاً نعْلَمْ أنك صادق.
مقام أعرابيّ بين يدي
سليمان
قام فقال: إني
مُكَلمكَ يا أميرَ المؤمنين بكلام فيه بعضُ الغِلظةِ فاحتَمِلْهُ إن كرهتَه، فإن
وراءه ما تُحبه إن قلتَه. قال: هاتِ يا أعرابيٌ. قال: فإني سأطلِقُ لساني بما
خَرِسَتْ عنه الألسُنُ، عِظَتكَ تأديةً لِحق الله وحق إمامتك، إنه قد اكتنفَكَ
رجال أساءوا الاختيارَ لأنفسهم، فابتاعوا دنياكَ بدينهم ورِضَاكَ بسخط ربهم،
خافوكَ في الله ولم يخافوا الله فيكَ، فهم حَرْبٌ للآخرة سلم للدنيا، فلا تأمَنْهم
على ما ائتمنك الله عليه، فإنهم لن يألوا الأمانة تضييعاً والأمة عسفاً وخسفاً، وأنت
مسؤول عما اجترحوا وليسوا مسؤولين عما اجترَحْتَ، فلا تُصْلِحْ دنياهم بفساد
آخرتكَ، فإن أعظم الناس غَبْناً مَنْ باع آخرته بدنيا غيره. قال سليمان: أما أنت
يا أعرابي فقد سلَلتَ لسانكَ، وهو أقطعُ سيفيكَ. فقال: أجلْ، لكَ لا عليكَ.
مقام أعرابيّ بين يدي
هشام
قال: أتتْ على الناس
سِنُون، أما الأولى فَلَحَتِ اللحمَ، وأما الثانية فأكلتِ الشحْم، وأما الثالثة
فهاضَتِ العظمَ، وعندكم فضولُ أموال، فإن كانت لله فاقسِموها بين عباده، وإن كانت
لهم ففيمَ تُحظَرُ عنهم! وإن كانت لكم فتصدقوا عليهم بها فإن الله يَجْزِي
المتصدقين؛ فأمر هشام بمال فقُسِم بين الناس وأمرَ للأعرابي بمال، فقال: أكل
المسلمين له مثل هذا؟ قالوا: لا ولا يقوم ذلك بيتُ مال المسلمين؛ قال: فلا حاجةَ
لي فيما يبعثُ لائمةَ على الناس على أمير المؤمنين.
مقام الأوزاعيّ بين
يدي المنصور
ذكره عبدُ الله بن المبارك
عن رجل من أهل الشأم قال: دخلتُ عليه فقال: ما الذي بَطأ بك عني؟ قلتُ: يا أميرَ
المؤمنين وما الذي تريد مني؟ فقال: الاقتباسُ منك. قلتُ: انظر ما تقول، فإن مكحولاً حدًثني عن عطية بن بَشيرٍ أنّ رسول اللهّ
صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ بلَغه عن اللّه نصيحةٌ في دينه فهي رحمة من الله
سِيقَتْ إليه، فإن قَبِلَها من الله بشكرٍ وإلا كانتْ حُجّةً من الله عليه، ليزداد
إثماً، وليَزْدادَ الله عليه غضباً، وإن بلغه شيء من الحق فرضِيَ فله الرضا، وإن
سَخِط فله السخط، ومن كرهَه فقد كره الله، لأن الله هو الحق المبين " ، فلا
تجهَلَن.
قال: وكيف أجهل؟ قال:
تسمع ولا تعمل بما تسمَعُ.
قال الأوزاعي: فسل
علي الربيعُ السيفَ وقال: تقول لأمير المؤمنين هذا! فانتهرَه المنصور وقال: أمسِكْ. ثم كلمه الأوزاعي، وكان في كلامه أن
قال: إنك قد أصبحت من هذهِ الخلافة بالذي أصبحت به، والله سَائَلُكَ عن
صغيرها وكبيرها وفتيلها ونقيرها، ولقد حدثني عُروةُ بن رُوَيْم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " ما مِنْ راعٍ يبيتُ غاشّاً لِرعيته إلا حًرّمَ الله عليه
رائحةَ الجنةِ " فحقيق على الوالي أن يكون لرعيته ناظراً، ولمَا استطاع من
عَوراتهم ساتِراً، وبالقِسط فيما بينهم قائماً، لا يتخوْف محسنُهم منه رهَقاً ولا
مسيئهم عدواناً؛ فقد كانت بيد رسول الله؛ جرب يستَاكُ بها ويردعُ عنه المنافقينَ،
فأتاه جبريلُ فقال: " يا محمدُ ما هذه الجريدةُ بيدكَ! إقذِفْها تملأ قلوبَهم
رُعباً!. فكيف مَنْ سفكَ دماءهم وشَققَ أبشارهم وأنهبَ أموالهم! يا أمير المؤمنين
إنْ المغفورَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر دعا إلى القِصاص من نفسه بخدش خدشه
أعرابياً يتعمده، فهبط جبريل فقال: " يا محمد إن الله لم يبعَثْكَ جباراً
تكسِرُ قرونَ أمَتك " . واعلم كل ما في يدك لا يعدِلُ ضربةً منِ شراب الجنة ولا ثمرةً من
ثمارها؛ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " لَقَاب قوس أحدكم من الجنة أو
قُذَة خيْرٌ له من الدنيا بأسرها " . إن الدنيا تنقطِعُ ويزولُ نعيمها، ولو
بقي الملكُ لمن قبلكَ لم يصِل إليكَ. يا أمير المؤمنين، ولو أنّ ثوباً من ثيابَ أهل
النار عُلًقَ بين السماء والأرض لأذاهم فكيف مَنْ يتَقمصُه! ولو أن ذَنُوباً من
صديد أهل النار صُبَّ على ماء الأرض لآجنَه فكيف بمن يتجرعهُ، ولو أنَ حَلقةً من
سلاسل جهنم وُضِعَتْ على جبل لذاب فكيف مَنْ سُلِكَ فيها ويُرَدُّ فضلُها على
عاتقه! وقد قال عمر بن الخطاب: " لا يُقَوَم أمرَ الناس لا حَصيفُ العقدة،
بعيدُ الغِرة، لا يَطَّلِعُ الناسُ منه على عَورةٍ، ولا يُحنِقُ في الحق على برةٍ،
ولا تأخُذُهُ في الله لومةُ لائم " .
واعلم أن السلطان
أربعة: أمير يَظْلِفُ نفسَه وعمفالَه، فذلك له أجرُ المجاهد في سبيل الله وصلاتُه
سبعونَ ألفَ صلاةٍ ويدُ الله بالرحمة على رأسه تُرفرفُ؛ وأمير رتَعَ ورتَع
عُمَالُه، فذاك حمِلُ أثقالَه وأثقالاً مع أثقاله؛ وأمير يَظلِف نَفسَه ويرتَعُ
عُمَّالُه، فذاكَ الذي باع آخرتَه بدنيا غيره؛ وأمير يرتَعُ ويَظْلِفُ عُمالَهُ،
فذاكَ شر الأكياس.
واعلم يا أمير المؤمنين
أنك قد ابتُلِيتَ بأمر عظيم عُرِضَ على السَّمواتِ والأرض والجِبال فأبينَ أن
يحملنه وأشفَقَن منه؛ وقد جاء عن جَدَكَ في تفسير قول اللّه عز وجل: الا يُغَادِرُ
صغِيرَة ولا كَبِيرَة إلا أحصاها " أنْ الصغيرة التبسمُ، والكبيرةَ الضحكُ.
وقال: فما ظنكم بالكلام
وما عملته الأيدي! فاعيذك بالله أن يُخيل إليك أن قرابتك برسول اللّه صلى الله عليه
وسلم تنفع مع المخالفة لأمره؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا صفية عمة محمد ويا فاطمة بنت محمد استوهبا أنفسكما من الله إني لا
أغني عنكما من الله شيئاً " . وكان جدك الأكبر سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
إمارةً؛ فقال: " أي عمٌ نفسٌ تُحِييها خيرٌ لك من إمارة لا تُحصِيها " ، نظراً لعمه وشفقة عليه أن يليَ فيجورَعن سنته
جناحَ بعوضة، فلا يستطيعَ له نفعاً ولا عنه دفعاً. هذه نصيحتي إن قبلتَها فلنفسك
عملتَ، وإن رددتها فنفسك بَخسْتَ، واللّه الموفق للخير والمعينُ عليه.
قالى: بلى! نقبلها
ونشكرُ عليها، وبالله نستعينُ.
مقام خالد بن صفوان
بين يدي هشامقال خالد: وفدتُ عليه فوجدته قد بدأ يشربُ الدهنَ، وذلك في عام باكرَ
وَسْمِيُّه وتتابعَ وليه وأخفت الأرضُ زُخرُفَها، فهي كالزرابىً المبثوثة
والقُبَاطي المنشورة، وثراها كالكافور لو وُضِعَتْ به بَضْعة لم تُتَرّبْ، وقد
ضُربتْ له سرادقاتُ حِبَرٍ بعث بها إليه يوسفُ بن عمر من اليمن تتلألأ كالعقْيان،
فأرسل إليَ فدخلت عليه، ولم أزل واقفاً، ثم نظر إليئ كالمستنطِق لي؛ فقلت: يا أمير
المؤمنين، أتم الله عليك نعمه ودفع عنك نقمه؛ هذا مَقامٌ زَيَّنَ الله به ذكر
وأطاب به نَشْري، إذ أراني وجه أمير المؤمنين، ولا أرى لمقامي هذا شيئاً هو أفضل
من أنت أنبه أمير المؤمنين لفضل نعمة الله عليه ليحمَدَ الله على ما أعطاه، ولا
شيء أحضرُ من حديث سلف لملك من ملوك العجم إن أذن لي فيه حدّثته به. قال: هات.
قلتُ: كان رجلِ من
ملوك الأعاجم جُمِعَ له فَتاءُ السن وصِحةُ الطباع وسَعَةُ المُلك وكثرة المال،
وذلك بالخَوَرْنق، فأشرف يوماً فنظر ما حوله فقال لمن حضره: هل علمتم أحداً أوتي
مثل الذي أوتيتُ؛ فقال رجل من بقايا حَمَلة الحجة: إن أذِنت لي تكلمت. فقال: قل.
فقال: أرأيت ما جُمِعَ لك، أشيء هو لك لم يزل ولا يزولُ، أم هو شيء كان لمن قبلك
زال عنه وصار إلي وكذلك يَزُولُ عنك؟ قال: لا! بل شيء كان لمن قبلي فزال عنه وصار
إلي وكذلك يزول عني قال: فسُرِرتَ بشيءِ تذهب لذته وتبقى تَبِعَتُه، تكون فيه
قليلاً وتُرْتَهن به طويلاً؛ فبكى وقال: أين المهربُ؟ قال: إلى أحد أمرين: إما أن تُقيمَ
في مُلككَ فتعملَ فيه بطاعة ربكَ، وإما أن تُلقي عليك أمساحاً ثم تلحق بجبل تعبد
فيه ربكَ حتى يأتي عليك أجلُكَ؛ قال: فما لي إذا فعلت ذلك؟ قال: حياة لا تموت
وشباب لا يهرم وصحة لا تسقم وملك جديد لا يبلى؛ فأتى جبلاً فكان فيه حتى مات.
وأنشد قول عدي بن زيد:
وتَفَكَرْ رَب
الخوَرْنَقِ إذ أص ... بحَ يوماً وللهُدَى تَفْكِيرُ
سَره حالُه وكثرةُ ما
يم ... لكُ والبحرُ مُعْرِضا والسدِيرُ
فارعَوَى قلبُه فقال
وما غب ... طةُ حي إلى الممات يصيرُ
فبكى هشام وقامِ
ودخل؛ فقال لي حاجبه: لقد كسبت نفسَك شراً، دعاك أمير المؤمنين لِتحدثه وتُلهِيَه
وقد عرَفت علتَه فما زِدْتَ على أن نَعيتَ إليه نَفْسَه. فأقمتُ أياماً أتوقًعُ
الشر، ثم أتاني حاجبُه فقال: قد أمر لك بجائزةٍ وأذِنَ لك في الانصراف.
مقام محمد بن كعب
القرظيّ بين يدي عمر بن عبد العزيز
قال: إنما
الدنيا سُوقٌ من الأسواق، فمنها خرج الناسُ بما ينفعهم وبما يضرهم، وكم قومٍ قد
غرهم مثلُ الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموتُ فاستوعبَهم فخرجوا من الدنيا
مُرمِلينَ لم يأخذوا لِما أحبوا من الآخرة عدَةً ولا لما كرهوا جُنَةً، واقتسم ما
جمعوا من لم يحمَدْهم وصاروا إلى من لا يعذِرُهم. فانظر الذي تُحب أن يكون معك إذا
قدِمْتَ، فقدَمه بين يديك حتى تخرجَ إليه؛ وانظر الذي تكره أن يكون معك إذا
قدمْتَ، فابتغ به البدَل حيث يجوز البدلُ، ولا تذهَبنَ إلى سِلْعَةٍ قد بارت على
غيرك ترجو جوازَها عنك. يا أمير المؤمنين، إفتح الأبوابَ، وسهَل الحجابَ، وانصُر
المظلومَ.
مقام الحسن عند عمر
بن هُبَيرة
كتبَ ابن هُبَيرة إلى
الحسن وابن سِيرين والشعبيْ فقُدِم بهم عليه، فقال لهم: إن أمير المؤمنين يكتب إلي في الأمر، إن فعلته خفتُ على ديني، وإن لم
أفعله خفتُ على نفسي. فقال له ابن سيرين والشعبيّ قَولاً رَقَّقا فيه، وقال له الحسن:
يا بن هبيرة، إن الله يمنعُك من يزيدَ، وإن يزيد لا يمنعُكَ من الله. يا بن هبيرة،
خَفِ الله في يزيد ولا تخفْ يزيدَ في الله. يا بن هبيرة، إنه يُوشِكُ أن يبعثَ
الله إليك مَلَكاً فيُنزلَكَ عن سريرك إلى سَعَةِ قصرك، ثم يخرجك عن سعةِ قصرك إلى
ضِيقِ قبرك، ثم لا يُنْجِيك إلا عملُكَ. يا بن هبيرة إنه لاطاعة لمخلوق فِي معصية
الخالق. فأمر له بأربعة آلاف درهم وأمر لابن سيرين والشعبي بألفين فقالا: رَققْنا
فَرَقَقَ لنا.
باب من المواعظكلام
للحَسن
قال في كلام له:
أمتكُم آخرُ الأمم وأنتم آخرُ أمتكم، وقد أسْرعَ بخياركم فماذا تنتظرون! المعاينة؟
فكأن قد. هيهات هيهات! ذهبت الدنيا لحال بمالها، وبقيت الأعمالُ أطواقاً في أعناق
بني آدم؛ فيا لها موعظةً لو وافقَتْ من القوب حياةً؛ إنه والله لا أمةَ بعد أمتكم،
ولا نبي بعد نبيكم، ولا كتابَ بعد كتابكم، أنتم تسُوقون الناسَ والساعةُ تسوقكم؛
وإنما يُنتظَر بأولكم أن يلحَقَ آخِركم. مَنْ رأى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد
رآه غادياً رائحاً لم يضح لَبِنة على لَبِنة ولا قصبة على قصبة، رُفِع له علمٌ
فشمرَ إليه؛ فالوَحا الوَحا، والنجاءُ النجاء. علام تعرجون؟ أسرعَ بخياركم وأنتم
كل يوم تَرذلون. لقد صحبتُ أقواماً كانت صحبتهم قَرةَ العين وجَلَاءَ الصدور، وكانوا
من حسناتهم أًن تُردً عليهم أشفقَ منكم من سيئاتكم أن تُعذًبوا عليها، وكانوا فيما
أحل الله لهم من الدنيا أزهدَ منكم فيما حرم الله عليكم. إني أسمع حسيساً، ولا أرى
أنيساً، ذهب الناسُ، وبقِيتُ في النَسناس، لو تكاشفتم ما تدافنتم؛ تَهَاديتُم
الأطباقَ ولم تَهادَوُا النصائحَ. يابن آدم، إن دين اللّه ليس بالتحلي ولا
بالتمني، ولكنه ما وقَر في القلوب وصَدَقته الأعمالُ.
كلام لبعض الزهادلا
تغترّنَ بطول السلامة مِع تضييع الشكر، ولا تُعْمِلنَ نعمةَ الله في معصيته، فإن
أقل ما يَجِبُ لمهدِيها ألا تجعلَها ذريعةَ إلى مخالفته. واستَدْع شاردَ النّعم
بالتوبةِ، واستد!م الراهنَ بكرم الجِوَارِ، واستفتِح بابَ المزيد بحُسن التوكل. أو
ما عَلِمْتَ أن المستشعرَ لذُل الخطيئة المخرجَ نفسَه من كُلَف الطاعة نَطِفُ الثَّناءِ،
زَمِرُ المروءةِ، قَصيُ المجلس، لا يشاور وهو ذو بَزلَاءَ، ولا يُصَدَرُ وهو جميل
الرُّوَاءِ، غامضُ الشخص ضئيلُ الصوتِ نَزْرُ الكلام يتوقع الإسكاتَ عند كلّ
كلمةٍ، وهو يَرى فضلَ مزيته وصريحَ لبهِ وحسنَ تَفضِيلِه، ولكن قَطعه سوء ما جنى
على نفسه، ولو لم تَطلِعْ عليه عيونُ الخليقة لهجسَت العقولُ بإدهانه. وكيف يمتيع
سُقوط القدرِ وظَنَ المتفرس مَنْ عُريَ مِن حِلْية التقوى وسُلِبَ طبائعَ الهُدَى!
ولو لم يَتَغَش ثوب سريرته وقبيحَ ما أجنَ من مخالفة ربه لقطعه العلمُ بقبيح ما
قارفَ عن اقتدار ذَوِي الطهارة الكلام وإدلال أهل البراءة في النديّ.
كلام لغَيْلان
إن التراجعَ في
المواعظ يُوشِكُ أن يُذْهِبَ يومَها ويأتي يومُ الصاخة، كلُّ الخلقِ يومئذ مُصِيخ
يستمعُ ما يُقالُ له ويُقضَى عليه، وخَشَعَت الأصْواتُ للرحمن فلا تسمَع إلا
هَمساً. فاصمُت اليوم عما يُصْمِتكَ يومئذ، وتَعَلَمْ ذلك حتى تعلَمَه، وابتغِه
حتى تَجده، وبادِرْ قبل أن تفجأكَ دعوةُ الموت، فإنها عَنيفة إلا بِمَنْ رحم الله،
فيُقْحِمكَ في دار تسمعُ فيها الأصوات بالحسرة والويل والثبور، ثم لا يُقالُون ولا
يُستعتَبونَ. إني رأيتُ قلوب العِباد في الدنيا تخشع لأيسر من هذا وتَقسُو عند
هذا، فانظُر إلى نفسك أعبدُ الله أنت أم عَدوُه، فيا رُبً مُتعبّد بلسانه، مُعادٍ
له بفعله ذلول في الإنسياق إلى عذاب السعير في أمنية أضغاثِ أحلام يَعبرها بالأمانِي
والطنون. فاعرِف نفسَكَ وسَلْ عنها الكتابَ المنيرَ، سؤال من يُحِب أن يعلم،
وَعلمَ من يُحبّ أن يعمَلَ، فإن الرب جلّ ثناؤه لا يعذِر بالتعذير والتغرير، ولكن
يعذِرُ بالجِد والتشمير. إكْتس نصيحتي، فإنها كُسوَةُ تقوَى ودليلٌ على مفاتح
الخير، ولا تكن كعلماء زمن الهَرْج إن وُعِظُوا أنِفُوا، وإن وَعَظُوا عَنُفُوا.
واللهّ المستعان.
كتاب رجل إلى بعض
الزّهاد
كتب إليه: إنّ لي
نفساً تُحِبُّ الدَّعةَ، وقلباً يألف اللذاتِ، وهمةً تَسْتثقِلُ الطاعةَ، وقد
وهَّمتُ نفسي الآفات، وحَذَّرتُ قلبي الموت، وزجرتُ هِمَتي عن التقصير؛ فلم أرضَ
ما رجع إليَّ منهن، فاهدِ لي - رحمك الله - ما أستعينُ به على ما شكوتُ إليك؛ فقد
خفتُ الموت قبلَ الاستعداد.
فكتب إليه: كثر
تعجّبي من قلبَ يألَفُ الذنبَ، ونفسٍ تطمئنُ إلى البقاء، والساعاتُ تَنقُلُنا
والأيامُ تَطوِي أعمارَناة فكيف يألفُ قلبٌ ما لا ثباتَ له، وكيف تنام عينٌ لا
تحرِي لعلها لا تطرِفُ بعد رَقدَتها إلا بين يدي اللّه! والسلام.
وكتب رجل من العبّاد
إلى صديق له
إني لمّا رأيتُ الناسَ
في اليقين متفقين، وفي العمل متفاوتين، ورأيت الحجةَ واجبة، فلم أر في يقينٍ
قَصَرَ بصاحبه عن عملٍ حجةٍ، ولا في عملٍ كان بغيرِ يقينٍ منفعةً؛ ورأيتُ من
تقصيرِ أنفسنا في السعي لمرجوّ ما وُعِدَتْ والهرَبِ من مَخُوف ما حُذَرَتْ، حتى
أسلمها ذلك إلى أن ضَعُفَتْ منها النيةُ وقلّ التحفّظُ واستولى عليها السَّقَط
والإغفالُ واشتعَلَتْ منها الشهوةُ، ودعاها ذلك إلى التمرّغ في فضائح اللّذاتِ،
وهي تعلم أن عاقبتَها الندمُ، وثمرتَها العقوبة، ومصيرَها إلى النار إن لم يعفً
اللُّه - عجبتُ لعمل امرئٍ كيف لا يشبِهُ يقينَه، ولعلم موقنٍ كيف لا يرتبط رجاءه
وخوفه على ربه، حتى لا يتكون الرغبة منه إلا إليه والرهبة منه إلا له. وزادني
عجباً أنّني رأيت طالب الدنيا أجدَّ من طالب الآخرة، وخائفَها أتعبَ من خائف الآخرةِ،
وهو يعلم يقيناً أنه رُب مطلوبٍ في الدنيا قد صار حين نيلَ حتفاً لطالبه، وأنه
رُبَّ مَخُوفٍ فيها قد لَحِقَ كَرْهاً بالهارب منه فصار حظاً له، وأن المطلوبَ
إليه من أهلها ضعيفٌ عن نفسه محتاجٌ إلى ربه مَملوكٌ عليه مالُه مخزونةٌ عنه
قدرتُه. واعلم أن جِمَاعَ ما يسعى له الطالبُ وَيهرُبُ منه الهاربُ أمران: أحدهما
أجلُه، والآخر رزقُه، وكلاهما بعينه شاهد على أنه لا يملِكُه إلا الذي خلقه. فلم
أدْر حين صار هذا اليقينِ في موضع الإيمان يقيناً لا شك فيه، كيف صار في موضع
العمل شبيهاَ بالشك الذي لا يقينَ فيه! وكيف، حين اختُلِفَ في أمر الآخرة، لم
يُخْتَلْف في أمر الدنيا، فيكون خائفُ الآخرة لربه كخائف الدنيا لسلطانه صبراً له
على تجشم المكروه، وتجرّعاً منه لغُصَص الغيظ، واحتمالاً منه لفادح النّصَب، وعملأ
له بالسخرة، وتحفظاً من أن يُضمِرَ له على غش أو يَهًم له بخلاف، ولو فعل ذلك ما
علمه منه حتى يَظهَرَ له بقولٍ أو فعل؛ ولو علمه ما
قَدَر له على قطع أجل
لم يَفْنَ ورزقٍ لم ينفَد؛ فإن ابتُلِيَ بالسخَطِ من سلطانه فكيف حزنه ووحشتُه،
وإن أنِسَ منه رِضاً عنه فكيف سُرورُه واختيالُه؛ة فإن قارفَ ذنباً إليه فكيف
تضعضه واستخذاؤه، فإن ندبه لأمر فكيف خِفَّته ونشاطه! وإن نهاه عنه فكيف حَذرُه
واتّعاظُه وهو يعلم أن خالِقَه ورازقَه يعلَمُ سِرَّه وجهرَه، ويراه في متقلبه
ومثواه، ويُعاينُه في فضائحه وعورته، فلم يَزعْهُ عنها حياء منه ولا تقيةٌ له، قد
أمره فلم يأتمر، وزجَره فلم يزدجر، وحَذَره فلم يحذر؛ ووعده فلم يرغَبْ، وأعطاه
فلم يشكر، وستره فلم يزددْ بالستر إلا تعرضا للفضائح، وكفاه فلم يقنع بالكفاية،
وضَمِنَ له في رزقه ما هو في طَلَبِه مُشيحٌ، ويقَّظَه من أجله لما هو عنه لاه
وفرغه من العمل لما هو عنه بغيره مشغول؛ فسبحان من وَسِعَ ذلك حلمه وتغمده من
عباده عفوة؛ ولو شاء ما فعلوه؛ ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسْألُونَ.
فأجابه: إني رأيتُ
اللّه تبارك وتعالى جعلَ اليقينَ بأعظم المواضع في أمر الدنيا والدين، فهو غايةُ
العالم وبصرِ البصير وفهم السامع، ليس كسائر الأشياء التي تدخلها الشبهاتُ
ويَجرحها الإغفال ويشوبها الوَهْنُ؛ وذلك أن اللّه تعالى جعل مَغرِسَه القلبَ؛
وأغصانه العملَ، وثمرته الثوابَ. وإنما جَعَلَ القلبَ لليقين مَغرِساً، لأنه جعل
الخمسَ الجوالب لعلم الأشياء كلّها إلى القلب: السمعَ والبصرَ والمجسةَ
والمَذَاقَةَ والاسترواحَ. فإذا صارت الأشياء إليه ميز بينها العقل ثم صارت
بأجمعها إلى اليقين، فكان هو المثبتَ لها والموجه كلّ واحدٍ منهن جهتَها. ولولا
معرفة القلب بالعقل الذي جعله الله لذلك، لم يفرُقْ سمعٌ بين صوتينِ مختلفينِ، ولا
بصر بين صورتين متقاربتين، ولا مجسة بين شيئين غير متشابهين. ولليقين بعد ذلك
منزلة يُعرَفُ بها الضارّ والنافع في العاقبة عند اللّه تعالى. فلما صار اليقينِ في
التشبيه كالشجرة النابتة في القلب أغصانُها العملُ وثمرتها الثوابُ، أخبر ذلك أنه
قد تكون الشجرة نابتة الأصل بلا أغصان كما يكون اليقين نابتاً بلا عمل، وأنه كما
لا تكون الأغصان نابتة بلا أصل، فكذلك لا يكون العمل نافعاً إلا بيقين؛ وكما أنه
لا تُخلِفً الثمرةُ في الطيب والكثرةِ إذا كان الأصل نابتاً والأغصان ملتفَة،
فكذلك يكون الثواب لمن صح يقينه وحَسُنَ عمله. وقد تعرِض للأعمال عوارضُ من
العِلل: منهنّ الأملُ المثبطُ، والنفسُ الأمارةُ بالسوء، والهوى المزين للباطل،
والشيطانُ الجاري من ابن آدم مجرَى الدم، يضررن بالعمل والثواب، ولا يبلغِ ضررُهن
اليقين، فيكون ذلك كبعض ما يَعرِضُ للشجرة من عوارض الأفات فَتذْوِي أغصانها
وتنثًر ورقَها وتَمنع ثمرتَها والأصل ثابت؛ فإذا تجلّت الآفةُ عادت إلى حال
صلاحها. فماذا يُعجبك من عمل امرئ لا يشبه يقينه، وأن يقينَه لا يرتبط رجاءه وخوفه
على ربه. فإنما العجب من خلاف ذلك؛ ولَعَمْري لو أشبهَ عملُ امرئ يقينَه فكان
في خوفه ورجائه كالمعايِن لِمَا يُعايِنه بقلبه من الوقوف بين يدي الله والنظر إلى
ما وعَد وأوعَدَ، لكان ما يعتلج على قلبه من خطرات الخوف شاغلاً له عن الرجاء،
حتىِ يأتَي على نفسه أوّلَ لحظة ينظر بها إلى النار خوفاً لها أو إلى الجنة أسفاً
عليها إذا حُرِمَها، وإذاَ لكان الموقن بالبعث بقلبه كالمعاين له يوم القيامة وكيف
يستطيع من كان كذلك أن يعقلَ فضلاً عن أن يعملَ! وأما قولك: " كيف لم يكن
خائف الآخرة لربّه كخائف الدنيا لسلطانه " ،
فإن الله عزّ وجل خلق الإنسان ضعيفاً وجعله عجولاً، فهو لضعفه موكًل بخوف الأقرب
فالأقرب مما يكره، وهو بعجلته موكل بحبّ الأعجل فالأعجل مما يشتهي؛ وزاده حِرصاً
على المخلِص من المكروه وطلباً للمحبوب حاجتُه إلى الاستمتاع بمتاع الدنيا الذي
لولا ما طُبعَ عليه القلبُ من حبه وسَهُل على المخلوقين من طلبه، لما انتفع
بالدنيا مُنتفع ولا عاض فيها عائشٌ. ومع ذلك إن مكاره الدنيا ومحابها عند ابن آدم
على وجهين، أما المكروه فيقول فيه: عسى أن أكون ابتليتُ به لذنبِ سلف منْي، وأما
المحبوب فيقول فيه: عسى أن أكون رُزِقتُه بحسنةٍ كانت مني فهو ثواب عُجلَ، وهو مع
هذا يعلم أن حلومَ المخلوقين إلى الضيق، وأن قلوبَ أكثر مُسَلطِيهم إلى القسوة،
وأن العيبَ عنهم مستور، فليس يلتمس ملتمسهم إلا علمَ الظاهر ولا يضع إلا به، ولا
يلتفتُ من امرئ إلى صلاح سريرته عون صلاح علانيته. ومن طباع الإنسان اللؤمُ، فليس
يَرضَى إذا خِيفَ إلا بأن يُذِلّ، ولا إذا رُجِيَ إلا بأن يُتعِبَ، ولا إذا غَضِبَ
إلا بأن يُخضَعَ له، ولا إذا أمرَ إلا بأن يُنفًذَ أمرُه، ولا ينتفع المتشفعُ بإحسانه
عنده إذا أساء ولا المطيعُ بكثرة طاعته في المعصية الواحدة إذا عصى، ولا يرَى
الثوابَ لازماً له ولا العقابَ محجوراً عليه، فإن عاقب لم يَستَبْقِ، وإن غَضِبَ
لم يتَثبتْ، وإن أساء لم يَعتذِر، وإن أذنبَ إليه مذنب لم يَغفرة واللطيفُ الخبير
يعلمُ السريرةَ فيغفِرُ بها العلانيةَ، ويمحو بالحسنة عشراً من السيئات، ويصفحُ
بتوبةِ الساعة عن ذنوب مائة عام، إن دُعِيَ أجاب، وإن اسْتُغفِر غَفَر، وإن اطيعَ
شكر، وإن عُصِيَ عَفَا، ؤمِن وراءِ عبده بعد هذا كله ثلاث: رحمتُه التى وسعت كلً
شيء، وشهادةُ الحق التي لا يزكو إلا بها عمل
وشفاعة النبي صلى
الله عليه وسلم، وهذا كله مثبَتٌ لليقين باسطٌ للأمل مُثبطٌ عن العمل إلا مَنْ شاء
الله وقليل ما همْ. فلا تَحمِل نَطَفَ عملك على صحة يقينك فتُوهِنَ إيمانَك، ولا
تُرخَصْ لنفسك في مُقارفة الذنوب، فيكون يقينُك خصماً لك وحُجّةً عليك؛ وكَذّب أملَك
وجاهِد شهوتَك، فإنهما داءاك المخوفان على دينك المعتونانِ على هَلكتكَ. وأسأل
الله الغنيمة لنا ولك.عة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله مثبَتٌ لليقين باسطٌ
للأمل مُثبطٌ عن العمل إلا مَنْ شاء الله وقليل ما همْ. فلا تَحمِل نَطَفَ عملك
على صحة يقينك فتُوهِنَ إيمانَك، ولا تُرخَصْ لنفسك في مُقارفة الذنوب، فيكون
يقينُك خصماً لك وحُجّةً عليك؛ وكَذّب أملَك وجاهِد شهوتَك، فإنهما داءاك المخوفان
على دينك المعتونانِ على هَلكتكَ. وأسأل الله الغنيمة لنا ولك.
موعظة مستعملةوكيع عن
مِسْعَر عن زيد العمي عن عون بن عبد الله قال: كان أهل الخير ِيكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء
الكلمات: مَن عَمِلَ لآخرته كفاه الله أمر دنياه، ومن أصلحَ ما بينه وبين الله
أصلح اللّه ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرتَه أصلح الله له علانيتَه.
موعظة لعمرو بن
عتبةالعتبيّ عن أبيه عن أبي خالد عن أبيه عن عمرو بن عتبة قال: كان أبونا لا يرفعُ
المواعظَ عن أسماعنا، فأراد مرة سفراً فقال: يا بَنِي تألَفُوا النعم بحسن
مُجاوَرِتها، والتمِسُوا المزيدَ فيها بالشكر عليها، واعلموا أن النفوسَ أقبلُ شيء
لما أعطيت وأعْطى شيءٍ لما سئِلَتْ، فاحمِلوها على مطيَّةٍ لا تُبطِئ إذا
رُكِبَتْ، ولا تُسَبق وإن تُقُدمت، عليها نجا مَنْ هرب من النار! وأدرك مَنْ سابقَ
إلى الجنة؛ فقال الأصاغرُ: يا أبانا ما هذه المطيةً؟ قال: التوبة.
صفات الزهَّاد
لعيسى عليه السلام
حدثني عبد الرحمن العبدي عن يحيى بن سعد السعديّ قال: سأل الحواريّون عيسى عليه
السلام فقالوا: يا رُوحَ الله مَنْ أولياءُ اللّه. قال: هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناسُ إلى ظاهرها، وإلى
آجل الدنيا حين نظر الناسُ عاجلها، فأماتوا منها ما خَشُوا أن يُميتَهم وتركوا منها
ما علموا أن سيتركُهُم، فصار استكثارهم منها استقلالاً، وفرحُهم بما أصابوا منها
حزناً، فما عارضهم من نائلها رفضوه وما عارضهم من رفيعها بغير الحق وضَعوه، فهم
أعداء ما سالمَ الناسُ وسِلْمُ ما عادَوْا، خَلُقَت الدنيا عندهم فليسَ يعمرونها،
وماتت في قُلوبهم فليس يُحبونَها، يهدمُونها ويبنون بها آخرتهم، ويبيعونها ويشترون
بها ما يبقى لهم؟ ونظروا إلى أهلها صَرْعَى قد خلت منهم المَثُلاتُ فأحيَوْا ذكر
الموت وأماتوا ذكرَ الحياة، بهم نطق الكتابُ وبه نطقوا، وبهم علِمَ الكتاب وبه
عَمِلوا، لا يرون نائلاً ما نالوا، ولا أمناً دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما
يحذرون.
بين عمر بن عبد
العزيز وشاب زاهد في الدنيا وحدثني أيضاً عن أنس بن مصلح عن أبي سعيد المصّيصي: إن
قوماً دخلوا على عمر بن عبد العزيز يعودونه في مرض، فإذا فيهم شاب ذابلٌ ناحلٌ،
فقال له عمر: يا فَتَى ما الذي بلغ بك ما أرَى؟ قال: يا أميرَ المؤمنين أمراض
وأسقام. فقال عمر: لتَصْدُقَننَّي؛ قال: يا أمير المؤمنين ذقتُ حلاوة الدنيا
فوجدتُها مرة فصغُر في عيني زهرتها وحلاوتُها، واستوى عندي حجرُها وذهبُها، وكأني
أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وإلى الناس يُساقُون إلى الجنة وإلى النار، فأظمأت لذلك
نهاري وأسهرت له ليلي، وقليلٌ حقير كل ما أنا فيه في جنب ثواب الله وجنب عقابه.
للنيي صلى الله عليه
وسلم بلغني عن إسحاق بن سليمان عن أخيه عن الفياض عن زبيد اليامي عن معاذ بن جبل:
أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ الله يحب الأخفياءَ الأتقياءَ
الأبرياءَ الذي إذا غابوا لم يُفتَقدوا، وإذا حَضَرُوا لم يُعرفوا، قلوبُهم
مصابيحُ الهدى يخرجون من كل غبراء مُظلِمَة " .
لعلي عليه السلام في
التعلُم وعن وكيع عن عمرو بن منبه عن أوفَى بن دلهم قال:
قال علي عليه السلام:
تعلّموا العلمَ تُعرَفُوا به واعمَلُوا به تكونوا من أهله، فإنه يأتي من بعدكم
زمان يُنكِر فيه الحق تِسعةُ أعشِرَائهم لا ينجو فيه إلا كل نُوَمَةٍ، يعني الميتَ
الذكر، أولئك أئمة الهدى ومصابيحُ العلم ليسوا بالعُجْل المذايِيع البُذُرِ.
لعلي أيضاً في الدنيا
والأخرة وقال علي عليه السلام أيضاً: إن الدنيا قد ارتحلت مُدبِرةً وإنّ الآخرةَ
قد ارتحلَتْ مُقْبِلةٍ، ولكل واحدة منهما بَنُون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا
من أبناء الدنيا، ألَا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً والترابَ
فِرَاشاً والماء طِيباً. ألَا مَن اشتاق إلى الجنة سَلَا عن الشهوات، ومن أشفق من
النار رجَع عن الحُرمات، ومَنْ زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات أي إن لله عباداً
كمن رأى أهلَ الجنة في الجنة مخلَّدين وأهلِ النار في النار مُعَذّبين، شرورهم
مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسُهم عفيفة، وحوائجهم خَفِيفة، صبَرُوا أياماً قليلةً
لعقبى راحة طويلة؛ إما بالليل فصافّو أقدامِهم، تجري دموعُهم على خدودهم، يجأرًون
إلى اللّه: ربنا ربنا يطلبُون فَكَاكَ رِقَابهم؛ وأما بالنهار فحلماءُ عُلمَاءُ
برَرةٌ أتقياء كأنهم القِدَاحُ ينظُر إليهمُ الناظر فيقول: مَرْضَى، وما بالقوم من
مَرَضٍ، ويقول: خُولِطُوا، ولقد خالط القومَ أمرٌ عظيم.
لعون بن عبدالله بن
عتبة حدّثنا إسحاق المعروفُ بابن رَاهَوَيْهِ أن عون بن عبد اللّه بن عتبة كان
يقول: يا بُني كن كمن نأى به عمن نأى عنه يقينٌ ونزاهة، ودنُوُّه ممن دنا منه لين
ورحمة، ليس نأيه تكبراً عظمة، ولا دنوه بِخَدْع ولا خِلَابَةٍ، يَقتدي بمن قبله،
وهو إمامُ من بعده، لا يعجل فيمن رابه ويعفو إذا تبين له، ينقص في الذي له ويزيد
في الذي عليه، لا يعزُبُ حِلمُه ولا يحضُرُ جهله؛ الخير منه مأمول والشرّ منه
مأمون، إن رُجِيَ خاف ما يقولونَ واستغفرَ لما لا يعلمون، إن عصته نفسُه فيما
كرِهَتْ لم يُطِعها فيما أحبت، يَصْمُتُ ليسلَمَ ويخلو ليغنَم وينطِقُ ليفْهَمَ
وُيخالطُ لِيعلم. ولا تكن يا بُنيّ ممن يُعْجَبُ باليقين من نفسه فيما ذهبَ وينسَى
اليقينَ فيما رجا وطلبَ، يقول فيما ذهب: لو قدر شيء كان، ويقول فيما بقي: ابتغ
أيها الإنسانُ؛ تغلبه نفسُه على ما يظنّ يغلبُها على ما يستيقِنُ، طال عليه الأملُ
ففترَ، وطال عليه الأمدُ فاغترّ؟ واعذِرَ إليه فيما عمر وليس فيما عُمَر بمعذِر،
عُفَر فيما يتذكر فيه من تذكّر، فهو من الذنب والنعمة مُوقَر، إن أعطي لم يشكر،
وإن مُنِعَ لم يَعذِرْ، يُحب الصالحينَ ولا يعمل عملَهم ويُبغِضُ المسيئين وهو
أحدُهم؛ يرجو الأجرَ في البغض على ظنه ولا يخشَى اليقينَ من نفسه، يخشى الخلقَ في
ربه ولايخشى الرب في خلقه، يَعوذ بالله ممن هو فوقه، ولا يريد أن يُعيذَ الله منه
مَنْ هو تحته، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ويرجو لنفسه بأيسرَ من عمله، يُبصر
العورةَ من غيره ويُغفِلُها من نفسه وإن صلى اعترض، وإن ركع رَبض، وإن سجد نَقَر،
وإن جَلس شَعَرَ، وإن سألَ ألحفَ، وإن سئل سَوَّفَ، وإن حَدّثَ أخلفَ، وإن وُعِظَ كَلَح،
وإن مُدِحَ فَرِحَ، يَحسُدُ أن يُفْضَلَ، ويزهَدُ أن يَفضُل، إن أفِيضَ في الخير
بَرِمَ وضَعُفَ واستسلَم وقال: الصمتُ حُكْم، وهذا ما ليس لي به عِلم؛ وإن أفِيضَ
في الشرّ قال: يُحسَبُ بي عِيُّ، فتكلّم يجمَع بين الأراوِي والنعام وبين الخال
والعمّ ولاءَمَ ما لا يتلاءم؛ يتعلًم للرياء، ويتفقَّه للرياء، ويبادر ما يفنَى،
ويُواكِلُ ما يبقى.
للحسن بن علي حدثني
محمد بن داود عن أبي شُرَيح الخُوَارَزْمِي قال: سمعت أبا الرّبيع الأعرج عمرو بن
سليمان يقول:
قال الحسنُ بن علي:
ألا أخبركم عن صديق كان لي من أعظم الناس في عيني، وكان رأسً ما عَظُم به في عيني
صِغَرَ الدنيا في عينه. كان خارجاً من سلطانِ بطنه فلا يتَشَهَى ما لا يحلّ ولا
يكنِزُ إذا وجد، وكان خارجاً من سلطان الجهالة فلا يَمُد يداً إلا على ثقةٍ
لمنفعة، كان لا يتشَكَى ولا يتبرَّمُ، كان أكثرَ دهرِه صامتاً، فإذا قال بَذَ
القائلين، كان ضعيفاً مستضعَفاً فإذا جاء الجِد فهو الليث عادياً، كان إذا جامع
العلماء على أن يسمع أحرصَ منه على أن يقولَ، كان إذا غُلِبَ على الكلام لم يُغلَب
على السكوت، كان لا يقول ما يفعل ويفعلَ ما لا يقول، كان إذا عَرَض له أمران لا
يدري أيّهما أقربُ إلى الحق نَظَر أقرَبهما من هواه فخالفه، كان لا يلومُ أحداً
على ما قد يَقَع العذرُ في مثله. زادني غيره: كان لا يقول حتى يرى قاضياً عَدْلاً وشهوداً
عدولاً.
من كلام علي بن أبي
طالب لكُميل بن زياد وفي كلام علي رضي اللّه عنه لكُمَيْل حين ذكر حُجَجَ اللهّ في
الأرض فقال: هَجَم بهم لعلمُ على حقائق الأمور، فباشروا رَوْحَ اليقين، واستلانوا
ما استَوْعر المُتْرَفُون، وأنِسوا بما ستَوْحش منه الجاهلون، وصَحِبوا الدنيا
بأبدانٍ أرواحُها معلّقة بالمَحَلّ الأعلى؛ هاه سوقاً إلى رؤيتهم.
بين رجل ويونس بن
عبيد في الحَسَن بن علي قال رجل ليونس بن عُبَيد: تَعْلم أحداً يعمل بعمل الحسن.
قال: والله ما أعرِف أحداً يقول بقوله فكيف يعمل بعمله! قيل: فصِفْه
لنا. قال: كان إذا أقبل فكأنه أقبل من دَفْن حَمِيه وإذا جلس فكأنه أسيرٌ أمِر
بضَرْب عُنُقه، وإذا ذُكِرت النارُ فكأنها لم تُخْلَق إلّا له.
لشقيق بن سلمة عن
قرّاء زمانه حدّثنا حسين بن حسن المَرْوَزيّ قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك قال:
أخبرنا مَعْمَر الأعمش عن شقيق بن سَلَمة قال: ما مَثَلُ قُرّاء هذا الزمان إلا
كمثل غنم ضوائنَ ذاتِ صوف عجافٍ أكلتْ من الحَمْض وشَرِبت من الماء حتى انتفخت
خواصرها، فمرّتْ برجل فأعجبته؛ْ فقام إليه فعَبَط منها شاةً فإذا هي لا تُنْقى، ثم
عبط أخرى فإذا هي كذلك، فقال: افٍّ لك؛ سائر اليوم.
للحسن حدّثنا حسين
قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن يحيى بن المختار الحسن قال:
إذا شئتَ لَقِيتَه أبيضَ بضاً حديد النظر مَيتَ القلب والعمل، أنت أبصرً به نفسه؛
تَرَى أبداناً ولا قلوب، وتسمع الصوتَ ولا أنس، أخصبُ ألسَنةٍ وأجدبُ قلوب.
لسفيان في الزهد
حدثني أبو سهل عن علي بن محمد عن وكيع قال: قال سُفْيان: الزهدُ في الدنيا قصرِ
الأمل، ليس بأكل الغَلِيظ ولا لُبْس الغَلِيظ.
مثله في الزهد ليوسف
بن أسباط قال: وقال يوسف بن أسباط: لو أنّ رجلاً في ترك الدنيا مثلُ أبي ذرّ وأبي
الدَرْداء وسَلْمان، ما قلنا له: إنك زاهد، لأن الزهد لا يكون إلا على ترك الحلال
المَحْض، والحلال المحض لا نعرِفه اليوم، وإنما اللنيا حلالٌ وحرامٌ وشُبُهات؟
فالحلالُ حسابٌ، والحرام عذاد والشبهات عتاث ث فأنزِل الدنيا منزلةَ المَيْتة خُذْ
منها ما يُقِيمك، فإن كان ذلك حلالاً كنت زاهداً فيها، وإن كان حراماً لم تكن
أخذتَ منها إلا ما يُقِيمك كما يأخذ المضطر من الميتة، وإن كان عتابٌ كان العتابُ
يسيراً.
ولبعضهم في الزهد
ومثله قولُ بعضهم: ليس الزهد بترك كلّ الدنيا، ولكن الزهدَ التهاونُ بها وأخذُ
البلاغ منها. قال اللّه تعالى: " وَشَرَوْة بِثَمَنٍ بَخْسٍ درَاهِمَ
مَعْدُودةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزاهِدِينَ " ، فأخبر أنهم زَهدوا فيه وقد
أخذوا له ثمناً.
قال أبو سليمان
الدارانيّ: الرضا عن الله والرحمةُ للخَلْق درجةُ المرسَلين، وما تعرف الملائكةُ
المقرّبون حدّ الرضا. وقال: أرجو أن أكون قد نِلتُ من الرضا طَرَفاً، لو أنه تبارك
وتعالى أدخلني النار كنتُ بذلك راضياً. قال: وليس الحمد له أن تحمدَه بلسانك
وقلبُك مُقتصِرٌ على المصيبة، ولكن هو أن تحمده بلسانك وقلبُك مسلّمٌ راضٍ.
بين ابن أي الحواري
وأي سليمان الداراني
وقال ابن أبي
الحَوَاريّ: قلت لأبي سليمان: بلغني في قول اللّه تعالى: " إلاَ مَنْ أتَى
الله بِقَلْب سَلِيمٍ " أنه الذي يلقَى ربَّه وليس فيه أحدٌ غيرُه، فبكى
وقال: ما سمعتُ مذ ثلاثين سنة أحسًنَ من هذا. وقال: كل قلب فيه شِرْكٌ فهو ساقط.
قال: وما في الأرض أحد أجِدُ له محبةً ولكن رحمة. وقال: ينبغي للخوف أن يكون أغلبَ
على الرجاء، فإذا غَلَب الرجاءُ على الخوف فَسَد القلبُ.
للفضيل بن عياض في
أصل الزهد وقال الفُضَيْل بن عياض: أصل الزهد الرضا عن الله.
الحسين بن علي عن عبد
الملك بن أبجر: أن رجلًا يُكنى أبا سعيد كان يقول: والله ما رأيتُ قُراءَ زمان قط
أغلظَ رقاباً ولا أدق ثِياباً ولا آكلَ لمُخ العيش منكم.
لمطرف أبو أسامة عن
حمّاد بن زيد عن إسحاق بن سويد قال: قال مطرف: انظروا قوماً إذا ذُكِرُوا بالقراءة فلا تكونوا منهم، وقوماً إذا
ذُكِرُوا ذُكروا بالفُجور فلا تكونوا منهم، كونوا بين هؤلاء وبين هؤلاء.
وصية ابن محيريز لرجل
أوصى ابن مُحَيْرِيز رجلاً فقال: إن استطعتَ أن تعرِف ولا تُعْرَف وتَسأل ولا
تُسْأل وتمشي ولا يُمْشَى إليك، فافعل.
لأيوب قال أيّوب: ما
أحبَّ اللهّ عبداً إلا أحب ألاَ يُشْعَر به.
بين أبي عائذ الأزدي
وشريح بن عبيد إسحاق بن سليمان عن جرير بن عثمان قال: جاء شُرَيح بن عبيد إلى أبي
عائد الأزْدي فقال: يا أبا عبد اللهّ، لو أحييتَ سنةً قد تركها الناس: إرخاءَ
طَرَف العِمامة من الجانب الأيسر! قال: يا بن أخي، ما كان أحسنها! تركها الناس
فتركناها، ما أحِب أن أعرَفَ في خيرٍ ولا شرّ.
كلام من كلام الزهّاد
بين عبد الرحمن بن
يزيد بن معاوية ورجل حدثنا حسين بن حسن المروزيّ قال: حدٌ ثنا عبد اللّه بن
المبارك قال: أخبرنا عبدالله بن عبد العزيز قال: قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية
لرجل: يا فلانُ، هل أنت على حالٍ أنت فيها مستعد للموت؟ قال: لا. قال: فهل أنت
مُجمع على التحول إلى حال ترضى بها؟ قال: ما شَخَصتْ نفسي لذلك. قال: فهل بعد الموت
دار فيها مُسْتعتَبٌ؟ قال: لا. قال: فهل تأمن الموت أن يأتيَك؟ قال: لا. قال:
فهل رضيَ بمثل هذا الحال عاقل! لأبي الدرداء حدثنا حسين قال: حدّثنا
عبد اللّه بن مبارك قال: حدثني غير واحد عن مُعاوية بن قُرة قال: قال أبو
الدرداء: أضحكني ثلاثٌ وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل الدنيا والموتُ يطلبه، وغافلٌ
وليس بمغفول عنه، وضاحكٌ ملءَ فيه ولا يدرِي أراض الله عنه أم ساخطٌ عليه. وأبكاني
فِراق الأحبة: محمدَ وحِزْبه، وهَوْلُ المُطلَع، والوقوفُ بين يدي الله يوم تبدو
السرائر، ثم لاأدري إلى الجنة أو إلى النار.
لعبد اللّه بن ثعلبة
الحنفي كان عبد الله بن ثعلبة الحنفيّ يقول: تضحَكُ ولعل أكفانَك قد خرجتْ من
القَصار.
للفضيل بن عياض،
وللسري قال: وقال الفُضَيل: أصلُ الزهد الرضا عن الله وقال: ألا تراه كيف
يَزْوِيها عنه ويُمَرْمِرُها عليه بالعُرْي مرَةً وبالجُوع مرة وبالحاجة مرة، كما
تصنع الوالدةُ الشفيقةُ بولدها: تسقيه مرّةً صَبِراً ومرة حُضَضاً، وإنما تريد
بذلك ما هو خير له.
وقال السريّ: ليس من
أعلام الحبّ أن تحب ما يُبْغضه حبيبُك. أوحى اللّه تعالى إلى بعض الأنبياء: أما زهدُك
في الدنيا فتَعجلك الراحةَ لنفسك، وأما انقطاعُك إليّ فتعززك بي، ولكن هل عاديتَ
لي عدوّاً أو واليتَ لي وليّاً.
لمالك بن دينار عن
حبر من أحبار بني إسرائيل قال مالك بن دينار: بلغنَا أن حِبْراً من أحبار بني إسرائيل
كان يغشاه الرجال والنساء، فغَمَز بعضُ بنيه النساء فرآهم فقال: مَهْلاً
يا بنيّ مهلاً! قال: فسَقَط عن سريره فانقطع نُخَاعه وأسقطت امرأتُه وقُتِل بنوه
في الجيوش. وقيل له: ما يكونُ من جنسك حبر أبداً، ما كان غضبُك لي إلا أن قلتَ يا
بنيْ مَهْلاً يا بنيّ مهلاً.
لإبراهيم بن أدهم،
ولابن الحارث وغيرهما ضَمْرة بن ربيعة قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: إرضَ بالله
صاحباً ودعَ الناس جانباً.
كان بِشْر بن الحارث
يقول: أربعة رفعهم الله بغير كبيرِ عملٍ في الظاهر إلا بِطِيب المَطْعم: إبراهيم
بن أدهم، وسالمٍ الخواص، ووُهَيْب المكَي، ويوسف بن أسباط.
وحدثني أبو حاتم أو
غيره عن العُتْبي قال: سمعت ابن عُيَينة يقول: أربع ليس عليك في واحدةٍ منهنّ
حسابٌ : سَدُ الجَوْعة، وبَرْدُ العَطْشة، وستر العورة، والاستكنان؛ ثم تلا:
" إنّ لَكَ ألَّا تَجُوعَ فِيِهَا وَلَا تَعْرَى وَأنك لاَ تَظْمَأ فِيهَا
وَلَا تَضْحَى " .
بلغني عن يَعْلى عن
سُفْيان: قال علي عليه السلام لرجل: كيف أنتم؟ قال: نرجو ونخاف؛ قال: من رجا شيئاً
طلبه، ومن خاف من شيء هَرَب منه، ما أعري ما خوفُ رجل عَرَضت له فلم يَدَعْها لما
يخاف! وما أعري ما رجاءُ رجل نزل به بلاءٌ فلم يصبر عليه لما يرجو.
بلغني عن عيسى بن
يونس عن الأوزاعيّ عن مكحول قال: إن كان الفضلُ في الجماعة فإن السلامةَ في
العزلة. وبلغ الفُضَيلَ هذا فقال: سمعتم كلاماً أحسن منه! بين ابن المبارك ومحمد
بن النضر الحارثي قال ابن المبارك: رَكِبتُ مع محمد بن النَّضْر الحارثيّ السفينةَ
فقلتُ: بأي شيء أستخرج منه الكلام؟ فقلت: ما تقول في الصوم في السفر؟ فقال: إنما
هي المبادَرة، فجاءني والله بفتوى غير فتوى إبراهيم والشَعبي.
لأي حازم الزاهد
حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعي قال: قيل لأبي حازم: ما مالُك. فقال:
الثقة بما في يد الله واليأسُ مما في أيدي الناس.
وقال أبو حازم: إنه
ليس شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهلٌ قبلكم، فآثِرْ نفسك أيها المرء بالنصيحة
على ولدك، واعلم أنك إنما تُخلف مالك في يد أحد رجلين: عامل فيه بمعصية الله فتشقَى بما جمعتَ له، وعامل فيه بطاعة الله
فتسعَدَ بما شَقِيتَ له؛ فارجُ لمن قدمتَ منهم رحمة اللّه، وثقْ لمن خَلفتَ منهم برزق
الله.
وقال أبو حازم: إن
كنت إنما تريد من الدنيا ما يَكفيك ففي أدناها ما يكفيك، وإن كنت لا ترضَى منها
بما يكفيك فليس فيها شيء يُغنيك.
ونظر أبو حازم إلى
الفاكهة في السوق فقال: موعدُك الجنة.
ومرّ بالجزارين فقال
له رجل منهم: يا أبا حازم، هذا سمينٌ فاشتر منه؛ قال: ليس عندي ثمنه؛ قال: أنا
أنظرُك؛ ففكر ساعة ثم قال: أنا أنظرُ نفسي.
قال سُفيان: حَلَف
أبو حازم لجلسائه: إني لأرضى أن يتقي أحدُكم على دِينهَ كما يتقي على نَعْله.
للنيي صلى الله عليه
وسلم حدثني محمد بن زياد الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن عبدالله بن سعيد ابن
أبي هند عن أبيه عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "
الصحّةُ والفَرَاغُ نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس " .
للحسن حدّثني محمد بن
عبيد قال: حدّثنا أبو ربيعة فَهْد بن عَوْن عن حمّاد بن سلَمة عن يعقوب قال: سمعتُ
الحسن يقول: ابن آدم، إنما أنت عدَدٌ، فإذا مضى يوم فقد مضى بعضُك.
للنبي صلى الله عليه
وسلم وروى عبد الله بن بكر بن حبيب السَّهمي عن الحسن بن ذَكْوان رَفَعَ الحديثَ
إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " أوصاني ربّي بتسع خِصالٍ وإني مُوصِيكم
بها: بالإخلاص في السرّ والعَلَانية، والعَذْل في الرضا والغَضَب، والقَصْد في
الفقر والغنَى، وأن أعفوَ عمّن ظَلَمني، وأصِلَ مَنْ قطعني، واعطي مَنْ حَرَمني،
وأن يكون صَمْتي تَفَكُّراً، ومَنْطِقي ذِكْراً، ونَظَري عبراً.
لابن عمر مسلم بن
إبراهيم عن حمّاد بن سَلَمة عن حُمَيد قال: كان ابن عمر يقول: البِر شيء هَيِّن:
وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليّن.
لمالك جعفر بن سليمان
قال: سمعت مالكاً يقول: اتّقُوا السّحّارة، فإنها تسحَرُ قلوبَ العلماء.
قال: وسمعته يقول:
وَعِدتُ أنّ رزقي في حَصَاة أمصّها حتى أموت، ولقد اختلفتُ إلى الخَلاَء حتى
استحيَيْتُ من ربي.
لأسد بن موسى في
الجوع بِشْر بن مُصلِح عن أبي سعيد المصيصي عن أسد بن موسى قال: في الجوعُ ثلاثَ
خلال: حياةُ القلب، ومَذلَة النفس، وُيورث العقلَ الدقيق السماوي.
في سلوك الحسن إذا
عاد مريضاً أو شيع جنازة سالم بن سالم البَلخيّ عن السريّ بن يحيى قال: كان الحسن
إذا عاد مريضاً لم ننتفع به يوماً وليلة، وإذا شيع جنازةً لم ينتفع به أهلُه
ووَلده وإخوانُه ثلاثاً.
بين إبراهيم بن أدهم
ورجل
خَلَف بن تميم قال:
قال رجل لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق، احبّ أن تقبَلَ مني هذه الجُبّة كُسوةً. قال
إبراهيم: إن كنتَ غنيّاً قَبِلتُها منك، وإن كنتَ فقيراً لم أقبَلْها. قابل:
فإني غني؛ قال: كم عندك؟ قال: ألفان. قال: فيَسُرُّك أن تكون أربعة آلاف؟ قال: نعم،
قال: أنت فقير؛ لا أقبَلها.
للفُضَيْل في مرضه
قال عًبَيد اللّه بن عمر: دخلت أنا ويحيى بن سليمان على الفُضَيل نعودُه؛ فقال: زَوجك
وخوّلك وصَرَف وجوهَ الناس إليك وأنت تشغلك عنه مَنْ أنت وما أنت! ثم شَهَق
شَهقةً، وأضجعه رجل كان عنده وغَطّى عليه ثوباً وهو لا يعقل، ونزلنا.
لأبي حازم بكار بن
عبد الله بن إبراهيم بن عبدالله بن مسلم قال: قال أبو حازم: السّرُ أملكُ بالعَلَانِيَة من العَلاَنية بالسر،
والفعلُ أملكُ بالقول من القول بالفعل، فإذا كنتَ في زمانٍ يُرْضَى فيه من الفعل بالقول
ومن العمل بالعلم، فأنت في شرَ زمان وشرّ أناس.
بين ابن أبي الحواري
وأبي سليمان الداراني ابن أبي الحواري قال: ذكرتُ لأبي سليمان امرأتي والشغلَ بها،
فقال: إنْ علم الله قلبك أنك تُريد الفراغَ له فرّغك، وإن كنت إنما تريد الراحة
منها لتستبدل بها، فهذه حماقة قال: ورأيته حين أراد الإحرام فلم يلبث حتى سِرْنا
ملياً وأخفه كالغَشْي وجعل رأسَهُ عند ركبتيه فجعل مَحْمِله يِخِفّ ومَحْمِلي
يثقُلُ حتى سرنا هَوِيَاً، ثم أفاق فقال: يا أحمد، بَلَغني أن الله تبارك وتعالى
أوحى إلى موسى عليه السلام " يا موسى مًرْ ظَلَمةَ بني إسرائيل أن يُقلوا من ذكري، أذكُر مَنْ
ذَكَرني منهم بلعنة حتى يسكت " . ويحك يا أحمد بلغني أنه من حج من غير حله ثم
لبى، قال له تبارك وتعالى: " لا لبيكَ ولا سَعْدَيْكَ حتى تردّ ما في يديك؛
فما يؤمِّننا أن يقال لنا ذلك.
قال: وقال أبوِ
سليمان: يجيببك وأنت في شيء من الخير فيُشير لك إلى شيء من الخير دونه ليَرْبح
عليك شَعِيرةَ؛ يعني إبليسَ " .
للمسيح عليه السلام
قال المسيح لأصحابه: بحق أقول لكم، إن مَنْ طلب الفردوسَ فخبزُ الشعير له والنوم
في المزابل مع الكلاب كثير.
لمكحول مسلم بن
إبراهيم عن عمرو بن حمزة عن داود بن أبي هند عن مكحول قال: كنا أجنّةً في بطون
أمهاتنا فسَقَط من سَقَط وكنا فيمن بَقِي، ثم كنا مَرَاضع فَهَلك منا من هلك
وبَقِي من بقي، وكنا أيفاعاً، وذكر مثل ذلك، ثم صِرنا شبّاناً، وذكر مثل ذلك، ثم
صرنا شيوخاً لا أبا لك فما ننتظر وما نريد! وهل بَقِيت حالةٌ ننتقل إليها.
قال: وقال مكحول:
الجنين في بطن أمّه لا يطلُب ولا يحزَن ولا يغتم، فيأتيه الله برزقه من قِبَل
سُرّته، وغذاؤه في بطن أمه من دم حيضها، فمن ثَم لا تَحيض الحامل، فإذا سقط استهَل
استهلالة إنكاراً لمكانه، وقُطِعت سُرّته وحوؤل الله رزقه إلى ثدي أمه ثم حوله إلى
الشيء يُصْنع له ويَتناوله بكفّه، حتى إذا اشتدّ وعقل قال: أين لي بالرزق! يا ويحك!
أنت في بطن أمك وفي حِجْرها تُرْزَق حتى إذا عَقَلتَ وشَبَبت قلتَ: هو الموت أو
القتل وأين لي بالرزق! ثم قرأ " يَعْلَمُ ما تَحْمِل كُلُّ أنْثَى وَمَا
تَغِيضُ الأرْحَام وَمَا تَزْدَادُ " .
لمحمد بن النضر
الحارثي عبد الملك بن عبد العزيز قال: كان محمد بن النضْر الحارثيّ إذا لم يكن في
صلاة استقبل القِبْلَة، فقَعَدنا إليه بعد العصر فقال: بلغني أنه مَنْ قال: لا
إلهَ إلا الله وحده لا شريك له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء قدير، ألفَ
مرةٍ في دُبُر صلاة العصر، رُفِع له عملُ نَبيٍ؛ ثم قال: قد أكثرت الكلام.
لداود، ومثله بين
هشام بن عبد الملك وسالم وقال سعيد بن عمر الكِنْدي دخل رجلٌ على دَاود وهو يأكل
خبزاً يابساً قد بلّه في الماء بمِلْح جَرِيش، فقال له: كيف تشتهي هذا! قال: أدعُه
حتى أشتهيه.
ونحو هذا قول هشام بن
عبد الملك لسالم: ما أدمك؟ْ، قال: الزيت ة قال: أما تَأجِمه.
قال: إذا أجَمتُه
تركته حتى أشتهيه.
قال: وكان ماء
داود في دَنَ مُقير في الصيف والشتاء، فقال له بعض أصحابه: لو بردتَ الماء فقال داود:
إذا أصبْتَ في مثل هذا اليوم ماءً بارداً فمتى تُحِبّ الموت! لمحمد بن واسع سعيد
بن عمرو عن رجل قال: قال محمد بن واسع: لو كان للذنوب رِيحٌ ما جلس إلي منكم اثنان.
وقال محمد بن واسع:
لا يطيبُ المَالُ إلا من أربع: سهم في فَيْء المسلمين، أو عطيّة عن ظَهْر يدٍ، أو
إرثٍ بكتاب الله، أو تجارة من حلال؛ ولا يًقْتل مسلم إلا بهذه الخِصَال: كفر بعد
إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قَتَل فيُقْتل، أو حارب الله ورسولَه وقَطَع الطريقَ.
لثابت البُناني قال
سليمان بن المُغِيرة سمعت ثابتَاَ يقول: واللّه لَحْملُ الكَارَات أهونً من
العبادة. قال: ولا يُسَمَى الرجلُ عابداً وإن كانت فيه خَصْلة من كلّ خيرٍ حتى
يكون فيه الصومُ والصلاةُ، فإنهما من لحمه ودمه.
عيسى بن عقبة أبو
نعيم عن الأعمش عن يزيد بن حَيان قال: كان عيسى بن عُقْبة يسجد حتى إن العصافير
ليَقَعن على ظَهْره وينزِلْن، ما يَحْسَبْنَه إلّا جِرْمَ حائط.
للفضيل وقد شكا إليه
أهل مكة القحط حدثني محمد بن داود عن عبد الصمد بن يزيد قال: شكا أهل مكة إلى
الفُضَيل القَحْطَ؛ فقال: أمدبراً غير الله تريدون! قال: وسمعته يقول: استخيروا
الله و لا تَخَيروا عليه، فكم من عبد تخير لنفسه أمراً كان هلاكه فيه! اما رأيتموه
سأل ربّه طَرَسُوسَ فأعطِيَها فا " سِرَ فصار نَصْرانياً.
لوكيع في أبي يونس
وحدّثني أيضاً عن سعيد بن نصير قال: قال وكيع: أبو يونس، ومن أبو يونس! بَكَى حتى
عَمِي، وطاف حتى أقْعِد، وصلى حتى حَدِب.
لبهز بن حكيم في وفاة
زُرارة حدثني محمد بن عبيد قال: محمد بن عبد اللّه الأنصاريّ عن بَهزْ بن حكيم
قال: صلى بنا زُرَارةُ بن أوفى الغَداةَ، فقرأ الإمامُ " فَإذَا نُقِرَ في
النًاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئذٍ يَوْمٌ عَسِير عَلَى الكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ
" ، فخر مَغْشِيّاً عليه، فحملناه ميَتّاً.
لعمر بن عبد العزيز
في الصلاة والصوم والصدقة ابن أبي الحَوَاري قال: سمعتُ عمر بن عبد العزيز قول:
الصلاةُ تبلَغك نصفَ الطريق، والصومُ يبلّغك بابَ الملك، والصَّدَقةُ تُدْخِلك
عليه.
لأبي حنيفة عن أيوب
ذكر أبو حنيفة رحمه الله أيوبَ فقال: رحمه الله - ثلاثاً - لقد قَدِم المدينةَ مرة
وأنا بها، فقلت: لأقعُدنّ له، لعلي أتعلق عليه بسَقْطة، فقام من القبر مَقاماً ما
ذكرتُه قط إلا اقشعرّ جِلْدي.
بين الحجاج وأعرابي روى
ابن عيّاش عن سعيد بن أبي عَرُوبَةَ قال: حجّ الحجاج فنزل بعضَ المِياه ودعاء
بالغَدَاء، فقال لحاجبه: انظر من يَتَغدى معي وأسألُه عن بعض الأمر؛ فنظر الحاجبُ
فإذا هو بأعرابيٍّ بين شَمْلتين من شَعَرٍ نائم، فضربه برجليه وقال: ائت الأميرَ
فأتاه؛ فقال له الحجاج: اغسِلْ يدك وتَغَذَ معي. قال: إنه دعاني مَنْ هو خيرٌ منك فأجبته؛ فقال له الحجاج: من الذي
دعاك؟. قال: اللهّ تعالى دعاني إلى الصوم فصُمت. قال: في هذا اليوم الحارّ!
قال: نعم صُمتُ ليوم أحرَّ منه؛ قال: فأفطِر وتصوم غداً؛ قال: إن ضمنتَ لي البقاءَ
إلى غد؛ قال: ليس ذاك إلي؛ قال:ً فكيف تسألني عاجلاً بآجل لا تقدر عليه! قال: إنه
طعامٌ طيب؛ قال: إنك لم تُطَيبه ولا الخبًاز، ولكن طيّبته العافية.
لأعرابي أعتق جارية
لوجه الله تعالى ونحو هذا حدّث الأصمعي عن شَبيب بن شيبة قال: كنا في طريق مكة
فجاء أعرابيٌّ في يوم صائفٍ شديدِ الحرّ ومعه جاريةٌ سوداء وصحيفة، فقال: أفيكم
كاتب؟ قلنا: نعم؛ وحضر غداؤنا فقلنا: لو دخلتَ وأصبتَ من الطعام! قال: إني صائم؛
قلنا: في الحر وشدته وجَفَاء البادية! فقال: إن الدنيا كانت ولم أكن فيها، وستكون
ولا أكون فيها، ولا أحِبّ أن أغْبَنَ أيامي. ثم نبذ إلينا الصحيفة، وقال: أكتب ولا
تزيدن على ما أقول حرفاً: هذا ما أعتق عبدُ اللّه بن عقيل الكلابي، أعتق جاريةً له
سوداءَ يقال لها لؤلؤة، ابتغاءَ وجه الله تعالى وجوازِ العَقَبة، وإنه لا سبيلَ له
عليها إلا سبيلَ الوَلَاء، المِنةُ لله عليها وعليه واحدة.
قال الأصمعي: فحدثت
بها الرشيدَ، فأمر أن يُعتَقَ عنه ألفُ نَسَمةٍ أو مائةُ نسمة، ويُكتَبَ لهم هذا
الكتاب.
لخالد بن صفوان قال
خالد بن صَفْوان: بِتُ أتَمَنّى ليلتي كلها، فكَبَستُ البحر الأخضرَ بالذهب
الأحمر، فإذا الذي يَكفيني من ذاك رغيفان وكُوزان وطِمْران! بين رجل
وآخر من ولد معاوية رأى رجل رجلاً من وَلَد مُعاوية يعمَل على بعيرٍ له، فقال: هذا
بعد ما كنتم فيه من الدنيا فقال: رحمك الله، ما فَقَدْنا إلا الفضولَ.
لبعض العباد في علامة
التوبة سمعتُ بعضَ العباد يقول: علامةُ التَوبة الخروجُ من الجهل، والندَمُ على
الذنب، والتَجافي عن الشهوة، واعتقادُ مَقْتِ نفسك المسؤَلة، وإخراجُ المَظلمة، وإصلاحُ
الكَسْرة، وتركُ الكذب وقطعُ الغِيبة، والانتهاءُ عن خِدْن السوْء.
بين زاهدين لَقِي
زاهد زاهداً فقال له: يا أخي، إني لأحبّك في اللّه؛ قال الآخر: لو علمتَ مني ما
أعلم من نفسي لأبغضتَني في الله. قال له الأول: لو علمتُ منك ما تعلم من نفسك، لكان
لي فيما أعلم من نفسي شُغْل عن بُغْضك.
للثوري كان الثًوريّ
مستخفيّاً بالبَصْرة، فورد عليه كتاب من أهله، وفيه: " قد بَلَغ بنا الجَهْد
إلى أن نأخُذَ النَّوَى فنرُضَّه ثم نخلِطَه مع التبن فنأكلَه!. فحرّك ذلك من
قلبه، ورَمَى بالكتاب إلى أخ له؛ فقرأه فدمَعتْ عينُه، ثم قال: يا أبا عبد الله.،
لو أنك حدّثتَ الناس اتسَعت واتسع هؤلاء؛ فأطرق مَلياً ثم رفع رأسَه وقال: اسمعْ
حديثاً أحدثكَ به ثم لا أكلَمك بعده سنة: رُئيَ نُورٌ في الجنة تَجدد فقيل: ما هذا
النور. فقيل: حَوْراءُ ضَحِكتْ في وجه زوجها فبعدَتْ ثناياها، فَتَرى لي أن أغرر
بتلك وأصيرَ إلى ما تقول.
بين قوم مسافرين
وراهب أراد قوم سفراً فحادوا عن الطريق وانتَهْوا إلى راهبٍ منفردٍ في ناحية،
فنادوْه فأشرف عليهم، فقالوا: إنا قد ضَلَلْنا فكيف الطريقُ؟ قال لهم: هاهنا.
وأومأ إلى السماء، فعلِموا الذي أراد، قالوا: إنا سائلوك، أفتُجِيبنا أنت. قال:
سَلوا ولا تُكثروا، فإنّ النهار لن يرجِع والعمرَ لن يعود والطالبَ حثيثٌ في طلبه
ذو اجتهاد؛ قالوا: ما الخلقُ عليه غداً عند مليكهم. فقال: على نِيّاتهم. فقالوا: فإلامَ الموئلُ؟
قال: إلى المُقَدَم، قالوا: أوصِنا. قال: تَزَودوا على قدر سفركم، فإنّ خيرَ الزاد
ما بَلَّغَ المَحل. ثم أرشدهم إلى المَحَجًة وانقمع.
بين راهب ورجل طلب
منه أن يعظه وقال آخر: قلت لراهب: عِظْني عِظَةً نافعة؛ فقال: جميعُ المواعظ
منتظمةٌ في حرف واحدة قلت: ما هو. قال: تُجمِعُ على طاعته، فإذا أنت قد حَويتَ
المواعظ والأذكار.
لأعرابي معه ماضية
الأصمعيّ: قيل لأعرابيٍّ معه ماشية: لمن هذه الماشية؟ قال: لله عندي.
لابن السماك كان ابن
السماك يقول في كلامه: لقد أمهلكم حتى كأنه أهملكم، أمّا تستحيُون من اللّه من
طوال ما لا تستحيُون! لبكر بن عبد اللّه قال بكر بن عبد الله: اجتهدوا في العَمَل،
فإنْ قَصَر بكم ضعفٌ فكُفُوا عن المعاصي.
لمالك بن دينار كان
مالك بن دينار يقول في قَصَصه: ما أشَدً فِطَام الكبير وُينشد:
وتَرُوضُ عِرْسَك بعد
ما هَرِمَتْ ... ومن العَناءِ رياضةُ الهَرِم
شعر لأعرابي تاب عن
سرقة الإبل كان أعرابي يسرِق الإبلَ يُسَمَى يزيدَ، ثم تاب وقال:
ألَا قُلْ لرُعْيان
المَخَائِض أهملُوا ... فقد تاب مما تعلمون يزيد
وإنً امرأً ينجو من
النار بعد ما ... تَزَود من أعمالها لسعيدُ
شعر لنصيح الأسدي
وقال نصيح الأسديّ:
كفى نَطَفاً بالمرء
يا أم صالح ... ركوبُ المعاصي عامداً واحتقارها
ولخالد بن معدان كان
خالد بن معدان يقول:
إذا أنتَ لم تزرَعْ
وأبصرتَ حاصداً ... ندمتَ على التفريطِ في زمن
لمنصور بن عمار قال
منصور بن عَمّار: ما أرى إساءةً تبهبُرُ عن عفو الله فلا تأيَس، وربما أخذ اللّه
على الصغير فلا تأمن.
للنبي صلى الله عليه
وسلم ورَوى وَكيع عن إبراهيم بن إسماعيل عن عُتَيبة بن سِمْعان عن مُسَيْكَة عن
عائشة رضي الله عنها أنها أتتْ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم بصَحْفة فيها خبزُ
شعيرٍ وقطعةٌ من الكَرِش، فقالت: يا رسول الله، ذَبَحنا اليوم شاةً فما أمسكنا
منها إلا هذا؛ قال: " بل كلها أمسكتم إلا هذا " . استقبل عامرَ بن عبد
قيس رجل في يوم حَلْبة، فقال: من سَبَق يا شيخ. فقال: المقربون.
وأتي به عثمان وأقعِد
في دهليزه، فلما خرج رأى شيخاً يطا في عباءة، فأنكر مكانه، فقال أعرابي: أين
ربُّك؟ قال: بالمِرْصاد.
بين سليمان بن عبد
الملك وأبي حازم
قال سليمان بن عبد
الملك لأبي خازم: ما بالُنا نَكرَه الموت؟ قال: لأنكم عَمّرتم الدنيا وأخربتم
الآخرة، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العُمْران إلى الخراب.
للحسن قال الحسن:
نِعَمُ الله أكثرُ من أن تُشْكَر إلا ما أعانَ عليه، وذنوبُ ابن آدم أكثرُ من أن
يسلم منها إلا ما عفا الله عنه.
وقال الحسن: تنفق
دِينَك في شَهْوتك سَرَفاً، وتمنَعُ في حق الله درهما، ستعلَم بالُكَعُ.
للمسيح عليه السلام
خرج المسيح من بيت مُومسةٍ، فقيل له: يا رُوح الله، ما تصنَع عند هذه. فقال: إنما
يأتي الطبيبُ إلى المَرْضى.
ومر بقوم شَتَموه
فقال خيراً، ومر بآخرين شتمون فقال خيراً؛ة فقال رجل من الحوارِيين: كلما زادوك
شراً زِدت خيراً، كأنك تُغْريهم بنفسك! فقال: كل إنسان يُعطِي مما عنده.
بين أبي حازم وسليمان
بن عبد الملك أخبر أبو حازم سليمانَ بن عبد الملك بوعيد الله للمذنبين؛ فقال
سليمانُ: فأين رحمةُ اللّه؟ قال: قريبٌ من المحسنين.
بين محمد بن كعب وعمر
بن عبد العزيز قال عمرُ بن عبد العزيز لمحمد بن كعب: عِظْني؛ فقال: لا أرضَى نفسي
لك، إني لأصلي بين الغني والفقير، فأمِيل على الفقير واوسَع للغني.
نظرت امرأة إلى أخرى
وحولَها عشرة من وَلَدها كأنهم الصقور، فقالت: لقد وَلَدَتْ أمّكم حزناً طويلاً.
بين فتى يحتضر
ووالديه احتُضِر فتًى كان فيه زهوٌ، فَرفَع رأسَه فإذا أبواه يَبكيان، فقال لهما:
ما يُبكيكما؟ قالا: الخوفُ عليك لإسرافك على نفسك؛ فقال: لا تَبْكيا، فواللّه ما
يَسُرُّني أن الذي بيد الله من الرحمة بأيديكما.
لعلي بن أبي طالب قال
علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهَه: يا بن آدم لا تحمِلْ همً يومك الذي لم يأتِ على
يومك الذي أنت فيه، فإنْ يكُ من أجلك يأتِ فيه رزقُك، واعلم أنك لا تكسِبُ من
المال شيئاً فوق قُوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك.
شعر للنابغة قال
النابغةُ في نحوه:
ولست بحابس لغدٍ
طعاماً ... جذار غدٍ لكل غدٍ طعام
بين حذيفة وسلمان
تذاكر حُذَيْفة وسَلْمان أمرَ الدنيا، فقال سَلْمان: ومن أعجب ما تذاكَرْنا صعودُ
غُنَيماتْ الغامدي سريرَ كِسْرَى، وكان أعرابي من غامدٍ يَرْعَى شُويهاتٍ له، فإذا
كان الليلُ صَيرها إلى عرصة إيوان كسرى، وفي العرصه سريرُ رُخامٍ كان يجلِس عليه
كسرى، فتَصْعَد غُنَيمات الغامدي ذلك السرير.
بين أبي حازم
والشيطان دخل أبو حازم المسجدَ فوَسْوَس إليه الشيطانُ: إنك قد أحدثتَ بعد
وُضُوئك. فقال: وقد بَلَغ هذا من نصحك.
للزبير قال الزبير:
يكفينا من خضمكم القضم، ومن نَضَكم العَنَقُ.
بين أم الدرداء ورجل
قال رجل لأم الدرداء: إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء، أجد قَسْوةً شديدة
وأملاً بعيداً، قالت: إِطًلع في القبور واشهَدِ الموتى.
للربيع بين خيثم قيل
للربيع بن خَيْثَم: لو أرحتَ نفسكَ! قال: راحتَها أريد.
لبعض الصالحين قال
رجل من الصالحين: لو أنزل الله كتاباً أنه معذَب رجلاً واحداً لخِفتُ أن أكونَه،
أو أنه راحم واحداً لرجوتُ أن أكونه، أو أنه مُعَذَبي لا محالةَ ما ازددتُ إلا
اجتهاداً لئلا أرجِعَ على نفسي بلائمة.
لعوف بن أى جميله
أثنى قومٌ على عوف بن أبي جِميلة، فقال لهم: دَعُونا من الثناء، وأمِدُونا بالدعاء.
لبعض العباد في صفة
شر الناس قيل لبعض العُباد: ضنْ شَر الناس، قال: من لا يُبالي أن يراه الناسُ
مسيئاً.
للمِسور بن مخرمة قال
المِسور بن مَخْرَمة: لقد وارت الأرضُ أقواماً لو رأوني معكم لاستحييتُ منهم.
لعلي بن أبي طالب قال
عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: عجبتُ لمن يَهْلِك والنجاة معه. قيل: وما هي.
قال: الاستغفار.
بين سفيان الثوري
وفتى يجالسه كان فتًى يُجالس سُفْيان الثوريَ ولا يتكلمّ، وكان سفيان يحب أن يتكلم
ليسمع كلامه، فمرّ به يوماً فقال: له: يا فتى، إن مَنْ كان قبلَنا مروا على خيل
وبَقِينا على حمير دَبِرة. فقال الفتى: يا أبا عبد الله، إنْ كنّا على الطريق فما
أسرعَ لحُوقَنا بالقوم! للحسن قال الحسن: إن خَفَق النعالُ خلف الرجال قلّ ما
تَلْبَث الحمْقى.
وذُكِر عنده الذين
يلبَسون الصوفَ، فقال: ما لهم تفاقدوا! - ثلاثاً - أكَنُوا الكِبْرَ في قلوبهم
وأظهروا التواضُعَ في لباسهم، والله لأحدُهم أشدُّ عُجْباً بِكسائه من صاحب
المِطرفَ بمطرفه. ودخل عليه رجلٌ فوجد عنده ريح قدْرٍ طَيبة، فقال: يا أبا سعيد،
إنّ قدْرَك لطيبة؛ قال: نعم لا رغيفي مالك وصحناه فرقد.
بين أيوب وأبي قلابة
وقد هرب من تولي القضاء طُلِب أبو قِلَابة للقضاء فلَحِق بالشام هَرَباً، فأقام
حيناً ثم قَدِم البَصْرة؛ قال أيوب: فقلت له: لو أنك وَليتَ القضاءَ وعَدَلتَ بين
الناس رَجَوتُ لك في ذلك أجراً؛ قال لي: يا أيوب، إذا وَقَع السابح في البحر فكم
عسى أن يَسْبَح! بين أبي حازم وامرأة قالت امرأة أبي حازم يوماً له: يا أبا حازم، هذا
الشتاء قد هَجَم ولا بدّ لنا مما يُصلحنا فيه. فذكرتِ الثيابَ والطعامَ والحَطَب؛
فقال: من هذا كله بُدٌ، ولكن خُذي ما لا بدّ منه: الموتَ ثم البعثَ ثم الوقوفَ بين
يَدَي الله تعالى ثم الجنةَ أو النارَ.
شعر لأبي العتاهية
قال أبو العَتَاهِية:
أطع اللّه بجُهْدِكْ
... عامداً أو دون جهدكْ
أعطِ مولاك كما تط
... لب من طاعة عبدِكْ
وقال أيضاً:
أرى اناساً بأدنى الذَين
قد قَنِعوا ... ولا أراهم رَضُوا في العيش بالدون
فاستغْنِ بالدِّين عن
دُنيا الملوكِ كما اس ... تغنى الملوكً بدنياهم عن الدين
شعر لمحمد بن حازم
وقال محمد بن حازم:
ما الفقرُ عارٌ ولا
الغِنَى شرفُ ... ولا سَخَاء في طاعةٍ سَرَفُ
ما لَكَ إلا شيءٌ
تُقَدَمُه ... وكل شيء أخّرتَه تَلَفُ
تَرْكُكَ مالاً
لوارثٍ يته ... ناه وتَصْلَى بحرّه أسَفُ
لأبي العتاهية وقال
أبو العَتَاهِيَة:
ألا إنما التَقْوى هي
العِزُ والكَرَمْ ... وحبُّكَ للدنيا هو الذُّلُّ والندم
وليس على عبِدِ تقي
نقيصة ... إذا صحَحَ التقوى وإن حَاكَ أو حجم
لعلي بن الحسين قال
عليّ بن الحسين: الرضا بمكروه القضاء أرفعُ درجات اليقين.
لابن سيرين قيل لابن
سيرين: ما أشَدَ الورَعَ! قال: ما أيسَرَه! إذا شككتَ في شيء فدَعه بين حذيفة ورجل
يخشى أن يكون منافقاً قال رجل لحُذيْفة: أخشى أن أكونَ منافقاً. فقال: لو كنتَ
مُنافقاً لم تخشَ.
شعر لمحمود الوراق
وقال محمود الوراق:
يا ناظراً يرنُو
بعينَيْ راقدٍ ... ومُشاهِداً للأمر غيرَ مشاهدِ
تصل الذنوبَ إلى
الذنوبِ وترتجي ... دَرَكَ الجِنَانِ بها وفوزَ العابِد
ونسيت أن الله أخرج
آدماً ... منها إلى الدنيا بذنبٍ واحدِ
لوضْاح اليمن وقال
وَضَاخ اليمن:
مَا لكَ وَضاحُ دائمَ
الغَزَل ... ألستَ تخشَى تقارُبَ الأجل
يا موتُ ما إن تزالُ
معترضاً ... لآمل دون منتهى الأمل
تنال كَفّاك كل
مُسْهِلة ... وحُوت بحرٍ ومَعْقِلَ الوَعِل
صل لذي العرِش
واتّخِذْ قَدَماً ... تُنجْيك بعد العشثَار والزلَل
ليوسف عليه السلام
قيل ليوسف عليه السلام: ما لك تجوع وأنت على خزائن الأرض. قال: أخاف أن أشبَع
فأنسَى الجائعَ.
شعر لأمية بن أبي
الصلت وقال أمية بن أبي الصَلْت:
هما طريقان فائز دخلَ
ال ... جنّة حفْتْ به حدائقُها
وفِرقة في الجحيم
مَعْ فرَقٍ الشي ... طان يَشقَى بها مُرَافقُها
تعرِف هذا القلوب حقا
إذا ... همت بخير فما عوائقُها
وصدّها للشقاء عن طلب
ال ... جنة دنيا والله ماحِقُها
عبدٌ دعا نفسَهُ
فعاتبها ... يعلم أن البصيرَ رامقُها
اقترب الوعد والقلوبُ
إلى الل ... هو وحب الحياة سائقُها
ما رغبةُ النفس في
البقاء وأن ... تحيا قليلاً والموتُ لاحقُها
أمَامها قائدٌ إليه
ويح ... دوها حثيثاً إليه سائقها
قد أيقنت أنها تصير
كما ... كان يراها بالأمِس خالقها
وأن ما جَمًعتْ
وأعجبها ... من عيشةٍ مُرةٍ مُفارقها
مَنح لم يمُتْ
عَبْطةً يمت هَرَماً ... للموتِ كأس والمرءُ ذائقها
لبعض الزهاد قال بعض
الزهاد: إن صفاء الزهد في الدنيا وكمالَه ألا تأخذ من الدنيا شيئاً ولا تتركه إلا
الله، فإذا كنت كذلك كان أخْذُكَ تركاً ومعاملتُك لله فيها رِبحاً، وإن صفاء
الرغبة في الدنيا وكمالَها تأخذ منها شيئاً ولا تتركه إلا لها، فإذا كنت كذلك كان
تركُكَ أخذاً وفوتُ ما فات عليك منها حي لرجل حبسه بعض الملوك ثم غفل عنه حَبَس
بعضُ الملوك رجلاً ثم غَفَل عنه إلى أن مَضَى عليه زمان؛ فقال للموكَل به: قل له:
إن كل يوم يمضِي من نعيمك يمضي من بؤسي، والأمرُ قريبٌ، والحَكَمُ الله عز وجل. والسلام.
بسم الله الرحمن
الرحيم
كتاب الإخوان
الحث على اتخاذ الإخوان
واختيارهملبعض الأدباء ينصح ابنه ويحثه على اتخاذ الأصدقاء حدثنا سهل بن محمد قال:
حدثنا الأصمعي قال: أخبرنا العجليّ قال بعض الأدباء لابنه: يا بنيّ، إذا دخلت
المصر فاستكثر من الصديق فأما العدو فلا يهمنّك؛ وإياك والخطب فإنها مشوار كثير
العثار.
نصيحة النبي داود
لابنه سليمان عليهما السلام قال: وبلغني عن الأوزاعي عن يحيى بن كثير: أن داود
النبي عليه السلام قال لابنه سليمان عليه السلام: " يا بنيّ، لا تستبدلنّ
بأخٍ لك قديم أخاً مستفاداً ما استقام لك، ولا تستقلّنّ أن يكون لك عدوٌ واحدٌ، ولا
تستكثرنّ أن يكون لك ألف صديق " لبعضهم في طلب الإخوان وعدم التفريط بهم وكان
يقال: أعجز الناس من فرّط في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم.
في الأثر وفي الحديث
المرفوع: " المرء كثيرٌ بأخيه " شعر لابن الأعرابي وأنشد ابن الأعرابيّ:
لعمرك ما مال الفتى
بذخيرةٍ ... ولكنّ إخوان الثقات الذخائر
لأبي الجراح العقيلي
في الاستكثار من الإخوان قال أبو الجرّاح العقيلي: وجدت أعراض الدّنيا وذخائرها
بعرض المتالف إلا ذخيرة الأدب وعقيلة الخلّة، فاستكثروا من الإخوان واستعصموا بعرا
الأدب وكان يقال: الرجل بلا إخوان كاليمين بلا شمال شعر لبعضهم قال الشاعر:
إذا لم يكن للقوم عزّ
ولم يكن ... لهم رجلٌ عند الإمام مكين
فكانوا كأيدٍ أوهن
اللّه بطشها ... ترى أشملاً ليست لهنّ يمين
لأيوب السختياني قال
أيوب السّختياني: إذا بلغني موت أخٍ فكأنما سقط عضوٌ مني.
شعر للقطامي، ولغيره
وقال القطامي:
وإذا يصيبك والحوادث
جمةٌ حدثٌ حداك إلى أخيك الأوثق
وقال آخر::
أخاك أخاك إنّ من لا
أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح
وإنّ ابن عمّ المرء
فاعلم جناحه ... مهل ينهض البازي بغير جناح
وقال الثّقفيّ:
من كان ذا عضدٍ يدرك
ظلامته ... إنّ الذليل الذي ليست له عضد
تنبو يداه إذا ما قلّ
ناصره ... ويأنف الضّيم إن أثري له عدد
وقال آخر:
وبغضاء التقّي أقلّ
ضيراً ... وأسلم من مودّة ذي الفسوق
ولن تنفكّ تحسد أو
تعادى ... فأكثر ما استطعت من الصّديق
كتاب الفضل بن سيار
إلى الفضل بن سهل شعراً وكتب الفضل بن سيّار إلى الفضل بن سهل:
يا أبا العباس إنّي
ناصحٌ ... لك والنصح لذي الودّ كبير
لا تعدنّ ليوم صالح
... إنّ إخوانك في الخير كثير
وليكن للشرّ ما
أعددتهم ... إنّ يوم الشرّ صعبٌ قمطرير
هذه السّوق التي
آملها ... يا أبا العباس والعمر قصير
للمأمون في طبقات
الإخوان قال المأمون: الإخوان ثلاث طبقات: طبقةٌ كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقةٌ
كالدواء لا يحتاج إليه إلا أحياناً، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبداً للحسن بن
علي في الاختلاف إلى المسجد
قال: حدثني سعيد بن
سليمان قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سعيد بن طريف عن عمير بن المأمون قال: سمعت
الحسن بن عليّ يقول: من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثماني خصال: آيةً محكمةً،
وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمةً منتظرةً، وكلمةً تدلّه على هدىً أو تردعه
عن ردىً، وترك الذنوب حياءً أو خشيةً.
أقوال في الصاحب قال:
وحدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه قال: كان يقال: الصاحب رقعةٌ في قميص الرجل،
فلينظر أحدكم بم يرقع قميصه.
وحدثني أبو حاتم عن
الأصمعيّ عن أبيه أنه قال: كان يقال: ما وجدنا شيئاً أبلغ في خير أو شرّ من صاحب.
وحدثني الرياشيّ عن
الأصمعيّ قال: حدثنا سليمان بن المغيرة قال: قال يونس: اثنان ما في الأرض أقلّ
منهما ولا يزدادان إلا قلّةً: درهمٌ يوضع في حقٍّ، وأخٌ يسكن إليه في اللّه علقمة
بن لبيد ينصح ابنه وحدّثني شيخ لنا عن محمد بن مناذر عن سفيان بن عيينة قال: قال:
علقمة بن لبيد العطارديّ لابنه: يا بنيّ، إذا نزغتك إلى صحبة الرجال حاجةٌ، فأصحب
منهم من إن صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن أصابتك خصاصةٌ مانك؛ وإن قلت صدّق
قولك ، وإن صلت شدّ صولك؛ وإن مددت يدك بفضلٍ مدّها، وإن رأى منك حسنةً عدّها؛ وإن
سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك، وإن نزلت بك إحدى الملمّات آساك؛ من لا يأتيك منه
البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق؛ وإن حاول حويلاً
آمرك، وإن تنازعتما منفساً آثرك.
القرظي لعمر بن
العزيز قال محمد بن كعب القرظي لعمر بن عبد العزيز: إنّ فيك جهلاً، فداو بعض ما
فيك ببعضٍ، وآخ من الإخوان من كان ذا مغلاةٍ في الدّين ونّيةٍ في الحق، ولا تؤاخ منهم
من تكون منزلتك عنده على قدر حاجته إليك، فإذا قضى حاجته منك ذهب ما بينك وبينه.
وإذا غرست غراساً من المعروف فلا تبقيّن أن تحسن تربيته.
للأحنف بن قيس في خير
الإخوان وقال الأحنف بن قيس: خير الإخوان من استغنيت عنه لم يزدك في المودّة، وإن
احتجت إليه لم ينقصك منها، وإن عثرت عضدك، وإن احتجت إلى مؤونته رفدك.
وقال الشاعر:
إنّ أخاك الصّدق من
لم يخدعك ... ومن يضرّ نفسه لينفعك
ومن إذا ريب زمانٍ
صدعك ... شتت شمل نفسه ليجمعك
وإن رآك ظالماً سعى
معك
شعر لحجيّة بن
المضرّب وقال حجية بن المضّرب:
أخوك الذي إن تدعه
لملمةٍ ... يجبك وإن تغضب إلى السّيف يغضب
وكتب رجلٌ إلى صديق
له: أنت كما قال أعشى بأهلة:
من ليس في خيره منّ
فيفسده ... على الصّديق ولا في صفوه كدر
وليس فيه إذا
استنظرته عجلٌ ... وليس فيهأذا ياسرته عسر
لعلي بن أبي طالب
كرّم اللّه وجهه وقال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه:
أخوك الذي إن أحوجتك
ملمةٌ ... من الدّهر لم يبرح لها الدّهر واجما
وليس أخوك الحقّ من
إن تشعّبت ... عليك أمورٌ ظلّ يلحاك لائما
وقال آخر:
إذا كان إخوان الرجال
حرارةً ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب
لنا جانبٌ منه دميثٌ
وجانبٌ ... إذا رامه الأعداء مركبه صعب
وتأخذه عند المكارم
هزّةٌ ... كما اهتزّ تحت البارح الغصن الرطب
وقال آخر:
أبكي أخاً يتلقّاني
بنائله ... قبل السؤال ويلقى السّيف من دوني
إنّ المنايا أصابتني
مصائبها ... فاستعجلت بأخٍ قد كان يكفيني
من كتاب الهند وقرأت
في كتاب للهند: رأس الموّدة الإسترسال لأكثم بن صيفيّ وقال أكثم بن صيفيّ: من
تراخى تألف، ومن تشدّد نفرّ، والشرف التغافل.
لحاتم في العاقل وقال
حاتم: العاقل فطنٌ مغافلٌ.
من كتاب الهند في
علامة الصديق، وشعر للعتابي في ذلك وقرأت في كتاب للهند: من علامة الصديق أن يكون
لصديق صديقه صديقاً ولعدوّ صديق عدواً.
قال العتابي في ذلك:
تودّ عدوّي ثم تزعم
أنّني ... صديقك، إن الرأي عنك لعازب
وليس أخي من ودّني
رأي عينه ... ولكن أخي من صدّقته المغايب
لبزر جمهر قيل لبزر
جمهر: أخوك أحبّ إليك من صديقك؟ قال: إنما أحبّ أخي إذا كان صديقاً.
لبعضهم التالي بمشيئة الله ج5.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق